تم نسخ الرابط بنجاح

المنشآت الحجرية في السعودية

saudipedia Logo
المنشآت الحجرية في السعودية
مدة القراءة 6 دقائق

المنشآت الحجرية في السعودية، هي المعالم الأثرية الحجرية التي شيدتها حضارات قديمة تعاقبت على أرض المملكة العربية السعودية عبر مختلف العصور، وهذه المنشآت الحجرية بأنواعها المختلفة مؤشرات مهمة للعمق التاريخي الذي تتمتع به أرض المملكة، ومدى التطور الحضاري للأمم المتعاقبة التي عاشت في المنطقة، وهي شواهد معمارية لمبانٍ متعددة الأشكال والوظائف والفترات الزمنية، رصدت أغلبَها صورُ الأقمار الصناعية، وهي منتشرة في أنحاء المملكة، خاصة في الحرّات البركانية، وبالقرب من الواحات والمراكز الحضارية القديمة، وتتشكّل هذه المنشآت في مجموعات تمتد لعشرات الكيلومترات.

مفهوم المنشآت الحجرية

عرَّف نظام الآثار والمتاحف والتراث العمراني الصادر بمرسوم ملكي في عام 1436هـ/2014م، المنشآت الحجرية بأنها الآثار المتصلة بالأرض، مثل: الكهوف الطبيعية، أو المحفورة التي استخدمها الإنسان، والصخور التي رسم أو حفر عليها صورًا أو نقوشًا كتابية، والرجوم، والدوائر الحجرية، وأطلال المدن والقرى، والمنشآت الظاهرة أو المطمورة تحت الأرض، والمنشآت المائية، وطرق التجارة والحج القديمة، والمدن والقرى والأحياء التقليدية، والأبنية المنشأة لغايات مختلفة، وأطلال تلك المباني، وما يتصل بها من عناصر معمارية.

تاريخ المنشآت الحجرية الأثرية في السعودية

تزخر المملكة بشواهد تاريخية على عمارة البشر عبر التاريخ لهذه الأرض، إذ انتشرت المنشآت الحجرية بصورة واسعة في معظم مناطق المملكة، وكان ظهورها الأول خلال الألف الثالث قبل الميلاد، وهي منشآت ثابتة ارتبطت بمجموعات سكانية شبه مستقرة ومتداخلة حضاريًّا.

تعود جذور تلك المنشآت إلى حضارات وعصور ما قبل الميلاد، إذ تؤرخ أقدم الموجودات الأثرية في هذه المنشآت للعصر الكالكوليثي (النحاسي)، واختفت بعد منتصف العصر البرونزي الوسيط الأول، أي نحو 1850 ق.م، ولا تُعرف على وجه التحديد الأغراض التي استخدمت فيها تلك المنشآت الحجرية، وربما استُخدم بعضها كمساكن، وبعضها الآخر لأغراض أخرى كالدفن الجنائزي كما في المنشآت مستدقة الطرف (لها ما يشبه الذيل).

أهمية المنشآت الحجرية الأثرية في السعودية

تمثِّل المنشآت الحجرية، رغم تعرضها لكثير من العوامل المناخية التي تؤثر في بقائها، متاحف طبيعية تسلط الضوء على تاريخ الأمم الغابرة التي استوطنت شبه الجزيرة العربية، ويصل عددها إلى 868 موقعًا يعود بعضها إلى الألف السابع قبل الميلاد.

وهناك عدد من التفسيرات لوظائف واستخدامات المنشآت الحجرية، وجميعها تنطوي تحت المجموعات التي حددها العلماء الذين رأوا في بعضها مقابر، وآخرون رأوا استخدامها لمعرفة الاتجاهات الجغرافية ودلالات لطرق القوافل، وهناك من رأى أنها استخدمت كمصائد صحراوية، أو أسوار لحيازات زراعية أو سكانية أو محاجر حيوانية قديمة.

تتعدد التصنيفات الأثرية لتلك المنشآت الحجرية بقطع النظر عن وظائفها واستعمالاتها، وتصل إلى 10 مجموعات، هي: الدوائر الحجرية، المسيجات الحجرية، النصب الركامية، المنشآت الحجرية المستدقة الطرف، الأحواض، البنايات الحجرية على شكل "مصائد"، مقابر التلال، المنصات، الأعمدة، مقابر العصر الحديدي الباكر.

المدافن الحجرية في السعودية

تشير الدراسات الأثرية إلى أن المنشآت الحجرية التي استخدمت مدافن تعود إلى فترة ما قبل الإسلام، وغالبيتها تعود إلى العصر البرونزي، وتتنوَّع أشكالها وفق الفترة الزمنية والمنطقة الجغرافية والثقافة، فمنها المدافن التي تأتي بلا ملحقات كالركامية متعددة المصاطب، والرجومية، والبرجية، والتلال، وأخرى مع ملحقاتها كالمسيجات والمثلثات والمستطيلات والمسننات والمفاتيح.

ظهرت تلك المدافن عبر عصور متعددة، فقد وُجدت في العصر الحجري الحديث، والبرونزي، والحديدي، وفترة العصر الكلاسيكي والروماني، وتتميز بتشكيلاتها الهندسية المتنوعة، ومن الأمثلة عليها المنشأة الحجرية التي اكتُشفت بالقرب من عقيلة المشعان في سكاكا، وكذلك في منطقة الجوف.

منشآت المصائد الحجرية في السعودية

بالنسبة إلى مجموعة البنايات الحجرية على شكل مصائد فإنها تتكون من جزأين: جدران طويلة ومنخفضة، تتلاقى لتتخذ شكلًا حاويًا يسمى الرأس، وغالبًا ما تتشكَّل على هيئة دائرة محفوفة بدوائر صغيرة عبارة عن حفر، ويمتد بعض جدرانها إلى أكثر من 5 كلم، في حين يتجاوز قطر الرأس أحيانًا 100م.

هذا النوع من المنشآت الحجرية انتشر من اليمن جنوبًا إلى أرمينيا شمالًا ووسط آسيا، ووُثِّقت 5,809 مصائد، 868 منها في المملكة، تعود إلى الفترة الزمنية من الألف السابع قبل الميلاد.

الدوائر الحجرية الأثرية في السعودية

يتضح في مجموعة الدوائر الحجرية في المملكة أنها تتخذ شكلًا دائريًّا أو شبه دائري، وذلك على أشكال متنوعة، منها: مجموعات معقدة، دوائر دون تقسيمات داخلية، دوائر بتقسيمات داخلية، دوائر معقدة، وتنتشر هذه الدوائر الحجرية في جميع أنحاء المملكة، وتعود لفترات زمنية مختلفة بحسب الغرض منها.

منشآت المستطيلات الأثرية في السعودية

بُنيت منشآت المستطيلات أو "البوابات"، لأغراض ممارسة الطقوس الدينية والاجتماعية، وهي على شكل مستطيل، يتجاوز طول بعضها الـ 500م، وتنتشر هذه المنشآت الحجرية في حرَّة خيبر وشمال شرقها إلى شمال مدينة حائل، وتعود إلى العصر الحجري الحديث.

الجدران الأثرية الممتدة

هناك أيضًا ضمن مجموعات المنشآت الحجرية مجموعة الجدران الممتدة، وهي جدران حجرية مرصوفة من قمة الجبل إلى السفح وعلى الأراضي المستوية، ولم تثبت حتى الآن استخداماتها، إلا أن الأرجح أنها كانت تستخدم مدافن أو أسوارًا، وتنتشر في مناطق مختلفة من المملكة، ولا تزال الفترة الزمنية لهذه الاكتشافات مجهولة.

الأعمدة الأثرية المنصوبة

تتخذ مجموعة الأعمدة وصف المنصوبة، ويرى علماء الآثار أنها منصوبة بفعل البشر في فترة زمنية تعود إلى ما قبل الميلاد بآلاف السنين، وتختلف أشكالها كالأحجار المنصوبة الممتدة، والمنصوبة المتقابلة، والأحجار الثلاثية. رجح العلماء دون جزم أن تكون مدافن لأقوام بادت، ويرى آخرون أنها رموز ذات دلالات فلكية.

مواقع المنشآت الحجرية الأثرية

من خلال عمليات البحث والتنقيب الأثري أمكن العثور على عدد من المواقع التي تضم منشآت حجرية في مناطق المملكة، كمدافن جنوب الظهران، ومدافن محافظة الخرج ووادي الدواسر، وموقع رجوم صعصع بمحافظة تيماء، ووادي شرما بمنطقة تبوك.

وبصورة عامة فإن جميع مناطق المملكة تضم منشآت حجرية، خاصة في الحرَّات البركانية، وبالقرب من الواحات والمراكز الحضارية القديمة، وتتشكَّل هذه المنشآت في مجموعات تمتد لعشرات الكيلومترات، كما في المنشآت الحجرية الأثرية في محيط قرية زباران التابعة لمحافظة خيبر بمنطقة المدينة المنورة، إذ إن منطقة خيبر تقع داخل نطاق حرة خيبر، لذلك تحتوي على عديد من المنشآت الحجرية.

المنشآت الحجرية الأثرية في صحراء النفود

في عام 1441هـ/2020م، عثر فريق علمي على منشآت حجرية في صحراء النفود عبارة عن مصائد للحيوانات تُعد من أقدم المصائد الحجرية في العالم، إذ يعود تاريخها إلى أكثر من 7,000 عام.

وتؤكد تلك الاكتشافات التعاقب الحضاري المستمر في أراضي المملكة عبر التاريخ، وأن مناطق شمالي المملكة شهدت تطورًا حضاريًّا قبل نحو 5,000 سنة ق.م، بدليل تشييد أمكنة ضخمة ضمت مئات المنشآت الحجرية الكبيرة.

وأدت عمليات التنقيب والبحث إلى تحديد 104 منشآت حجرية حول التخوم الجنوبية من صحراء النفود، ودلَّ عددها على أنها منتشرة بعيدًا عن حرة خيبر. وبحسب الدراسات فقد كشف التسلسل الزمني النسبي للمستطيلات عن تطابق نتائج الدراسة مع نتائج دراسات سابقة في المملكة، أرخت هذه المنشآت من 5,000 إلى 2,000 سنة ق.م.

توثيق المنشآت الحجرية الأثرية في السعودية

أطلقت هيئة التراث التابعة لوزارة الثقافة عام 1442هـ/2021م مشروعًا علميًّا لتوثيق ودراسة المنشآت الحجرية في المملكة، بالتعاون مع المؤسسات والمراكز الوطنية والدولية ذات العلاقة، ضمن خطة برنامج المسح والتنقيب التابع لهيئة التراث.

ويُعد هذا المشروع حلقة من سلسلة جهود صون الآثار السعودية، وأحد أهم المشاريع البحثية النموذجية في علم الآثار خلال الأعوام المقبلة، وذلك من خلال بناء استراتيجية طويلة المدى، تعدها وتنفذها كوادر وطنية مؤهلة، لرفد التاريخ الحضاري للمملكة بمعلومات قيمة ونتائج مثمرة. ويتسع المشروع لتغطية جميع المواقع الأثرية، ويعمل على توثيق نحو 500 ألف موقع قابل للدراسة والتحليل.

منطقة حمى الثقافية في نجران

سُجلت "منطقة حمى الثقافية" بنجران عام 1442هـ/2021م في قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، بوصفها موقعًا ثقافيًّا ذا قيمة عالمية استثنائية للتراث الإنساني.

وتزخر هذه المنطقة بإرث حجري ثري بفنون ونقوش تعكس توثيقًا كتابيًّا وفنيًّا وتاريخيًّا وحتى إثنوغرافيا لأحداث التغيُّر المناخي خلال الفترة السائدة، وذلك ما يظهر من خلال البقايا الأثرية الشاسعة التي عثر عليها في موقع حِمى على شكل مذيلات ومنشآت ومقابر ركامية، وورش لتصنيع الأدوات الحجرية مثل الفؤوس والمدقَّات ورؤوس السهام الحجرية، إضافةً إلى آبار مياه قديمة لا تزال تستعمل حتى اليوم.

المنشآت الحجرية في جبل الظلّيات بالجوف

 عثر فريقٌ من علماء الآثار السعوديين والدوليين على إحدى أقدم المنشآت الحجرية التي شيّدها الإنسان في جبل الظلّيات بمنطقة الجوف -شمال المملكة- يعود تاريخها إلى الفترة ما بين 8000 و9000 عام قبل الوقت الحاضر، وذلك ضمن نتائج مشاريع المسح الأثري التي أجْرتها هيئة التراث مؤخراً بالتعاون مع المراكز العلمية الدولية.

وفي 27 شوال 1444 هـ/ 17 مايو 2023 م، نشرت مجلة (بلوس ون) ورقة علمية عن هذه المنشآت الحجرية التي تُمثّل -بحسب الورقة العلمية- مصائد من الحجر، وهي مبانٍ ضخمة الحجم تُستخدم كمصائد للحيوانات تم تأريخها لفترة ما قبل التاريخ، التي تُعبّر عن قدرة الإنسان قديمًا على التكيّف مع طبيعة المكان، وذلك بنقل مساحة كبيرة إلى سطح صغير ثنائي الأبعاد، كما تُعد علامة فارقة في السلوك الذكي للإنسان، وتعزّز فهم كيفية تصوّر المصائد الحجرية الصحراوية وبنائها. وتمّت مشاهدة هذه المصائد الحجرية لأول مرة من الطائرات في عشرينات القرن الماضي -وفقاً للورقة العلمية-، وكانت تُعد للوهلة الأولى مبانيَ أثرية متطورة تتكون من جدران، ومُذيَّلات يصل طولها إلى أكثر من خمسة كيلومترات تتلاقى في منطقة كبيرة وتتّصل بها غرف ذات حجم أصغر، وخصوصًا في الأركان والزوايا الخارجية، وعلى الرغم من ذلك فإنه لم يتم إثبات وظيفتها واستخداماتها كمصائد للحيوانات البرية، وتأريخِها إلا في السنوات القليلة الماضية، حيث جرى اكتشاف أكثر من 6000 منشأة حتى الآن.  

وقد عُثر في جبل الظلّيات على زوجَين من المصائد الحجرية الصحراوية تتباعد عن بعضها بمسافة 3.50 كم، كما اكتُشفت في هذه المنطقة لوحة مُصغّرة لمصيدة حجرية صحراوية مرسومةٍ على حجر يبلغ طوله 382 سم، وعرضه 235 سم، ويعود تاريخها إلى حوالي 8000 عام قبل الوقت الحالي، وعُثر سابقاً على منشآت مُصغّرة أخرى لهذه المباني الضخمة، لكنها لم تكن بنفس الدقة الكبيرة التي نُفّذت بها منشآت الظلّيات.