واحة الأحساء، هي موقع تراث ثقافي عالمي، وواجهة سياحية ثقافية للمملكة العربية السعودية، أدت خصوبة أرضها وانتشار النخيل وعيون الماء فيها لوصفها بأكبر واحة نخيل وسط الرمال في العالم. وهي أكبر المحافظات في السعودية بمساحة 375 ألف كم²، وإحدى محافظات المنطقة الشرقية؛ أكبر مناطق السعودية بمساحة 540 ألف كم²، وهي خامس موقع سعودي يُسجل على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" للتراث العالمي.
عن واحة الأحساء
يُطلق على واحة الأحساء محليًّا مسمى "الحَسا"، والحسا نسبة إلى الحسي، وهي الأرض الصخرية المغطاة بطبقة رملية تختزن مياه الأمطار، إذ يمكن الحصول على الماء فيها بالحفر حتى عمق بسيط جدًا، وقد عُرفت باسم الأحساء قديما حيث ذكرها ياقوت في كتابه معجم البلدان.
الموقع والحدود
تُعدُّ واحة الأحساء أكبر واحات السعودية من حيث المساحة، وتحدها شمالًا محافظات بقيق والنعيرية وقرية العليا، ومن الشرق الخليج العربي وقطر والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان جنوبًا، وغربًا صحراء الدهناء وهضبة الصمان، تقع على حقل الغوار الذي يُعدُّ أكبر حقول النفط في العالم.
الموارد الاقتصادية
تُعدُّ واحة "الأحساء" سلة غذاء المنطقة الشرقية، إذ اشتهرت بإنتاج محاصيل التمور والقمح والأرز والفاكهة، ويوجد فيها نحو 3 ملايين نخلة، ومن هذا المنطلق تحرص الحكومة السعودية على تحفيز الزراعة من خلال تحسين الربحية للمزارعين، كما يوجد بالمنطقة سوق الإبل، وسوق الخميس الأسبوعي في الهفوف الذي يتم فيه أيضًا عرض منتجات زراعية كالتمور والقمح والأرز والفاكهة، وتشمل الأنشطة الاقتصادية الإضافية في المنطقة صناعة المنسوجات، وتربية الخيول العربية.
كما تشتهر واحة الأحساء بإنتاج الأرز الحساوي، أو ما يُعرف في اللهجة المحلية بـ "العيش الحساوي"، الذي يُعدُّ من أهم محاصيلها الزراعية منذ القدم، فالمنطقة تشهد في فصل الصيف درجة حرارة عالية تصل إلى 50 درجة مئوية، وهو ما تحتاج إليه زراعة الأرز الحساوي، فهو نبات عشبي حولي صيفي، يتميّز بحبته الحمراء التي يصل طولها إلى 10 ملم، وخلال مراحل نموه يحتاج إلى 48 درجة مئوية، كما يحتاج إلى وفرة في المياه وإلى التربة الطينية الثقيلة ذات الحموضة الخفيفة التي تحتفظ بالماء، وهذا ما توفره تربة الأحساء، ويطلق مزارعو الأحساء على موسم حصاد الأرز اسم "الوسمي"، وتكون أيام الوسمي ما بين شهري سبتمبر وأكتوبر، ويُعدُّ الوسمي من الأيام السعيدة في الأحساء، وتكون عملية الحصاد يدويًّا، ويُترك معرّضًا للشمس لبضعة أيام حتى يجف، وبعد ذلك تأتي عملية الدِّراس أو "التذرية"، وهي فصل الشلْب عن النبتة الأصلية للأرز.
واحة الأحساء عالميًا
واحة الأحساء في قائمة التراث العالمي
تقدّم المندوب الدائم للسعودية في اليونسكو بطلب تسجيل المواقع العشرة في القائمة التمهيدية لدى مركز التراث العالمي باليونسكو، ثم أعدت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (وزارة السياحة حاليًا)، ملف تسجيل واحة الأحساء ضمن قائمة التراث العالمي في 1436هـ/2015م، وتمت صياغة ملف ترشيح مبدئي وتسليمه لليونسكو، واُختير اسم للملف، وهو "واحة الأحساء، مشهد ثقافي متطور"، ثم سُلِّم ملف ترشيح الموقع لمركز التراث العالمي في شهر ربيع الآخر 1438هـ/يناير 2017م، وقُبِل الملف بعد مراجعته، وإرسال نسخة منه للمجلس العالمي لخبراء الآثار "الآيكموس" الدولي لبدء أعمال تقييم الملف من الجوانب الميدانية.
ومرَّ تسجيل واحة الأحساء في قائمة التراث العالمي بعدد من المحطات المهمة، إذ أوفدت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (وزارة السياحة حاليًا)، فريقًا إلى مركز التراث العالمي الوطني "الآيكموس"، للاجتماع مع اللجنة المكلَّفة بدراسة ملف الترشيح في باريس ومناقشته، وبعد الدراسة والزيارات الميدانية أبدى فريق مركز التراث العالمي باليونسكو بعض الملاحظات المتعلقة بالموقع، فتشكّل فريق لمعالجتها وبذل كل الجهود لإنجاح الملف، وعمل الفريق بالتنسيق والتعاون مع أمانة الأحساء، وبدعم وتعاون من رجال الأعمال والمجتمع المحلي، لمعالجة الملاحظات وتعديل الوضع القائم لبعض المباني والمشاريع لتتناسب مع اشتراطات مركز التراث العالمي المعني بالحفاظ على القيمة والهوية التاريخية والتراثية.
راسلت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (وزارة السياحة حاليًا) أعضاء لجنة التراث العالمي، والمكونة من 21 دولة من خلال وزارة الخارجية، وزُوِّدوا بنسخة من بيان القيمة العالمية الاستثنائية، كما قامت بتنظيم زيارات لهم لواحة الأحساء، تم تكوين فريق من المختصين لمتابعة المراحل الأخيرة لتسجيل الواحة في قائمة التراث العالمي، وفي شوال 1439هـ/يونيو 2018م، زار الوفد الرسمي لليونسكو بعض المواقع البيئية والتراثية في الواحة، وقُدم له عرض عن جهود اللجان العليا والفنية في الحفاظ على عناصر الواحة، وكانت المحطة الأخيرة للتسجيل في اجتماع لجنة التراث العالمي الذي عُقد في العاصمة البحرينية المنامة 15 شوال 1439هـ/29 يونيو 2018م.
حققت الجهود الكبيرة والمشتركة نجاحًا في تسجيل واحة الأحساء ضمن قائمة التراث العالمي، وأصدرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" بيانًا أكدت فيه أن واحة الأحساء تُعدُّ منظرًا طبيعيًّا وثقافيًّا وتراثيًّا، ومثالًا استثنائيًا على التفاعل بين البشر والبيئة المحيطة بهم، مما أهلها للتسجيل في قائمة التراث العالمي، وأشار البيان إلى أن هذه الواحة الواقعة في الجزء الشرقي من شبه الجزيرة العربية تزخر بالحدائق وقنوات الري وعيون المياه العذبة والآبار وبحيرة الأصفر، ومبانٍ تاريخية ونسيج حضري، ومواقع أثرية تقف شاهدًا على استيطان البشر واستقرارهم في منطقة الخليج منذ العصر الحجري الحديث حتى العصر الحاضر، ونوّه البيان بالميزة التي تختص بها واحة الأحساء كأكبر واحات النخيل في العالم.
واحة الأحساء في موسوعة غينيس
دخلت واحة الأحساء موسوعة غينيس للأرقام القياسية في صفر 1442هـ/أكتوبر 2020م، بوصفها أكبر واحة قائمة بذاتها في العالم، إذ تضم 2,5 مليون نخلة تتغذى من طبقة المياه الجوفية الضخمة، عبر 280 بئرًا ارتوازية، وعلى مساحة تتجاوز 85,4 كلم²، (32.9 ميلًا مربعًا)، بحسب ما ورد في موقع "غينيس" الإلكتروني، وتولت هيئة التراث مهمة التعريف بواحة الأحساء للموسوعة العالمية.
قائمة المدن المبدعة في اليونسكو
انضمت الأحساء إلى شبكة اليونسكو للمدن المبدعة، وهي مجموعة المدن التي حددت الإبداع كعامل استراتيجي للتنمية الحضرية المستدامة، وفق مجالات إبداعية سبعة معتمدة من قبل المنظمة، وهي: الحِرف اليدوية والفنون الشعبية، والأدب، والموسيقى، وفن الطبخ، والأفلام، وفن الإعلام، والتصميم، إذ تقدمت الأحساء للترشيح وحُظيت بعضوية الشبكة في أواخر شهر صفر 1437هـ/نوفمبر 2015م، وذلك في مجال الحِرف اليدوية والفنون الشعبية التي تزخر بها الأحساء.
عاصمة السياحة العربية 2019
قرر المجلس الوزاري العربي للسياحة في اجتماع الدورة الـ21 في الإسكندرية، بحضور وزراء السياحة العرب ورؤساء المنظمات والاتحادات العربية، اختيار مدينة الأحساء عاصمة للسياحة العربية لعام 1440هـ/2019م؛ لأنها استوفت جميع الشروط المرجعية التي أعدتها المنظمة العربية للسياحة، نظرًا لما تتمتع به هذه الواحة العريقة من مقومات سياحية متميزة، إذ شهدت الأحساء في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وصاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، نهضة شاملة في مختلف مرافقها التنموية، بما فيها تلك المتعلقة بالسياحة، واُختيرت هذه الواحة الخضراء من قبل منظمة اليونسكو كإحدى المدن التراثية العالمية؛ لما تزخر به من ثروة تجلت في قصورها التاريخية، ومسجدها الأثري في جواثا، وسلسلة من المكتشفات المهمة التي تعود لآلاف السنوات.
مهّدت مكانة الأحساء التاريخية والثقافية والسياحية لاختيارها عاصمة للسياحة العربية، وهو الأمر الذي يُعزز زيادة وتنمية العوائد السياحية لمحافظة الأحساء، وشهدت الأحساء في السنوات القليلة الماضية عدة مشروعات سياحية، أهلتها لتكون في المستقبل القريب محطة جذب سياحية، ليس لأهالي المنطقة الشرقية أو مناطق السعودية، أو دول الخليج العربية فحسب، بل محطة جذب للسيّاح من جميع أنحاء العالم.
المعالم الطبيعية في واحة الأحساء
جبل القارة
تضم واحة الأحساء عددا من الجبال، من أبرزها: جبل القارة، وجبل الشعبة، وجبل بريقة، وجبل الأربع، وجبل أبو الدلاسيس، وجبل أبو حصيص، ويُعدُّ جبل القارة من أهم المعالم السياحية، يبعد عن الهفوف 12 كلم، وتبلغ مساحة قاعدته 14 كلم2، وارتفاعه نحو 45,72م، وتحيط به أربع قرى، وهي: "القارة، والتويثير، والتهيمية، والدالوة"، تتميّز مغارات جبل القارة ببرودتها الشديدة في فصل الصيف، ودفئها في فصل الشتاء، ويتميّز بصخوره ذات التشكيلات الغريبة، وتتعدد كهوف الجبل من حيث الاتساع وكثرة الأماكن التي تشبه الغُرف، ففيه غار الناقة، وبه كهوف كثيرة، وهو الأكثر برودة واتساعًا، إذ إنه يستوعب ما لا يقل عن 400 شخص، ويضم مكانًا يسمى "الثلاجة" لشدة برودته، وفيه فتحة صغيرة جدًّا تسمى "الفريزر"، وهو مكان شديد البرودة، ويحتاج الداخل إلى هذا الغار أن ينحني أو يمشي على ركبتيه أو يزحف على بطنه في بعض المواقع، ومن كهوف الجبل أيضًا غار "العيد" ومدخله يقع بالقرب من موقع سوق الأحد، له مداخل واسعة ولا يحتاج إلى الإضاءة الصناعية، كما يضم أماكن واسعة ومرتفعة تشبه في تكويناتها المسارح الرومانية، ويمكن للزوار دخوله بسهولة.
وهناك غار آخر هو غار "الميهوب"، يتميز بارتفاعه وظلمته ومدخله قريب من مدخل غار "العيد"، إضافة إلى الكهف المعروف باسم "المغارة"، يقع مدخله بين قريتي "التويثير" و"التهيمية"، وتتوافر فيه الإنارة، وفي وسط القارة يمكنُ للزائر أن يشاهد "المشقر"، ويُعرف بـ"رأس القارة"، وهو عبارة عن تل غريب الشكل له تاريخ حافل منذ العصر الجاهلي، ورد اسمه في نصوص تاريخية وأدبية عن جزيرة العرب، فقد كان "المشقر" منزل ملوك كِندة؛ إحدى الممالك العربية القديمة، وقد ورد ذكر "المشقر"؛ وهو يوم من أيام العرب، في الشعر العربي على مر التاريخ، ومن الشعراء الذين ذكروه امرؤ القيس بن حجر الكِندي، ويقابله موضع تاريخي آخر هو الصفا الذي يُعرف الآن بـ"جبل أبو حصيص"، وهو يقع شمال قرية "التويثير" المجاورة للقارة.
بحيرة الأصفر
تقع بحيرة الأصفر على بعد 5 كلم شرق العمران بالأحساء، وتحيط بالبحيرة نباتات صحراوية مختلفة، كما تضم البحيرة العديد من الأسماك التي يمكن رؤيتها، وتُعدُّ البحيرة محطة استراحة للعديد من الطيور المهاجرة.
واحة السيفة
تتقابل واحة الأحساء مع القطاع الأوسط لواحة السيفة في الهفوف، وتغطي مساحة قدرها 1,08 كلم2 من بساتين النخيل المزروعة بكثافة، تحدد المقبرة التاريخية الكبيرة بالهفوف معظم حدودها الشرقية، بينما الشكل غير منتظم في اتجاهات الغرب والشمال والجنوب، وهو محاط بحزام أخضر كواقٍ خارجي بعمق 200م، وهو ما يُشكّل منطقة حماية واقية من المستوطنات الحضرية المجاورة.
الواحة الشمالية
تضم الواحة الشمالية جزءًا كبيرًا من واحة الأحساء الشمالية بمجموع مسطح 20,1 كلم2، تحدها قناة الصرف الرئيسة الممتدة من الشمال شرقًا إلى الجنوب، وتشكل شبكة القنوات التي تعود إلى سبعينات القرن الماضي الحدود الجنوبية والغربية والشمالية، ويُمثّل الموقع إلى حد ما شكلًا مدمجًا بشكل دائري كأنه منحوت بعيدًا عن المحور المركزي السابق لقرية القرين وثلاث مناطق كبيرة على التوالي في الجنوب والغرب والجوانب الشمالية، حيث تقع القرى التاريخية وامتداداتها الحديثة.
موقع عين قناص
تقع عين قناص شمالي محافظة الأحساء على بعد 15 كلم من مدينة المبرز، وشمال شرقي قرية المراح على بعد كيلومتر ونصف الكيلومتر عنها، ويوصف موقع عين قناص بأنه أكبر موقع لحضارة العُبيد في السعودية، تنتشر فوق سطحه كِسر الأواني الفخارية التي ميّزت حضارة العُبيد في العصر الحجري القديم، وتنتشر على مساحة 2 كلم²، وعلى عمق 5 أمتار تحت مستوى سطح الأرض جرت عمليات التنقيب عن الآثار، وأظهرت نتائج التنقيب العثور على 14 طبقة سكنية متتابعة تُمثّل مراحل الاستيطان البشري في الموقع.
تاريخ الاستيطان البشري في واحة الأحساء
العصر الحجري الحديث
كشفت المعثورات الأثرية في واحة الأحساء عن عودة تاريخ الموقع إلى عصور موغلة في القدم، وهي حضارة العُبيد التي تعود الى العصر الحجري الحديث، تتمثّل المعثورات في قطع خزفية ملونة تشتهر صناعتها في عصر العُبيد، وتحديدًا في موقع عين قناص.
العصر البرونزي
كشف المسح الأثري في واحة الأحساء عن وجود آثار استيطان تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد أو ما يُطلق عليه تاريخيًّا العصر البرونزي، من خلال اكتشاف نوع معيَّن من الفخار الخام غير المنقوش، وهو ما يُعرف باسم "فخار ديلمون ذي الحافة الحمراء"، وهي عبارة عن قدور سمراء ذات لون أصفر، تعكس أشكال الفخار الموجودة في بلاد ما بين النهرين، وحقول المدافن الركامية في جنوب مطار الظهران، وهي تتشابه مع الفخار الأسود الهش المائل للحمرة والأحمر الذي عُثر عليه في واحتي الهفوف ويبرين وفي جنوب بقيق.
عصور الممالك العربية والفترة الإسلامية
في الألف الأول الميلادي استقرت على سواحل الأحساء وفي داخلها قبائل عربية مثل طسم وجديس وبني عبدالقيس، وحين جاء الإسلام على يد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- اعتنق أهلها الدين الإسلامي في عهد حاكم هَجر آنذاك "المنذر بن ساوى"، واستمرت تابعة للخلافة الراشدة التي حكمت المنطقة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن ثم الخلافة الأموية والعباسية.
وفي عام 286هـ/899م، استولى "أبو سعيد الحسن بن بهرام الجنابي القرمطي" على المنطقة وبنى فيها مدينة سمّاها "الأحساء"، واتخذها قاعدة لدولته القرمطية في عام 317هـ/929م، وبقيت الأحساء منذ ذلك الوقت تحت حكم القرامطة حتى عام 467هـ/1074م، إذ أخذ الإمارة منهم "عبدالله بن علي العيوني"، وأسس فيها دولة العيونيين، وحكمت فيها أكثر من قرن ونصف القرن، وخلفهم "آل جبر من بني عقيل"، ثم آل مغامس، وفي عام 927هـ/1520م، غزا البرتغاليون والدولة العثمانية الأحساء في عام 954هـ/1547م، واستمروا في الحكم حتى ضعفت قوتهم، وتولى إمارة الأحساء بنو خالد بقيادة "براك بن غرير" في 1081هـ/1671م.
الأحساء في العهد السعودي
دخلت الأحساء في الحكم السعودي في جميع أطوار الدولة السعودية الأولى والثانية والمملكة العربية السعودية، فمنذ نشوء الدولة السعودية الأولى على يد الإمام محمد بن سعود آل سعود في منطقة نجد 1139هـ/1727هـ، دخلت الأحساء في الحكم السعودي بعد نزاع طويل مع حكامها بني خالد في 1208هـ/1794م، وبعد انتهاء حكم الدولة السعودية الأولى في نجد عادت إلى حكم بني خالد، ولم يستمر حكمهم طويلًا، إذ سرعان ما تأسست الدولة السعودية الثانية على يد الإمام تركي بن عبدالله بن محمد آل سعود واستعادت الدولة السعودية الثانية حكم الأحساء وضمتها إلى أراضيها 1245هـ/1830م، وبقيت حتى وفاة الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله في عام 1282هـ/1865م، إذ حدث خلاف داخلي على الحكم، مما مكّن العثمانيين من العودة إلى الأحساء والاستيلاء عليها من جديد في عام 1288هـ/1871م.
استرد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حكم آل سعود بعد معركة استرداد الرياض في 5 شوال 1319هـ/14 يناير 1902م، ووحّد الأقاليم المحيطة بالرياض، ثم أراد توحيد الأطراف الشرقية من الجزيرة العربية، وكان حريصًا على ضم الأحساء ليصل بحدود دولته إلى البحر، ليكتسب أهمية اقتصادية، وفي 1331هـ/1913م، خرج من الرياض متجهًا إلى الأحساء، وعندما وصل إلى سور الكوت الذي يُحيط بمدينة الأحساء، تسلّق رجال الملك عبدالعزيز إلى داخله، وأعلنوا دخول البلاد إلى حكم آل سعود، مما أضعف قوات العثمانيين ودفعهم إلى الاستسلام، غادروا حينها إلى العراق عبر البحر، وتمكّن الملك عبدالعزيز من ضم بقية مناطق الأحساء إلى الدولة السعودية.
التراث العمراني في واحة الأحساء
بيت البيعة
يقع بيت البيعة في جادة الرويضة من حي الكوت؛ أحد الأحياء الشهيرة في الهفوف التاريخية، ويُعدُّ نموذجًا للبيوت التراثية في محافظة الأحساء، أنشأ هذا البيت الشيخ عبدالرحمن بن عمر بن محمد بن عمر الملا في عام 1203هـ/1788م، الذي كان مكلَّفًا بقضاء الأحساء في عهد الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثالث أئمة الدولة السعودية الأولى (1218-1229هـ/1803-1814م) وآلت ملكية البيت إلى الدولة بعد شرائه من أصحابه وتعويضهم.
عند ضم الأحساء ودخولها في الحكم السعودي إبَّان فترة توحيد السعودية من قبل الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود، نزل ضيفًا على الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن الملا في بيت البيعة ليلة 5 جمادى الأولى سنة 1331هـ/11 أبريل 1913م، وفي تلك الليلة أخذ الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود البيعة من أهالي الأحساء على السمع والطاعة على كتاب الله وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وبات في إحدى غرف البيت مع إخوانه محمد، وسعد، وعبدالله.
مسجد جواثا الأثري
يحظى مسجد جواثا التاريخي في الأحساء بأهمية خاصة؛ لكونه أول مسجد صُليت فيه صلاة الجمعة في الإسلام بعد مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقع المسجد في الهفوف، على بعد نحو 20 كلم باتجاه الشمال الشرقي، بُني المسجد في عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بناه بنو عبد قيس الذين كانوا يسكنون الأحساء آنذاك، ويعود تاريخ المسجد إلى بداية العصر الإسلامي، إذ كانت تقطن المنطقة قبيلة بني عبد القيس وهم من أوائل القبائل التي دخلت في الإسلام، إذ يذكر أن حاكم عبد القيس المنذر بن عائد الملقب بـ "الأشج" عندما علم بدعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أوفد رسولًا إلى مكة ودخل في الإسلام هو وجميع أفراد قبيلته، وبنى المسجد حينذاك.
قصر إبراهيم الأثري
من القصور التاريخية البارزة في الأحساء والمنطقة الشرقية بشكل عام، يقع في الهفوف، ويُعرف باسم قلعة إبراهيم نسبة لإبراهيم بن عفيصان، شُيّد في 963هـ/1555م، على مساحة 16,500م2، تتميّز عمارته بالجمع بين الطرازين المعماريين الإسلامي والعصري، يضم القصر العديد من المنشآت العسكرية، وجُدّدت عمارته في 1216هـ/1801م، على يد إبراهيم بن عفيصان، برزت فيه التصميمات المعمارية الخاصة بالأحساء، حيث بُني بأسلوب معماري عصري من خلال الأقواس والقباب والزخارف، وتدل فخامة القصر على ثراء وقوة هذه المنطقة؛ لوقوعها على أحد أهم الطرق التجارية في العالم.
بعد دخول الأحساء في حكم الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في 1331هـ/1913م، أضاف الملك المؤسس للقصر طرازًا معماريًّا آخر بخلاف الطراز الذي بُني عليه، وهو الطراز الديني الذي يظهر في الأقواس شبه المستديرة والقِباب الإسلامية، في حين ضم الطراز العسكري المتمثّل في بناء الأبراج الضخمة الموجودة حول القصر إضافة إلى ثكنات الجنود التي توجد شرق القصر، ويحتوي القصر على مجموعة من المنشآت المتنوعة التي اعتُمد في بنائها على المواد المحلية، وبُنيت جدرانه من الطين المخلوط بالقش، أما الأسقف فاستُخدمت في بنائها جذوع النخيل والشندل والحجارة، ويضم القصر مسجدًا مزوّدًا بعدة قباب بجانب السور الرئيس، وبداخله حمام كبير يأخذ شكل قبة في الزاوية المقابلة للمحراب، ومئذنة عالية الارتفاع يتم الوصول إليها عبر سلم حلزوني شُيّد من الحجر، وفي أعلاها استراحة المؤذن التي زُيّنت بستائر خشبية، ويتميز مسجد القصر بقبة ضخمة، إذ رُوعي في بنائها النواحي الهندسية لتوزيع الأحمال في بنائها، عبر تزويدها بعدة نوافذ جصية مزخرفة بأشكال هندسية.
يحوي المسجد رواقًا ثالثًا من الجهة الشرقية عند مدخل المسجد الرئيس، وهو مكوَّن من بوابة خشبية ضخمة تغلق بمفتاح خشبي، ويوجد بالقرب من المسجد مبنى ثالث على شكل قبة، وتُمثّل صالات قصر إبراهيم مبنى مربع الشكل تعلوه قبة دائرية، إلى جانب جناح الخدمة وإسطبلات الخيول، وغرف نوم للضباط، ومستودع الذخيرة، وغرفة اتصالات، ودورات مياه، وعدد من الأبراج. ويتصدّر قصر إبراهيم بوابة رئيسة بسيطة التصميم، تليها بوابة أخرى كبيرة الحجم، مزودة ببعض الرسومات التي تؤدي إلى ممر متسع يأخذ الزائر إلى داخل القصر الذي تتوسطه مساحة فارغة تحيط بجنوبها منشآته المتعددة، ويتميز القصر بوجود ثكنات للجنود التابعين للأحساء، وتتوسّط هذه الثكنات، مقصورة رئيسة ذات درج مزدوج، يستخدمه الضباط والقائمون على إدارة شؤون المحافظة، لذلك سُميت بمقصورة القيادة، وتقع في منتصف الجدار الشرقي لسور القصر، وهي مقسّمة إلى أربع غرف، نصفها في الأسفل والنصف الآخر في الأعلى، وبين كل غرفتين رواق للاستقبال، ويكون الوصول إلى الغرفتين العلويتين بدرجين؛ أحدهما للصعود والآخر للنزول، وتشرف المقصورة على كل أجزاء القصر، ولا يمكن الوصول إليها إلا بإذن من الحرّاس.
سوق القيصيرية
هو سوق تاريخي يقع في حي الرفعة بالأحساء، يُعدُّ من أقدم الأسواق الشعبية في الخليج العربي، وهو إرث تاريخي، إذ يمتد عمره إلى قرنين من الزمان، بُني في 1238هـ/1822م، وهو مصمم على شكل صفوف من المحلات المتقاربة داخل ممرات مسقوفة ومغلقة، ويُعدُّ سوق القيصرية أحد أهم المعالم السياحية والتراثية في مدينة الهفوف، إذ يجذب إليه الزوار من جميع مناطق السعودية ودول الخليج العربية، أُعيد بناء السوق وفق الطراز المعماري القديم، الذي يتميز بنقوشه وزخارفه.
ويضم سوق القيصرية محلات يصل عددها إلى 400 محل، على مساحة تُقدر بـ 15 ألف م²، تتوزع المحال بين جزءين رئيسين، أحدهما الجزء الأكبر ويمتد بين شارعي الخباز والحدادين، والثاني بين شارع الحدادين وسوق الحريم (البدو)، وبذلك يُعدُّ القيصرية أكبر سوق مسقوف في السعودية، والخليج العربي، كما يُعدُّ معلمًا سياحيًّا بارزًا لمحافظة الأحساء، إذ يقع بين مجموعة من معالم التراث العمراني التاريخي، مثل: قصر إبراهيم والمدرسة الأميرية؛ أول مدرسة بالأحساء.
قصر خزام
من المعالم التاريخية الشهيرة في الأحساء، وهو حصن تاريخي بُني في المدخل الجنوبي الشرقي لوسط الهفوف التاريخي غرب حي النعاثل، في الفترة 1207-1210هـ/1793-1795م، بناه الإمام سعود بن محمد بن عبدالعزيز الكبير، الإمام الثالث للدولة السعودية الأولى، بُني في الموقع ليكون حماية عسكرية، لتنظيم حياة أهالي البادية الذين يستقرون في مواسم محددة في ذلك الموقع، إذ يسافر أهالي البادية إلى الأحساء لشراء مستلزماتهم.
قرية العيون
قصر صاهود
هو حصن مبني على هضبة مرتفعة في الجهة الغربية خارج المبرز القديمة، في مقابل حي الحزم في المبرز، الهدف من إنشائه؛ حماية المدينة والأراضي الزراعية ضد الغارات، لكن تاريخ إنشائه غير محدد، يُرجّح أنه في الفترة ما بين 1790م إلى 1800م، يحيط بالقصر جدار دفاعي منخفض، وكان هذا الجدار الخارجي محاطًا بخندق مائي جاف، وتختلف الحوائط الدفاعية لقصر صاهود عن بقية الحصون في الأحساء بأنها تحتوي على جدران خارجية وداخلية على مستوى المتراس، إضافة إلى تميز الأبراج من ناحية التصميم.
توجد أبنية داخلية مبنية على طول جداره الغربي، وبجوار المدخل توجد السلالم الرئيسة، ويوجد بداخله مسجد واسع ومقسّم إلى ساحتين مقسمتين بثلاثة أعمدة أسطوانية حجرية، أما المحراب والمنبر ففي مشكاتين داخل جدار القصر، وكان يستخدم كمبنى دفاعي عن المدينة والأراضي الزراعية حولها، ولمراقبة مخيمات البدو الموسميين، ويعود اسم القصر إلى مدفع كان منصوبًا داخل القصر يُطلق عليه صاهود، وبرزت أهمية قصر صاهود بسبب موقعه الخارج عن العاصمة الجديدة وإمكانية صد أي هجوم يأتي من الشمال، في 1331هـ/1913م، جاء الحكم السعودي للأحساء وتغيّرت بعض ملامح قصر صاهود، وفي عام 1370هـ/1951م، أصبح معسكرًا للجنود، واكتُشفت مؤخرًا قطع من قاذفات حربية قديمة خلال عملية الحفر في قصر صاهود أثناء ترميمه، كما عُثر على مدفع قديم وقطع أثرية يعود تاريخها إلى مئات السنين.
الإرث الثقافي في واحة الأحساء
العمارة التقليدية في الأحساء
تُعدُّ واحتا الأحساء والقطيف من الأقاليم العريقة عمرانًا، حيث كانت تبنى فيهما قلاع وحصون ذات أبراج عالية، ولأن المنطقة تشتهر بنخيلها؛ اعتُمد على سعف النخيل وجذوعه في تسقيف الأبنية وصنع أبوابها ونوافذها، وكثيرًا ما كان الأهالي يبنون أكواخهم من جذوع النخيل وجريده وسعفه، كما كان الحال في قرى الدمام والخُبر التي عمّرها الدواسر بعد هجرتهم إليها من البحرين.
ومن مواد البناء الأخرى في هذه المنطقة الطين الغريني المجلوب من البحر أو من الحفر، التي كانت تُحفر خصيصًا لذلك في الأراضي السبخة، وكان يمزج بمادة التِبْن ليكتسب القوة وزيادة التماسك، كما يستخدمون الجبس الذي يستخرج محليًّا ليُطلى به جدران البناء من الداخل، ويستخدمون القصب والحصير في سقف البناء، وكانت أغلب بيوت الأحساء والقطيف تتألَّف من دور واحد وتكون له بوابة صغيرة العرض، تُدخل إلى مجلس نصفه مسقوف ونصفه الآخر مفتوح، وهو عبارة عن فسحة صيفية كان الأهالي يفرشونها بجريد النخل ويستعملونها كمجلس صغير، ولأن المنطقة كثيرًا ما تتعرَّض للعواصف الرملية، فإن نوافذ مجالس الأبنية القديمة فيها كانت تتسم بالارتفاع والضيق.
الأسواق الشعبية
تُعرف الأحساء بأسواقها الشعبية المتنوعة، ومنها "سوق الخميس" الذي يُنظّم صباح كل خميس في مجمع الأسواق خلف مجمع الدوائر الحكومية في مدينتي الهفوف والمبرز، وتباع فيه بضائع مختلفة ومتنوعة، مثل: الخضروات، والفواكه، والتمور، والأشجار، والورود، والملابس، والأجهزة الكهربائية، والأدوات القديمة، ومنتجات الحِرف اليدوية المحلية، وبعض الأطعمة الجافة، والحَمام، والعصافير، والدجاج البلدي، ويزوره عدد كبير من سكان البادية والحضر والمقيمين.
وهناك أسواق شعبية تُنظم على مدار الأسبوع، كل يوم في قرية، فيوم السبت في الحليلة، ويوم الأحد في القارة، ويوم الاثنين في الجفر، ويوم الأربعاء في المبرز وبلدة المراح، والجمعة في الطرف، إلى جانب أسواق شعبية صغيرة تُنظم في بعض الأحياء الحديثة في الهفوف والمبرز، ويقام عصر كل جمعة سوق الحراج في الهفوف، وفيه تباع أشكال متنوعة من البضائع القديمة والحديثة أو المستعملة بأسعار زهيدة.
المصادر
هيئة التراث.
وزارة السياحة.
المركز الوطني للنخيل والتمور.
هيئة المساحة الجيولوجية السعودية.
وكالة الأنباء السعودية.
قناة الإخبارية.
عبدالله الصالح العثيمين؛ تاريخ المملكة العربية السعودية؛ 1426هـ/2005م، مكتبة العبيكان؛ الجزء 1.
فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز؛ موجز تاريخ الدولة السعودية للفترة من 1157هـ-1438هـ/1744م-2017م؛ 1439هـ/2018م؛ جامعة المجمعة.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة