عبدالله السليمان الحمدان، (1302هـ/1885م-1385هـ/1965م)، هو أول وزير للمالية في تاريخ المملكة العربية السعودية، وأحد الوزراء البارزين في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، كان ممثل الحكومة السعودية في مفاوضات امتياز النفط، لقَّبه الملك المؤسس بـ"رجل المهمات الصعبة"، وفي عهده قفزت ميزانية الدولة من الآلاف إلى ملايين الريالات لأول مرة في تاريخها.
كان عبدالله السليمان أحد مستشاري الملك المؤسس عبدالعزيز، وأوكلت إليه مسؤوليات عدة، أسهم في نشأة مجلس الوزراء، وكان رئيسًا لوكالة الدفاع قبل أن تتحول إلى وزارة، وهو مؤسس أول مصنع أسمنت وطني في السعودية، وكان المسؤول عن إنشاء مصنع كسوة الكعبة (مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة، حاليًّا)، وتأسيس مشروع الخرج الزراعي، أحد المشاريع الزراعية الكبرى في السعودية، وقضى مع الملك المؤسس نحو 40 عامًا من العمل المتواصل.
ولد عبدالله السليمان في محافظة عنيزة بمنطقة القصيم، وسط السعودية، ونشأ فيها، كان من عائلة متوسطة الحال، وعمل والده سليمان في الزراعة، فيما اشتغل أخوه الأكبر محمد في القطاع الحكومي في مدينة الرياض، فكان عبدالله مشتتًا بين مواصلة التعلم والحاجة إلى كسب المال لتحسين المستوى المعيشي، إذ اتجه للتعلم في الكتاتيب منذ صغره، وتردد على المشايخ وعلماء الشريعة، فحفظ القرآن ودرس اللغة العربية والحساب، لكن موارده أصبحت شحيحة، فسافر إلى خارج البلاد طلبًا للرزق.
تجارة عبدالله السليمان
سافر عبدالله السليمان إلى العراق والبحرين قبل أن يصل إلى الهند ويستقر هناك في مدينة مومباي عام 1328هـ/1910م، إذ عمل موظفًا في مكتب الفوزان التابع لأحد كبار تجار عنيزة وقتها عبدالله الفوزان، وسرعان ما أثبت جدارته فأصبح مديرًا لفرع مومباي، وهناك تعلم مبادئ المراسلات والاتصالات بالبنوك، وتعلم اللغة الأردية وأجادها لتيسير معيشته وعمله.
توفي والداه أثناء إقامته في الهند، فاضطر للعودة إلى البحرين، حيث كان يعيش إخوته، وتكفل بمسؤولياتهم والاهتمام بهم، وقرر أن يؤسس تجارة تخصه في البحرين هو وشقيقه حمد، فبدأ بتجارة اللؤلؤ وكانت تلك التجارة شائعة آنذاك، ثم عمل في تصدير واستيراد الزل والعود والهيل وغيرها، وحقق نجاحًا كفل حياة جيدة له ولشقيقيه، إلى أن دخلت تجارته في حالة كساد عطلت عمله وأوقعته في ديون مالية كبيرة.
عبدالله السليمان مع الملك عبدالعزيز
تسلم عبدالله السليمان برقية من الملك المؤسس عبدالعزيز يطلب فيها مقابلته، وكان آنذاك أخوه الأكبر محمد السليمان يعمل في ديوان الملك مع ستة أشخاص آخرين، ويخرج مع الملك ورجاله في معارك عدة، وقد أصيب في إحدى المعارك وتدهورت صحته، فطلب منه الملك ترشيح رجل آخر ليحل محله، فما كان منه إلا أن رشح أخاه عبدالله، الذي سارع إلى تلبية دعوة الملك للحضور إلى الرياض.
اضطر عبدالله السليمان عقب عرض الملك المؤسس إلى الاعتذار، بسبب ما يثقل عليه من الديون والالتزامات المالية، التي أعجزته عن الوفاء بأي التزام آخر، فرفض الملك اعتذاره ووعده بسداد ديونه ليتفرغ للعمل كاتبًا في الديوان، فغير هذا الموقف حياة السليمان جذريًا.
مسؤوليات عبدالله السليمان
أصبح عبدالله السليمان أحد مستشاري الملك عبدالعزيز، وأوكل إليه مسؤوليات ومهام عدة، ففي عام 1345هـ/1927م أصدر الملك قرارًا يقضي بضرورة تأسيس مصنع لكسوة الكعبة في مكة المكرمة، وأمر السليمان بتولي المهمة، فأشرف على تأسيس المصنع، ودرَّب فيه فنيين سعوديين، وبعد مرور أربع سنوات على تأسيسه جرى تصنيع أول كسوة وطنية في البلاد بأيدٍ سعودية.
وفي عام 1347هـ/1929م، صدر مرسوم ملكي يقضي بتأسيس وكالة المالية، وعُيِّن الحمدان وكيلًا لها، كما وضع خطة موازنة للإيرادات والنفقات أدت إلى ارتفاع ميزانية الدولة ووصولها إلى ملايين الريالات، وفي عام 1351هـ/1932م عُيِّن وزيرًا للمالية بعد تأسيس الوزارة، ليكون أول وزير للمالية في السعودية.
اختاره الملك عبدالعزيز عام 1350هـ/1932م لتأسيس مجلس الوكلاء، وأنشأ أول مصنع وطني للأسمنت في السعودية، ومقره في جدة، وفي عام 1354هـ/1935م ترأس وكالة الدفاع والأمور العسكرية قبل أن تتحول إلى وزارة.
عبدالله السليمان ومفاوضات التنقيب عن النفط
كان عبدالله السليمان ممثل الحكومة السعودية في المفاوضات والمباحثات المالية مع الدول الأخرى بصفته وزير المالية، وأسهم في نجاح مفاوضات مهمة في تاريخ السعودية، التي كانت بين الحكومة السعودية ممثلة به، وشركة "Standard Oil of California"، إذ أدت الاتفاقية إلى نهضة الصناعة النفطية في السعودية، وكانت تلك إحدى الخطوات المهمة في بناء علاقة متطورة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية.
مؤسسة عبدالله السليمان الخيرية
أسس عبدالله السليمان عام 1385هـ/1965م، مؤسسة خيرية تحمل اسمه، سُجلت لدى وزارة الشؤون الاجتماعية (وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية حاليًا)، ومقرها الرئيس في مدينة جدة. وتنشط المؤسسة في مجال العمل الخيري وخدمة المجتمع في مجالات متعددة.
وبالتعاون بين مؤسسة عبدالله السليمان الخيرية، وكلية الزراعة والطب البيطري في جامعة القصيم أنشئت جائزة عبدالله السليمان الدولية للإبداع العلمي في النخيل والتمور "جود" عام 1438هـ/2017م، التي تصل قيمة جوائزها إلى مليون ريال. وتتضمن الجائزة محاور تهدف إلى النهوض بالبحث العلمي في مجال النخيل والتمور، وما يتعلق بزراعة النخيل وإنتاج التمور والصناعات التحويلية الخاصة بهذا المجال، ومن فئاتها: العمل الإبداعي، والعالم المتميز، والإنتاج المتميز، والعمل النموذجي.
وفاة عبدالله السليمان
في عام 1373هـ/1953م، كان عبدالله السليمان في مهمة رسمية في ألمانيا، وأثناء إقامته فيها تلقى خبر وفاة الملك المؤسس عبدالعزيز، ما أدخله في حزن شديد دفع به إلى طلب الاستقالة من الملك سعود بن عبدالعزيز، وفي أواخر الخمسينات الميلادية أصيب بأمراض أضعفته، فسافر لطلب العلاج خارج السعودية، وتنقل بين مصر، وألمانيا، ولبنان، وبريطانيا، لكنه عاد أخيرًا إلى مدينة جدة، إذ توفي عام 1385هـ/1965م.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة