الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، (1311–1389هـ)، هو أحد أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومن علماء الشريعة البارزين في المملكة العربية السعودية خلال عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، كان رئيسًا للقضاة، ومفتيًا للديار السعودية بعد تأسيس دار الإفتاء بالرياض، ودرس على يديه كبار العلماء والأمراء، وكان مستشارًا للملك عبدالعزيز في القضاء والأمور الشرعية.
والشيخ محمد أحد أبناء إبراهيم بن عبداللطيف بن عبدالرحمن بن حسن ابن الشيخ محمد بن عبدالوهاب، كان والده قاضي منطقة الرياض، وأجداده علماء ذوي مكانة علمية ومجتمعية، وأخواله من أسرة الهلالات التي تعد أرقى بيوتات عرقة مكانة ووجاهة.
بدايات الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
بدأ دراسة القرآن الكريم في السابعة من عمره، وكان معلمه المقرئ الشيخ عبدالرحمن بن مفيريج، وأتم حفظ كامل القرآن غيبًا عند بلوغه 11 عامًا، وبدأ طلب العلم عند والده، وعمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف، فبدأ بدراسة أصول العقيدة والتوحيد، ثم تلاها في مدارس مختصرات كتب الشيخ محمد بن عبدالوهاب، ومختصرات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كالعقيدة الواسطية، وكتاب الفتوى الحموية، كما اهتم بمختصرات الرحبية والأجرومية في المواريث واللغة.
فقد الشيخ محمد بن إبراهيم بصره وهو لم يتجاوز من عمره 14 عامًا، فاستمر في التحصيل العلمي لدى علماء الرياض، واهتم بأخذ اللغة وعلومها من الشيخ حمد بن فارس، كما درس الحديث والتفسير وأصولهما على الشيخ سعد بن عتيق، وتوسع في المواريث والفرائض عند الشيخ عبدالله بن راشد بن جلعود.
في عام 1329هـ، أتم الشيخ عامه الثامن عشر، وتوفي والده فأصبح في مكانه داخل الأسرة، وكان أخوه عبداللطيف مرافقه وسنده في إعداد الدروس وتحضير المسائل، مما جعل كلًّا منهما يستفيد من الآخر، واستمر الشيخ في التعليم ودراسة الكتب حتى أصبح أيقونة علمية في زمانه، واشتهر من بين تلاميذ عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ.
الشيخ محمد بن إبراهيم مستشارًا للملك عبدالعزيز
بعد وفاة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف عام 1339هـ، تولى الشيخ محمد بن إبراهيم مهام عمه في الإفتاء والتدريس، وإمامة الجامع والخطابة، فعينه الملك عبدالعزيز مستشارًا شرعيًّا في القضاء والأمور الشرعية الأخرى، وكان يتخذ من مسجد الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بحي دخنة مقرًّا للتدريس، فيعلم الصبيان بعد الفجر مبادئ النحو في متن الأجرومية، ثم المتوسطين، ثم المتقدمين الذين يدرسون على يديه ألفية ابن مالك في النحو والصرف.
كان من طلاب الشيخ محمد بن إبراهيم: مفتي عام السعودية السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ عبدالله بن حميد، والشيخ عبدالرحمن بن قاسم جامع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، والأمير مساعد بن عبدالرحمن، وعدد من القضاة والمشايخ والمسؤولين.
أعمال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
على الرغم من انتقال مهام الشيخ عبدالله بن عبداللطيف بعد وفاته عام 1339هـ، إلى ابن أخيه الشيخ محمد، إلا أن المهام الرسمية للأخير حتى اكتمال توحيد السعودية لم تتجاوز الاستشارات القضائية، واختصاصات الأئمة والخطباء، وتقديم الفتوى فيما يرغب الملك عبدالعزيز الاستفتاء فيه، إضافة إلى الاستشارة فيما له علاقة بالشؤون الدينية.
وسع الملك عبدالعزيز دائرة استشارات الشيخ محمد بن إبراهيم فمنحه صلاحية اختيار القضاة وتكليف من يراهم بالقضاء، إضافة إلى شؤونهم في التنقل والأعمال في المنطقتين الوسطى والشرقية، وكان الشيخ يرى ضرورة إنشاء معهد علمي لدعم التخصصات القضائية، وتوسيع الدوائر العلمية، فوجه الملك عبدالعزيز بفتح معهد علمي بالرياض يشرف عليه الشيخ محمد بن إبراهيم، ويتولى التدريس فيه مجموعة من كبار العلماء، كما افتتح بعد ذلك المعهد العالي للقضاء، بهدف تخريج القضاة، كما أسهم الشيخ في تأسيس مجلة الدعوة التي تعنى بالتوجيه والرد على ما يخالف المقتضيات الشرعية الاعتقادية والعملية.
أسندت للشيخ محمد بن إبراهيم مهام الإشراف العام على تعليم البنات في جميع مناطق المملكة العربية السعودية، إضافة إلى الإشراف العام على الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، كما تولى إدارة القضاء في عموم السعودية بعد وفاة الشيخ عبدالله بن حسن، وبعد تأسيس دار الإفتاء بالرياض عام 1375هـ، أصبح رئيسًا لها، ومفتيًا للديار السعودية، واستطاع استصدار الموافقة على تأسيس مكتبة عامة باسم المكتبة السعودية، وتتبع إداريًّا وماليًّا لدار الإفتاء التي يرأسها الشيخ.
وعمل الشيخ محمد مشرفًا على الشؤون الدينية ومراقبة المطبوعات، وتعيين المؤذنين والأئمة بجميع أنحاء السعودية، وإمامًا للجامع الكبير (جامع الإمام تركي بن عبدالله في الرياض)، إضافة إلى إمامة الصلوات الراتبة لجامعه في حي دخنة، ورئاسته لرابطة العالم الإسلامي.
المكانة العلمية للشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
كان الشيخ محمد بن إبراهيم صاحب فقه وعلم، وكان ملمًّا بالتفسير والعقائد، عُرف بتمسكه بالمذهب الحنبلي دون تعصب، ويخرج أحيانًا عن مشهوره إلى صحيحه، أو إلى إحدى روايات الإمام أحمد بن حنبل، وكان يعتمد على جمع أطراف القول بعد تحرير محل الوفاق والنزاع في المسائل.
وللشيخ معرفة علمية واسعة في علوم الفلك، والتاريخ والأنساب، فضلًا عن الصرف والنحو والبلاغة في اللغة العربية، وكان صاحب قدرة كبيرة على تحليل القصائد العربية ومعرفة دقائق معانيها.
وفاة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ
توفي الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في 24 رمضان 1389هـ، وصُلّي عليه في الجامع الكبير بالرياض بعد صلاة الظهر، وأمّ الناس في الصلاة عليه مفتي المملكة العربية السعودية السابق الشيخ عبدالعزيز بن باز، وكان في مقدمة من صلوا عليه الملك فيصل بن عبدالعزيز، وشارك في تشييعه والوقوف على حافة قبره حتى انتهى الدفن.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة