عمر نوح فلاتة (كدرس)، (1933م-2002م)، هو موسيقار مجدد من رموز الأغنية في المملكة العربية السعودية، يُلقب بـ"عمر كدرس"، أسهم في تأسيس المدرسة الحديثة في الأغنية السعودية، وأخذ الأغنية السعودية مع الملحنين إلى خارج حدود السعودية، ومثَّلت ألحانه جزءًا كبيرًا من تاريخ الأغنية السعودية، كان أستاذًا لمحمد عبده، لحَّن له مجموعة من أهم الأغنيات، وهو أول من لحَّن وغنَّى أغنية عن يوم الخميس، أحد أيام الإجازة الرسمية سابقًا في السعودية.
نالت موهبة عمر كدرس إعجاب أم كلثوم، فطلبت منه تلحين اثنتين من أغنياتها، كما قدم ألحانًا لمجموعة من الفنانين السعوديين والعرب، كطلال مداح، ووديع الصافي، وكان من أكثر عازفي العود إجادةً في السعودية، شبهه البعض بـ"بليغ حمدي"، وقف في صف الكيف ضد الكم، فكان يُلحن 3 أو 5 ألحان في السنة الواحدة، لكن ألحانه ظلت تُذاع لأكثر من نصف قرن في المملكة والبلاد العربية.
كان عمر كدرس من أوائل من قدموا أفكارًا موسيقية جديدة، تتلمذ على يديه مجموعة من الفنانين والملحنين السعوديين، عاش 67 عامًا، قضى منها 40 عامًا في التلحين، أثمرت عددًا من الأغاني الشهيرة في تاريخ الأغنية السعودية، مثل: ليلة خميس، ويا سارية خبريني، ويا موقد النار، إضافةً إلى أغانٍ تراثية عدة عن مناطق مختلفة من السعودية، كما صنعت ألحانه شعبية كثير من الفنانين.
ولد عمر نوح فلاتة في مدينة مكة المكرمة، في حي المسفلة، وانتقلت عائلته بعد أقل من عام على ولادته إلى المدينة المنورة، عاصر ظروفًا قاسية مع أسرته بسبب الفقر ومصاعب العيش، مما جعله ينشغل في سنوات مبكرة بكيفية تحصيل الرزق وكسب قوت يومه، فاشتغل سنوات صباه في أعمال البناء، وكان يعمل مبيضًا لواجهات المنازل، إلى جانب مواصلة تعليمه، ثم وجد عملًا يتطلب التنقل بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، فظل لفترة مساعدًا لسائق شاحنة، قبل أن يحصل على فرصة أخرى لدى أحد وجهاء مكة المكرمة بصفته سائقًا خاصًّا.
قصة لقب عمر كدرس
لُقب عمر نوح بـ"عمر كدرس" إثر موقف حصل معه في المدرسة، ففي أحد الأيام طلب منه معلمه أن يُشرف على الطلبة في غيابه ويضمن انضباطهم، فالتزم عمر بالمهمة وأداها على أكمل وجه، مما أدهش المعلم حين عودته، ووصف صلابة عمر وانضباطه بالوقوف أمام زملائه بـ"الدرس"، فقال له: "أنت تقف أمامهم كدرس"، أي شبيهًا بالدرس، فما كان من زملائه إلا أن حفظوا الكلمة وأصبحوا ينادونه بها، ولم يفارقه هذا اللقب حتى وفاته.
بداية عمر كدرس
بدأ عمر كدرس مسيرته الفنية في أوائل الستينيات الميلادية، عبر غنائه في المناسبات والأفراح لأم كلثوم، والابتهالات والمجسات، والدانات الحجازية، وبعض المقطوعات الموسيقية، فاشتهر وذاع صيته في جدة، ورغم ميله للتلحين إلا أنه خاض تجربة الغناء وأصدر ألبومًا تضمن 6 أغنيات مسجلة في الاستديو بعنوان "تدلل"، لكن ألبومه لم يحقق الشهرة التي حققتها ألحانه، خاصة تلك التي قدمها لمحمد عبده، ويُعد متبنيًا لموهبة الأخير، حيث أسهم في إثراء ثقافته الفنية واتساع أفقه الموسيقي، كما درَّبه على عزف العود، وساعده في اختيار الأغنيات، وأخرجه للعالم العربي.
عمل كدرس لدى أحد وجهاء مدينة جدة، وهو دون العشرين من عمره، وكانت إحدى الديوانيات في جدة أولى نقاط الانطلاق لمسيرة عمر كدرس الموسيقار، ففيها تعرف على مجموعة من الفنانين وتعرف الناس عليه وعلى موهبته وثقافته الفنية الواسعة، فكان يعزف مجموعة من الألوان الموسيقية، مثل: اللون الشامي، والمجرور، والأندلسي، والمغربي، والمصري، والحجازي، واليمني، والخليجي.
ألحان عمر كدرس
تعاون عمر كدرس مع عدة شعراء وفنانين، ومن المطربين الذين قدم لهم ألحانًا: طلال مداح في "يا سارية خبريني" و"يا موقد النار" و"صاح الطير" و"مقبول منك"، كما لحَّن لمحمد عبده كثيرًا من الأغنيات، منها: "ليلة خميس"، و"يا أعذب الحب" و"أحلى من العقد لباسه" و"زل الطرب" و"البعد طال والنوى"، و"يا عروس الربى الحبيبة"، كما لحن لابتسام لطفي عدة أغانٍ، ولعلي عبدالكريم، ومحمد عمر، ولحَّن في لبنان لوديع الصافي وهيام يونس، ولمحمد ثروت في مصر.
لحن أغنية ليلة خميس
يُعد عمر كدرس أول من لحَّن وغنَّى أغنية تتعلق بأحد أيام الإجازة الرسمية في السعودية، فهو ملحن قصيدة "ليلة خميس" للأمير خالد بن يزيد، وتُعد إحدى أسرع الأغنيات التي جرى إنجازها في تاريخه، إذ التقطها من الشاعر ولحَّنها ارتجالًا في اللحظة نفسها التي قرأ فيها مطلع القصيدة،وغناها أول مرة في مسرح الإذاعة،ثم أعجب بها محمد عبده وأضاف إليها مقدمة موسيقية وغناها على المسرح مباشرة في إحدى حفلات القاهرة، فاشتهرت الأغنية وارتبطت باسم "كدرس" منذ الثمانينيات الميلادية.
وظائف شغلها عمر كدرس
عُيِّن عمر كدرس موظفًا في الإذاعة السعودية بقسم الموسيقى، واختير ليكون عضوًا في لجنة إجازة المشاريع الغنائية، ولاحقًا جرت ترقيته إلى مسؤول في إذاعة جدة في قسم الأغاني الشعبية، وكانت تلك آخر وظيفة يشغلها، إذ ظل فيها حتى أحيل إلى التقاعد، وفي سنواته الأخيرة توقف عن الإنتاج الفني بسبب تدهور صحته، وفي عام 2002م قدمه محمد عبده على المسرح في إحدى حفلات مهرجان "جدة غير"، وطلب منه قيادة الفرقة في مبادرة تكريمية لجهود كدرس في إثراء الأغنية السعودية، حيث قدمه عبده قائلًا: "أستاذي ورفيق دربي الأستاذ عمر كدرس سيقود الأغنية القادمة".
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة