
نظام مجلس الشورى في عهد الملك عبدالعزيز، هو منهج أساسي في نظام الحكم السعودي، استمد مشروعيته من الشريعة الإسلامية، أُسس في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، واستمر دون انقطاع في التطور والتغير عبر عدة مراحل، وصولًا إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود.
مراحل تكوين نظام الشورى في عهد الملك عبدالعزيز
استند الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود إلى مبدأ الشورى في جميع تعاملاته وأعماله، تحديدًا في أعماله السياسية والإدارية والعسكرية، حيث دعا إلى الشورى بوصفها ركيزة أساسية في نظام الحكم، مستمدًا ذلك من الشريعة الإسلامية.
ومما يؤكد تطبيق الملك عبدالعزيز لمبدأ الشورى ما قاله في اجتماع مكة المكرمة 'إنني كثير الاهتمام براحتكم، وأفكر دائمًا في الطرق التي تمكنني من خدمتكم الخدمة الحقيقية، التي تؤمن لكم ولعموم هذا البلد المطهر الراحة والاطمئنان، وإن كثرة مشاغلي بتنظيم الأمور في هذه الديار، وفي غيرها من بلداننا تجعل وقتي يقصر عن شكاوى كل فرد منكم، ومعرفة حاجاته، ولا شك أن بلدًا كهذا البلد الكبير الواسع يحتاج لكثير من الأمور والأحوال، ولا يمكنني الوقوف عليها بنفسي منفردًا، ولا أريد أن أستأثر بالأمر في بلادكم دونكم، وإنما أريد مشورتكم في جميع الأمور، تقول العرب إن الرجال ثلاثة، رجل، ونصف رجل، ولا رجل، فأما الرجل الذي عنده رأي، ويستشير الناس في أموره، ونصف الرجل من ليس عنده رأي، ويستشير الناس، وليس برجل من ليس عنده رأي، ولا يستشير الناس...'.
استمر مبدأ الشورى نظامًا للحكم منذ دخول الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود إلى مكة المكرمة حتى بعد توحيد البلاد مرورًا بمراحل وتطورات عدة، وفقًا لمستجدات العصر وتغيرات خارجية وداخلية، هي:
مجلس الشورى الأهلي عام 1343هـ/1924م
أُسس أول مجلس منتخب تحت مسمى 'مجلس الشورى الأهلي' في 24 جمادى الأولى 1343هـ/20 ديسمبر 1924م، وضم في عضويته نحو 12 عضوًا. وقبل اكتمال بناء الدولة، صدر بيان ملكي بإسناد المواد الأساسية لإدارة البلاد للمجلس آنذاك، واستمرت أعماله نحو ستة أشهر.
مجلس الشورى الأهلي عام 1344هـ/1925م
أصدرت الإدارة السلطانية أمرًا بتشكيل مجلس منتخب يمثل جميع أحياء -حارات- مكة المكرمة، وعددها نحو 12 حيًا، بهدف توسيع دائرة المشاركة، وشملت عضويته اثنين من العلماء، وواحدًا من التجار، وثلاثة أعضاء من أعيان البلد يعينهم السلطان عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وكان المجلس محكم التنظيم مقارنة بسابقه، لوجود نائب للرئيس، وأمين للسر.
افتُتح المجلس في 13 محرم 1344هـ/2 أغسطس 1925م، وشملت تعليمات تشكيل المجلس ست مواد، هي: تنظيم الأمور في المحاكم، والبلدية، والأوقاف، والتعليم، والأمن، والتجارة، إلى جانب تشكيل لجان دائمة معنية بحل المشكلات التي يرجع فيها إلى العرف ولا يتعارض مع أصول الشريعة الإسلامية، كما حُددت شروط العضوية، ومن لهم حق الاقتراع، وآخر موعد للاقتراع.
وفي 22 جمادى الآخرة 1344هـ/6 يناير 1926م، أعلن أهل الحجاز البيعة للملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود ملكًا عليهم، وفي اليوم التالي تجمع الناس حول باب الصفا من داخل المسجد الحرام ومن خارجه، وحضر الملك عبدالعزيز، وألقى خطبة لهذه المناسبة، ثم قدم الناس من جميع أنحاء البلاد يبايعونه بالملك ويعاهدونه على السمع والطاعة، وفي اليوم نفسه تقرر أن يكون اسم رئيس الحكومة 'ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها'، ثم شكلت هيئة تأسيسية من 56 شخصًا. ورشحوا من بينهم لجنة مكونة من 13 شخصًا لدراسة مواضيع عدة، وهي: تعيين شكل الحكومة، ووضع أساسات لتشكيلاتها الداخلية، إضافة إلى تعيين شكل العلم والنقود.
وفي 2 ذي القعدة 1344هـ/13 مايو 1926م، صدر أمر من الملك عبدالعزيز بتأليف مجلس استشاري في كل من مكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة، وينبع، والطائف، بهدف النظر في المسائل المحلية المهمة، واعتمد في هذه المجالس على الانتخاب بدرجة واحدة، وكان من يحق لهم الانتخاب: العلماء، وأعيان البلاد، والتجار، ورؤساء الحرف والمهن، كما ضم المجلس 13 عضوًا: أربعة أعضاء من مكة المكرمة، واثنان من المدينة المنورة، وثلاثة من جدة، واثنان من ينبع، وواحد من الطائف، وثلاثة من رؤساء العشائر، واستند في اختيار الأعضاء إلى توافر شروط عدة، هي: إجادة القراءة والكتابة، وحسن السيرة، وعدم صدور أحكام مخلة بالدين والشرف، ومدة عضويتهم عام واحد.
مجلس الشورى عام 1345هـ/1926م
صدرت موافقة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على التعليمات الأساسية لنظام الحكم في 21 صفر 1345هـ/29 أغسطس 1926م، وتضمنت التعليمات القسم الرابع الخاص بالمجلس، منها: تغيير المسمى إلى 'مجلس الشورى' بدلًا من الاسم السابق 'مجلس الشورى الأهلي'، وتشكيل أعضائه الذين بلغ عددهم 12 عضوًا، إضافة إلى تحديد مقره ومواعيد انعقاد جلساته، ومن لهم حق حضور الجلسات، وكانت مدة عضويته عامًا واحدًا.
مجلس الشورى عام 1346هـ/1927م
صدر أمر ملكي بتعديل القسم الرابع من التعليمات الأساسية الخاص بمجلس الشورى في 9 محرم 1346هـ/8 أغسطس 1927م، وعمل المجلس حسب النظام الجديد المعدل على خمس عشرة مادة، تضمنت هذه المواد: تحديد رئيس مجلس الشورى -النائب العام- وأحد مستشاريه، والسكرتير -أمين السر- وثمانية أعضاء، واعتمد في انتخاب الأعضاء على ترشيح أربعة بعد استشارة أهل العلم والخبرة، وأربعة اختارتهم الحكومة حسب معرفتها، منهم اثنان من أهل نجد، ومدة عضويتهم عامان، ويُغير نصف الأعضاء كل عام، كما يحق للملك حل مجلس الشورى وتغيير أعضائه أو عزلهم.
واعتمد في انتخاب أعضاء مجلس الشورى على توافر مواصفات محددة، هي: ألا يقل عمر العضو عن 25 سنة، وأن يكون من أهل الخبرة والمعرفة، وألا يكون محكومًا عليه بأحكام مخلة بالشرف، ولا مفلسًا، إضافة إلى أن يكون حسن السلوك. وأسند لمجلس الشورى عدة أعمال، منها: موازنات دوائر الحكومة والبلدية، وموازنة عين زبيدة، والرخص للعمل على المشاريع العمرانية والاقتصادية، والامتيازات والمشاريع المالية، ونزع الملكية للمنافع العمومية، وسن القوانين والأنظمة، وغيرها.
وانقسم مجلس الشورى وفق النظام إلى لجنتين تولت كل واحدة دراسة المعاملات التي يسندها إليها سكرتير المجلس، وكان ينعقد مجلس مرتين في الأسبوع، أو أكثر من ذلك كلما دعت الحاجة لذلك، بحضور الرئيس وأربعة من الأعضاء، وكانت تُصدر القرارات بموافقة مجموع أصوات المجلس آنذاك، كما يدعى في المجلس رئيس الدائرة ذو العلاقة ببحث المجلس في مسألة لها علاقة بدائرته، ويمكن للمجلس أن يلفت نظر الحكومة إلى أي خطأ وقع في تطبيق القوانين والأنظمة المعروفة، وإذا عرضت الحكومة مشروعًا على المجلس، ورفضه أو عدلت فيه تعديلات لم توافق عليها الحكومة، يتعين على النائب العام أن يُعيد المشروع إلى المجلس لاتخاذ الإجراء الذي ينص عليه النظام.
ويمثل عام 1346هـ/1927م التأسيس الفعلي لمجلس الشورى في عهد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وافتتح الملك دورته الأولى في 14 محرم 1346هـ/13 يوليو 1927م، ثم عُقدت جلسته الأولى في 18 محرم 1346هـ/17 يوليو 1927م.
مجلس الشورى عام 1347هـ/1928م
اقتضت المصلحة عام 1347هـ/1928م إجراء بعض التعديلات على نظام مجلس الشورى في نحو 14 مادة، منها: زيادة أعضاء المجلس إلى نحو 12 عضوًا، بدلًا من ثمانية أعضاء، وأن يعين الملك نائبًا دائمًا للمجلس، وأن ينتخب المجلس نائبًا ثانيًا له، وأن تُعقد جلسات المجلس يوميًا بدلًا من مرتين في الأسبوع. وفي العام نفسه صدر ملحق للنظام، ضم سبع مواد مكتوبة بشكل مناسب ومنظم لسير أعمال المجلس، ثم صدر نظام معدل للمجلس تحت مسمى 'النظام الداخلي لمجلس الشورى' وشمل 24 مادة.
واستمر نظام مجلس الشورى دون تعديل في ممارسة صلاحياته حتى أُسس مجلس الوزراء عام 1373هـ/1953م، ثم جرى توزيع صلاحيات مجلس الشورى بين مجلس الوزراء والأجهزة الحكومية الحديثة وفقًا لأنظمتها، وواصل مجلس الشورى عقد جلساته واستعرض ما يحال إليه حسب نظامه.
المصادر
موسوعة المملكة العربية السعودية.
ملامح عن نظام مجلس الشورى في عهد الملك عبدالعزيز. مصطفى أمين جاهين. 1992م.
الشورى عند الملك عبدالعزيز: 1293- 1373هـ/1876-1953م. شيخة محمد العوني. 2024م.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة