الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود، (1319-1388هـ/1902-1969م)، هو ثاني ملوك المملكة العربية السعودية، وأول وليّ للعهد في تاريخ الدولة السعودية، وأول من تولى الحكم بعد وفاة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ولد في الكويت وتوفي في مقر إقامته في أثينا باليونان، ونقل جثمانه إلى مكة المكرمة وصُلي عليه في المسجد الحرام، ودفن في مقبرة العود بالرياض.
حكم المملكة العربية السعودية 11 عامًا، بدأت بعد وفاة والده الملك عبدالعزيز يوم الاثنين 2 ربيع الأول 1373هـ/9 نوفمبر 1953م، وانتهت فترة حكمه في 27 جمادى الآخرة 1384هـ/2 نوفمبر 1964م، بمبايعة أخيه وولي عهده فيصل بن عبدالعزيز ملكًا على البلاد بعد تنازله وبناء على رأي واجتماع العائلة المالكة.
الحياة المبكرة للملك سعود بن عبدالعزيز
نسب الملك سعود
هو سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي من بني حنيفة من بكر بن وائل من ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
وهو الابن الثاني للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، والدته هي وضحى بنت محمد آل عريعر.
ولادة الملك سعود ونشأته
وُلد الملك سعود في 5 شوال 1319هـ/15 يناير 1902م، وتزامنت ولادته مع استعادة والده الرياض، عاش الملك سعود طفولته المبكرة مع والديه وإخوته وجدّه الإمام عبدالرحمن بن فيصل وجدّته سارة بنت أحمد السديري، وكان لقرب سعود وأخيه الكبير تركي من جدهما وجدتهما في طفولتهما أثر كبير في تربيتهما.
بعد استعادة الملك عبدالعزيز الرياض، طلب من والده وعائلته الحضور إليها، فعادت زوجته وضحى وأولادها مع الإمام عبدالرحمن، وبقيّة النساء قدمن في صحبة الملك عبدالعزيز بعد معركة الدلم عام 1320هـ/1903م، وعندما بلغ الملك سعود الخامسة من العمر، سلّمه والده عبدالعزيز إلى الشيخ عبدالرحمن بن ناصر بن مفيريج أحد كبار قرّاء ومجوّدي القرآن الكريم آنذاك، وكان يُدّرس في مدرسة "المفيريج" أكبر مدرسة في مدينة الرياض لتعليم القرآن، وألحقه بالمدرسة حتى يفقهه في الدين والفقه والحديث والتفسير، وختم القرآن على يديه وهو في الحادية عشرة من عمره.
الملك سعود في شبابه
كان الملك المؤسس يُحضر سعود إلى مجالسه ومجالس جدّه الإمام عبدالرحمن مع أخيه تركي، وعندما كبر سعود كسب ثقة والده من خلال ممارسة بعض المهام العسكرية والسياسية والإدارية بصفة مستقلة، وفوّض له الملك عبدالعزيز المهام التي تكسبه الحنكة السياسية الخارجية بعد أن تتلمذ في العلوم السياسية والدبلوماسية على يدي الملك عبدالعزيز ومستشاريه.
لازم الملك سعود والده في طفولته وشبابه وربطت بينهما صداقة قوية أصبحت مضربًا للأمثال، وذلك لتقارب السن بينهما حتى إنه كان يقول للمعزين عند وفاة والده: "لقد فقدت أبي.. وصديقي"، ثم إن قربه من جده الذي رباه ولازمه وكان تحت إمرته حتى وفاته أكسبه عادات وتقاليد القبائل والبادية والتعامل معها، وأتقن الرماية والقنص والفروسية، وكان ميالاً لحياة البادية منذ سن مبكرة، ورافق والده وغيره من كبار القادة في الغزوات وشهد فنون المعارك والتخطيط لها حتى أصبح في وقت يسير من كبار أعوان والده الملك عبدالعزيز في ظروف سياسية كان الملك عبدالعزيز في أشد الحاجة إلى أمثاله فيها.
شخصية وصفات الملك سعود
كان الملك سعود من أشبه الناس بوالده بحسب ما تذكر المصادر، إذ كان طوله يبلغ مترين و4 سم، بينما يبلغ طول الملك عبدالعزيز مترين و7 سم، كما كان يشبه والده في بنيته القوية وبسمته وهيبته والعديد من سجاياه واستقامته وشهامته، إضافة إلى كرمه المعهود عنه وحبه للصدق، وكان لصوته الجهوري تأثير كبير في المعارك التي خاضها، ويقول بعض الذين شاركوا معه في المعارك بأن الملك سعود صاحب صوت قوي يؤثر في سامعه، كما كان يحفظ الكثير من القصائد والأهازيج الحربية التي كان ينشدها أيام الحرب فيدخل إلى القلوب الحماسة والثقة بالنفس، وكان ميالًا إلى العفو إلا أنه كان حازمًا وشديدًا في مواضع الشدّة، وكان قليل الكلام ينصت لمحدثيه أكثر مما يتكلم.
حدد الملك سعود أوقاتًا لقراءة القرآن ودروس الدين، وأوقاتًا للنظر في شؤون الحكم والإدارة، وكان يهوى الفروسية والصيد، والعناية الخاصة والشخصية بزهور حدائق قصوره، مما أثر إيجابًا في اهتمامه بالجانب الزراعي في مختلف أنحاء المملكة.
تولي الملك سعود المهام السياسية
المسؤوليات والمهام المبكرة
أوكل الملك عبدالعزيز إلى ابنه الملك سعود في عمر 13 أولى المهام العسكرية، بعد أن وجد فيه الكفاءة والقدرة والجدارة في تولي المهام السياسية والحربية، فكانت أولى هذه المهام زيارة إلى دولة قطر ممثلًا لوالده في مهمة سياسية في 1333هـ/1915م، كما شارك مع أخيه الأمير تركي في العام نفسه في معركة "جراب" قرب محافظة الزلفي، وكانت مشاركته نقطة حاسمة في حياته إذ تعلم منها إدارة الحرب وفنون القتال، واستراتيجيات التخطيط، والأساليب السياسية في عقد الاتفاقيات، كما رافق أباه في معركة "أبو ليلى" بالقرب من الأحساء، وبعد مرور عام في 1336هـ/1917م، شارك مع أخيه الأمير تركي في "معركة ياطب".
معركة تربة
لاحظ الملك عبدالعزيز قدرات ابنه سعود الحربية ودبلوماسيته مع القبائل فولّاه قيادة جيش مستقل للمرة الأولى بعد معركة تُربة عام 1337هـ/1918م، التي كانت ضد قوات الشريف حسين في الحجاز، وتتمثل أهميتها في أنها فتحت الطريق للملك عبدالعزيز إلى الحجاز، وبعد معركة تربة ذهب الملك سعود لتأديب المتمردين من الموالين لشريف مكة الملك حسين بن علي، في مكان يسمى شرمة قرب مناهل الدفينة، ورافقه في هذه الغزوة ابن ربيعان وابن محيا وآخرون من كبار قبيلة عتيبة كما رافقه الشريف خالد بن منصور بن لؤي وانتصر سعود عليهم في مناهل الدفينة أواخر رمضان 1338هـ/1919م، وبعد تشتتهم لاحقهم للمرة الثانية بين الحجاز ونجد وأسر عددًا كبيرًا من زعمائهم قبل العودة إلى الرياض وسبقته أخبار انتصاراته.
قيادة القوات في حائل
بعث الملك عبدالعزيز ابنه سعود على رأس قوة كبيرة إلى جنوب جبل "أجا" في حائل، وبدأ الهجوم على آل رشيد وكسب منهم مغانم كثيرة، ولكنه واجه صعوبة في المزيد من التقدم بسبب الجفاف الشديد في المنطقة تلك السنة، فأمر الملك عبدالعزيز بإرسال سرية إلى قرب البقيق بينما تقدم بنفسه إلى الأجفر، ولكن بما أنهم لم يقاتلوا انسحبت القوات عائدةً إلى الرياض عام 1338هـ/1919م، وفي صيف عام 1340هـ/1921م عاد الملك عبدالعزيز لمهاجمة حائل وبرفقته نحو 10 آلاف مقاتل، ورسم خطة لتطويق حائل من ثلاث جهات وسلّم قيادة إحدى الفرق لأخيه محمد لمحاصرة حائل، والثانية لابنه سعود للهجوم عبر الخط المباشر بينما احتفظ بالفرقة الثالثة تحت إمرته في القصيم كقوة احتياطية.
هاجم الأمير سعود ومن معه من الإخوان بادية حائل ونزل معهم في قرية الخاصرة شرقي حائل وانتصر عليهم هناك، بينما توجّه عمه محمد إلى أطراف حائل، كما كُلف فيصل الدويش بشنّ هجوم من جهة الجنوب، ثم قرر الملك عبدالعزيز استدعاء أخيه محمد وتسليم القيادة العليا لابنه سعود الذي حاصر حائل وضيّق الخناق عليها لمدة شهرين، ولم تخفّ شدة الحصار حتى بدأ عبدالله بن متعب الرشيد بخطوات المصالحة، ومن ثم الاستسلام لقوات الملك سعود، وظهرت في هذا الموقف الشهامة والمروءة وكرم الأخلاق في الأمير سعود، إذ رحّب باستسلام خصمه واستقبله بالتقدير الذي يتلاءم مع وضعه كحاكم وضيف، ورافقه شخصيًا إلى الرياض لتقديمه لأبيه مما ترك أبلغ الأثر في نفس ابن الرشيد هو والراغبين في المصالحة والسلم.
لم يدم الأمر طويلًا إذ عاد أمير حائل محمد بن طلال آل رشيد للتمرّد، فأمر الملك عبدالعزيز ابنه سعود بالعودة إلى حائل لقيادة الجيش فيها، وكان دوره مساندة القوات المرابطة هناك، توجه الأمير سعود إلى حائل وتحقق له النصر وتمكن من إجبار قوات آل رشيد على التراجع، وتزامن ذلك مع وصول القوات السعودية للضغط عليهم عبر الهجوم من الشمال والشمال الشرقي تحت قيادة الملك عبدالعزيز، بينما بقيت القوات التي يقودها سعود على مشارف جبل أجا، وشكلت هاتان القوتان نصرًا تمثّل باستسلام حائل للمرة الثانية للقوات السعودية، وعندما جاء المستسلمون للسلام على الملك عبدالعزيز وجههم إلى خيمة ابنه سعود للسلام عليه، وضُمّت حائل إلى الحكم السعودي.
ضم مدن الحجاز
بعد دخول قوات الملك عبدالعزيز إلى مكة المكرمة جاء الملك عبدالعزيز إليها مُحرمًا للمرة الأولى، وترك ابنه سعود في الرياض لإدارة الحكم تحت إشراف جَدّه الإمام عبدالرحمن الذي كان موضع احترامه وتقديره، واستمر سعود نائبًا لوالده في الرياض حتى سيطرة الملك عبدالعزيز على مدينة جدة، بعدها أرسل الملك عبدالعزيز ابنه سعود مع خالد بن لؤي ومعهم قوّة عسكرية تتكون من سبعة بيارق إلى جهات ينبع وأطرافها، وتمكن سعود من ضمّها في 26 جمادى الآخرة 1344هـ/10 يناير 1926م.
الملك سعود بن عبدالعزيز رجل الدولة
ولاية العهد
بعد توحيد أطراف المملكة قرر الملك عبدالعزيز إطلاق اسم "المملكة العربية السعودية " على الأجزاء التي وحّدها وإعلان ذلك في 21 جمادى الأولى 1351هـ/23 سبتمبر 1932م، ثم تبع هذه الخطوة بالإعداد لإعلان ولاية العهد لابنه سعود بعد أن استوفى كافة الأوصاف الشرعية الواجب توفرها بعد أن أثبتت الأحداث دوره القيادي فيها ومعالجته للأحداث، فأصبح جديرًا بأن يكون خليفته الرسمي لاستلام زمام الأمر من يديه عند اللزوم، مواصلاً جهاده وكفاحه لتحقيق وحدة صف الأمة والنهوض بها على المنهج والخطة التي رسمها، فرشحه لولاية العهد فرشحه لولاية العهد وأقرّ عليه بالإجماع، وأصدر الملك عبدالعزيز مرسومًا ملكيًا بالموافقة على قرار مجلسي الشورى والوكلاء القاضي بولايته للعهد في 16 محرم 1352هـ/ 11 مايو 1933م، وبايعه أفراد الأسرة وأعيان مناطق المملكة وشيوخ القبائل، وكان الأمير سعود في الرياض وتمت المبايعة في المسجد الحرام.
بقي الملك سعود في ولاية العهد لمدة 20 عامًا، وهي فترة تزامنت مع مرحلة توحيد المملكة وبداية مرحلة جديدة تأسيسية واقتصادية واجتماعية خاصة بظهور النفط في عام 1351هـ/1932م واعتماد المملكة عليه، واقتصادها الذي كان يمر بفترة صعبة، وكانت الموارد شحيحة وتعتمد على المساعدات الخارجية وموارد الحج، ومكنت النقلة الجديدة الدولة من البدء بالتنظيمات الإدارية والمالية والتحول التدريجي إلى دولة حديثة مما فرض واقعًا جديدًا على سكان الجزيرة.
الزيارات الدبلوماسية
بعد تعيين الأمير سعود وليًّا للعهد، وزيارته لمصر رأى الملك عبدالعزيز إعطاء ابنه سعود الفرصة للسفر إلى الخارج والتعرف على أحوال الدول الصديقة التي تتعامل معه، وشجع الملك عبدالعزيز ابنه على السفر إلى أوروبا، وإعداد برنامج شامل لزيارة العديد من الدول بما فيها إيطاليا وفرنسا وإنجلترا وبعض البلدان العربية، وبعد انتهاء الرحلة الأوروبية، واصل الأمير سعود رحلته إلى العالم العربي عبر الإسكندرية متوجهًا إلى القدس وشرق الأردن، وذلك في 1354هـ/1935م، وعاد منها إلى جدة، وكان يرافقه في هذه الرحلة وفد يضم فؤاد حمزة والدكتور مدحت شيخ الأرض، وكان استقباله في فلسطين استقبالاً حافلاً، وصلى في المسجد الأقصى الشريف والمسجد الإبراهيمي في الخليل، ويعد أول أمير سعودي يذهب إلى القدس.
وقّعت المملكة في 1354هـ/1936م مُعاهدة أخوة عربية وتحالف مع العراق، التي فتحت مجالاً لتقوية العلاقات الدبلوماسية وإنشاء علاقات عسكرية، كما شجعت على انضمام دول عربية أخرى إليها، وسبقتها معاهدة مماثلة مع اليمن في 1353هـ/1934م، وفي عام 1355هـ/1936م، ولتعزيز التفاهم وتطبيقه، زار الأمير سعود العراق بدعوة من الملك غازي، وحقّقت هذه الزيارة نتائج إيجابية في توطيد العلاقات العامة بين البلدين، ثم وقّعت المملكة معاهدة أخرى مع مصر اعترفت من خلالها مصر رسميًا بالمملكة العربية السعودية، وعلى إثرها بدأت الحكومة السعودية ابتعاث طلابها وطياريها إلى مصر للدراسة والتدريب.
زار الأمير سعود البحرين في 13 شوال 1356هـ/15 ديسمبر1937م، بهدف تحسين العلاقات المتوترة بينها وبين قطر بسبب مسائل الحدود، وفي عام 1355هـ/1937م أوفده الملك عبدالعزيز إلى بريطانيا لتمثيله في الاحتفالات الخاصة بتتويج الملك جورج السادس، واجتمع خلالها بالعديد من الزعماء العرب والأجانب، وكانت المناسبة بداية لصداقات متينة مع العديد منهم، واستغل وجوده هناك لاستعراض العديد من القضايا الثنائية والعربية، وتلتها زيارة خاصة أخرى إلى بريطانيا في 1357هـ/1938م مع أخيه محمد وبقي هناك لمدة شهر تلتها زيارات أخرى إلى إمارات الخليج حتى بداية إعلان الحرب العالمية الثانية 1358 - 1364هـ/1939- 1945م.
إدارة شؤون البلاد نيابة عن والده
تعزيزًا لمكانة ومنزلة ولي العهد الأمير سعود في أنظار الأهالي كولي عهده، والرجل الثاني في الدولة، أصدر الملك عبدالعزيز أمرًا عام 1358هـ/1939م بأن تعرض جميع المراسلات والملفات على الأمير سعود، وفي نفس السنة عين سعود نائبًا للقائد العام للقوات السعودية، وفي عام 1366هـ/1947م كلِّف الأمير سعود بإمارة الحج فألقى الخطبة السنوية المعتادة بعد إنهاء مراسم الحج، وأشار فيها إلى تقدير والده لمطالب الحجاج وأبناء المنطقة، كما بشرهم بعزم الدولة على تنفيذ مشروع إنشاء طريق مسفلت بين جدة والمدينة المنورة.
وافتتح الأمير سعود في تلك الفترة مشروع توصيل المياه من وادي فاطمة إلى مدينة جدة، وفي عام 1369هـ/1950م افتتحت كلية الشريعة التي كانت نواة لجامعة أم القرى فيما بعد، وتأسست كلية المعلمين عام 1372هـ/1952م، ومن ثم كلية الشريعة في الرياض عام 1373هـ/1953م، وخلال وجوده في الحجاز استأذن الأمير سعود والده بالعودة إلى الرياض بعد انتهاء مراسم الحج، ولكن الملك عبدالعزيز طلب منه البقاء في الحجاز لإجراء دراسة عن الوضع الإداري وتقديم اقتراحات عن الإصلاحات المطلوبة هناك حتى الانتهاء من مهمته.
القائد العام للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي
في 15 ذي الحجة 1372هـ/25 أغسطس 1953م، عين الملك عبدالعزيز الأمير سعود قائدًا عامًّا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي مما دعم مكانته كرجل ثان من حيث السلطات والصلاحيات في الدولة، وتحديث الجيش السعودي البري وسلاح الطيران عبر تزويدها بالأسلحة وتدريبهما على يدي خبراء أمريكيين على أحدث أساليب الحرب لكي تكون القوات السعودية مؤهلة للقيام بواجباتها الوطنية، كما تمت توسعة أسطول الخطوط الجوية السعودية عبر شراء أربع طائرات "Sky master" وتنظيم رحلات جديدة داخل البلاد وإلى الدول العربية المجاورة لنقل الحجاج.
إصلاحات داخلية
زار الأمير سعود المدينة المنورة ووقع على مجموعة كبيرة من المراسيم لإنشاء طرق جديدة ومدارس ومستشفيات، كما وضع حجر الأساس لتوسعة المسجد النبوي في 5 شوال 1372هـ/17 يونيو 1953م، وهي التوسعة التي كلّفه والده الملك المؤسس بالعمل عليها، وظل متابعًا لسير العمل فيها حتى افتتحها رسميًّا في عام 1375هـ.
توجّه الملك سعود إلى إنشاء وتوسعة المساجد، كما أسس محاكم شرعية، ووفقًا لاهتمامه بالتعليم وتشجيع المعارف عين نائبًا جديدًا لإدارة المعارف، كما أمر بإنشاء مجموعة مدارس جديدة في عدة مناطق صحراوية، كما دعا خبراء من بعض الدول العربية للاستفادة منهم في مجالات مختلفة مثل الشؤون البلدية والاقتصادية والزراعية والصحية وتأسيس معهد صناعي، بالإضافة إلى مجالات الأمن المدني ووضع أسس نظم للعاملين، وعانى الملك عبدالعزيز من وعكة صحية في ذلك العام، وقرر تعيين الأمير سعود رئيساً لأول مجلس وزراء في المملكة إذ تأسست آنذاك عدّة وزارات في الدولة في 1 صفر 1373هـ/9 أكتوبر 1953م.
تولي الملك سعود مقاليد الحكم
مبايعة الملك سعود ملكًا
بعد وفاة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في 2 ربيع الأول 1373هـ/9 نوفمبر 1953م بُويع الملك سعود ملكًا للمملكة العربية السعودية، واستقبل الملك سعود جموع المبايعين بعد عصر يوم الأربعاء 4 ربيع الأول 1373هـ/11 نوفمبر 1953م في القصر الملكي، كما أعلن فور توليه الحكم تسليم ولاية العهد إلى أخيه الملك فيصل وبايعه على هذا أفراد العائلة المالكة.
تسلم الملك سعود مقاليد الحكم وزار عدة مدن رئيسية ابتداءً بمكة المكرمة، وأمّ المصلين في المسجد الحرام ووعد الأهالي أن يُولي تلك البلدة المباركة أعظم عنايته وأكبر اهتمامه، وعند زيارته للمدينة المنورة أمّ المصلين في المسجد النبوي الشريف وتفقد أعمال البناء في مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأسهم في نقل الحجارة والأتربة وحفر المئذنة الشمالية الغربية أمام الخاصة والعامة، مقتديًا في هذا العمل بسيرة الرسول وصحابته الكرام، تاركًا أعمق الأثر في نظر مشاهديه.
وقبل عودة الملك سعود إلى الرياض أصدر بيانًا ملكيًا في 21 ربيع الأول 1373هـ/28 نوفمبر 1953م وأعلن فيه ثقته بجميع أركان موظفي الدولة، يشكرهم على ما قدموه ويثبتهم في مراكزهم، وأبدى رغبته في استمرار الجهود للنهضة بالبلاد، ووصولها إلى ما تصبو إليه من مجد ورقي ورفاهية في إطار كتاب الله وسنة رسوله والشريعة السمحة، والقيام بمشاريع عمرانية وأعمال نافعة ونشر العلم وبناء قوى الجيش، طالبًا من الجميع أن يعمل كل من ناحيته وبقدر استطاعته على مساعدته في حمل أعباء الحكم، وقبل مغادرته الحجاز، وعد الملك سعود بتنفيذ مشاريع عدة على الفور وعلى رأسها توسعة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وبناء الطرق بينهما والخدمات الصحية فيهما، وأولى العاصمة الرياض اهتماما من حيث التخطيط والبناء الحديث والتوسع العمراني والحضاري.
تنظيم السياسة الداخلية
أبقى الملك سعود التشكيل الوزاري الأخير في عهد والده بإضافة عدة وزارات، وذلك في 16 ذي الحجة 1373هـ/15 أغسطس 1954م، ومنح رئاسة مجلس الوزراء لأخيه وولي عهده الأمير فيصل بن عبدالعزيز -الملك فيصل لاحقًا- ولما كان الملك سعود يُولي وزارة المعارف (وزارة التعليم حاليًا) اهتمامه الخاص عيّن أخاه الأمير فهد بن عبدالعزيز -الملك فهد لاحقًا- أول وزير لها، وضاعف ميزانية الوزارة أربعة أضعاف، وعيّن أحمد السديري وزيرًا للزراعة، وتولّى وزارة الصحة الدكتور رشاد فرعون، ووزارة التجارة والصناعة محمد علي رضا عام 1374هـ/1955م، كما ضمّ إلى عضوية مجلس الوزراء مجموعة من المستشارين، وأضاف دائرتين مهمتين إلى هذه الوزارة هما: إدارة العمل والعمال، والثانية الإذاعة في 1374هـ/1955م.
وضعت الحكومة الجديدة معالم التنمية المستقبلية عبر خطة خمسية للمرة الأولى في تاريخ المملكة، وفي نفس العام أنشئ ديوان المظالم، وعيّن أخاه الأمير سلطان وزيرًا للمواصلات 1374هـ/1955م، وافتتح الملك سعود عهده برحلات أخرى إلى بقية أنحاء المملكة لدراسة حاجتها للمشاريع والإصلاحات والاستماع إلى رغبات الأهالي، ابتداء بالمنطقة الشرقية ومنشآتها النفطية ومراكز الأحساء الزراعية، كما زار مناطق الشمال وعلى رأسها حائل والجنوب بما فيها عسير ونجران.
تحديد السياسة الخارجية السعودية
اعتمد الملك سعود سياسة خارجية ترتكز على العلاقات الودية مع كل الدول، وتوثيق الروابط مع الدول الحلفاء العرب والمسلمين، والحفاظ على الأمن والسلام، والمساهمة في تخفيف أخطار الحروب، والحفاظ على العلاقات بين الأمم بانتهاج الطرق السلمية، وحافظت المملكة في عهده على قوتها فتصدرت دولًا من حيث القوة، وهي نتاج تفوق أورثه الملك عبدالعزيز أبناءه من بعده، فأرست سلامًا إقليميًا غير مسبوق خلال العقود الماضية.
رسم الملك سعود الخطوط العامة لسياسته الخارجية في خطابه التاريخي في أول اجتماع لمجلس الوزراء، وأكد أنه سيسير على خطى والده الملك عبدالعزيز، وأول ما يهمه العمل على جمع كلمة العرب، وتأييد مصالحهم وحرصه على دور الجامعة العربية ودعم الإصلاح الشامل لميثاقها، والتزم بمبدأ نبذ ورفض سياسة الأحلاف مهما كان شكلها ومضمونها حرصًا على الوحدة العربية، وإعلان تأييده لكل قضايا التحرر العربي ضد الاستعمار وأهمها القضية الفلسطينية، وعزمه مناصرة العرب والتعاون معهم في أي ميدان، وفي أي مجال ممكن لمنع العدوان، ومن القضايا التي وضحت سياسته العربية موقفه من قضية الكويت عندما أعلن عبدالكريم قاسم حاكم العراق محاولته ضمها إلى العراق في 1381هـ/1961م فما كان من الملك سعود إلا الوقوف معها ومساعدتها.إنجازات تنموية في حكم الملك سعود
التنمية الاقتصادية في الدولة
أمر الملك سعود بإنشاء وزارة الاقتصاد الوطني، وضمّها إلى وزارة المالية وأن يكون مركزها مدينة جدة وسبق هذا الترتيب صدور أمر بتأليف مجلس اقتصادي إلا أن هذا المجلس لم يجتمع إلى أن أعيد تأليفه من أعضاء وزارتي المالية والاقتصاد ورئيس الغرفتين التجاريتين في مكة وجدة، وصدر نظام جديد لهذا المجلس في 23 شعبان 1373هـ/26 أبريل 1954م.
وفي 6 محرم 1374هـ/3 سبتمبر 1954م أصدر الملك سعود مرسومًا ملكيًا بدمج وزارة الاقتصاد الوطني ووزارة المالية، وتعيين الشيخ محمد سرور الصبان وزيرًا للمالية والاقتصاد الوطني، كما أنشئت وزارة التجارة بموجب مرسوم ملكي في 11 رجب 1373هـ/15 مارس 1954م، وأنشئت كذلك إدارة الشؤون الصناعية والكهرباء، وهذه الإدارة لا تكتفي بتشغيل الكهرباء فقط، وإنما إيجاد الصناعات لتحقيق القدرة الذاتية في التشغيل والصيانة.
ونظرًا لما تمثّله الثروة النفطية من مصدر حيوي واضح الأثر في الرقي بالبناء الاقتصادي، وانطلاقًا من المخزون الكبير الذي تملكه المملكة أمر الملك سعود باستمرار مرحلة البحث والتنقيب عن النفط في أراضي المملكة وعلى وجه الخصوص في المنطقة الشرقية، واكتشفت 8 حقول نفطية جديدة، ثم أمر بإنشاء مؤسسة وطنية للنفط والمعادن عرفت باسم "المؤسسة العامة للبترول والمعادن"، وكان من أبرز أهدافها الإسهام في مختلف أوجه النشاط التجاري الصناعي المتعلق بالبترول والمعادن.
وكان من أهم منجزات الملك سعود حصول المملكة على مناصفة أرباح دخل شركة خط الأنابيب العربية "التابلاين" الشركة المستقلة إداريًّا والتابعة لأرامكو والمملوكة من قبل الشركات الأربع المالكة لأرامكو "، وعلى الرغم مما تحقق من مناصفة في الأرباح وزيادة في الضرائب والريع، فإن الملك سعود كان عازمًا على طرح مبدأ المشاركة في ملكية أرامكو، وجاء أول تَبنٍّ لفكرة المشاركة في ملكية شركة أرامكو في 1383هـ/1963م، حتى تُوجت جهود الملك سعود بالتملك التام، بإنشاء وزارة خاصة للبترول، إيمانًا بأهمية استقلاليتها مثل بقية الوزارات وهكذا جاءت عنايته بإنشاء وزارة البترول والثروة المعدنية.
ولأهمية العملة كونها عنصرًا رئيسًا في البناء الاقتصادي عمِل الملك سعود على تحسين حالة النقد السعودي، بعد إنشاء مؤسسة النقد العربي السعودي في 14 محرم 1372 هـ/3 أكتوبر 1952م في أواخر عهد الملك عبدالعزيز، مما كان له أثر كبير في ازدهار الحركة الاقتصادية، لاسيما التبادل النقدي في الأسواق الكبيرة التي تتعامل معها المملكة، ویبرز دور الملك سعود بالنظر إلى وضعية النظام النقدي الذي كان سائدًا قبل افتتاح المؤسسة، إذ كانت تكثر العملات الأجنبية التي كانت متداولة بين أيدي الجمهور، وتستعمل على نطاق واسع في المملكة إضافة إلى العملة الرسمية مما جعله يعمل على طرح أول عملة نقدية ورقية.
الاهتمام بالتعليم
شهد التعليم في عهد الملك سعود نهضة في عدّة جوانب، من أهمها، إنشاء وزارة المعارف 1373هـ/1953م،
وهي امتداد لمديرية المعارف سابقًا، وأسند إليها التخطيط والإشراف على التعليم العام للبنين في مراحله الثلاث: الابتدائي ـ المتوسط ـ الثانوي، وكان الملك فهد هو أول وزير لها، وأنشئت الرئاسة العامة لتعليم البنات في 1380هـ/1960م واختير الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مشرفًا على تعليم البنات في المراحل الثلاث: ابتدائي ـ متوسط ـ ثانوي.وأنشئت جامعة الملك سعود 1377هـ/1957م التي تعد بداية التاريخ الحقيقي للتعليم الجامعي، وبدأت بكلية الآداب عام 1373هـ/1953م، وهي اليوم إحدى أهم وأكبر الجامعات في المملكة ومنطقة الشرق الأوسط، وأنشئت الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة 1381هـ/1961م وبدأت بكلية الشريعة في العام نفسه، ثم توسعت فيما بعد لتشمل التخصصات الدينية والعربية، وأنشئت جامعة الإمام محمد بن سعود وافتتحت أولًا كلية الشريعة عام 1373هـ/1953م في الرياض ثم كلية اللغة العربية في العام التالي، ثم المعهد العالي للقضاء عام 1385هـ/1965م فكانت هذه الجهات التعليمية نواة جامعة الإمام التي افتتحت لاحقًا في عهد الملك فيصل عام 1394هـ/1974م، وأنشئ معهد الإدارة العامة في 1380هـ/1960م لتلبية ما تحتاجه البلاد من طاقات بشرية قادرة على إدارة الأجهزة الحكومية والإسهام في التطوير الإداري، إلى جانب إنشاء "معاهد المعلمين الثانوية" في 1381هـ/1961م وجاءت بعد أن أدّت معاهد المعلمين الابتدائية دورها ثم ظهرت الحاجة لزيادة تثقيف الخريجين وإعدادهم، وأنشئت كلية البترول والمعادن في 1383هـ/1963م، ثم تحولت عام 1395هـ/1975م إلى جامعة البترول والمعادن ، وعُدّل اسمها عام 1407هـ/1997م إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
الخدمات الصحية
وجّه الملك سعود وزارة الصحة إلى تبنّي سياسة صحيّة وقائية تركّز على التوعية والتثقيف الصحي، وتنفيذًا لهذه السياسة أصدر توجيهاته بإنشاء محجر صحي كبير في جدة، وشراء 4 مستشفيات متنقلة، بلغت قيمتها مليونا وثمانين ألف ريال، وبتكلفة سنوية بلغت 400 ألف ريال، وكانت الغاية منها إيصال الخدمة الصحية والعلاجية لسكان البادية نظرًا لصعوبة وصولهم إلى المستشفيات المجهزة بالكامل في البدء، ثم توالى إنشاء المستشفيات في جميع أنحاء المملكة، ومن أهمها: مستشفى الملك سعود في الرياض، الذي افتتحه في 1376هـ/1956م، بسعة 54 سريرًا، وعُد آنذاك من أكبر وأحدث المستشفيات، كما أنشئت أول مصحة لأمراض السّل، ومصحة أخرى للأمراض العقلية في الطائف.
وأمر الملك سعود بإنشاء "معهد التدريب المهني" وتخرّجت أول دفعة من طلبته في 1381هـ/1961م وإنشاء أول مدرسة للممرضات عام 1380هـ/1960م، ورُبطت بالرئاسة العامة لتعليم البنات، كما أولى عنايته بالحجاج في النواحي الصحيّة وأنشأ المراكز الخاصة بهم، وزادت في عهده المستشفيات والمستوصفات الطبية، وافتتح الملك سعود مستشفى الشميسي بالرياض عام 1381هـ/1961م، وصار العلاج في المستشفيات على حساب الدولة، كما أرسل وحدات طبية كاملة بأطبائها وأدويتها، وجميع مستلزماتها لعلاج سكان البادية إسهامًا منه في خدمة المواطنين.
تطوير قطاع الدفاع والطيران
عمل الملك سعود على كل ما من شأنه تقوية الجيش السعودي، وتمكينه من تأدية دوره في حماية الوطن ومقدراته ومكتسباته، وتحقيق الأمن والاستقرار للبلاد، واستعان الملك سعود في سبيل ذلك بالوسائل العلميّة والأساليب الحديثة، وأولها إنشاء المدارس العسكرية في جميع مناطق المملكة، وهي على نوعين: مدرسة تثقيف الجنود وأسست هذه المدرسة لمحو الأمية بين صفوف الجنود وإيجاد الكتبة العسكريين للقيام بالوظائف الكتابية في الوحدات، والمدارس الابتدائية والثانوية ويبلغ عددها في جميع أنحاء المملكة 18 مدرسة تيسر لكل فرد من أبناء الشعب الالتحاق بها وتمد هذه المدارس كلية الملك عبدالعزيز الحربية في الرياض بالطلبة، إضافة إلى المدارس الثانوية الأخرى.
كما أنشئت مدارس تخصصيّة هي "مدارس الجيش" وتختص بإعداد أفراد الجيش فنيًا، يُدرب فيها الطلبة على كل الأعمال الحربية، مثل: المشاة، والمدفعية، والمدرعات، والإشارة، والتربية البدنية، والصيانة، والمهندسين، والشرطة العسكرية، والتمريض، والموسيقى، ويعد إنشاء كلية الملك عبدالعزيز الحربية في الرياض من الأعمال الكبيرة التي تحققت في عهد الملك سعود، وتخرّج في الكلية عدد كبير من الضباط الذين شغلوا مراكز مهمة في الجيش السعودي، وكان جميع معلمي الكلية هم ضباط سعوديون تلقوا تعليمهم العسكري خارج المملكة في أرقى الكليات الحربية.
وفي سبيل إنشاء قوة بحرية تحمي شواطئ المملكة الممتدة في الشرق والغرب، أنشأت وزارة الدفاع والطيران قيادة القوات البحرية، وأرسلت بعثات بحرية للدراسة في الكليات البحرية خارج المملكة، كما أنشأت معهدًا بحريًا في مدينة الدمام مطلع عام 1377هـ/1957م لتخريج الضبّاط البحريين وجنود السلاح البحري، وتأسس "سلاح المظلات والطيران" الذي حقّق تقدمًا عظيمًا على الرغم من حداثته، وانخرط جنود الجيش بشجاعتهم للتطوّع في هذا السلاح الذي أمر الملك بإنشائه في عام 1374هـ/1954م.
ولتطوير قدرات طياري الطائرات العسكرية السعودية أنشأ سلاح الطيران مدارس تخصصية، هي: مدرسة الطيران، ومدرسة الميكانيكا، وهندسة الطيران، ووقف على تدريب الطيارين خبراء سعوديون تلقوا دراستهم في كليات الطيران العالمية، إلى جانب إرسال وزارة الدفاع والطيران بعثات عسكرية إلى الخارج لتلقي الدراسات والتدريبات العسكرية، وكانت وزارة الدفاع والطيران تشرف على الخطوط الجوية السعودية التي تعتبر أوسع خطوط طيران في الشرق الأوسط وتقدم خدماتها لجميع المواطنين والحجاج.
وفي عهد الملك سعود شهد سلاح الطيران الملكي دعمًا كبيرًا شكّل نواة أول مدرسة منظمة لتعليم الطيارين والفنيين العلوم الجوية الحديثة في مدينة جدة، مع استمرار ابتعاث الطلبة لدراسة الطيران في الخارج، وافتتحت مدرسة سلاح الطيران في 30 ربيع الآخر 1373هـ/5 يناير 1954م، كما تقرر تحويل مدرسة أعمال المطارات في مطار الظهران التي أنشئت في 1376هـ/1956م إلى مدرسة عسكرية تختص بتدريس التخصصات الفنية التي يحتاجها سلاح الطيران، وأطلق عليها في 1374هـ/1954م مدرسة سلاح الطيران الفنية، وفي هذه المرحلة تشكّلت الأسراب الأولى في القوات الجوية، ومنها السرب الأول المتنوع، والمجموعة الأولى المؤلفة من طائرات نقل ومواصلات من طراز "داكوتا سكاي ماستر" وطائرات تدريبية متنوعة وقاذفات من طراز "بي - 26" وطائرات نقل عسكري.
كما تشكّل سرب المواصلات في قاعدة جدة بطائرات من طراز "داكوتا" و"سكاي ماستر - سي 254"، وفي 1377هـ/1957م اشترت المملكة طائرات من نوع "بروفايد - س 13"، أما سرب القاذفات "بي - 26" فشكل نواة التكوين للسرب الثالث في قاعدة سلاح الطيران بجدة والذي عرف باسم "سرب القاذفات"، واستكمالًا للجهود المبذولة لبناء سلاح الطيران وجعله قوة عصرية اشترت المملكة 20 طائرة من المقاتلة النفاثة "دي هافيلاند فامباير" لتشكيل السرب الخامس الذي عرف باسم "سرب المقاتلات"، كما وافقت الولايات المتحدة على تزويد المملكة بطائرات من طراز "تي - 33" وبسرب من مقاتلات "إف - 86"، واتفقت الحكومة السعودية مع الولايات المتحدة على إنشاء مرفق تدريبي في مطار الظهران، وتشكيل ما يعرف بوحدة تدريب القتال في مطار الظهران، وبعد تأسيس الأسراب المتخصصة أصبح لسلاح الطيران العديد من القواعد الجوية التي أهلته للانطلاق في مسارات التطوير والتحديث. كما افتتح الملك سعود في 2 شوال 1374 هـ/23 يونيو 1954م مصنعًا للذخائر الحربية في مدينة الخرج، وهو أول مصنع في المملكة يعمل لإنتاج العتاد والأسلحة الخفيفة تولت إنشاءه شركة فرنسية.
الثقافة والإعلام
أصدر الملك سعود في 1374هـ/1955م مرسومًا ملكيًا بتأسيس "المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر"، وقسمت إلى قسمين، قسم الإذاعة وقسم الصحافة والنشر، كما أسست مكاتب صحفية في السفارات والمفوضيات مع إصدار مجموعة من النشرات والمجلات والكتب بأسلوب منتظم مع مكتبة أرشيف وقسم خاص للتصوير والدعاية والإعلام، ووضعت اللوائح الخاصة بتنظيم الطباعة والنشر، كما أمر الملك سعود بتطوير برامج الإذاعة، وزاد قوّة الإرسال لتتمكن من أداء رسالتها وانطلق صوت المملكة إلى الشرق الأوسط كله مقيدًا بمبادئ الفضيلة والأخلاق والدعوة إلى الحق والعدالة.
ووافق الملك سعود على إنشاء التلفزيون لعرض كل ما هو صالح ومفيد وتعليم الشعب وتثقيفه ثقافة جديدة من خلال اطلاعه على العالم الخارجي، فكانت وسائل الإعلام هذه تبث الأحاديث والقرآن الكريم والمواعظ الدينية والمحاضرات التاريخية عن الإسلام والعرب، وعزّز ذلك من النهوض بالمستوى الفكري والحضاري والوجداني للمواطنين والتي تعالج المشكلات الاجتماعية والثقافية. ووضع الملك سعود حجر الأساس لمشروع الإذاعة الكبير في جدة.
عمارة الحرمين الشريفين وكسوة الكعبة
أولى الملك سعود الحرمين الشريفين عناية خاصة، فكان من الأولويات في عهده ترميم الكعبة المشرفة وتوسعة الحرمين، ويعد الترميم الخاص ببناء الكعبة أول ترميم منذ إعادة بنائها قبل نحو 3 قرون كما أصبحت كسوة الكعبة في عهده تُنسج وتُطرّز في مصنع خاص أنشئ لها في مكة المكرمة، وفي 24 شعبان 1375هـ/5 أبريل 1956م وضع الملك سعود حجر الأساس لمشروع توسعة المسجد الحرام، وكُلّفت لجنة عليا برئاسة الأمير فيصل -ولي العهد حينها- للإشراف على المشروع، وتمت توسعة شاملة لبيت الله الحرام، وعمارته في ثلاث مراحل، شملت إزالة المنشآت السكنية والتجارية المجاورة للمسعى، وإزالة المباني القريبة من المروة، وإنشاء طابق علوي للمسعى بارتفاع تسعة أمتار مع إقامة حائط طولي ذي اتجاهين، وتخصيص مسار مزدوج، يستخدمه ذوو الكراسي المتحركة في سعيهم مع إقامة حاجز وسط المسعى، يقسمه إلى قسمين تيسيرًا للساعين.
وأنشئ للمسجد الحرام 16 بابًا في الجهة الشرقية ناحية المسعى، ودرج بمسارين لكل من الصفا والمروة؛ خُصص أحدهما للصعود والآخر للهبوط، كما أُنشئ مجرى بعرض خمسة أمتار وارتفاع يتراوح ما بين أربعة وستة أمتار، لتحويل مجرى السيل الذي كان يخترق المسعى ويتسرب إلى داخل الحرم. كما تمت توسعة منطقة المطاف، وإقامة السلالم لبئر زمزم، وكان المطاف بشكله البيضوي يسبب تزاحم الطائفين حول الكعبة المشرفة، وزال هذا الوضع بعد إجراء توسعة المطاف، وأزيلت قبة زمزم التي كان يستخدمها المؤذنون وأنشئ لهم مبنى خاص على حدود المطاف، وتوسعت مساحة مسطحات المسجد الحرام، وأصبح الحرم المكي يتسع لنحو 400 ألف مصل، وشملت هذه التوسعة ترميم الكعبة المشرفة وتوسعة المطاف وتجديد مقام إبراهيم عليه السلام.
وتزامنت توسعة الحرم النبوي الشريف مع الحرم المكي في عهد الملك المؤسس، وأُزيلت الأروقة الثلاثة في صحن المسجد الشرقي والغربي والشمالي، وبقي الرواق الجنوبي، وجُلب لهذا العمل المهندسون والفنيون والإداريون والمحاسبون والعاملون، كما جُلبت الآلات والمعدات الحديثة، وأنشئ مكتب خاص لإدارة هذا العمل والإشراف عليه، وفي 13 ربيع الأول 1372هـ/30 نوفمبر 1952م وضع الملك سعود (ولي العهد آنذاك) حجر الأساس، وفي 11 شعبان من العام نفسه بدأت الأعمال في حفر الأساسات في الجهة الغربية، وفي عام 1373هـ/1954م بدأ الملك سعود -حين كان وليًّا للعهد- بيده عمارة المسجد النبوي، ووضع أربعة أحجار في إحدى زوايا الجدار الغربي تأسيًا بالرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-، وكتب على هذه الحجارة تاريخ بنائها، وفي هذه التوسعة شقت الشوارع، وخططت الميادين، لتكون منطقة توصيل وتوزيع وخدمة للمسجد النبوي الشريف، وعددها ستة شوارع رئيسة، إضافة إلى توسعة ثلاثة شوارع، أما الميادين التي أنشئت حول المسجد النبوي الشريف فهي: ميدان باب السلام، وميدان باب المجيدي، وميدان باب جبريل في الناحية الشرقية.
وافتتح الملك سعود التوسعة في ربيع الأول 1375هـ/أكتوبر 1955م بحضور وفود من البلاد العربية والإسلامية وعدد من العلماء والوزراء، في الجهة الغربية من المسجد النبوي الشريف، وافتتح بنفسه الباب السعودي للمسجد النبوي.
التنظيم القضائي
ضمن جهود الملك سعود في حفظ الحقوق وتحقيق العدالة والتنظيم القضائي أنشئ "ديوان المظالم" في عام 1373هـ/1954م، بوصفه إدارة عامة ضمن شُعب مجلس الوزراء، واستقل الديوان عن مجلس الوزراء في 17 رمضان 1374هـ/9 مايو 1955م، وعمل الديوان على تطبيق جميع الأنظمة والقواعد النظامية الصادرة من ولاة الأمر، ومن اختصاصاته الفصل في الدعاوى التي تُرفع إليه، ومكافحة الرشوة، والفصل في تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة من محاكم الدول العربية، والمشاركة في مجالس التأديب الخاصة بمحاكمة موظفي المرتبة الثانية فما فوق ما عدا الوزراء، وعمل جنبًا إلى جنب مع القضاء الشرعي بمحاكمه وتشكيلاته المتعددة.
تنظيم أجهزة الدولة
تُعرف أجهزة الدولة في تلك الفترة بأنها "ديوان الموظفين" و"ديوان المراقبة العامة"، و"ديوان المظالم" وأنشئ ديوان الموظفين في عهد الملك عبدالعزيز، ولم يُفعَّل دوره وتُطبق لائحته إلا في عهد الملك سعود، واكتسب أهمية خاصة بعد أن صدر قرار مجلس الوزراء عام 1373هـ/1954م الخاص بنقل ديوان الموظفين من وزارة المالية وإلحاقه برئاسة مجلس الوزراء، وهذا الديوان هو الجهة المسؤولة والمختصة بمراقبة تنفيذ الأنظمة والتعليمات ذات الصلة بشؤون الموظفين، وكانت تلك هي المرة الأولى في تاريخ التنظيم الإداري التي أصبح فيها ديوان الموظفين هو المسؤول عن شؤون الموظفين.
أما ديوان المراقبة العامة فأنشئ في عهد الملك سعود بمرسوم ملكي في 1373هـ/1954م، وكان الهدف منه أن يتولى تدقيق جميع حسابات الدولة والتحقق من صحة قيود الإيرادات والنفقات في جميع الوزارات والدوائر التي تنفق عليها الدولة، ويرأس هذه الشُعبة "مراقب حسابات الدولة العام" ويُعين بمرسوم ملكي، ويكون مسؤولاً مسؤولية كاملة أمام الملك نفسه وهو مرجعه الأول.
جوانب من سيرة الملك سعود بن عبدالعزيز
إنسانية الملك سعود
عُرفت للملك سعود أعمال إنسانية عظيمة في مختلف سُبل الخير، وفي كل ما يعود بالنفع على أفراد المجتمع السعودي، وكان حريصًا على الاستماع إلى شكاوى الناس وتفقد أحوالهم، وإجابة طلباتهم، ولم تقف مساعداته على الشعب السعودي فقط، بل امتدت لتشمل جميع العرب فدعم مختلف الهيئات والمؤسسات التي تقوم على خدمة اللاجئين الفلسطينيين ورعاية شؤونهم، إلى جانب "المستشفيات المتنقلة" التي تجوب المملكة وكان يدفع تكاليفها من حسابه الخاص من رواتب أطبائها وممرضيها وأدويتها وصيانتها.
كما تحمّل الملك سعود سداد القروض العقاريّة والزراعيّة عن المزارعين الفقراء، التي بلغت أكثر من 4 ملايين ريال حسب البيانات الموجودة، وفي المدينة المنورة ومحافظة البكيرية أعفى المزارعين من القروض، وفي المنطقة الشرقية والأحساء والقطيف دفع من حسابه الخاص 2.5 مليون ريال للمزارعين، كما اهتم بعمارة المساجد وعمل على ترميمها، ففي الحجاز بنى 195 مسجدًا بلغت تكلفتها ثلاثة ملايين ونصف المليون، وبُنيت مئات المساجد في جميع أنحاء المملكة، وأنشئت المعاهد العلمية الدينية التي يدفع فيها معاشات خاصة للطلبة لتشجيعهم على الدراسة الدينية، كما كان يشجع على حفظ القرآن الكريم بمكافآت مالية سخية.
وفاة الملك سعود بن عبدالعزيز
توفي الملك سعود في أثينا عاصمة اليونان في 1388هـ/1969م، ونُقل جثمانه إلى مكة المكرمة وصلي عليه في المسجد الحرام، ودفن في مقبرة العود بالرياض.
المصادر
سيرة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود. علي بن عثمان الزندي. النادي الأدبي بمنطقة الباحة. 1431هـ/2010م.
مكتبة الملك عبدالعزيز العامة.وزارة الخارجية.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة