العمارة التقليدية في منطقة عسير، هي طريقة البناء في منطقة عسير جنوب غربي المملكة العربية السعودية، ابتكرها السكان وفقًا لما فرضته طبيعة ومعطيات المنطقة. وتقسم منطقة عسير إلى أربعة أنماط معمارية حسب الطبيعة الجغرافية، ولكل نمط منها خصائصه البيئية وطرزه المعمارية .
وتميزت الأنماط المعمارية في عسير بعناصر فنية وجمالية عكست الموروث الثقافي والاجتماعي والحالة الاقتصادية، بما في ذلك الامتداد الزمني، الذي مرت به العمارة في عسير وتأثيره فيها.
نمط البناء الطيني في الهضاب الداخلية بمنطقة عسير
تمثل الهضاب الداخلية الأجزاء الشرقية المنبسطة من مرتفعات السراة حتى تقترب من صحراء الربع الخالي، وهي أراضٍ رعوية يكثر فيها الطين الصالح للبناء والتشكيل كما في مباني بيشة وتثليث، وتتأثر المباني الطينية بالأمطار وعوامل التعرية، لذا تحتاج إلى عناية وصيانة مستمرة من قبل ساكنيها، كما تتعدد فيها الأدوار، فبعضها تتكون من دورين وبعضها من ثلاثة أو أربعة أحيانًا، وتزين واجهاتها الخارجية بزخارف طينية تكون بارزة قليلًا عن مستوى الجدار، ويكثر فيها استخدام الشرفات أو عرائس السماء في تزيين حوائطها العلوية، وتكون متجاورة أو متفرقة تتجه أطرافها للسماء، وتؤكد بعض الدراسات أن أصل الشرفات يعود إلى العمارة الساسانية.
وتستخدم في تزيين المباني الطينية حجارة رقيقة صوانية على شكل صفائح تسمى "رقف" ليكتسب المبنى جانبًا جماليًا، إضافة إلى حمايته من التآكل جراء هطول الأمطار، ويكون تثبيتها في الجدار الخارجي بشكل أفقي بين المداميك، حيث تغرز إلى نصف سماكة الجدار مع مراعاة ميلها للأسفل لتؤدي وظيفتها في طرد مياه الأمطار عن المبنى، وتبلغ مساحة الصفائح الحجرية 35 × 40 سم، وبروزها عن الجدار 30 سم.
وتدهن جدران المباني الطينية من الداخل باللون الأبيض، أما الزخرفة فتكون بعدة ألوان ونقوش جذابة؛ لتضيف إلى المنزل الانشراح، كما تنقش النوافذ من الداخل والخارج، وتدهن الأبواب بزيت القطران، أما الأرضية والسلالم فتدهن باللون الأخضر "القَضب"، ويتجدد التزيين والتلوين في الأعياد والمناسبات، وتبنى أسقف المباني الطينية بأخشاب كبيرة تسمى "السواري" وهي جذوع شجر الطلح أو العرعر، تجلب من الجبال أو الأودية، وتغطى بأعواد رقيقة تسمى "الجراع" تضاف فوقها الشجيرات الصغيرة والحشائش وتغطى بالتراب، وتوضع على السطح "مزاريب" خشبية لتصريف مياه الأمطار.
النمط الحجري في الأصدار
تمتد منطقة الأصدار في الجزء الأوسط ما بين السهل التهامي ومرتفعات السراة، وهي قليلة الرطوبة معتدلة الحرارة، تكثر فيها الينابيع وتتميز بخصوبة تربتها، وتتوفر فيها الأخشاب والصخور بكثرة، لذا يغلب على مبانيها النمط الحجري، كما يستخدم الطين لكن بصورة محدودة، وهو النمط الموجود في قرية رجال ألمع، وتستخدم المباني الحجرية في بنائها وتشكيلها صخور البازلت المتوفرة بكثرة في المنطقة، مما يكسب المبنى نمطًا يتميز بالمتانة، وتنتشر المباني في بطون الأودية بالقرب من مصادر المياه والأراضي الزراعية وسفوح الجبال.
وتتخذ المباني الحجرية شكل الهرم الناقص، ونظرًا للترابط الأسري والاجتماعي في القرى كانت تبنى المساكن متقاربة، ولجأ بعض الأهالي إلى زيادة أعداد الطوابق إلى ستة أدوار لتشمل أفراد العائلة، وتستخدم أحجار "المرو" في تزيين المباني من الخارج، أما من الداخل فيكون تجميلها برسوم زخرفية تندمج معها زخارف الأرفف الخشبية، وتعلو الأبواب والنوافذ وحدات زخرفية مشكّلة بحجر "المرو الأبيض"، كما تمتاز هذه المباني بوجود فتحات صغيرة تستخدم لأغراض دفاعية، أما الشكل العام للمبنى فإنه يضيق كلما ارتفع البناء ويكون ذا قاعدة أكثر اتساعًا من السطح، أما الأطراف العلوية للسطح فتدهن باللون الأبيض، وتكون عليها شرفات مسننة في الأركان وفي المنتصف.
وتستخدم جذوع شجر الطلح والعرعر في تسقيف المباني الحجرية كما في الطينية، غير أن المباني الحجرية يبنى في وسطها بناء حجري يسمى "البترة" ترتكز عليه السواري الخشبية بين حائطي الغرفة، وتطلى الجدران الداخلية بالطين المخلوط بالتبن، وتدهن بمادة الجص وترسم عليها الرسومات والزخارف بالألوان، كما تزين وتلون الأسقف والرف الأعلى القريب منه، الذي يستخدم لحفظ الأواني المنزلية.
النمط الطيني الحجري في مرتفعات السراة
تعرف مرتفعات السراة بنمط البناء الطيني والحجري معًا، وهي المنطقة الواقعة في أعلى سلسلة جبال السروات "الدرع العربي"، وتشمل مرتفعات السراة أجزاء كبيرة من منطقة عسير وتقع ما بين الأصدار والهضاب الداخلية، وتمتاز باعتدال مناخها صيفًا وبرودته شتاءً وبكثرة الأمطار، وتنتشر فيها صخور "البازلت"، و"الشست"، و"الجرانيت"، و"الديورايت"، لهذا تختلف ألوان المباني الحجرية فيها تبعًا للحجر المستخدم في البناء، كما يظهر في مباني محافظة ظهران الجنوب حيث تكتسب مبانيها اللون الرمادي الداكن لانتشار نوعية من الصخور البركانية فيها، ويتوزع هذا النمط في محافظات المنطقة ومراكزها مثل: أبها، وخميس مشيط، وبللحمر، وبللسمر، والنماص، وبلقرن، وأحد رفيدة، وسراة عبيدة، وظهران الجنوب.
ويتكون المبنى من أساس حجري يرتفع إلى مترين أو ثلاثة ويستكمل البناء بالطين، أو يكون الدور الأول مبنيًا بالحجارة، وبقية الأدوار بالطين المطعّم بالصفائح الصخرية، ويستكمل على ذات الطريقة المتبعة في المباني الطينية، إذ تكون القاعدة أكثر اتساعًا من السطح، وعلى جدرانها الخارجية تصطف أرفف الشست "رقف" مع ميلان بسيط نحو الأسفل لتصريف الأمطار.
النمط النباتي "العشش" في السهل التهامي
يشمل السهل التهامي المناطق الساحلية الممتدة من البحر الأحمر حتى مرتفعات الأصدار، ويحتوي على عدد من الأخاديد والوديان التي تحمل مياه الأمطار المنحدرة من قمم جبال السروات لتصب في البحر الأحمر، وتمتاز بخصوبتها وملاءمتها للزراعة؛ لذا تتوفر فيها الأخشاب والأعشاب المستخدمة في نمط بناء المساكن، وينتشر نمط العشش في تهامة ويعود ذلك لسهولة بنائها بالقرب من المزارع والأودية وعلى رؤوس الروابي، وتصمم على شكل هرمي وسقف عالٍ، كما أن مواد البناء المستخدمة تمثل طبقة عازلة من حرارة الجو والرطوبة العالية.
وتكسى العشة من الخارج على ثلاث مراحل تسمى "التوزير، والبريم، والغشو"، تتم في الأولى تكسية الجزء السفلي من العشة بحشائش الثمام والمرخ، وتلف بشكل أفقي حول خشب الأساس، والثانية تكون الطريقة ذاتها لكن من الخارج، ومن ثم تأتي عملية "الغشو" عن طريق حبال سميكة من نبات المرخ تلف حول "القرعينة"، وهي الخشبة التي ينتهي عندها رأس العشة وتسدل حتى الأسفل، وتسد الفجوات في العشش بالنباتات ويتم طلسها بالطين وروث البقر، وفي مرحلة الطلاء يستخدم الطين الأبيض البري "الصلصال" وغالبًا ما تستخدم مادة "النورة" وهي عجينة من مادة الجبس، وتزين العشش من الداخل بالرسومات والزخارف الهندسية المتنوعة، دائرية، ومربعة، ومعينة، ومثلثة.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة