الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في السعودية، هي استراتيجية طويلة الأمد (2006 ـ 2030) وضعتها المملكة العربية السعودية ضمن عدة خطط عمل، تبنّت من خلالها مفهوم التحول الرقمي الحكومي عن طريق استبدال العمليات التقليدية بالعمليات الرقمية، بهدف الوصول إلى حكومة رقمية متكاملة في ظل التطور السريع في عالم التقنية، واتجاه الحكومات نحو الرقمنة في جميع خدماتها.
في إطار تنظيم المملكة العربية السعودية لعمليات التحول الرقمي ومواجهة استحقاقات المستقبل، أطلقت في عام 1437هـ/2016م رؤية السعودية 2030، والتي تشمل تفعيل مسار التحول الرقمي الوطني، ولذلك صدر في عام 1438هـ/2017م الأمر الملكي بإنشاء اللجنة الوطنية للتحول الرقمي، وهي لجنة تتكون من 13 عضوًا، وكذلك إنشاء وحدة التحول الرقمي، لتكون الذراع التنفيذية للجنة وتعمل على قيادة التحول الرقمي في المملكة.
سعت الخطة الاستراتيجية الأولى (2006-2010م) إلى أن يحصل الجميع بنهاية عام 2010م، على الخدمات الحكومية عالية الجودة باستخدام وسائل إلكترونية آمنة، من أي مكان وفي أي وقت، من خلال توفير خدمات متقدمة وزيادة مستوى كفاءة وفعالية القطاع الحكومي.
ومواصلة لخطط التطوير والتوسع الرقمي قدم برنامج "يسّر" (سابقًا) الخطة الاستراتيجية الرقمية الثانية مع خطة عملها خلال الفترة من عام 2012 - 2016م، بالتعاون مع الجهات الحكومية والجامعات والقطاع الخاص وممثلي المجتمع المدني بشكل عام، إضافة إلى السعي للحصول على دعم الشركات الاستشارية والمستشارين الدوليين في الحكومة الإلكترونية.
وعملت الخطة الاستراتيجية الثانية على تطوير المهارات والتأهيل بالتركيز بشكل أساس على بناء قوة عاملة مستدامة للحكومة الإلكترونية، وتحسين تجربة المواطنين مع الجهات الحكومية، وكان الهدف الأبرز هو تطوير ثقافة التعاون والابتكار بما يعزز كفاءة الخدمات التي تقدمها الجهات الحكومية. كما رسخت الاستراتيجية الثانية الأسس الخاصة بكل من: المشاركة الإلكترونية، والخدمات الإلكترونية، والتطبيقات الوطنية المشتركة والبنية التحتية، بالإضافة إلى إدارة التغيير.
الخطة الأولية لاستراتيجية الحكومة الذكية (2020 ـ 2022)
اعتمدت السعودية استراتيجية الحكومة الذكية من عام 2020م إلى 2024م، وحددت الاستراتيجية تطلّع المملكة ورؤيتها وأهدافها ومبادراتها المتعلقة بالتحوّل الرقمي خلال هذه الفترة. كما اعتمدت الخطة العديد من المبادرات الاستراتيجية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة باتخاذ إجراءات ونُهج ابتكار للمواءمة مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ورؤية السعودية 2030.
ووضعت الخطة هدفًا طموحًا يتمثّل في إحداث تحوّل في حكومة المملكة لتتسم بالمرونة والقدرة والابتكار الذي يُمكّنها من توفير تجارب حكومة ذكية جديدة وسلسة للمواطنين تتمحور حول احتياجاتهم.
وتتفق الاستراتيجية مع أهداف رؤية السعودية 2030 وغاياتها الاستراتيجية، حيث ينصب تركيزها الأساسي على إحداث التحوّل الرقمي في الحكومة وبناء قدرات حكومة ذكية يُشهد لها دوليًا.
ووُضعت استراتيجية الحكومة الذكية في البداية لتحقيق هدف طموح بحلول عام 2024م، إلّا أنه صدر قرار بإعادة هيكلة الحكومة الرقمية للمملكة، وأفضى إلى إنشاء هيئة الحكومة الرقمية، واستُبدلت الخطة باستراتيجية حكومة رقمية في عام 2023م.
وبعد اعتماد نموذج حوكمة جديد للحكومة الرقمية في المملكة وإنشاء هيئة الحكومة الرقمية، خُفّضت مدّة استراتيجية الحكومة الرقمية في الفترة من عام 2020م إلى 2024م لتصبح حتى عام 2022م، واعتُمدت نسخة جديدة من استراتيجية الحكومة الرقمية مستوحاة من رؤية السعودية 2030.
استراتيجية الحكومة الرقمية (2023 ـ 2030)
تحدّد استراتيجية الحكومة الرقمية (2023 - 2030م) تطلّعات المملكة ورؤيتها وأهدافها ومبادراتها وخارطة طريقها، حيث تتجه معظم المبادرات الاستراتيجية نحو تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ورؤية السعودية 2030. وتسترشد الاستراتيجية بأهداف الرؤية وغاياتها الاستراتيجية وتتوافق معها.
ووضعت استراتيجية الحكومة الرقمية هدفًا طموحًا يتمثّل في أن تقدّم الحكومة، بحلول عام 2030م، خدمات حكومية رفيعة المستوى تلبي احتياجات المواطنين بكفاءة وفعالية.
كما تتطلع الحكومة عام 2030م إلى أن تُصنّف ضمن المراتب العشرة الأولى في مجال الحكومة الرقمية، وذلك من خلال: تحقيق رضا شعبي كبير وجودة حياة ممتازة في ظل خدمات الحكومة الرقمية. وتعزيز أداء الأعمال بصورة أساسية عن طريق استخدام المنظومة الرقمية. وإحداث تحوّل في الحكومة عن طريق دمج التقنيات الرقمية في العمليات والقرارات. ودفع كفاءة الحكومة الرقمية وإنتاجيتها. والاستفادة من البيانات المفتوحة لتحسين المشاركة والشفافية والمساءلة. وتقليل انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في جميع مراحل تقديم الخدمات العامة الرقمية.
وتحدّد الاستراتيجية ست ركائز استراتيجية و16هدفًا استراتيجيًا لتحقيق تطلّعات المملكة ورؤيتها. وتشمل الركائز الاستراتيجية الستة: رضا المواطن، وتمكين الأعمال، والحكومة الفعّالة، والاستثمار الفعّال، والمنظومة المنظّمة، وتسريع عملية التحوّل.
وُضعت الاهداف الاستراتيجية الستة عشر لتحقيق رؤية استراتيجية الحكومة الرقمية وتم توزيعها على الركائز الاستراتيجية الستة:
ففي جانب رضا المواطن، تتمثل الأهداف في العمل على ضمان رضا المواطنين عن استخدام الخدمات الرقمية، وتعزيز مشاركة المواطنين السعوديين لزيادة الثقة في الحكومة.
وفي مجال تمكين الأعمال، يتم تزويد القطاع الخاص في المملكة بقيمة اقتصادية مضافة. وتعزيز القدرة التنافسية السعودية للاقتصاد المحلي.
وعلى صعيد الحكومة الفعّالة، يتم تمكين عملية صنع قرارات حكومية قائمة على الأدلة بين أجهزة الحكومة، وزيادة استخدام الخدمات العامة المشتركة بين أجهزة الحكومة في المملكة.
وفي إطار الاستثمار الفعّال، يتم زيادة العائد الاقتصادي المتأتي من الاستثمار الرقمي في السعودية، وتحسين مشاركة القطاع الخاص وتطوير المحتوى المحلي في المملكة.
وفي جانب المنظومة المنظّمة، يتم تنفيذ إطار تنظيمي فعّال ومنسّق للمملكة، وتحقيق اعتماد كلي للهويات الرقمية الوطنية الموثوقة في المملكة.
ومن أجل تسريع عملية التحوّل، وُضع عدد من الأهداف تتمثل في تعزيز التصوّر العالمي للحكومة الرقمية للمملكة وزيادة التصنيفات العالمية، وتعزيز القدرات والمهارات ودعم الثقافة الرقمية، والاعتماد الكامل على السحابة فيما يتعلق بالبنية التحتية الرقمية المرنة، وتمكين إدارة التغيير والتواصل والحوكمة، وتعزيز الحكومة الخضراء والابتكار واستخدام التقنيات الناشئة، وتمكين منظومة حكومية محوّلة رقميًا.
هيئة الحكومة الرقمية
تأسست هيئة الحكومة الرقمية، وفقًا لقرار مجلس الوزراء في عام 1442هـ/2021م، وهي الجهة المعنيَّة بكل ما يتعلق بالحكومة الرقمية، وتُعد المرجع الوطني في شؤونها، تتمتع بشخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري، وتهدف إلى تنظيم أعمال الحكومة الرقمية في الجهات الحكومية، في سبيل الوصول إلى حكومة رقمية قادرة على تقديم خدمات رقمية تخدم المواطن، وتحقيق التكامل في مجال الحكومة الرقمية بين جميع الجهات الحكومية.
وتشارك الهيئة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية، ووضع المعايير الفنية لنماذج التحول الرقمي الحكومي، وإجراء الدراسات والأبحاث في مجال الحكومة الرقمية، كما تقوم الهيئة بمساندة الجهات الحكومية فيما يتعلق بخدمات الحكومة الرقمية لتبني وتمكين التقنيات الحديثة، بالإضافة إلى مهام أخرى.
ومن خلال جهودها لتحسين المنظومة الرقمية وجعلها أكثر مواكبة لتطورات التحول الرقمي، عملت هيئة الحكومة الرقمية على تطوير توجهات الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية لتحقيق أهداف وتطلعات استراتيجية محددة خاصة بالمملكة لتصبح بدورها هي الحكومة الرقمية الرائدة في العالم. وحددت تلك التوجهات الأهداف التي يتعين تحقيقها على مرحلتين: تهدف المرحلة الأولى إلى بناء حكومة المستقبل الرقمية من خلال تسريع نموها وفرض الحوكمة والتنظيم، أما المرحلة الثانية فتستهدف تحقيق التميز في الخدمات الحكومية الرقمية والوصول إلى الريادة العالمية في المؤشرات والمراتب الدولية.
وحدة التحول الرقمي
تُعد وحدة التحول الرقمي أحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030، وتعمل على تسريع التحول الرقمي في المملكة عن طريق التوجيه الاستراتيجي والإشراف عبر التعاون المشترك مع الجهات الحكومية والخاصة، في سبيل رفع مؤشر المملكة لتكون أعلى الدول المتطورة رقميًّا على مستوى العالم، من خلال تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة تعتمد على تعزيز قيم ومفاهيم الابتكار والاستثمار في المواهب الشابة.
ومع التوسع الرقمي في مختلف الوزارات والجهات في القطاعين العام والخاص تحققت العديد من الإنجازات الرقمية، ففي عام 2020م حققت المملكة المرتبة الثانية عالميًّا في الأمن السيبراني للشركات، والمرتبة السابعة عالميًّا في تمويل التطوير التقني، والمرتبة الثامنة بين دول مجموعة العشرين والمرتبة الـ24 عالميًّا، والمرتبة التاسعة عالميًّا في تطبيق وتطوير التقنية، والمرتبة الـ14 عالميًّا في التحول الرقمي للشركات والمرتبة الـ28 عالميًّا في البنية التحتية التقنية ضمن الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، والمرتبة الثامنة بين دول مجموعة العشرين، والمرتبة الـ27 عالميًّا في مؤشر البنية الرقمية، ضمن مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية، والمرتبة العاشرة بين دول مجموعة العشرين والمرتبة الـ35 عالميًّا في مؤشر القدرات ورأس المال البشري وضمن مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية، والمرتبة الـ12 بين دول مجموعة العشرين، والمرتبة الـ43 عالميًّا في مؤشر تطور الحكومة الإلكترونية.
تطوير الحكومة الإلكترونية
خطت المملكة خطوات مهمة في تنفيذ الاستراتيجية الرقمية وتطوير الحكومة الإلكترونية، حيث أطلقت سياسة الحكومة الرقمية، من قبل هيئة الحوكمة الرقمية، وقد ارتفع معدل نضج الخدمات الحكومية الرقمية في المملكة ليصل إلى 84% بنهاية عام 2021م، ويقصد بمفهوم نضج الخدمات الرقمية مدى تقديم الجهات الخدمات الرقمية لكافة المستفيدين من الأفراد والأعمال والجهات الحكومية الأخرى.
وتُظهر مؤشرات الأداء الرقمي تطور أداء الحكومة الإلكترونية في المملكة وتقدمها في تقرير التنافسية العالمية 2021م، بحصولها على المركز الثاني من بين دول مجموعة العشرين في تقرير "التنافسية والتقدم الرقمي 2021م"، الصادر عن المركز الأوروبي للتنافسية الرقمية، متقدمة 20 درجة في المؤشر العام مقارنة بعام 2020م.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة