التجارة في السعودية، هي حركة بيع وشراء وتبادل السلع والخدمات في المملكة العربية السعودية، أو بين المملكة ودول العالم. يعود تنظيم التجارة في السعودية إلى عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود حين أصدر عام 1344هـ/1926م ما يعرف بالإرادة السنيّة، جاء فيها أن الأحكام المعمول بها سلفًا والموافقة لشرع الله، ما زالت جارية إلى الآن، وبعد إصدار هذه الإرادة بدأ يظهر عدد من الأنظمة، حيث لم يكن هناك أي جهة حكوميّة تهتم بتنظيم التجارة في البلاد، ونصّت التعليمات على أن التجارة تدخل ضمن الأمور الداخلية في المملكة.
وبعد ثلاثة أشهر من صدور الإرادة، صدر أمر الملك عبدالعزيز بتشكيل هيئة تجارية لفض الخلافات بين التجار، وتألفت الهيئة تحت اسم مجلس التجار.
بدأت تتشكل مع الوقت منظومة تجارية تواكب تطور الأعمال في المملكة حيث صدر نظام تسجيل الشركات عام 1347هـ/1928م، وبموجبه أُحدثت وظيفة مرتبطة بالنائب العام اسمها (مُسجّل الشركات)، وقد ألزم النظام تسجيل جميع الشركات التجارية والجمعيات عند مسجل الشركات، وبذلك كان نظام تسجيل الشركات نواة تنظيم الأمور التجارية في البلاد.
تواصل تطوير المنظومة التجارية ليصدر نظام الجمارك عام 1349هـ/1930م، ثم صدر عام 1350هـ/1931م المرسوم الملكي بالموافقة على النظام التجاري بالمملكة، المسمى بنظام المحكمة التجارية، تلاه عام 1358هـ/1939م صدور الأمر السامي بالموافقة على نظام تسجيل العلامات الفارقة، ثم الأمر السامي عام 1360هـ/1941م، بالموافقة على نظام الصاغة.
صدور نظام الغرف التجارية
حدث تحول مهم في تنظيم النشاط التجاري بمناطق المملكة بصدور أمر ملكي عام 1365هـ/1946م بالموافقة على إنشاء الغرفة التجارية الصناعية بجدة، كمؤسسة تعمل على تحسين التجارة والصناعة في البلاد، وحمايتها من التنافس الأجنبي، وبعد عامين صدر قرار مجلس الشورى بإنشاء الغرفة التجارية الصناعية بمكة المكرمة، وتلا ذلك عام 1368هـ/1949م صدور أول نظام للغرفة التجارية الصناعية، وبموجبه صدر خطاب أمير المنطقة الشرقية عام 1372هـ/1953م بتأسيس الغرفة التجارية الصناعية بالمنطقة الشرقية.
ومنذ صدور الأمر الملكي الكريم بالموافقة على إنشاء الغرفة التجارية الصناعية بجدة، تنامى إنشاء الغرف إلى أن بلغت 26 غرفة تجارية على مستوى السعودية، وأدخلت العديد من التعديلات على نظام ولائحة الغرف التجارية والصناعية لمواكبة النهضة الاقتصادية التي شهدتها المملكة، وأُسس كيان منظم لأعمال الغرف وهو اتحاد الغرف السعودية ومقره الرئيس بالرياض عام 1400هـ/1980م، ليتولى المصالح المشتركة للغرف التجارية بالسعودية، ويعنى بتمثيلها على المستويين المحلي والخارجي، ويعمل على تنمية دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
تأسيس وزارة التجارة
مع توسع الأعمال والأنشطة التجارية ونموها، صدر مرسوم ملكي عام 1373هـ/1954م، بإنشاء وزارة التجارة، وعهد إليها تنظيم التجارة الداخلية والخارجية وتنمية التجارة، كما ضُم إلى الوزارة بعد تأسيسها عدد من الجهات التي تهتم بالأمور التجارية، وأصبحت تشرف على الغرف التجارية الصناعية بالمملكة.
وتشمل أعمال الوزارة إصدار السجلات التجارية التي صدر أولها عام 1376هـ/1957م في مدينة جدة، وتطورت هذه الخدمة بدءًا من عام 1432هـ/2012م، بإطلاق أول خدمة تحول إلكترونية من نوعها لاستخراج السجل التجاري والحصول على عضوية الغرف التجارية الصناعية عبر خدمة إلكترونية واحدة، ثم تواصل تطوير إجراءات استخراج السجل التجاري ليصبح إلكترونيًّا بشكل كامل، وخلال وقت قياسي قدره 180 ثانية، دون الحاجة لأي معاملات ورقية، وذلك في مناطق السعودية.
وصدرت العديد من الأنظمة التجارية التي تُسهم في تطوير النشاط التجاري بالمملكة، حيث صدر نظام الوكالات التجارية بمرسوم ملكي عام 1382هـ/1962م، وتصاعد عدد الوكالات التجارية ليبلغ أكثر من 16 ألف وكالة.
وطُبق نظام العلامات التجارية كذلك، وكان تسجيل أول علامة تجارية هي "كبريت الشعلة" عام 1365هـ/1945م، وفي عام 1423هـ/2002م، صدر نظام العلامات التجارية، وتطورت مراحل تسجيل العلامة التجارية حتى أُطلق النظام الإلكتروني عام 1434هـ/2013م، مما أسهم في تسهيل عملية تسجيل العلامات التجارية، وقد بلغت العلامات التجارية المسجلة حتى 1437هـ/2016م أكثر من 183 ألف علامة.
مهام وزارة التجارة
تؤدي وزارة التجارة عددًا من المهام التي تعزز الأنشطة التجارية للسعودية، تشمل:
- المشاركة في وضع وتنفيذ السياسات التجارية، بما يحقق الفاعلية والكفاءة للقطاع، ويؤدي إلى تنويع القاعدة الإنتاجية ودعم المنافسة بين مؤسساته، وتعزيز دور القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني.
- اقتراح مشروعات الأنظمة واللوائح التجارية، ومراجعة الأنظمة واللوائح المعمول بها، والإشراف على تطبيق الأنظمة التجارية.
- تنظيم وسائل تنمية التجارة الداخلية، والإشراف على الأسواق الداخلية وحمايتها من الاستغلال والاحتكار وضبط الأسعار، ومراجعة طرق ممارسة العمل التجاري وتطوير الأساليب والإجراءات وفق مقتضيات المصلحة العامة.
- إصدار التراخيص اللازمة لإنشاء الغرف التجارية وفروعها، ومتابعة أنشطة الغرف المختلفة وميزانياتها والإشراف على انتخابات مجالس إداراتها، والموافقة على تنظيمها للمعارض والأسواق ومشاركتها في المؤتمرات التي تتصل بنشاطها.
- ضمان وفرة السلع الأساسية والضرورية في الأسواق المحلية واستقرار الإمدادات بالتعاون والتنسيق مع الجهات الحكومية والقطاع الخاص، ومراقبة الأسواق لمكافحة الممارسات غير السليمة التي تؤثر على وفرة المعروض واعتدال الأسعار.
- دراسة طلبات تأسيس الشركات، وإنشاء فروع لها، أو تصفيتها واستكمال إجراءات التأسيس والتعديل والتصفية بما يتوافق مع أحكام نظام الشركات، وضبط المخالفات المتعلقة بأحكام نظام الشركات.
- قيد المنشآت التجارية من خلال إصدار السجلات التجارية والرقابة عليها.
- دراسة طلبات وعقود الوكالات التجارية، واستكمال إجراءات التسجيل لمختلف أنواع الوكالات وما يطرأ عليها من تعديلات، وإصدار شهادات التسجيل اللازمة، ومراقبة أعمال الوكالات التجارية وضبط المخالفات، وتنفيذ أحكام النظام.
- متابعة تحقيق الامتثال بالمنشآت التجارية والمتاجر الإلكترونية لأنظمة الوزارة المعنية بحماية المستهلك، وضبط المخالفات بالتنسيق مع الجهات المعنية وإنفاذ العقوبات.
-تسجيل وتبويب وتصنيف ونشر المعلومات الخاصة بالأنشطة التجارية والخدمات، وإصدار التقارير الخاصة بذلك، وتوفيرها للجهات ذات العلاقة، وتوعية التاجر والمستهلك.
- دراسة متطلبات التوطين للأنشطة التابعة للوزارة والإشراف على إصدار القرارات المنظمة لذلك وتعديلاتها.
- إصدار تراخيص المهن الحرة.
- قيد الأسماء التجارية والرقابة عليها.
الهيئة العامة للتجارة الخارجية
تعزيزًا للمنظومة التجارية في السعودية، أُنشئت الهيئة العامة للتجارة الخارجية عام 1440هـ/2019م، وهي ذات شخصية اعتبارية وتتمتع باستقلال مالي وإداري، فيما صدر تنظيم الهيئة عام 1441هـ/2020م، بهدف تعزيز مكاسب السعودية التجارية الدولية، والدفاع عن مصالحها في مجالات التجارة الخارجية، بما يسهم في تنمية اقتصادها الوطني.
وتؤدي الهيئة عددًا من المهمات والأعمال المتعلقة بوضع السياسات والاستراتيجيات للتجارة الخارجية بالتنسيق والمواءمة مع القطاعين الحكومي والخاص، وتمثيل السعودية في المنظمات والمحافل الإقليمية والدولية ذات العلاقة بشؤون التجارة الخارجية، وما يتصل بالعلاقات التجارية الدولية وتسوية المنازعات المتعلقة بها، ومفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة والاتفاقيات الثنائية والإقليمية والدولية.
وتعمل الهيئة كذلك على حماية الصناعة في السعودية من الضرر الناتج عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية عبر تطبيق آليات المعالجات التجارية في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تشمل (مكافحة الإغراق، والدعم، والتدابير الحمائية الوقائية)، بالإضافة للإشراف على مهام الفريق التفاوضي السعودي والفرق الفنية المنبثقة منه، والإشراف على الملحقيات التجارية في الخارج ومجالس الأعمال السعودية الأجنبية المشتركة.
التجارة الإلكترونية في السعودية
واكبت السعودية تطور الأنشطة التجارية العالمية وأسست عام 1439هـ/2018م مجلس التجارة الإلكترونية ليكون منطلق الجهود المتكاملة لجميع الجهات الوطنية ذات العلاقة، ويتولى المجلس مهمات اقتراح سياسات التجارة الإلكترونية وتشريعاتها والإشراف على برنامج "تحفيز التجارة الإلكترونية"، والتنسيق مع الجهات ذات العلاقة لمنع الازدواجية، والتخلص من العوائق التي تواجه التجارة الإلكترونية، وضمان التنفيذ الفاعل لمشاريع برنامج "تحفيز التجارة الإلكترونية" وتوصياته.
وجاء إقرار المجلس في إطار خطوة استراتيجية لتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030 عبر خلق اقتصاد متنوع، وتأسيس بيئة استثمار جاذبة، وبيئة حاضنة لريادة الأعمال ومولدة لفرص العمل.
ويُصنف النشاط التجاري الإلكتروني في السعودية على أنه من أسواق التجارة الإلكترونية الكبيرة في الشرق الأوسط، كما تصنف المملكة من أعلى 10 دول نموًا في مجال التجارة الإلكترونية.
وبنهاية الربع الثاني لعام 2024م، وصل عدد السجلات التجارية القائمة للتجارة الإلكترونية نحو 40,697 سجلًّا، مسجلة نموًا بنسبة 17.47 %، مقارنة بـ 34,645 سجلًّا تجاريًّا في الفترة المماثلة من العام 2023م، وتصدرت منطقة الرياض باقي مناطق المملكة من حيث إصدار السجلات القائمة للتجارة الإلكترونية بنحو 16,535 سجلًا تجاريًّا، في حين بلغ إجمالي عدد السجلات المصدرة في مكة المكرمة 10,325، تلتها الشرقية بنحو 6,525 سجلا.
الاتفاقيات التجارية
تبادلت السعودية توقيع عدد من الاتفاقيات التجارية مع دول ومنظمات ومجموعات اقتصادية إقليمية، ومن أبرزها الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية عام 1426هـ/2005م، حيث صادق المجلس العمومي في المنظمة على وثائق انضمام المملكة بحضور الدول الأعضاء وعددها 148 دولة لتصبح العضو رقم 149.
ووقعت المملكة كذلك اتفاقيتين تجاريتين إقليميتين، أولاهما الاتفاقية الاقتصادية بين دول مجلس التعاون الخليجي 1981م، تلتها اتفاقية تسهيل وتنمية التبادل التجاري بين الدول العربية في العام نفسه، وأُعلن في 1998م قيام "منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى"، التي انطلقت في 2008م، وأتاحت للمملكة تصدير 9 سلع زراعية دون رسوم جمركية.
مراكز ومبادرات تجارية
أسهم برنامج التحول الوطني من خلال جهود وزارة التجارة في تقدم السعودية في تقارير التنافسية، وذلك من خلال عدد من المبادرات تشمل إنشاء مركز التنافسية الذي يهدف لإيجاد جهة واحدة مستقلة ومتخصصة في دعم وتنمية تنافسية البيئة الاستثمارية في المملكة، ومبادرة إنشاء مراكز الخدمة الشاملة الموحدة "مراس" الذي يهدف إلى تسهيل إجراءات ممارسة الأعمال التجارية في جميع مراحلها، من خلال تقديم الخدمات الحكومية إلى جانب تقديم خدمات ذات القيمة المضافة بطريقة متكاملة ويسيرة للمستثمرين المحليين والأجانب.
وتضم المبادرات أيضًا إنشاء المركز السعودي للأعمال التجارية، حيث يقدم المركز مفهومًا جديدًا كجهة خدمية ورقابية للأعمال التجارية والاستثمارية لجميع الكيانات الاعتبارية في السعودية، ومبادرة تطبيق نظام الإفلاس، كذلك كان للمركز الوطني للتنافسية "تيسير" دور في تحسين أداء الأعمال في القطاع الخاص وتحفيزه للمشاركة في التنمية الاقتصادية من خلال تحسين وتطوير البيئة التنافسية، والارتقاء بترتيب المملكة في التقارير العالمية، إضافةً إلى دراسة التحديات التي تواجه القطاع الخاص وتحليلها واقتراح الحلول والمبادرات لمعالجتها.
وحتى عام 2020م، أُسست 10 كيانات جديدة لتعزيز البيئة التجارية والاستثمارية، وهي: الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، والهيئة السعودية للملكية الفكرية، والهيئة العامة للتجارة الخارجية، والهيئة العامة للمعارض والمؤتمرات، ومجلس التجارة الإلكترونية، والبرنامج الوطني لمكافحة التستر التجاري، والمركز الوطني للتنافسية، والمركز السعودي للأعمال، والمركز السعودي للاعتماد، ولجنة الإفلاس.
وتسهيلًا لبيئة الأعمال ودعمًا لقطاع المؤسسات والشركات، سمحت وزارة التجارة عام 1444هـ/2022م للمؤسسات بالدخول كشريك في جميع أنواع الكيانات التجارية للشركات، حيث إن إتاحة دخول المؤسسات كشريك في الشركات بمختلف أنواعها له أثر كبير على نمو استثمارات المؤسسات وتوسيع نطاق مداخيلها.
إنجازات تجارية للسعودية
حققت السعودية عددًا من الإنجازات في التجارة الداخلية والخارجية، ففي عام 1441هـ/2019م حققت المركز الأول عالميًّا في إصلاحات بيئة الأعمال بين 190 دولة تسهيلًا لممارسي الأعمال في تقرير DOING BUSINESS 2020، ضمن مؤشر سهولة ممارسة الأعمال الصادر من البنك الدولي، وحصلت على المرتبة 62 مُتقدّمةً بـ 30 مرتبة عن العام السابق له.
وفي عام 1443هـ/2021م، سجلت نجاحًا عالميًّا غير مسبوق في أربعة مؤشرات دولية فرعية في مجال ريادة الأعمال، بالإضافة إلى تحقيقها لمراتب متقدمة في ستة مؤشرات أخرى، وفق مؤشر المرصد العالمي لريادة الأعمال، الذي يرصده ويتابعه المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة "أداء"، والذي يقيس مدى اختلاف مستويات تحفيز ريادة الأعمال ونشاطها في العالم .
وجاء تفوق المملكة بتصدرها عالميًا في مؤشري "توفر الفرص الجيدة لبدء عمل تجاري" و"سهولة البدء في عمل تجاري"، كما تصدرت في مؤشري "استجابة رواد الأعمال للجائحة" و"استجابة حكومة المملكة للجائحة" من بين 45 دولة.
وحققت السعودية المرتبة 16 عالميًّا من أصل 67 دولة هي الأكثر تنافسية في العالم حسب تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2024م، الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية (IMD).
ويعد تقدم المملكة عام 2024م الثالث على التوالي في تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية، إذ جاءت في العام 2023م في المرتبة 17 عالميًا، وفي عام 2022م حققت المرتبة 24 عالميًا.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة