









الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (1343- 1436هـ/1924 - 2015م)، هو سادس ملوك المملكة العربية السعودية،عُرف بـ "ملك الإنسانية"، بُويع ملكًا بعد وفاة أخيه الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود في عام 1426هـ/2005م، واستمر في الحكم نحو عشرة أعوام، وتبعه في الحكم ولي عهده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
يُعد الملك عبدالله أول حاكم سعودي يتعاقب على ولاية عهده ثلاثة إخوة من الأمراء، هم: سلطان،ونايف،وسلمان، أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.كما يعد صاحب أطول فترة ولاية عهد، حيث بقي وليًّا للعهد في حكم الملك فهد مدة تصل إلى 24 عامًا.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز
مولد الملك عبدالله وحياته
هو عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود، الابن العاشر للملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ولد في مدينة الرياض عام 1343هـ/1924م، وهو العام الذي دخل فيه والده إلى مكة المكرمة، والدته هي الأميرة فهدة بنت العاصي الشريم، سليلة أسرة من كبار الأسر في قبيلة شمّر، وعُرف والدها بالشجاعة والفروسية وتمثيل القيم العربية الأصيلة. توفيت والدة الملك عبدالله عندما بلغ العاشرة من العمر، وعاش في كنف والده الملك المؤسس الذي أولى أبناءه كل الرعاية والاهتمام.
تعليم الملك عبدالله وثقافته
تلقى الملك عبدالله تعليمه المبكر في مدرسة قصر الحكم، وهي المدرسة التي أنشأها الملك المؤسس عبدالعزيز لتعليم أبنائه، وقد ضمت كوكبة من علماء الدين والأساتذة، إذ تعلموا فيها القرآن الكريم والعلوم الشرعية، واللغة العربية والخط، والرياضيات، وكان الملك المؤسس يتابع شخصيًّا تعليم أبنائه وتطورهم الدراسي، ويوجّه المعلمين لمضاعفة الجهد في تعليمهم، كما كان يشجعهم على القراءة وحفظ القرآن والاستماع إلى معلميهم من العلماء والأساتذة، وكان من عادة الملك عبدالعزيز أن يقيم حفلًا كبيرًا كلما أتم أحد أبنائه حفظ القرآن الكريم، وكان حفل الملك عبدالله في 1354هـ/1935م، واستمر لمدة ثلاثة أيام.
اكتسب الملك عبدالله خبرة اجتماعية من والده الملك المؤسس، استعان بها في مجالات الحكم والسياسة والإدارة والقيادة، ولازم عددًا من المشايخ واستفاد منهم في التعليم والتوجيه، كما كان مهتمًّا بمجالسة العلماء والمفكرين في الداخل والخارج، إلى جانب ثقافته المستمدة من التعليم الذاتي من خلال قراءاته المتعددة في كل المجالات.
سمات الملك عبدالله الشخصية
عُرف عن الملك عبدالله بن عبدالعزيز حبه للعدل والنزاهة، وبُعده عن الظلم والتعالي، بحسب ما تذكره المواقف التي جسّدت تطبيقه للعدل والإنصاف، ومن صفاته: المروءة وإنكار الذات، والعفو والتسامح، والعطف على المحتاجين والفقراء، كما عُرف عنه تواضعه وتلمّسه لحاجات الناس عن قُرب، حيث كان يذهب إلى الأحياء الفقيرة بنفسه ويقابل المحتاجين داخل منازلهم، ويتحدث إليهم ليعرف احتياجاتهم ويأمر بتحسين أوضاعهم، كما عُرف عنه محبته للعلم والعلماء، واهتمامه بالباحثين والمتميزين والمخترعين والمؤسسات العلميّة والأكاديميّة.

هوايات الملك عبدالله
أولى هوايات الملك عبدالله بن عبدالعزيز كانت القراءة وحب الاطلاع، أما الهواية الثانية فهي حبه الشديد للصحراء، إذ كان يخرج إليها كثيرًا كلما وجد متسعًا من الوقت، ومن هواياته المفضلة الفروسية، وهي رياضة تعكس اهتمام الملك عبدالله بإحياء التراث العربي الأصيل، إذ كان يجمع الخيل الأصيلة في أعراقها ويحتفظ بها لنفسه، وحرصًا منه على عدم اندثار هذه الرياضة، وألا تفقد الخيل أصالتها وخصائصها العربية؛ أسّس نادي الفروسية في مدينة الرياض، وشجّع الآخرين على المحافظة على هذه الرياضة الأصيلة.
المناصب الرسمية قبل تولّي الحكم
رئاسة الحرس الوطني
تقلّد الملك عبدالله مناصب رفيعة قبل توليه الحكم، من ضمنها رئاسة الحرس الوطني، إذ أصدر الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود مرسومًا ملكيًّا في 10 رمضان 1382هـ/4 فبراير 1963م، يقضي بتعيين الملك عبدالله (الأمير آنذاك) أميرًا للحرس الوطني، وهو أحد أفرع القوات المسلحة السعودية التي تأسست في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز من أبناء الرجال الذين ساندوه في مرحلة تأسيس وتوحيد وبناء المملكة، وشهد الحرس الوطني بعد رئاسة الملك عبدالله له انطلاقة كبرى في مسيرته.

عهد جديد للحرس الوطني
منذ تولي الملك عبدالله قيادة الحرس الوطني عمل على تطويره تطويرًا نوعيًّا، لينتقل من مرحلة الألوية التي كان يتألف منها، إلى منظومة حديثة متكاملة، من هنا تشكّلت فرقة فدائيين طُورت فيما بعد إلى جهاز عسكري متكامل يمثّل الأركان العامة للحرس، إلى جانب ابتعاث عدد من العسكريين لاستكمال دراساتهم العليا في المعاهد الخارجية، كما تعاقدت قيادة الحرس الوطني مع خبراء لتطوير الجهاز العسكري والإداري ليتخذ صفة نظاميّة حديثة، إضافة إلى تجهيز الحرس بأحدث الأسلحة والمعدات المناسبة. ولحرص الملك عبدالله على تدريب الكوادر السعودية في الحرس الوطني، ضمّ الحرس منذ فترة مبكرة مدارس فنية وعسكرية تستقبل المتقدمين للانضمام إليها وكانوا غالبًا من أبناء البادية.
تطوّرت المدارس الفنية للحرس الوطني فيما بعد، وتأسست كلية عسكرية متطورة في 1401هـ/1980م سُميت باسم الملك خالد، لتصبح "كلية الملك خالد العسكرية" وتختص بتخريج ضباط الحرس الوطني وتأهيلهم مثل بقية الكليات في الجيش والأمن السعودي، وإضافة إلى مهامها في تأهيل الطلاب المتقدمين لها، فهي تقدّم دورات للطلاب الجامعيين الراغبين في الانضمام إلى الحرس الوطني.
ومن جوانب التطوّر التي اشتهر بها الحرس الوطني تحت قيادة الملك عبدالله الجانب الطبي، إذ أنشئت مدينتان طبيتان في الرياض وجدة، مع عدد من المستشفيات عالية الكفاءة ضمن المدينتين، كان الهدف من إنشائها تقديم الخدمة لمنسوبي الحرس، لكنّ المدينتين والمستشفيات لم تكتفِ بخدمة منسوبي الحرس وحسب، بل قدّمت خدماتها للمواطنين السعوديين القادمين لها من أنحاء المملكة، وحين أضيفت "جامعة الملك سعود بن عبدالعزيز للعلوم الصحية" إلى منظومة النشاط الطبي في تلك المنشآت؛ اكتسب النشاط بُعدًا علميًّا وتدريبيًّا مهمًّا.
كان من الإنجازات الطبية الكبيرة في الحرس الوطني عمليات فصل التوائم السيامية التي تقدم مجانًا للسعوديين وغير السعوديين من جميع دول العالم، واعتنى الملك عبدالله شخصيًّا بتلك الخطوة التي ميزت النشاط الطبي السعودي عمومًا والحرس الوطني بشكلٍ خاص، بوصفها خدمة إنسانية أولًا، ومظهرًا لتطور الخبرات الطبية السعودية ثانيًا، وتواصلت العمليات عبر أعوام عدّة، واستمرت تُجرى بتوجيه متواصل منه حتى بعد توليه مقاليد الحكم في المملكة، وحظيت العمليات برعاية ملكية شخصية تبلورت في إنشاء مركز متخصص لفصل التوائم، وعرف عن الملك عبدالله حرصه على زيارة المركز والاطمئنان على صحة التوائم وتوفير الراحة لأهاليهم.
النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء
إلى جانب تولي الملك عبدالله (حين كان أميرًا) رئاسة الحرس الوطني، عين من قِبل الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء عام 1395هـ/1975م.
ولاية العهد
في 21 شعبان 1402هـ/13 يونيو 1982م تُوفي الملك خالد، وبويع أخوه الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود ملكًا على المملكة، وفي الوقت نفسه بُويع الملك عبدالله (الأمير آنذاك) وليًّا للعهد إلى جانب بقائه رئيسًا للحرس الوطني، وأصدر الملك فهد مرسومًا ملكيًّا بتعيينه النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، واستمر في ولاية العهد 24 عامًا.
تولي شؤون الدولة نيابة عن الملك فهد
تنقسم مدة ولاية العهد التي قضاها الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى فترتين، الأولى منذ مبايعته بالمنصب حتى 1416هـ/1995م، وهي نحو 13 عامًا،أما الفترة الثانية فتمتد من ذلك العام حتى 1426هـ/2005م نحو 10 أعوام،وهي المدة التي كُلّف فيها الملك عبدالله بإدارة شؤون البلاد إثر الظروف الصحيّة التي ألمّت بالملك فهد آنذاك، وذلك بتفويض من الملك فهد في 11 شعبان 1416هـ/2 يناير 1996م، إذ ينصّ نظام الحكم في السعودية على أن يتولى ولي العهد تصريف أمور الدولة في حال غياب الملك، وهي الفترة التي برزت فيها جهود الملك عبدالله بشكل واضح في مسيرة المملكة داخليًّا وخارجيًّا. وتولّى إدارة الشؤون اليومية للمملكة في الداخل، وتمثيل المملكة في الزيارات والمؤتمرات الخارجية، وإجراء المباحثات، وتوقيع الاتفاقيات مع رؤساء ومسؤولي دول العالم، وأثبتت تلك الفترة استمراره في نهج والده المؤسس وإخوته الملوك في السياسة الداخلية والخارجية.

الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملكًا للمملكة العربية السعودية
تولي الملك عبدالله مقاليد الحكم
بُويع الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملكًا للمملكة العربية السعودية في 26 جمادى الآخرة 1426هـ/2 أغسطس 2005م، بعد وفاة أخيه الملك فهد بن عبدالعزيز. وبعد توليه الحكم، أصدر الملك عبدالله مرسومًا ملكيًّا بتعيين الأمير سلطان بن عبدالعزيز وليًّا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء، إضافة إلى منصبه وزيرًا للدفاع والطيران ومفتشًا عامًّا. وبعد ست سنوات توفي الأمير سلطان في 24 ذي القعدة 1432هـ/22 أكتوبر 2011م إثر مرض ألمّ به، واختار الملك عبدالله الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية آنذاك وليًّا للعهد، بعد مشورة من رئيس وأعضاء هيئة البيعة، وبعد 8 أشهر من توليه المنصب توفي الأمير نايف، وعلى إثر ذلك صدر قرار الملك عبدالله في 28 رجب 1433هـ/18 يونيو 2012م بتعيين الأمير سلمان (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حاليًا) وليًّا للعهد إلى جانب توليه وزارة الدفاع، التي تولاها بعد وفاة أخيه الأمير سلطان، وفي 26 جمادى الأولى 1435هـ/27 مارس 2014م، أصدر الملك عبدالله أمرًا ملكيًّا بتعيين الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليًّا لولي العهد، مع بقائه نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء.
مواقف في السياسة الخارجية
حفل عهد الملك عبدالله بنشاط سياسي كان له تأثير في علاقات المملكة الخارجية، وفي مجريات الأحداث الدوليّة، واتسعت تلك العلاقات وأظهرت المملكة من خلال اتصالات المسؤولين أو من خلال المؤتمرات المنعقدة داخليًّا وخارجيًّا تأثيرها الواسع على الساحة الدولية، وكان للقضايا المصيرية في التاريخ العربي والإسلامي المعاصر أهميتها في ذلك النشاط السياسي والدبلوماسي، مثلما كان للقضايا الإقليمية التي تمس دول مجلس التعاون سواء عربيًّا أو دوليًّا أهميتها الخاصة.
وحرص الملك عبدالله على دعم التوجهات السلميّة، وتثبيت دعائم الأمن والإصلاح في البلاد العربية، وكان على رأس أولوياته أمن دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك استمرارًا لنهج المملكة في سياساتها ومواقفها تجاه أمن الخليج وسلامته، والتزم الملك عبدالله بسياسة المملكة الثابتة تجاه استقرار الخليج واستقلاله.
أبرز التنظيمات الإدارية
أصدر الملك عبدالله أمرًا ملكيًّا في 1432هـ/2011م يقضي بإنشاء "الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد"، لترتبط تنظيميًّا مباشرة بالملك، وتشمل مهامها القطاعات الحكومية بلا استثناء، وتسند إليها مهام متابعة تنفيذ الأوامر والتعليمات الخاصة بالشأن العام، ويدخل في اختصاصها حماية النزاهة، ومتابعة أوجه الفساد الإداري والمالي بكل صوره ومظاهره وأساليبه.
كما أصدر أمرًا ملكيًّا في 26 رمضان 1427هـ/19 أكتوبر 2006م، يختص بتنظيم إجراءات انتقال المُلك وتعيين ولاية العهد في المملكة، وهو "نظام هيئة البيعة"، وتشكيل هيئة مكونة من: أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وأحد أبناء كل متوفى أو معتذر أو عاجز يعينه الملك من أبناء الملك المؤسس على أن يكون مشهودًا له بالصلاح والكفاية، واثنين يُعينهما الملك، أحدهما من أبنائه والآخر من أبناء ولي العهد، ويكون مشهودًا لهما بالصلاح والكفاية. وعند وفاة الملك تدعو الهيئة إلى مبايعة ولي العهد ملكًا على البلاد وفقًا لهذا النظام والنظام الأساسي للحكم، ويختار الملك بعد مبايعته وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة واحدًا أو اثنين أو ثلاثة ممن يراه لولاية العهد، ويُعرض هذا الاختيار على الهيئة، لترشح واحدًا من هؤلاء بالتوافق يُسمى وليًّا للعهد، وفي حالة عدم ترشيح الهيئة لأي من هؤلاء فعليها ترشيح من تراه وليًّا للعهد.
المنجزات الحضارية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز
خدمة الحرمين الشريفين
يعد مشروع توسعة المسعى أحد المشاريع التي شهدها المسجد الحرام خلال حكم الملك عبدالله، وبدأ العمل بالمشروع في 21 محرم 1428هـ/9 فبراير 2007م، وحقق إنجاز هذه المنشأة أهدافًا، منها: زيادة الطاقة الاستيعابية للمسعى، وتسهيل تنقّل المعتمرين داخل مرافقه، إضافة إلى ضمان أمنهم وسلامتهم أثناء الحركة، وتوفير مسارات خاصة بذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن، وتقدّر مساحة الدور الواحد في المسعى الجديد بـ 18 ألف م2، في حين يصل إجمالي مساحة المسعى إلى 87 ألف م2، وتقدر طاقته الاستيعابية بـ 118 ألف شخص في الساعة، وتبلغ مسطحات البناء الإجمالية بكافة أدوار المسعى وخدماته المساندة نحو 125 ألف م2، وتميزت أعمال التطوير بإضافتها لمجموعة من الخدمات الحيوية المساندة، مثل تكييف أدوار المسعى ومرافقه، وتركيب مراوح حديثة لتحسين الهواء بالمواقع المختلفة، إضافة إلى تجهيز سقف الهرولة بوحدات إضاءة خضراء اللون، ونظام لوحات إرشادية لتسهيل توجيه الحجاج والمعتمرين وسلامتهم.
أعقب توسعة المسعى مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لتوسعة المسجد الحرام وساحاته الشمالية، وبدأ العمل به في شوال 1431هـ/سبتمبر 2010م، بهدف تنفيذ توسعة من الجهة الشمالية المعروفة بـ"الشاميّة"، بمساحات ملائمة وكافية لخدمة الأعداد المتزايدة من الحجاج لتكون حلًا بعيد المدى، ووسعت الساحات بشكل دائري في كافة الاتجاهات لتتلاءم مع اتجاه القبلة وحركة المصلين، وتأمين عدد إضافي من المداخل الرئيسة والثانوية والفرعية؛ وتوزيعها على واجهات التوسعة على نحو يتناسب مع الأعداد المتوقعة للمصلين، إضافة إلى توفير صالات للصلاة داخل مباني التوسعة تتسع لنحو 300 ألف مصل، وأخرى خارجية تتسع لنحو 314 ألف مصل، لتتجاوز القدرة الاستيعابية للتوسعة 600 ألف مصل، كما تشتمل التوسعة على مبنى للخدمات والمصاطب يحوي ستة أدوار متصلة بشكل غير مباشر بمبنى الحرم بواسطة أربعة جسور زودت بأعداد كبيرة من دورات المياه، وشمل المشروع تركيب أعمدة للإنارة موزعة في الساحات، وتأمين أعداد كافية من نوافير مياه شرب زمزم بالساحات تترافق بأنظمة لجمع المخلفات بالساحات، وإضافة دورات مياه وأماكن للوضوء تتناسب مع الأعداد المتوقعة والمتزايدة للمصلين وقاصدي المسجد الحرام.
كما شهد عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز مشروع زيادة الطاقة الاستيعابية للمطاف، والذي يمثّل التوسعة الأكبر قياسًا بما سبقها، وبدأ المشروع 1 محرم 1434هـ/15 نوفمبر 2012م،ليستوعب المطاف بعد أن انتهى تنفيذه وما يتصل به لنحو 105 آلاف طائف في الساعة، مقارنة بـ 48 ألفًا في الساعة سابقًا، فإضافة إلى زيادة الطاقة الاستيعابية في المسجد الحرام للطائفين؛ هدفت التوسعة إلى تقليل الازدحام داخل المسجد، والاعتناء بحركة الحجيج والمعتمرين والزائرين، وتسهيل دخولهم وخروجهم، إضافة إلى توفير مسارات محددة منفصلة لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن وتطوير نظام آلي لخدمتهم، كما شمل مشروع التوسعة مجموعة من الخدمات النوعيّة اللازمة، مثل: تلطيف هواء المطاف والتوسعة السعودية الأولى، كما روعي في أعمال التوسعة فصل حركة مستخدمي العربات من ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن عن الطائفين في صحن الطواف طيلة مدة تنفيذ المشروع من خلال تنفيذ مطاف موقت في حلقة دائرية تُحاذي الرواق القديم بعرض 12م.
وضمن اهتمام الملك عبدالله بالحرمين الشريفين، جاء مشروع "وقف الملك عبدالعزيز للحرمين الشريفين"، الذي أمر بتنفيذه وفقًا للطابع المعماري الإسلامي، ويتكون من سبعة أبراج بمساحة إجمالية تصل إلى مليون و500 ألف م2 وتقدر طاقته الاستيعابية بنحو 65 ألف شخص.
وفي المسجد النبوي الشريف دشن الملك عبدالله بن عبدالعزيز خلال زيارته للمدينة المنورة في 8 ذي القعدة 1433هـ/24 سبتمبر 2012م، مشروع توسعة للمسجد النبوي الشريف بما يجعله يستوعب نحو 2.8 مليون مصل، مع ما يصاحب ذلك من خدمات، ونفذ المشروع على ثلاث مراحل، تتسع المرحلة الأولى منها 800 ألف مصل، وفي المرحلتين الثانية والثالثة توسعة الساحتين الشرقية والغربية للحرم لتستوعب 800 ألف مصل إضافيين، وتشمل هذه التوسعة التاريخية مسطحات بناء إجمالية تقدر بنحو مليون م2، مع إضافة بوابة رئيسة للتوسعة الجديدة بمنارتين، وأربع منارات جانبية على أركان التوسعة والساحات، وبطاقة استيعابية تتسع لأكثر من 1.6 مليون مصل.

تطوير المشاعر المقدسة
امتدت رعاية الملك عبدالله لتشمل المشاريع والخدمات المقدمة في المشاعر المقدسة، وأهمها جسر الجمرات، الذي شهد أكبر توسعة عاشتها المشاعر المقدسة، وأمر بها في ذي الحجة عام 1427هـ/ديسمبر 2006م، ليتكون الجسر من أربعة طوابق إضافة إلى الدور الأرضي، تقدر الطاقة الاستيعابية لكل طابق من طوابق الجسر بـ125 ألف حاج في الساعة كحد أقصى في ساعات الذروة، لتصبح كامل الطاقة الاستيعابية للجسر أكثر من 500 ألف حاج في الساعة، كما رُوعي في تصميم الجسر أن يكون قابلًا لإضافة أدوار أخرى عند الحاجة لذلك في الأعوام المقبلة، وتأسست قواعد الجسر لتحتمل 12 طابقًا.
كما انطلق مشروع "قطار المشاعر المقدسة" الذي يربط مكة المكرمة بالمشاعر المقدسة؛ منى، وعرفات، ومزدلفة، وبلغت تكلفته 6.7 مليارات ريال، وبدأ العمل على تنفيذه من قِبل الشركة الصينية لإنشاء السكك الحديدية السعودية المحدودة في 1430هـ/2009م، وبدأ تشغيله في 1431هـ/2010م، بعد عامين من بدء المشروع، وهو قطار كهربائي ترددي صمم ليخدم ضيوف الرحمن في موسم الحج من كل عام، ويعمل القطار على خط حديدي يبلغ طوله 18 كلم، ينطلق من منطقة تخزين القطارات مرورًا بتسع محطات، ثلاث منها في مشعر عرفات، وثلاث في مشعر مزدلفة، وثلاث في مشعر منى تقع بجوار جسر الجمرات، وتبلغ سرعة القطار 80 كلم في الساعة، ويقطع المسافة بين منى وعرفات في نحو 20 دقيقة.
ونال مشروع قطار المشاعر العديد من الجوائز، منها: جائزة فرانس إيدل مان أوارد بالولايات المتحدة الأمريكية لأفضل البحوث التطبيقية والتشغيلية، كما اختير من قِبل منظمة الاتحاد الدولي للاستشارات الهندسية من بين أفضل 24 مشروعًا على مستوى العالم خلال المئة عام الماضية، ويتكون أسطول قطار المشاعر المقدسة من 17 قطارًا، تبلغ الطاقة الاستيعابية للقطار الواحد 3 آلاف راكب، وسعة القطار المقعدية تبلغ 20% من مجموع ركابه، لتبلغ بذلك طاقة قطار المشاعر المقدسة الاستيعابية 72 ألف راكب في الساعة الواحدة، ويسهم في نقل ما يزيد على 350 ألف حاج في حركته لنقل الحجاج بين المشاعر المقدسة.
وفي عام 1431هـ/2010م، دُشن مشروع الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسقيا زمزم، بهدف توفير سبل الراحة لحجاج بيت الله الحرام وتوفير عبوات ماء زمزم لهم بسهولة ودون أي عناء، وفق معايير عالية من النقاء والتعقيم، ويعمل مشروع السقيا بطريقة منظمة وميسرة من خلال 12 نقطة توزيع، وطاقة استيعابية 5 آلاف م3 من مياه زمزم، وإنتاج 200 ألف عبوة بلاستيكية يوميًّا.
الخدمات الاجتماعية
اهتم الملك عبدالله بإيجاد حلول عاجلة للبطالة في المجتمع السعودي، وذلك بدعم البنك السعودي للتسليف والادخار (سابقًا)، بنك التنمية الاجتماعية (حاليًا)، وتمكينه من تلبية طلبات القروض الاجتماعية وتمويل ورعاية المنشآت الصغيرة والناشئة وأصحاب الحِرف والمهن من المواطنين، لمزاولة أعمالهم بأنفسهم، وتوفيرًا لفرص العمل لهم وتنفيذ برامج للتوفير والادخار لذوي الدخل المنخفض من المواطنين، ولتحقيق هذه المستهدفات رُفع رأسمال البنك بمبلغ 20 مليار ريال، وأضيفت الوديعة التي وضعها لدى البنك البالغ مقدارها 10 مليارات ريال إلى رأسمال البنك ليصبح مجموع زيادة رأسماله 30 مليار ريال.
وأمر الملك عبدالله بإعفاء جميع المتوفين من أقساط قروض البنك الخاصة بالأغراض الاجتماعية دون أي شروط، وإعفاء جميع المقترضين من البنك الخاصة بالأغراض الاجتماعية من الأقساط لمدة عامين، ولتحقيق الاكتفاء لمستحقي الضمان الاجتماعي، أمر برفع الحد الأعلى لعدد الأفراد في الأسرة التي يشملها الضمان الاجتماعي من 8 أفراد إلى 15 فردًا، وتخصيص مليار ريال لهذا الغرض، وتفعيل البرامج المساندة في الضمان الاجتماعي ودعمها، وتخصيص 3.5 مليارات ريال لهذا الغرض، وزيادة مخصصات الإعانات التي تقدم للجمعيات الخيرية من الدولة بنسبة 50% لتصبح سنويًّا 450 مليون ريال، ودعم الجمعيات التعاونية بمبلغ 100 مليون ريال سنويًّا.
وانطلاقًا من أهمية توفير السكن للمواطنين، وجّه الملك عبدالله بدعم ميزانية الهيئة العامة للإسكان التي تحوّلت فيما بعد إلى وزارة الإسكان بمبلغ 15 مليار ريال، وتثبيت بدل غلاء المعيشة بمقدار 15% ضمن الراتب الأساسي للمواطنين، واعتماد الحد الأدنى لرواتب فئات العاملين في الدولة كافة من السعوديين بثلاثة آلاف ريال شهريًّا، وزيادة المزايا المالية للموظفين من انتداب وبدل نقل ومكافأة نهاية الخدمة، وتثبيت كل المواطنين والمواطنات المُعينين على كل البنود ممن يتقاضون رواتبهم من ميزانية الدولة، واعتماد صرف مُخصص مالي قدره 2000 ريال شهريًّا للباحثين عن عمل في القطاعين العام والخاص، واستحداث 60 ألف وظيفة عسكرية لوزارة الداخلية.
القطاع الصحي
شهد القطاع الصحي في المملكة تطورًا كبيرًا في عهد الملك عبدالله، وتوسعت الخدمات الصحية، وهذا ما أكّد عليه عندما قال: "عندما يتعلق الأمر بصحة الناس فلا يوجد شيء غالي الثمن"، كما صدر "النظام الصحي السعودي" الذي تفرّع عنه مجلس الخدمات الصحية،ونظام "التأمين الصحي التعاوني"، لتقديم خدمات صحية عالية المستوى والجودة للمواطن والمقيم في المملكة، وأحقيتهما المطلقة بالعلاج في أي مرفق صحي داخل المملكة دون قيود أو شروط.
وفي سياق المنشآت الطبية الكبرى، أصدر الملك عبدالله، عندما كان وليًّا للعهد، أمره بتشغيل مدينة الملك فهد الطبية بالعاصمة الرياض عام 1425هـ/2004م، وهي مدينة طبية تعد من أكبر المدن الطبية على مستوى الشرق الأوسط، وتحتوي على مستشفيات تخصصية، وكلية طب، وبلغت تكلفة إنشائها أكثر من ملياري ريال، وطاقة مستشفياتها 1,450 سريرًا، لتصبح مرجعًا صحيًا لسكان الرياض وما جاورها، وصرحًا طبيًّا مهما على مستوى الشرق الأوسط، كما أنشئت وافتتحت مستشفيات تخصصية متعددة في أرجاء المملكة، مثل: مستشفى الملك فهد التخصصي بالدمام، ومستشفى الملك فهد التخصصي بالقصيم، ومستشفى حائل التخصصي، وغيرها من المرافق الصحية المتطورة التي رُصد لها نحو 10 مليارات ريال.
وعلى مستوى الأبحاث الطبية والتطبيقية في العلوم الصحية، وجّه الملك عبدالله بإنشاء مركز عالمي متخصص في الأبحاث الطبية يحمل اسمه، ليكون مرجعًا دوليًا للبحوث الطبية التطبيقية في علوم الصحة، يضم خبراء وفرقًا طبية متخصصة من أرجاء العالم، وأتاح الفرصة للأطباء السعوديين للإفادة من خبرات المركز، ورسم الملك عبدالله أهدافًا استراتيجية لهذا المركز، كان أبرزها: توفير المناخ الاقتصادي والنظامي الملائم لتحويل نتائج البحوث الطبية إلى منتجات ذات مردود اقتصادي على الناتج الوطني، ومساندة وتطوير البحوث الصحية والطبية عالية الجودة مع التركيز على البحوث التطبيقية، وتقديم استشارات متعلقة بالبحوث الطبية للمنظمات الصحية الحكومية وغير الحكومية.
وفي سياق المرافق الطبية، تبنى الملك عبدالله مشروعًا لإنشاء 2000 مركز صحي متطور في مناطق المملكة ومحافظاتها، لتقديم الرعاية الصحية للمواطنين والمقيمين على حد سواء، بتكلفة تجاوزت خمسة مليارات ريال.

النهضة التعليمية
حرص الملك عبدالله على الاستثمار في الإنسان وتأهيله تأهيلًا عاليًا يمكّنه من تحقيق منجزات تنموية للأجيال القادمة، وبرزت العديد من المنجزات والمبادرات التعليمية التي تبناها ودعمها، ومن ضمنها: "مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم العام" بميزانية تجاوزت تسعة مليارات ريال على مدى ست سنوات، بدأ المشروع في 1428هـ/2007م، للنهوض بالتعليم العام في جميع مستوياته من حيث الأداء التعليمي وتطوير تقنياته وبيئته، وكل ما من شأنه النهوض بالتعليم وتطوير المخرجات والمهارات، كما وافق الملك عبدالله على الترخيص لشركة حكومية متخصصة في تطوير التعليم يملكها صندوق الاستثمارات العامة؛ لتكون الذراع التنفيذي للمشروع، كما أقرّ مشروع تطوير مناهج الرياضيات والعلوم الطبيعية لجميع المراحل الدراسية، وهو مشروع يهتم بتعريب سلاسل عالمية منشورة وحديثة ومبنية على معايير عالمية في الرياضيات والعلوم لمراحل التعليم العام جميعها، كما تبنّى مشروع إدخال مقرر اللغة الإنجليزية ضمن منهج المرحلة الابتدائية، وتطوير مناهج هذه اللغة في المرحلتين المتوسطة والثانوية.
وأولى الملك عبدالله التعليم العالي عنايته الخاصة، ومنحه أولوية منذ أن كان وليًّا للعهد، حيث لم يكن عدد الجامعات السعودية يتجاوز ثماني جامعات حكومية في عام 1424هـ/2003م، وتضاعف أربع مرات خلال أقل من سبع سنوات ليصل إلى 25 جامعة، إلى جانب جامعة إلكترونية صدرت الموافقة عليها عام 1432هـ/2010م، إضافة إلى افتتاح جامعات وكليات الأهلية برعايته وحضوره شخصيًا، ووافق على طلب مجلس التعليم العالي بإنشاء ثلاث جامعاتفي حفر الباطن ورفحاء وشمال جدة، كما شجّع على إنشاء الجامعات الأهلية، وشهد عهده بداية الدراسة في عدد من الجامعات الأهلية والكليات المتخصصة، مثل: جامعة الأمير محمد بن فهد في مدينة الخبر، وجامعة الفيصل بالعاصمة الرياض. وعلى المستوى العلمي حقّقت بعض الجامعات نجاحًا انعكس في ترتيبها في القوائم السنوية التي تصدرها مؤسسات متخصصة عالميًا، حيث حقّقت جامعة الملك سعود، وجامعة الملك فهد للبترول، موقعين متقدمين ضمن أفضل الجامعات في العالم، يُضاف إلى ذلك تسابق الجامعات السعودية في استحداث كراسٍ علميّة في مختلف التخصصات، وفتح الباب لرأس المال السعودي للإسهام في تمويل تلك الكراسي والأبحاث المتعلقة بها، وذلك على شكل أوقاف تديرها الجامعات.
وتعد "جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية" من المنجزات الحضارية المهمة في عهد الملك عبدالله بمجال التعليم العالي بالمملكة، وجاءت فكرةً ومتابعةً وتنفيذًا من الملك مباشرة، حيث تعمل الجامعة على تطوير التجارب العلمية، مستهدفةً تقدّم العلم والتكنولوجيا من خلال البحوث الجريئة والتعاونية، كما تستهدف القادة العلميين والتكنولوجيين لتثقيفهم وإمدادهم بآخر ما توصل إليه العلم الحديث من تطورات تجريبية، وتحفيز الاقتصاد الوطني السعودي، والتصدي للتحديات ذات الأهمية الإقليمية والعالمية. ومنذ إنشائها، عملت الجامعة على تأسيس مجتمع متكامل للبحوث يعزز الإبداع والابتكار، كما تدعم الجامعة التحالفات مع المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص من خلال مكتب نقل التكنولوجيا، وبرامج التعاون الصناعي، وحاضنة الأعمال التجارية، وبرامج تنظيم المشروعات، وشبكة رأس المال الاستثماري، ولذا فإن مجتمع الجامعة يشمل مدينة للبحوث داعمة للأعمال الجديدة وموفرة قاعدة للشركات القائمة للاستفادة من خبرة الجامعة في العلوم والهندسة.

قاد الملك عبدالله بن عبدالعزيز برنامجًا فريدًا من نوعه في التعليم، وهو برنامج الملك عبدالله للابتعاث الخارجي، الذي أطلق في عام 1426هـ/2005م، وبلغ عدد المبتعثين خلال تلك الفترة نحو 100 ألف طالب وطالبة، ابتعثوا إلى أفضل الجامعات العالمية في مختلف دول العالم لمواصلة دراساتهم في مراحل التعليم العالي من البكالوريوس والماجستير والدكتوراه والزمالة الطبية، وحدد البرنامج التخصصات المطلوبة وأعداد المبتعثين بما يتوافق مع حاجة القطاعات الحكومية والخاصة في المملكة، وخصّصت الدولة للابتعاث الخارجي أكثر من 7 مليارات ريال، كما وضعت ضوابط تؤكد انتظام الطلاب في دراسة التخصصات المطلوبة، وأمر بزيادة مكافأة المبتعثين بمقدار 50%، ووافق على ضمّ أكثر من 7 آلاف طالب وطالبة من الدارسين في الجامعات الخارجية على حسابهم الخاص إلى المشروع، لتكون دراستهم على حساب الدولة أسوة بزملائهم.
التنمية الثقافية
شملت المنجزات الحضارية في عهد الملك عبدالله النهوض بالحالة الثقافية في المملكة، وصدر مرسوم ملكي في 1424هـ/2003م بضم النشاط الثقافي إلى وزارة الإعلام لتصبح "وزارة الثقافة والإعلام"،وتعمل على تنظيم الحياة الثقافية في المملكة وتطويرها، وضمن الإطار التنظيمي للوزارة، شُكلت وكالتان، تختص إحداهما بالشأن الثقافي المحلي، والثانية بالشأن الثقافي الدولي، ومن نتائج ذلك إقامة أحد أكبر معارض الكتب العربية في مدينة الرياض "معرض الرياض الدولي للكتاب"، الذي تحوّل إلى أحد أكبر التجمعات الثقافية العربية، سواء في عدد دُور النشر المشاركة أو في الندوات المُصاحبة، وتدعيم الثقافة بجوائز للترجمة والتراث والثقافة بشكل عام، ودعم مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، ومكتبة الملك فهد الوطنية، ومشروع "الفهرس العربي الموحد"، وغيرها مما ساهم في إثراء الثقافة في المملكة وخارجها.
النقل والخدمات اللوجستية
ضمن اهتمام الملك عبدالله بخدمة الحرمين الشريفين وضيوفهما على مدار العام، وتطوير قطاع النقل والمواصلات بين مدن ومناطق المملكة، انطلق في عهده مشروع "قطار الحرمين السريع" الرابط بين منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة مرورًا بمدينة جدة ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية، هذه النقلة النوعية في المواصلات جاءت ضمن مشاريع أشمل لتطوير انتقال المسافرين والبضائع في مناطق المملكة كافة، والتي أضيف إليها في 1433هـ/2013م مشروع الملك عبدالعزيز للنقل العام "مترو الرياض"، الذي يغطي أحياء مدينة الرياض بقطارات وأنفاق وحافلات الركاب، بهدف تخفيف الازدحام المروري وتحسين النشاط الاقتصادي في العاصمة.
حقوق الإنسان
عملت حكومة الملك عبدالله على دعم كل توجه في سبيل حماية حقوق الإنسان، واتخاذ كافة السبل التي من شأنها تأكيد تلك الحماية، من خلال منظومة القضاء والمنظمات والهيئات التي تدعم حصول الفرد على حقوقه، والتي تعد رافدًا للأنظمة القضائية والأمنية، إذ جاء إنشاء مؤسستين مختلفتين ومتصلتين في الوقت نفسه، تعملان على دعم حقوق الإنسان، المؤسسة الأولى مؤسسة أهلية هي "الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان"، والثانية هيئة رسمية "هيئة حقوق الإنسان"، أنشئت الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان في 28 محرم 1425هـ/19 مارس 2004م، بينما أنشئت "هيئة حقوق الإنسان" بعد ذلك بسنة ونصف، إذ إن حقوق الإنسان وصيانتها هي من المبادئ التي نصّ عليه النظام الأساس للحكم في المملكة، وضمن ما أكدته المعاهدات والقوانين الدولية.
تمكين المرأة السعودية
صدرت في عهد الملك عبدالله كثير من القرارات والأنظمة التي عززت من حضور المرأة السعودية في خدمة المجتمع، ومنها: إصدار نظام البطاقة الشخصية للمرأة، مما فتح لها تسهيلات كثيرة في إدارة شؤونها واستقلالها سواء في مراجعة الجهات الحكومية أو الخاصة أو فتح سجل تجاري ومباشرة أنشطتها التجارية بنفسها، إضافة إلى ذلك تعزيز النجاحات الوظيفية والتعليمية للمرأة السعودية، ووصولها إلى مناصب عليا لم تكن متوفرة لها، حيث تولت المرأة العديد من المناصب القيادية في القطاعين العام والخاص.
وعلى مستوى اهتمام الملك عبدالله بتعليم المرأة السعودية وتثقيفها، كان قرار إنشاء جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن (جامعة خاصة للبنات)من أوائل القرارات حين تولى المُلك، ويعد مشروع الجامعة من أضخم المشروعات الجامعية على مستوى الشرق الأوسط، بمساحة تقدر 8 ملايين م2.

التنمية الاقتصادية في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز
المجلس الاقتصادي الأعلى
يُعد تأسيس المجلس الاقتصادي الأعلى في 1420هـ/1999م، خطوة مهمة في تنمية الاقتصاد الوطني السعودي، وتولى الملك عبدالله رئاسة هذا المجلس منذ إنشائه حين كان وليًّا للعهد، واختص المجلس الاقتصادي الأعلى وقتها بإصدار القرارات الاقتصادية الكبرى، ورسم الاستراتيجيات الاقتصادية الفاعلة، ودراسة مشروع ميزانية الدولة السنوية، وحمل مسؤولية تحقيق الأمن الاقتصادي، وتنويع القاعدة الاقتصادية الوطنية، ودعم برامج الخصخصة والاستثمار الأجنبي، وغيرها من المهمات الكبرى اقتصاديًا، واستمر الملك عبدالله رئيسًا له حتى بعد توليه المُلك، وحقّق المجلس إنجازات اقتصادية غير مسبوقة، مثل: التعجيل بتفعيل نظام الاستثمار الأجنبي، وبدء مشروعات الخصخصة، وتفعيل صندوق تنمية الموارد البشرية، ومشروع تنظيم الهيئة العامة للاستثمار، وغيرها.
مركز الملك عبدالله المالي
يُمثّل مشروع مركز الملك عبدالله المالي نقلةً كبيرة في التنمية الاقتصادية، ورسّخ أسس التطويرية للاقتصاد المحلي، وتحويل المملكة إلى مركز اقتصادي عالمي، كما يسهم المركز في جذب الاستثمارات ورؤوس الأموال الخارجية إلى العاصمة الرياض. بدأ إنشاء المشروع منذ منتصف عام 1428هـ/2007م، ويعد الأول من نوعه على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وبلغت تكلفته الإجمالية نحو 30 مليار ريال، وعلى مساحة 1.6 مليون م2. ويهدف إلى رفع إسهام القطاع المالي في تنمية الاقتصاد الوطني بكل إمكاناته المتاحة، وتوفير الفرص الوظيفية المتعددة للقوى الوطنية من خلال استحداث آلاف الوظائف، وتلبية حاجات التطوير والتدريب بإقامة أكاديمية مالية، تختص بالتخصصات المالية النادرة، وتقدم دورات تدريبية للعاملين في القطاعات المالية المختلفة، وجمع المؤسسات العاملة بالقطاع المالي في منظومة واحدة لتوفير مناخ اقتصادي واستثماري فاعل ومناسب.
المدن الاقتصادية
كانت مبادرة الملك عبدالله بإنشاء مدن اقتصادية في المملكة خطوة مهمة في التنمية الاقتصادية، واستمرارًا لدعم الاقتصاد الوطني، إذ تندرج ضمن مسيرة الإصلاح الاقتصادي التي تبناها منذ أن ترأس المجلس الاقتصادي الأعلى، وتُمكّن من تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية من حيث توفيرها مناخات مناسبة وخلّاقة لتنمية اقتصادية كبيرة، تتمثّل في جذب الاستثمارات الخارجية، وتوطين رأس المال المحلي، ودفع عجلة الاقتصاد الوطني بمقاييس ومواصفات عالمية، بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، ويرفع من تنافسية المملكة إقليميًا وعالميًا. وكان إطلاق المدن الاقتصادية في المملكة تجسيدًا حقيقيًّا لرؤية الملك عبدالله في تفعيل دور القطاع الخاص وجذب الاستثمار الخارجي، وشملت المدن الاقتصادية: مدينة الملك عبدالله الاقتصادية على ساحل البحر الأحمر، مدينة الأمير عبدالعزيز بن مساعد الاقتصادية في مدينة حائل شمالي المملكة، ومدينة المعرفة الاقتصادية في المدينة المنورة غربي المملكة، ومدينة جازان الاقتصادية جنوب غربي المملكة.
الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية
انطلاقًا من اهتمام الملك عبدالله بالاقتصاد الوطني، رأى ضرورة الانتماء إلى الاقتصاد العالمي، والاندماج في مؤسساته ومنظماته، وبذل جهودًا لتكون المملكة عضوًا في منظمة التجارة العالمية، وبعد مسيرة مفاوضات استمرت 12 عامًا، وُقعت في 9 شوال 1426هـ/11 نوفمبر 2005م، اتفاقية انضمام المملكة للمنظمة كعضو رئيس، بهدف تحقيق نشاط في الاقتصاد الوطني، وزيادة معدلات النمو، وارتفاع معدلات الطلب على السلع والخدمات، وزيادة فرص نفاذ السلع والخدمات المحليّة إلى أسواق الدول الأخرى، نظرًا لإلغاء الرسوم أو تخفيضها، وتسريع إجراءات الاستيراد من الدول المصدرة، وعدم إخضاع المنتجات المحليّة المُصدرة إلى الدول المستوردة لأي ضرائب غير الرسوم الجمركية.

الاستراتيجية الصناعية الشاملة
جاء قرار مجلس الوزراء في 7 صفر 1430هـ/2 فبراير 2009م بالموافقة على الاستراتيجية الوطنية الصناعية وآليات التنفيذ الخاصة بها، دعمًا للقطاع الصناعي الوطني، مع الأخذ بالاعتبار المتغيرات العالمية التي طرأت على العالم، والاستجابة لمتطلبات اقتصاد المملكة في تعظيم القيمة المضافة لصناعات الطاقة والبتروكيماويات، وفي التنويع والمنافسة وعدم الاعتماد على مصدر دخل واحد، وبحثًا عن زيادة في معدلات النمو واستدامتها، وتوفير فرص العمل والتوظيف وتوازن التنمية بين مناطق المملكة المختلفة. وركزت الأهداف الرئيسة لتنمية القطاع الصناعي على نواح متعددة، منها: تعزيز القاعدة الصناعية والكفاءات التقنية والإنتاجية والقدرات التنافسية، وتطوير البنية الأساسية، وتوفير خدمات مساندة للصناعة، وتوسعة نطاق مشاركة القطاع الخاص، ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، والصادرات الوطنية غير البترولية وتشجيعها، وتطوير مهارات الكفاءات الوطنية العاملة في القطاع الصناعي.
الاستراتيجية الوطنية للإنماء الاجتماعي
زار الملك عبدالله عندما كان وليًا للعهد في 15 رمضان 1423هـ/20 نوفمبر 2002م، عددًا من الأحياء الفقيرة في مدينة الرياض، وكانت الزيارة تحمل أبعادًا إنسانية وخطوة أولى نحو تبني خطة استراتيجية لمكافحة الفقر والقضاء عليه في المملكة، وتقليص آثاره الاقتصادية والاجتماعية على المجتمع، وتوفير ما يمكن أن يضمن للجميع الحياة الكريمة وبالذات فيما يخص العمل والإسكان. أقرّ مجلس الوزراء في العام نفسه تلك الاستراتيجية، التي عُدلت فيما بعد لتصبح "الاستراتيجية الوطنية للإنماء الاجتماعي"، ونصت على إتاحة الفرصة للفقراء لتعزيز قدراتهم المادية من خلال توفير التعليم والتوظيف الملائمين لهم، وتأمين الخدمة الصحية المناسبة لهم، ودعم منتجاتهم ومنجزاتهم مهما كانت، وزيادة الحماية الاجتماعية لهم ومساعدتهم على تحمّل الكوارث ومواجهتها، وتوسيع مظلة الضمان الاجتماعي لهم، ومدهم بالإعانات المالية والعينية في كل وقت وتحت أي ظرف.
كما أقرّ الملك عبدالله مشروعًا إنسانيًا هو "صندوق معالجة الفقر"، الذي أسهمت الدولة بجزء من رأسماله، ودعت القطاع الخاص والأفراد إلى دعمه والإسهام فيه تحقيقًا للتكافل الاجتماعي، وسعى الصندوق إلى توفير فرص وظيفية مناسبة للفقراء، وتقديم قروض ميسرة لهم لإنشاء مشروعات صغيرة تتلاءم مع ظروفهم وتضمن لهم حياة كريمة، وأصدر الملك عبدالله أوامر بزيادة الحد الأعلى لمخصصات الضمان الاجتماعي للأسر الحمستحقة من 16,200 ريال إلى 28 ألف ريال في السنة الواحدة، وتخصيص مبلغ 8 مليارات ريال للإسكان المُخصص للفقراء في المملكة، كما أعلن عن إنشاء "مؤسسة الملك عبدالله لوالديه للإسكان التنموي" لتعمل على تأمين مساكن للفئات الأكثر حاجة في المجتمع السعودي.
أبرز مبادرات الملك عبدالله بن عبدالعزيز
مبادرة الحوار الوطني
عزّز الملك عبدالله أسلوب الحوار للوصول إلى التفاهم والتعايش في المجتمع السعودي، حيث أمر منذ كان وليًا للعهد بإنشاء مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني عام 1424هـ/2003م، ومقره الرئيس الرياض، وحثّت هذه المبادرة الوطنيّة على عقد اللقاءات والندوات الحوارية، والبرامج الشبابية، واستطلاعات الرأي التي تستهدف أفراد المجتمع، وتنبع أهميته من موضوعات البحث والمناقشة التي يطرحها، وهي غالبًا موضوعات تتحدث عن الحوار كأسلوب حياة للجميع وبين الجميع على اختلافهم، ومن الموضوعات التي تبنّاها: الوحدة الوطنية، ونبذ الغلو والتطرف، وتعزيز الوسطية، وتطوير برامج التعليم والتدريب.
مبادرة الحوار بين أتباع الأديان والثقافات
انطلقت مبادرة الملك عبدالله للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في وقتٍ تطلّع فيه العالم إلى جهود دوليّة للتخلص من الأخطار التي تتهدّد استقرار المجتمعات الإنسانية، جراء تطوّر ظواهر الكراهية والعنصرية والعداء، وتفاقم الاضطراب في العلاقات الدولية. مثّلت المبادرة رؤية العالم الإسلامي لقضايا الحوار التي باتت تطرح نفسها في المحافل الدولية، ومرّت فكرة المبادرة بمراحل ثلاث، تتمثّل في ثلاثة مؤتمرات، أولها المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بين أتباع الأديان، الذي عُقد في مكة المكرمة خلال جمادى الآخرة 1429هـ/يونيو 2008م، وثانيها المؤتمر العالمي للحوار، الذي عقد بمدريد في رجب 1429هـ/ يوليو 2008م، وثالثها الاجتماع رفيع المستوى للحوار بين أتباع الأديان والثقافات والحضارات، المنعقد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك خلال ذي القعدة 1429هـ/نوفمبر 2008م، وانتهت هذه المراحل إلى التفكير في إيجاد صيغة عملية لتنفيذ المبادرة.
جاء إنشاء "مركز الملك عبداللَّه بن عبدالعزيز العالمي لحوار أتباع الأديان والثقافات" (كايسيد) في ذي القعدة 1432هـ/أكتوبر 2011م تعبيرًا عن الإرادة الدولية الهادفة إلى الاستفادة من المبادرة، ليكون وسيلة لتعميم الحوار الحقيقي على شتّى المستويات بين المنتمين إلى الثقافات والحضارات الإنسانية المتنوعة، ومن أجل التأكيد على تفعيل هذه المبادرة على نطاق دولي واسع، والتشجيع على البحث العلمي في قضايا الحوار، وعلى الجهود المتميّزة التي تبذل في هذا المجال، أُعلن عن تأسيس "جائزة الملك عبداللَّه بن عبدالعزيز العالمية للحوار الحضاري"، وأنشئ في اليونسكو "برنامج عبداللَّه بن عبدالعزيز العالمي لثقافة الحوار والسلام"، مما يعدّ توسيعًا لمجال المبادرة، وترسيخًا لقواعدها الأساسية، وتعزيزًا للأهداف الإنسانية النبيلة التي تبنتها، إسهامًا من السعودية في إقرار السلام العالمي، وفي إشاعة قيم التسامح والوئام، ونشر ثقافة الحوار والسلام.
مؤسسة الملك عبدالله الإنسانية
نشأت مؤسسة الملك عبدالله الإنسانية بأمر ملكي من الملك عبدالله بن عبدالعزيز في 29 رمضان 1431هـ/8 سبتمبر 2010م، وجاءت ترجمةً للمقاصد والإسهامات الإنسانية التي اضطلع بها محليًّا وعالميًّا، ورغبةً منه رحمه الله في استمرار نبع الخير والعطاء عبر مشاريع وقفية متعددة المجالات، تشرف عليها المؤسسة أثناء حياته وبعد مماته. وبحسب ما تضمنه الأمر الملكي، فإن إنشاء المؤسسة جاء إسهامًا في الأعمال الإنسانية، التي تهدف إلى خدمة الدين والوطن والأمة والإنسانية جمعاء، وتحقيق الرفاهية وتطوير العلوم.
وفاة الملك عبدالله بن عبدالعزيز
إعلان وفاة الملك عبدالله
توفي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود في الساعة الواحدة من صباح الجمعة 3 ربيع الآخر 1436هـ/23 يناير 2015م، ودُفن في مقبرة العود بالرياض، وتولى الحكم بعده ولي عهده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة