حداء الإبل، هو أحد أشكال التعابير الشفهية التقليدية ووسيلة للتواصل بين الإبل ورعاتها، وهو مجموعة من الأصوات يطلقها رعاة الإبل للتواصل مع قطعانهم، وتتفاعل معها الإبل اعتمادًا على اللحن والطريقة التي دربها عليها الراعي.
وللحداء مناسبات مختلفة، منها "حداء الرحيل"، و"حداء السفر"، وحداء سقي الإبل الذي يسمى "العوبال"، وهناك حداء الأوبة المسمى عند العامة "الهوبال" وهو خاص بجمع الإبل وسوقها إلى مُرُحِها أو مكان رعيها، وهناك "حداء السواني" ويغنى للإبل التي تجذب الماء من البئر لتنشط في سيرها.
تاريخ حداء الإبل
تمتد رقعة ممارسي حداء الإبل إلى عديد من مناطق السعودية، وذلك لانتشار مهنة رعي الإبل منذ القدم على مساحة شاسعة من الجزيرة العربية، حيث استأنس العرب الإبل منذ آلاف السنين حتى أصبحت جزءًا لا يتجزأ من حياتهم اليومية لتعدد استخداماتها في المأكل والمشرب والترحال، وغير ذلك من أمور الحياة في البادية.
ويتوارث أبناء الجزيرة العربية "فن الحداء" للتواصل مع قطعان إبلهم من خلال بعض الأصوات والتعبيرات التي اعتادت الإبل سماعها والاستجابة لها. وبحسب المصادر التاريخية، فإن مضر بن نزار بن معد هو أول من حدا للإبل بعد أن سقط من بعيره وانكسرت يده وصاح بصوته (وايداه! وايداه!)؛ وكان حسن الصوت فأصغت إليه الإبل وجدّت في السّير؛ ومن هنا بزغت فكرة استعمال الحداء لنداء الإبل.
وترجع المصادر التاريخية بداية الحداء إلى أنه كان عن طريق التدوية أو الدوّاة، وهو نداء الإبل بصوت رفيع، وجاء في بعض معاجم اللغة أن راعي الإبل إذا أراد أن يستحث إبله لتجيء إليه مسرعة؛ زجل بصوته وغنّى لها بكلمات مثل .. هَيد هيد، أو: هي دو هي دو. أو: دوه دوه. أو: دُه دُه بضم الدال. أو: داه داه، وهذا ما زال مستعملًا إلى اليوم جنبًا إلى جنب مع الرجز، ولم يلغ أحدهما الآخر، وهو يختلف من بيئة إلى أخرى..
ثم تطور الدُّوّاة من مجرد همس أو صوت أو مناداة على الإبل إلى غناء شعري له طرقه وأساليبه ومفرداته الخاصة، ودخلت فيه مع مرور الزمن المعاني والكلمات الشعرية المغناة، والأشطر الموزونة، فجمع عذوبة الصوت وسحر القافية المستمد من بيئة البدو وثقافتهم الأصيلة .
كلمات الحداء الشعرية
الحداء، هو نوع من الشعر الخفيف الذي يقال لتطريب الإبل، وتشمل كلمات الحداء الشعرية ببساطتها وخفتها وعدد كلماتها القليلة، التنظيم، والقوانين، وطرق السقاية، وأهداف الرحيل، وحياة البادية عامة، وما يجول في نفس الرُّعاة من همّ وشجن.
والحداء هو أقرب ما يكون إلى النظم البسيط المكون من بيتين بقافيتين، وبصوت يردده اثنان، وأحيانًا عندما تكون الدّلو التي يستخرج بها الماء من الآبار كبيرة جدًا، يردده أربعة بصوت جهوري، يصل أحيانًا في هدأة الليل أو الفجر إلى أماكن بعيدة، ولا يتقيد بلحن واحد، بل تتعدد ألحانه وطريقة أدائه من بيئة إلى أخرى، وتكون ألفاظه شجيّة، تخلب ألباب الإبل، ومعانيه ذات أبعاد تتعلق بشؤون حياة الرُّعاة اليومية .
ومن أمثلة أحديات بدو الجزيرة العربية التي قالوها بلهجتهم العامية ما يسمى بالهوبال وهو ينقسم إلى حداء ورجز، فأما الحداء فهو الذي يغنّى أثناء انتظار الدّلو وهو يصدر من قاع البئر إلى حين الإمساك بها، ومن أمثلة ذلك قولهم: "سق القعود وهِمّه يسقي خواته وأمّه"، "الله عليك قليّب يجمع خبيث وطيب"، "إن زولمن والتمن زهاب أهلهن تمّن"، "يا مرحبا وارحابي بأم السنام النابي"، "يا شمّخ العشاير يا مجوزات الباير"، "صب القلص لشعيلة كم درهمت من ليلة"، "ملحا جليلة واخر وإن جاء الدَّحم تستاخر"، "يا مرحبًا وأهليني بأم الدلال الزيني"، "برقٍ يلهله قبله ينبت شتيل وربله" .
وأما الرجز فهو خاص بالإمساك بالدّلو وتفريغ الماء في الحوض ومن أمثلته قولهم "يا غليّم رده يا غليّم رده" فإذا ارتوت الإبل وأرادوا أن يحثّوها إلى مزيد من الشرب، قالوا "يا الإبل واخذي علّة وقودي ويا قاك الله .. ياو - ياو" .
الأشكال الصوتية لحداء الإبل
تشتهر الإبل بتفاعلها العاطفي تجاه الراعي الذي يلازمها ويعتني بها، وفي المجتمعات التي يمارس فيها الحداء يحرص ملاك الإبل على تدريب قطعانهم باستخدام مقطوعات من الأصوات التي يصدرها الراعي بصوته المجرد أو ما يسمى بـ"الهوبلة"، أما في مناطق مثل منطقة جازان، فلدى الرعاة طريقتان في إخراج أصوات الحداء، وهما "الصالق": استخدام صوت الراعي المجرد، و"الوالش": يتشارك راعيان في إصدار الأصوات، أحدهما بصوته المجرد والآخر يعزف على المزمار، وقد يستخدم الرعاة أدوات أخرى كالعصا للتلويح أثناء إصدار تلك الأصوات، واللبيد لإصدار أصوات تجذب الإبل. ويعتمد الرعاة على تدريب قطعانهم للتفاعل في مناسبات محددة خلال اليوم مثل: النداء للتجمع في الصباح، والتجمع حول المكان المخصص لشرب الماء، أو المرواح وهو التجمع في المساء، كما أن هناك بعض المناسبات الأخرى التي يمارس فيها الحداء مثل احتفالات الزواج وغيرها من المناسبات الاجتماعية.
سباقات حداء الإبل
هناك بعض المسابقات التي تقام عادة بين صغار الرعاة الذين يمتلكون أصواتًا جميلة، كما أن هناك نوعًا آخر من المسابقات يسمى "البطح"، ويؤدى فيها الحداء بطريقة مختلفة، حيث يقوم راعيان بجمع قطعانهما معًا، والفائز هو من تستجيب له إبله، والإبل من القطيع المقابل.
ويُقابله أيضًا ما يسمى "الهجيج"، وهو سباق الإبل (من غير راكب)، حيث تقطع فيه الإبل مسافة تقدر بـ20 كم يقوم فيها الراعي بأداء الحداء لبث روح الحماسة في قطيعه، والقطيع الفائز هو من تسبق إحدى إبله في الوصول إلى خط النهاية.
أماكن يشتهر فيها حداء الإبل
يعد حداء الإبل من التراث الحي الذي تتوارثه الأجيال حتى الآن، ولم تكن ممارسته مقصورة على الرجال فقط، فقد عرفت مجموعات من ممارسات الحداء كانت تقوم بها النساء في عدد من مناطق المملكة، ولا تقتصر كذلك على عمر معين، فحتى الأطفال يُدرَّبون على ممارسة الحداء منذ الصغر، ومن الأماكن البارزة التي يشتهر فيها حداء الإبل: القصيم، وجازان، وتبوك، وحفر الباطن، والعلا، ورماح، وغيرها من أماكن البادية التي يتوافر بها نشاط تربية ورعاية الإبل.
حداء الإبل في قائمة التراث الثقافي غير المادي السعودي باليونسكو
في 6 جمادى الأولى 1444هـ/30 نوفمبر 2022م، نجحت المملكة في تسجيل "حداء الإبل" ضمن القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم الثقافة "اليونسكو"، وذلك خلال الاجتماع السنوي للجنة الدولية الحكومية لصون التراث الذي عُقد في المملكة المغربية.
وقادت المملكة العربية السعودية بالتعاون مع سلطنة عُمان، ودولة الإمارات العربية المتحدة، الملف المشترك لتسجيل عنصر "حداء الإبل".
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة