البرنامج العام للمسح الجيولوجي، هو مبادرة أطلقتها هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، لدعم الإنفاق على أعمال جمع معلومات وبيانات علوم الأرض لمعرفة مواقع المعادن في المملكة العربية السعودية، وتزويد قاعدة البيانات الوطنية بالمعلومات الجيولوجية اللازمة، لاستخدامها في خدمة عمليات الاستكشاف المعدني.
وتعود بدايات العمل لمعرفة مواقع التعدين في السعودية إلى عام 1372هـ/1952م مع إنشاء المديرية العامة لشؤون البترول والمعادن في وزارة المالية، للإشراف على قطاع المعادن وعلى اتفاقيات التعدين.
بداية نشاط المسح الجيولوجي في السعودية
بعد التنظيم الإداري والمؤسسي للأعمال الجيولوجية في السعودية بدأت عمليات المسح الجيولوجي المناطقي في عام 1376هـ/1956م، وأُعدت بناءً عليها 21 خريطة جيولوجية وجغرافية للمملكة، تمثل بداية تأسيس البنية التحتية لجيولوجية السعودية.
وتطورت عقب ذلك عمليات المسح، حيث عقدت المملكة اتفاقًا في عام 1381هـ/1961م مع شركة "هانتينج سيرفي" الكندية، ومقرها مدينة تورونتو، لتنفيذ أول مسح جيوفيزيائي جوي لمناطق المملكة، لأغراض المسح الجيولوجي وتحديد مواقع مكامن الرواسب المعدنية.
وتواصل النشاط العلمي في هذا الجانب مع بروز العديد من المؤشرات للجدوى الاقتصادية للشواهد الرسوبية والمعدنية، ففي عام 1390هـ/1970م تأسس مركز الجيولوجيا التطبيقية في مدينة جدة، تحت إدارة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، وبالتعاون بينها وبين المديرية العامة للثروة المعدنية، وكلية البترول والمعادن، لتأهيل الكفاءات السعودية في المجالات الفنية المرتبطة بعلوم الأرض.
توسع النشاط الجيولوجي في السعودية وشهدت الفترة بين عامي 1393هـ-1406هـ/1973م-1986م، وضع القواعد الأساس للكشف المعدني والمسح الجيولوجي في المملكة، حيث تمت فيها عمليات للمسح الجيولوجي والجغرافي، وإعداد الخرائط الجيولوجية (الطبوغرافية والجيوفيزيائية والبيوكيميائية والهيدروجيولوجية)، وأُنتج فيها ما يزيد على 2,800 خريطة، بمقاييس رسم مختلفة، مثلت المرحلة الثانية من رسم خرائط السعودية.
المسح الجيولوجي الشامل لقطاع التعدين في السعودية
لتحقيق أهداف الاستراتيجية الشاملة للتعدين والصناعات المعدنية في السعودية بما يواكب مستهدفات رؤية السعودية 2030، يعمل البرنامج العام للمسح الجيولوجي، على إجراء دراسة شاملة لمساحات شاسعة في المملكة، من خلال سلسلة من المسوح الجيوفيزيائية الجوية والجيوكيميائية المكثفة، بتكلفة تصل إلى نحو ملياريْ ريال.
استفادت هيئة المساحة الجيولوجية من التجارب العالمية في هذا البرنامج الذي جرى تطويره من خلال دراسة برامج مماثلة، طبقتها مؤسسات دولية أخرى، حيث أسهمت تلك البرامج في تطوير البرنامج العام للمسح الجيولوجي الذي ستغطي المسوح المختلفة له منطقة الدرع العربي، الواقعة في غرب المملكة، والتي تُقدَّر مساحتها بنحو 600 ألف كم2.
ويعمل البرنامج العام للمسح الجيولوجي بناءً على خطة وإطار زمني مدته 6 أعوام، وذلك من عام 1442هـ/2020م، الذي شهد توقيع وترسية عقود تنفيذ مشاريع البرنامج .
وتنفذ كل مرحلة من مراحل البرنامج، من خلال التعاون بين الفريق الفني الوطني في البرنامج، المكون من نحو 500 شخص، الذي يعمل، مع الخبراء التقنيين العالميين، والشركاء المتعاقدين من بلدان مختلفة، من بينها فنلندا، والصين، والمملكة المتحدة، وجنوب أفريقيا، وغيرهم من المتخصصين الجيولوجيين من جميع أنحاء العالم.
دعم برنامج المسح الجيولوجي لقطاع التعدين في السعودية
يؤدي البرنامج العام للمسح الجيولوجي دورًا حيويًّا في استثمار الموارد المعدنية في المملكة وفقًا لرؤية السعودية 2030، وهو أحد المبادرات المحورية لبرنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية "ندلب"، وخطوة حيوية في استراتيجية المملكة الرامية إلى تحويل قطاع التعدين السعودي إلى قطاع يمكنه التنافس مع عمالقة الاقتصاد الآخرين، وجعله الركيزة الثالثة للصناعة السعودية إلى جانب النفط والبتروكيماويات.
ومن واقع رؤية السعودية 2030 وحرصها على الحصول على القيمة من ثرواتها المعدنية، فإن هذا البرنامج يُعد أحد المسوح الجيولوجية الكبيرة في العالم، حيث تبلغ ميزانية مراحله كلها ملياريْ ريال (أكثر من 530 مليون دولار). ويتبع البرنامج نهجًا ثلاثي المحاور، يشمل: المسوح الجيوفيزيائية الجوية المتقدمة، والمسوح الجيوكيميائية متعددة العناصر، وإنتاج الخرائط الجيولوجية التفصيلية.
الشراكات الدولية للمسح الجيولوجي في السعودية
وقَّعت هيئة المساحة الجيولوجية 4 عقود لمشروعات البرنامج في 1 ربيع الأول 1442هـ/18 أكتوبر 2020م، مع عدد من الهيئات والشركات العالمية الرائدة في هذا المجال، بهدف توفير معرفة أدق وأكثر تفصيلًا عن ثروات المملكة المعدنية، الأمر الذي يجعل من الأسهل والأجدى اقتصاديًّا، تطوير تلك الثروات المعدنية.
وشملت العقود الموقعة مع الهيئات الدولية شركة ساندر جيوفيزكس العربية المحدودة، التي ستنفذ أعمال المسح الجيوفيزيائي الجوي المتقدم في القطاع رقم 1 من الدرع العربي، وشملت العقود الثلاثة الأخرى، عقدًا مع شركة "إكس كاليبر أيربورن جيوفيزكس" للقيام بأعمال المسح الجيوفيزيائي الجوي المتقدم في القطاعين 2 و3 من الدرع العربي، وعقدًا مع هيئة المساحة الجيولوجية الصينية لتنفيذ أعمال المسح الجيوكيميائي متعدد العناصر، في أنحاء منطقة الدرع العربي، وعقدًا مع ائتلاف مكون من شركة "إنترناشيونال جيوساينس سيرفيسز"، وهيئة المساحة الجيولوجية الفنلندية، بصفته الشريك الفني في البرنامج العام للمسح الجيولوجي.
أول مشاريع البرنامج العام للمسح الجيولوجي في السعودية
انطلق البرنامج العام للمسح الجيولوجي لتنفيذ أنشطته المسحية في 13 محرم 1443هـ/21 أغسطس 2021م من محافظة الدوادمي بمنطقة الرياض التي شهدت أول مشاريع مبادرات البرنامج، التي تهدف إلى الحصول على البيانات الجيولوجية المتنوعة عالية الدقة للدرع العربي، وتُسهم في دعم الاستكشاف المعدني، مما يؤدي إلى تحفيز الاقتصاد وتنويع الإيرادات في المملكة من خلال جذب الاستثمار في قطاع التعدين.
وتمتد أهداف ومساعي هيئة المساحة الجيولوجية إلى أكثر من العمليات الروتينية للمسح، لتواكب استخدام أحدث تقنيات الحصول على البيانات المغناطيسية الأرضية والطيف الإشعاعي بدقة عالية، والخرائط الرقمية للمغناطيسية الأرضية والإشعاعية، إضافةً إلى التفسيرات الجيولوجية للخرائط المغناطيسية والإشعاعية التي تعكس أهم التراكيب الجيولوجية والسحنات الصخرية، ومن خلالها يمكن تحديد وحصر أبرز نطاقات بيئات التمعدن.
وتشمل منافع البرنامج في المجال التعديني والمسحي كذلك أرشفة وإدراج المخرجات والتفسيرات والتقارير الفنية بقاعدة البيانات الوطنية لعلوم الأرض "NGD" لتوفير بيانات علوم الأرض للمستفيدين في مجالات متعددة، منها مجالات الاستثمار التعديني ومجالات البحث العلمي.
ومع إطلاق البرنامج العام للمسح الجيولوجي، حققت المملكة أيضًا تقدمًا في المجال الجيولوجي يتناسب مع تطوير القدرات الوطنية في مختلف المجالات، إذ أطلقت النسخة الأولى من القاعدة الوطنية للبيانات الجيولوجية في عام 1440هـ/2019م، التي تحوي أكثر من 5,500 موقع متمعدن، ومعلومات مسح واستكشاف جيولوجية تمتد إلى 80 عامًا، إضافةً إلى 10 آلاف تقرير فني.
نتائج أعمال عدد من مشاريع البرنامج العام للمسح الجيولوجي
أطلقت هيئة المساحة الجيولوجية السعودية خلال قمة مؤتمر التعدين الدولي الثالث التي عقدت في الرياض 29 جمادى الآخرة 1445هـ/11 يناير 2024م، نتائج أعمال عدد من مشاريع مبادرة البرنامج العام للمسح الجيولوجي، حيث تم الإعلان عن حزم البيانات لأعمال المسح الجيوفزيائي الجوي المغناطيسي بعدد 73 مربعًا بمقياس رسم 100,000:1 لمنطقتي وسط وأجزاء من جنوب منطقة الدرع العربي للمسح الجوي المغناطيسي والمسح الجوي الإشعاعي التي تغطي ما مساحته 30% من مجمل مساحة منطقة الدرع العربي بمساحة تغطية تصل إلى ما يقارب 180 ألف كيلومتر مربع.
كما تم الكشف في المؤتمر عن حزم بيانات المسح الجيوكيميائي ما نسبته 40% من المساحة الكلية لمنطقة الدرع العربي بمنطقة تغطي ما يقارب 218 ألف كيلومتر مربع، متمثلة بعدد 35,575 عينة سطحية للرسوبيات الوديانية الموزعة على 20 مربعًا جيولوجيًّا بمقياس رسم 250,000:1 لوسط وشرق منطقة الدرع العربي، وما يزيد على 3,700,000 مدخل رقمي لتوصيف العينات السطحية وتحاليلها الكيميائية لعدد 76 عنصرًا. وأتيحت هذه المشاريع الجيولوجية على منصة قاعدة البيانات الجيولوجية الوطنية NGD.
وأكملت الهيئة في 17 رجب 1445هـ/29 يناير 2024م، جمع عينات مشروع المسح الجيوكيمائي عالي الدقة للدرع العربي شرق محافظة ينبع، من رواسب الأودية في وقت قياسي؛ حيث تم جمع مايقارب 88,000 عينة جيوكيميائية، تغطي مساحة 540,000 كم2 ، وتحليل 76 عنصرًا لكل عينة. ومشروع المسح الجيوكيميائي عالي الدقة للدرع العربي يمثل أحد مشاريع مبادرة البرنامج العام للمسح الجيولوجي، إذ تُستخدم رواسب الوديان وتركيزات المعادن الثقيلة في الدرع العربي من أجل الحصول على بيانات جيوكيميائية عالية الجودة وتحليلها.
دور هيئة المساحة الجيولوجية في دعم قطاع التعدين
وضعت السعودية العمل الجيولوجي في مقدمة أولوياتها، وأنشأت له الإطار المؤسسي الذي يتناسب مع مختلف الأنشطة الخاصة بعلوم الأرض، حيث صدر في عام 1420هـ/1999م قرار مجلس الوزراء بتأسيس هيئة المساحة الجيولوجية السعودية، ككيان حكومي فني وطني، يمكنه أن يحل محل البعثات الجيولوجية الأجنبية، مع الاحتفاظ ببعض الخبرات المتميزة منها، ولتكون الذراع الاستشارية للدولة في مجالات علوم الأرض، ولتحمل على كاهلها أعمال المسح والتنقيب ودراسة المخاطر الجيولوجية.
وعملت الهيئة على إطلاق العديد من المبادرات التي ترتبط جميعها بهدف استراتيجي، وهو تعظيم القيمة المتحققة من قطاع التعدين والاستفادة منها، وكان منها مبادرة البرنامج العام للمسح الجيولوجي الذي يهدف إلى دعم الإنفاق على أعمال المسوحات الجيولوجية والاستكشاف للحصول على معلومات وبيانات علوم الأرض الضرورية بغرض استقطاب المستثمرين، وكذلك تزويد قاعدة البيانات الوطنية بالمعلومات الجيولوجية لغرض تحليلها وتفسيرها لكي تخدم عمليات الاستكشاف المعدني.
وتتعدد أعمال هيئة المساحة الجيولوجية بما يحقق القيمة المضافة من المعادن المتوفرة في باطن الأرض السعودية، ولذلك فإنها تعمل وفقًا لنظامها الأساس على إجراء الدراسات الهيدروجيولوجية، ورصد الزلازل، ومراقبة المخاطر الجيولوجية، ودراسات الجيولوجيا البيئية والجيولوجيا الهندسية، وتوفير الخدمات المعلوماتية المتعددة، خصوصًا تلك المتعلقة بتزويد الجهات الفنية والأكاديمية في المملكة بالتقارير، والخرائط، والمعلومات الفنية عن الثروات المعدنية، والتراكيب الجيولوجية لأنحاء السعودية.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة