استراتيجية الخصخصة في المملكة العربية السعودية، هي إحدى السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها السعودية بهدف تطوير الأداء الاقتصادي، ورفع مشاركة القطاع الخاص في إدارة وملكية المرافق والخدمات التي تتبع للقطاع العام في السعودية.
ظهر الاتجاه إلى التخصيص أو الخصخصة من خلال تأكيد الأساس الاستراتيجي العاشر على تخصيص مزيد من النشاطات والمرافق والخدمات العامة. وبحسب خطة التنمية الثامنة فإن الرؤية المستقبلية لأهداف التخصيص واستراتيجياته ترتكز على رفع مستوى مشاركة القطاع الخاص في النشاطات الاقتصادية، لزيادة الكفاءة التشغيلية للاقتصاد الوطني، وإيجاد البيئة التنافسية.
التزمت خطط التنمية بتحقيق أهداف التخصيص بوصفه خيارًا استراتيجيًّا لتطوير الأنشطة الاقتصادية في مختلف القطاعات، وقد أولت وثيقة خطة التنمية التاسعة عناية خاصة لعملية تحديد الآليات التي سيكون من خلالها تحقيق أهدافها، وتنفيذ سياساتها، وبرامجها ومشروعاتها من خلال تعميق الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتسريع عمليات التخصيص.
برنامج التخصيص في السعودية
عنيت الدولة ببرنامج التخصيص عناية كبيرة، إذ مضت فيه من خلال إصدار عدد من القرارات والأنظمة المتعلقة به، يبرز ذلك في قرار مجلس الوزراء عام 1418هـ/1997م الذي حدَّد 8 أهداف للتخصيص في السعودية، والأسس التي يجب أن تؤخذ في الحسبان لتحقيق هذه الأهداف.
مضى البرنامج في تحقيق أهدافه من خلال دعم أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة، ولتعزيز فعاليته صدر قرار لمجلس الوزراء عام 1421هـ/2001م يقضي بأن يتولى المجلس الاقتصادي الأعلى (ألغي لاحقًا) مسؤولية الإشراف على برنامج التخصيص ومتابعة تنفيذه وما يتطلبه ذلك من تنسيق بين الجهات الحكومية، وتحديد الأنشطة التي يمكن تخصيصها.
يدعم التخصيص دور القطاع الخاص في العملية التنموية، ويفتح مزيدًا من الفرص لنموه وإسهامه الفاعل في نمو الاقتصاد الكلي، لذلك نصَّ الهدف الثامن من الأهداف العامة والأسس الاستراتيجية لخطة التنمية السابعة الصادرة بقرار مجلس الوزراء عام 1420هـ/1999م على "زيادة مساهمة القطاع الخاص في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية".
مع تطور المنظومة الاقتصادية، وإجراء عدد من الإصلاحات الهيكلية في الاقتصاد السعودي، أصبح برنامج التخصيص أحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030 التي تشكِّل مصدرَ دعم مهمًّا لحركة التنمية الاقتصادية الوطنية، من خلال عمله على تعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات وإتاحة الأصول الحكومية أمامه، مما يحسِّن جودة الخدمات المقدمة بشكل عام ويُسهم في تقليل تكاليفها.
أُطلق برنامج التخصيص عام 2018م، وسعى لتحديد الأصول والخدمات الحكومية القابلة للتخصيص في عدد من القطاعات، وتطوير منظومة وآليات التخصيص، وتحديد أطر الشراكة بين القطاعين العام والخاص، بهدف تعزيز جودة وكفاءة الخدمات العامة، والإسهام في التنمية الاقتصادية.
شملت المرحلة الأولى من برنامج الخصخصة عددًا من الجهات المستهدفة، التي تضم عدة وزارات في نشاطات معينة، منها التعليم، الشؤون البلدية والقروية والإسكان (وزارة البلديات والإسكان حاليًا)، الصحة، النقل والخدمات اللوجستية، المواصلات بمختلف أنواعها، إضافة إلى الخدمات العامة، مثل تحلية المياه والمياه الوطنية، والأندية الرياضية، والمؤسسة العامة للحبوب ( الهيئة العامة للأمن الغذائي حاليًا )، والبريد، ومستشفى الملك فيصل التخصصي.
المركز الوطني للتخصيص
ليأخذ برنامج التخصيص مسارًا مؤسسيا في تحقيق أهدافه، أُسس المركز الوطني للتخصيص بقرار مجلس الوزراء عام 1438هـ، كجزء من رؤية السعودية 2030، ليعمل على تمكين عمليات تخصيص أصول وخدمات الجهات الحكومية المستهدفة، وهي أولوية حُددت كجزء من خطة رؤية المملكة، وبوصفه مركزَ تميّزٍ عالميا. ويضطلع المركز بمهمة تطوير عملية تخصيص فعالة تطبقها الجهات المستهدفة، إضافة إلى تسويق الفرص على المستويين المحلي والدولي.
كما وضع برنامج التخصيص منظومة مستهدفات يتطلع لتحقيقها بنهاية عام 2025م، تشمل وصول قيمة الإيرادات الحكومية غير النفطية إلى 143 مليار ريال، و62 مليار ريال لإجمالي قيمة الاستثمارات من عمليات الشراكة بين القطاعين العام والخاص، و14 مليارًا لإجمالي القيمة المالية لكفاءة الإنفاق الحكومي من خلال عمليات الشراكة.
منذ إطلاق البرنامج حقق عددًا من الإنجازات التي تعزز دوره التنموي والهدف منه، إذ اكتملت المرحلة الأولى من تخصيص قطاع مطاحن إنتاج الدقيق لمستثمرين استراتيجيين من القطاع الخاص، وتوقيع اتفاقية مشروع الجبيل-3 لإنتاج المياه المستقل، واتفاقية مشروع ينبع-4 لإنتاج المياه المستقل، إضافة إلى توقيع العقد والإغلاق المالي للمجموعة الأولى لمبادرة جذب الاستثمارات الخاصة لتمويل إنشاء المباني التعليمية.
دور برنامج تطوير القطاع المالي في الخصخصة
نظرًا لتقاطع برنامج التخصيص وتكامله مع برنامج تطوير القطاع المالي، حدد هذا البرنامج أيضًا محاورَ للتخصيص، وذلك بحسب الركيزة الاستراتيجية الثانية الخاصة بتطوير سوق مالية متقدمة، حيث أكد تشجيع خصخصة الجهات المملوكة للدولة من خلال الاكتتاب العام الأولي، لتعميق سوق الأسهم في السعودية من خلال زيادة القيمة السوقية، وجذب تدفقات استثمارية من المستثمرين الأجانب والمؤسسات، وتحسين كفاءة وأداء الجهات التي جرت خصخصتها.
يعزز برنامج تطوير القطاع المالي جهود برنامج التخصيص من خلال عملهما بشكلٍ وثيقٍ مع الجهات ذات الصلة، لإضافة قيمة للاقتصاد الكلي، فيما ستنتج مكاسب عديدة للسوق المالية السعودية من الخصخصة، تشمل فرصة فريدة لزيادة عمق وسعة السوق المالية، وجذب المستثمرين الأجانب والاستثمارات المؤسساتية، إلى جانب تحسين الحوكمة والأداء والكفاءة للجهات المخصخصة.
بدا أثر تلك الخصخصة في إحدى عمليات الخصخصة الكبيرة من خلال إدراج شركة الزيت العربية السعودية "أرامكو السعودية" رسميًّا في السوق المالية السعودية "تداول السعودية" في 14 ربيع الآخر 1441هـ/ 11 ديسمبر 2019م، وبلغت قيمة الطرح 96 مليار ريال، ما يعادل 25.6 مليار دولار (بافتراض عدم ممارسة خيار الشراء)، مما جعلها أكبر عملية طرح في العالم حينها.
نظام الخصخصة في السعودية
اتخذ نظام الخصخصة أبعادًا أكثر تطورًا تتناسب مع مقتضيات المرحلة الاقتصادية التي أخذ فيها الاقتصاد السعودي يحقق معدلات نمو أكثر تنافسية مدعوما بتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، ولذلك أصدر مجلس الوزراء قراره في شعبان 1442هـ/ مارس 2021م، بالموافقة على اعتماد نظام التخصيص، الذي يستهدف إتاحة الفرصة للقطاع الخاص في المساهمة بنحو 16 قطاعًا حكوميًّا، مما يعمل على رفع حصة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40% إلى 65%.
جاء إصدار نظام التخصيص في عام 1442هـ/2021م بمرسوم ملكي وقرار مجلس الوزراء في العام نفسه، ليعزز جهود التخصيص ويمنح القطاع الخاص مزيدًا من المرونة للمشاركة في إدارة الأصول العامة، وقد عرفت المادة الأولى منه التخصيص بأنه شراكة بين القطاعين العام والخاص، أو نقل ملكية الأصول.
يعمل المركز الوطني للتخصيص بصفته رافعة تتجه بنظام التخصيص وبرنامجه المنبثق عن رؤية السعودية 2030 إلى تكثيف الجهود من أجل ضمان المستقبل الاقتصادي للسعودية من خلال خلق فرص للمستثمرين المحليين والدوليين، وتوفير فرص عمل للمواطنين، وتعزيز وتحسين جودة حياة المواطن.
قطاعات التخصيص في السعودية
يسير العمل في تنفيذ برنامج التخصيص عبر قطاعات محددة، ويمكن لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إضافة قطاعات أو هيئات إلى البرنامج. وتشمل تلك القطاعات التعليم في وزارة التعليم، المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني والجامعات الحكومية، قطاع الصناعة والثروة المعدنية: وزارة الصناعة والثروة المعدنية، الهيئة الملكية للجبيل وينبع، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة، الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية (مدن)، المركز الوطني للتنمية الصناعية (البرنامج الوطني لتطوير التجمعات الصناعية سابقًا).
كما تضم القطاعات قطاع البيئة والمياه والزراعة: وزارة البيئة والمياه والزراعة، المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة، المركز الوطني للرقابة على الالتزام البيئي (الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة سابقًا)، وشركة المياه الوطنية. قطاع الحج والعمرة: وزارة الحج والعمرة. قطاع الصحة: وزارة الصحة، المجلس الصحي السعودي، والمؤسسة العامة لمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث. قطاع الإسكان: وزارة البلديات والإسكان. قطاع العمل والتنمية الاجتماعية: وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.
إضافة إلى قطاع البلديات: وزارة البلديات والإسكان، والأمانات. قطاع النقل العام: المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية، والمؤسسة العامة للخطوط الحديدية، ألغيت وحلت محلها الشركة السعودية للخطوط الحديدية "سار". قطاع النقل: وزارة النقل والخدمات اللوجستية، الهيئة العامة للطيران المدني، هيئة النقل العام، الهيئة العامة للموانئ، المؤسسة العامة للخطوط الجوية العربية السعودية، والمؤسسة العامة للخطوط الحديدية (الشركة السعودية للخطوط الحديدية "سار"حاليًا). قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات: وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، البريد السعودي. قطاع الطاقة: وزارة الطاقة، ومدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة. قطاع الرياضة: وزارة الرياضة. قطاع الإعلام: وزارة الإعلام، وهيئة الإذاعة والتلفزيون، والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، ووكالة الأنباء السعودية. قطاع الداخلية: وزارة الداخلية. قطاع المالية: المنظومة المالية.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة