العرضة السعودية، هي فن أدائي يُؤدى في الاحتفالات والمناسبات الاجتماعية والأعياد بالمملكة العربية السعودية، ويعرف محليًّا بالعرضة النجدية، وهي أيقونة رقصات السلاح التقليدية في السعودية، وبروتوكول رسمي للمناسبات وللاحتفاء بحضور رؤساء الدول والوفود السياحية من خارج المملكة.
كانت العرضة تؤدى سابقًا إعلانًا واستعدادًا للحرب، فتؤدي دور التحفيز على الإقدام والتذكير بالقوة والشجاعة، وتجديد الولاء للقائد والعهد بالنصرة، وفي ظل استتاب الأمن في المملكة تحولت العرضة إلى أداء حركي يعبر عن الفرح ويقام في المناسبات السعيدة، وهي لون رجولي يعتمد على التعبير الحركي الجماعي المهيب، وفيه محاكاة للمعارك قديمًا، حيث المحورب والفرسان والطبول والبيارق والسيوف والشعر الحماسي، إذ يرتبط بإعلان الحرب، ثم لحقه بعض التعديل والتطوير على مر العصور ليظهر بصورته الحالية.
وتبدأ العرضة السعودية بالحوربة، التي تمثل الافتتاحية والنداء الأول للعرضة، التي ينشدهُا مؤدٍ له صوت جهوري يسمى "المحورب"، ينطلق من مقام النوى الموسيقي، ثم مرحلة التخمير (الطبول الكبيرة) والتثليث (الطبول الصغيرة)، وصولًا إلى مرحلة الزمية، وهي تمثّل الإسدال الأخير على العرضة بترديد عبارة "تحت بيرق سيّدي سَمْعٍ وطاعة"، ويمكن لأكثر من صفٍ أداء العرضة السعودية في وقت واحد وفي أي اتجاه.
تاريخ العرضة السعودية
يعد أقدم نص للعرضة هو ما ذكره ابن غنام في أحداث عام 1178هـ، حين قام الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود حينما كان قائدًا للجيوش في عهد والده بإخراج الجيش خارج أسوار الدرعية والقيام بلعب فن العرضة والاستعراض أمام جيش الخصم.
العرضة في عهد الملك عبدالعزيز
عرفت العرضة كرقصة حرب، إذ كان المحورب يلقي بيتين أو ثلاثة تستنهض الهمم، كإعلان للحرب وشارتها الأولى، وكانت حاضرة في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بالحروب والمعارك التي خاضها في مختلف الجبهات. وكانت أبيات العرضة معبرة ومؤدية لواقع يعيشونه صدقًا، ما بين فخر وحماسة، وإظهار قوة وجلد، واستعراض عدة وعتاد، وإعلان حرب أو احتفال بنصر. ويروى أن الملك عبدالعزيز حين كان يعزم على منازلة خصم فإنه يحدد مكانًا يحشد فيه المقاتلين الذين يأتون مرددين لأهازيج العرضة إعلانًا لتأهبهم وجاهزيتهم، وكان يتقدمهم على وقع الطبول والأهازيج، حاملًا الراية، مفاخرًا ومزهوًا بجنده. كما كانت العرضة تؤدى حال الانتصار، وفي الأعياد تغنيًا بالأمجاد. ويظهر التاريخ مشاركة الملك عبدالعزيز شعبه أداء العرضة في مناسباتهم.
- العرضة في عهد الملك سعود
استمرت العرضة في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود على نفس النمط من استحضارها في الاحتفالات الرسمية، والمناسبات السعيدة، كما شارك الملك سعود في تأدية العرضة منذ عهد والده، غير أنه أضاف إليها سرعة الأداء وخفته. ويشار إلى أنه عني بها عناية خاصة، إذ كان يشجع على ممارستها والاحتفاء بها، كونها تخليدًا لذكرى تأسيس المملكة العربية السعودية، وذكرى المؤسس وما خاضه ورجاله لتصل المملكة وشعبها إلى ما وصلت إليه.
- العرضة في عهد الملك فيصل
استمرت العرضة في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود لتقام في احتفالات الأعياد والمناسبات وزيارات الوفود ورؤساء الدول. وكان الملك فيصل من كبار العارضين، إذ تميز أداؤه بثبات الحركة ورصانتها، مع التباهي بقامته وجذعه في تمايله البطيء يمنة ويسرة، كما حوفظ على تقاليد العرضة بتفاصيلها الدقيقة في عهده، كترديد أهازيج العرضة التي يحفظ الكثير منها، كما كان يقيمها في زيارات رؤساء الدول، ويشركهم في الأداء ويقدم لهم سيفه ليؤدوا بعض ما يعلمهم من حركات العرضة، وكانوا يستحسنون الاحتفاء بهذا الموروث والمشاركة فيه ويلتقطون الصور التذكارية أثناء تأديته.
- العرضة في عهد الملك خالد
استمر الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود على نهج والده الملك عبدالعزيز وإخوته، في الاحتفال بتأدية العرضة السعودية، سواء في الأعياد أو المناسبات، واستحضار قيمها ورمزياتها، والحفاظ على الالتزام بتفاصيلها وتقنياتها، وكانت أكثر الصور تظهر مشاركته لأخيه الملك فيصل في أداء العرضة.
- العرضة في عهد الملك فهد
شارك الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود في العرضة منذ وقت مبكر، جنبًا إلى جنب مع إخوته الملوك والأمراء، وارتدى حلة العرضة التقليدية في بعض العرضات التي شارك بها.
- العرضة في عهد الملك عبدالله
كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود من المولعين بفن العرضة، وعمل على تأصيل فن العرضة وعصرنتها، وترسيخ قواعدها، والاعتزاز بها كرمز للهوية، والتشجيع على الحفاظ عليها كموروث أصيل. وهو أول من وضع يومًا خاصًّا بالعرضة السعودية، ليس للترفيه فقط، وإنما لاستذكار التاريخ واستحضار الموروث. وهو الذي وحد ممارساتها لتشمل مساحة المملكة العربية السعودية بسهولها وجبالها، وشمالها وجنوبها، فلم تعد تعرف بالعرضة النجدية لمنشئها، بل بالعرضة السعودية.
- العرضة في عهد الملك سلمان
لاقت العرضة اهتمامًا من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، منذ كان أميرًا على منطقة الرياض، إذ عني بحضور كافة الاحتفالات الخاصة بتأدية العرضة السعودية، مشاركًا إخوته الملوك والأمراء جنبًا إلى جنب، ومرددًا أهازيجها. ومن اهتمامه أن أصدر قرارًا في ترؤسه لاجتماع مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز الـ48، يقضي باعتماد تأسيس المركز الوطني للعرضة السعودية. واستمر في مشاركاته أداء العرضة، وعلى وجه الخصوص في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية 32)، إذ يتضمن العرضة كفقرة خاصة لكبار زوار المملكة من الملوك والرؤساء والسفراء.
العناصر المادية في العرضة السعودية
أزياء العرضة السعودية
يرتدي مؤدو العرضة في الشكل التراثي لها زيَّ العرضة السعودي الرسمي، الذي يُبقي على ارتداء الشماغ والعقال، مع مجموعة مختلفة من الأردية. وعمل المركز الوطني السعودي على الحفاظ على محاكاة أزياء العرضة التقليدية، وضمن ضوابطه ضرورة الالتزام بها، ومن ذلك الالتزام بالزي الرسمي للعرضة: الثوب والغترة والعقال، الصاية أو الدقلة، والفرملية لأهل الطبول، وذلك يعكس تعدد وتنوع أزياء العرضة، ومنها:
- زي المرودن
يتميز "المرودن" بأنه ذو أكمام واسعة وقماش فضفاض ممتد على طول الجسد، كاسياً سائره من الكتفين إلى القدمين، ويلبس فوق الثوب السعودي التقليدي. ويتزين "المرودن" بالسيف والخنجر وحزام لحمل الذخيرة والسلاح.
- الدقلة
عبارة عن معطف طويل ومطرز، يتميز بياقات مستقيمة، وستة أزرار علوية، يرتدى فوق المرودن،وقماشها شتوي ثقيل من الكشمير، وغالبًا ما تكون مفتوحة من الأمام، يربطها خيطان.
- الفرملية
تعرف بـ"الدامر"، وهي معطف قصير ذو أكمام طويلة، يصنع من الجوخ ويطرز بخيوط الذهب. كان من لباس الأمراء قبل أن يخصص لقارعي الطبول في العرضة، وتأتي منه عدة ألوان، كالأخضر والأحمر والأسود.
- الصاية
رداء من قماش أبيض خفيف، ويكون مطرزًا تطريزًا بسيطًا لا يكاد يرى، وهو من الملابس الدارجة لمرافقي الملوك في الديوان الملكي خارج العرضة.
- الزبون
من الأزياء النادرة حاليًا، ويشابه "الدقلة" في تصميمه، لكنه أقل سماكة منها، كما أنه يطرز بخيوط الذهب، وله زران من القيطان من الأعلى عند الرقبة يربط بواسطتهما.
- الجوخة
تعرف بـ"الماهود"، مصنوعة من الجوخ، وتأتي بعدة ألوان، كالأحمر والأخضر، وتطرز بخيوط الذهب، وغالبًا ما ترتدى من قبل الفرسان والوجهاء.
أسلحة العرضة السعودية
يعود فن العرضة السعودية إلى رقصة حرب، وكانت تؤدى لإثارة الحماس وإظهار القوة والجلد، وكانت تستخدم فيها الأسلحة لاستعراض القوة والعتاد، ومنها السيف، والخنجر، والمسدس، والبندقية. ولا يكاد استعراض لفن العرضة السعودية يخلو من أحد هذه الأسلحة، إذ تعد ركنًا رئيسًا من أركانها، وتشمل الأسلحة:
- السيف
من أبرز أسلحة العرضة السعودية، ويتكون من ثلاثة أجزاء، هي: النصل، ويفضل فيه أن يكون رفيعًا وحادًا وخفيفًا ليسهل حمله واستعماله (قديما) أثناء القتال. والمقبض أو القائم، وهو الموضع الذي يمسك منه السيف، وعادة ما يصنع من العاج أو الصدف، ويزخرف بالذهب أو الفضة حتى لا يلحق الضرر بيد اللاعب. إلى جانب الغمد، ويسمى الجراب، وهو ما يحمل فيه السيف، وقد يطلى بطبقة من الذهب أو الفضة، ويعلق بحبال خضراء أو حمراء تتدلى منها خيوط الزينة، ويستعمل أثناء اللعب عندما تكون السيوف غير كافية لعدد اللاعبين، ومن أشهر السيوف المسماة الهندية والدمشقية.
- الخنجر
يشبه السيف غير أنه قصير ومعقوف الطرف، ويعد من مكملات زي العرضة، لا من أدوات الأداء الحركي فيها، ويكتفى باحتزامه أو تأبطه من خلال حزام مزين يسمى "المجند المذهب"، وتطلق عليه أسماء كثيرة، مثل: القديمي، الشلقاء الشبرية، الجنبية. ويستحسن المركز الوطني للعرضة السعودية ألا يكون الخنجر والسيف حادين حال استخدامهما لتأدية العرضة، وأن يكونا مطابقين شكليًا للأسلحة التاريخية للعرضة.
- الفرد
هو مسدس صغير يسمى "الفرد"، عيار 8 ملم، يحفظ في حزام جلدي، ويعد أحد مكملات زي العرضة، ويستخدم في الأداء الحركي ويطلق منه الرصاص في الهواء. ويشترط المركز الوطني للعرضة السعودية أن تكون الأسلحة النارية فارغة من الرصاص.
- البندقية
من الأسلحة المستخدمة في الأداء الحركي للعرضة السعودية، وتوجه إلى السماء أو إلى الأرض أثناء العرضة وتطلق الأعيرة النارية. وأطلقت عليها مسميات عدة بحسب أنواعها، كالفتيل، والمقمع، والمصبع، والجفت، والمشكوك، وأم خمس طلقات، والأنفيلد.
الإيقاع الصوتي للعرضة السعودية
- قصائد العرضة السعودية
هي من عناصر وأركان العرضة المعنوية، فلا تكتسب الرقصة معناها بعيدًا عن الكلمات التي يتغنى بها مؤدو العرضة. تبدأ بوصف السحب أو المركوب أو النداء، ثم تتجه لذم الخصوم، وتنتهي بالفخر بالقوة والشجاعة، بما لا يبتعد كثيرًا عن أغراضها الأولى التي عرفتها كرقصة حرب.ولا تتجاوز القصيدة الواحدة عشرة أبيات. وللشاعر حرية اختيار البحور والأوزان. وتعد هذه القصائد مرجعًا تاريخيًّا وثق العديد من الأحداث الماضية، وما زالت الأجيال تتناقل القصائد السابقة وتحتفظ بها كإرث ثقافي وتاريخي لها.وللعرضة شعراء بارزون قديمًا وحديثًا، مثل محمد العوني وفهيّد بن دحيّم وناصر العريني وعبدالله الصبي وعبدالرحمن البواردي، وعبدالرحمن الصفيان وغيرهم كثير.
- التسلسل الأدائي الصوتي
يبدأ الجزء الغنائي في العرضة السعودية بما يسمى "الحوربة"، إذ يبدأ شخص جهوري الصوت بإلقاء بيتين أو ثلاثة، لا تزيد، وتكون هذه البداية بمثابة الإشارة المؤدية للاصطفاف وبدء العرضة. أما قديمًا فكانت إعلانًا لبدء الحرب، والدعوة لاصطفاف المقاتلين. بعد ذلك يبدأ الشاعر بإلقاء القصيدة الأساسية، وغالبًا ما تكون من القصائد النبطية، ولا تتجاوز عشرة أبيات من البحر الطويل أو المتوسط أو القصير، ثم يبدأ الصف الأول بترديد هذه القصيدة، ليتوجه الشاعر إلى الصف الآخر ملقيًا الشطر الثاني أو الرد،ومن بعده يردد الصف، ويكون قرع الطبول متناغمًا مع ترديد الأبيات، لتبدأ طبول "الموازير" بعد ترديد البيت الأساسي، يليها طبول التخمير، وأخيرًا التثليث، ويتسارع الإيقاع الصوتي، مع تحلق جموع المؤدين حول القائد، رافعين السيوف، ومرددين أهازيج تتضمن تجديد الولاء وتأكيده ونصرة وتأييد هذا القائد، وبهذا تعلن نهاية العرضة.
- إيقاعات الطبول في العرضة السعودية
تعرف الطبول بأنها آلة موسيقية إيقاعية، تصنع من خشب جذع النخل، على هيئة إطار بسمك 2 إلى 4 سم، وقطر 75 سم وعرض 15 سم، ويشد على وجهيها جلد البعير مبللًا، بعد دبغه وإزالة الشعر منه، وتربط أطرافه بسيور جلدية متقاطعة، ثم يثقب الإطار الخشبي لوضع مقبض، يربط بدوره بحزام جلدي متين، ليحمل الطبل على كتف القارع. وتنقسم الطبول المستخدمة في العرضة السعودية إلى نوعين: طبول كبيرة يطلق عليها طبول التخمير، وطبول صغيرة يطلق عليها طبول التثليث، ولكل منها عدد ضربات وتوقيت ضرب مختلف.
وأثناء تأدية العرضة تعلق طبول التخمير حول الكتف بواسطة حزام جلدي، مع إمساك المقبض باليد اليسرى، وضرب الآلة بواسطة عصا سميكة باليد اليمنى، وهي عصا من الخيزران، طولها نحو 30 سم ومنحنية عند طرفها الآخر. ويُضرب الطبل من الجانب المنحني مع ميل الطبل إلى اليسار قليلًا، ويُحرك الضارب أثناء ذلك جسده في الاتجاهين يمنة ويسرة، ثم يتجه في الاتجاه الآخر، رافعًا مشط القدم التي توجد في الاتجاه المضاد، ويثني ركبتيه إلى أسفل قليلًا. ويكون عدد ضاربي طبول التخمير بين ستة إلى ثمانية ضاربي طبول، وكلما كثر العدد أحدث ذلك دويًّا ومهابة للعرضة، إذ إن الكثرة ترفع من قيمة الراقصين وحماسهم.
يؤدي عازف طبول التثليث حركات راقصة أثناء الضرب، يرفع فيها اليد اليسرى التي تحمل الطبل ثم يخفضها إلى أسفل فإلى الأمام، مع القفز إلى أعلى قفزتين متتاليتين، ثم جلوس القرفصاء ثم الوقوف مرة أخرى، لذا يجب أن تكون الطبول الصغيرة خفيفة ليسهل التحكم فيها، وتلف قطعة قماش حول المقبض حتى لا يؤذي يد الضارب،ويزين الإطار ببعض الشراشيب، مثل الطبول الكبيرة، وتسمى بالعامية "الريث" أو "الدناديش"، لأنها تحمل الكثير من الدندشة والزخارف الجمالية، لتعطي شكلًا جماليًّا عند تحريك الطبول.
تُقرع الطبول الكبيرة قرعةً واحدة تسمى "تفريدة"، في حين تُقرع الطبول الصغيرة مرتين وتسمى "مثنية"، وهو سبب تسميتها "طبول تثليث"، لأنها بقرعتيها تُثلّث قرعة الطبل الكبير. ويستخدم في العرضة السعودية إيقاع أساسي التركيب ثنائي الوحدات، وتكون مواضع الضغط القوي في الإيقاع "الدُم"، وتصدر بالضرب في وسط الطبل بِعَصا من الخيزران، و"التَك"، التي تعزف في الموضع نفسه مع كتم الرّق الجلدي للطبل بالعصا نفسها، وتتولى الطبول الكبيرة عزف الوحدة الأساسية. وتضمنت ضوابط المركز الوطني للعرضة السعودية أن تكون الطبول ذات وجهين، ولا تقبل الطارات ولا أي أدوات أخرى، وأن تزين بالزينة التقليدية.
- ألحان العرضة السعودية
لا تستخدم في العرضة السعودية أي آلة لحنية، ويقتصر على الأداء الصوتي للقصائد، تصاحبه قرعات الطبول. وعادة ما يستخدم شعراء العرضة السعودية في بناء اللحن والمقامات لقصيدة العرضة خطًّا بيانيًّا لا يتعدى جنس الجزع (تتراكورد أول)، مثل بقية الأغاني الشعبية العالمية التي تتسم عادة بالبساطة. إذ "لا يتعدى اللحن في العرضة السعودية الدرجة الصوتية الرابعة في المقام المُستخدم للعرضة، ويهبط اللحن أحيانًا دون درجة الأساس في المقام بنغمة أو نغمتين، فإذا كان المقام المستخدم هو (السيكا)، وهو المقام الأكثر شيوعًا واستعمالًا في ألحان العرضة، لا يتعدى الخط البياني اللحني نغمة الحسيني (الدرجة الرابعة)، وأحيانًا يهبط إلى درجة الرصد أو(الدوكا) ".
وترجع أسباب ضيق المساحة اللحنية في العرضة السعودية إلى اعتمادها الكلي على أسلوب الإلقاء الإنشادي، فأصل العرضة رقصة حرب، مما يعني الحاجة إلى الإلقاء الدرامي القوي، دون التطريب الموسيقي، وهو الأسلوب المتبع عالميًّا عند تلحين الملاحم الوطنية، والمقاطع القوية في المؤلفات الغنائية الكلاسيكية، والقوالب الكورالية، مثل الأوبرا، والأوبريت.
- مقامات العرضة السعودية
تعتمد أغلب قصائد العرضة السعودية في تلحينها على مقام موسيقي يسمى "السيكا"، وهو مقام شرقي، يعتمد في درجة ركوزه على نغمة "السيكا" في السلم الموسيقي، مع زيادة في التشكيل الإيقاعي في نهاية العرضة عندما يتجه المؤدون نحو القائد، رافعين سيوفهم. وهذا المقام هو المميز للموسيقى العربية عن موسيقى الحضارات الأخرى، التي لا تحتوي على ثلاثة أرباع المسافة اللحنية، التي لا توجد إلا في الموسيقى العربية، وتتضح بوجه خاص في المقامات المشتقة من درجة السيكا، وهي القاسم المشترك في ألحان العرضة السعودية، مثل مقامات الهزام، المايا، راحة الأرواح، العراق، الشعار (المستعار).
راية العرضة السعودية
لا تخلو العرضة السعودية من وجود الراية في أي أداءٍ لها، ويُشار إليها أيضًا بالبيرق، إذ تُعد مكونًا ثقافيًا أساسيًا لأداء العرضة، وهي مُطابقِة في تصميمها للعلم الوطني السعودي، ويتوسّط حاملها الذي يُشار إليه بـ"حامل البيرق" صفوف مجموعتين في العرضة: مجموعة منشدي قصائد الحرب، ومجموعة حملة الطبول، ويأخذ دومًا موقعًا له الظهور الأعلى في ميدان العرضة.
ومن ضمن ضوابط استخدام الراية في العرضة ما أقره المركز الوطني للعرضة السعودية على النحو الآتي: أن يكون العلم بحجم مناسب (لا يقل عن 120x80 سم). ووفق نظام العلم ولائحته المقرة في هذا الشأن، ألاّ يكون قديماً أو مجعدًا، بل في حالة سليمة ومظهر مناسب، وألا يُلامس الأرض ولا يُنكس، وأن يكون حامله ملتزماً بزي العرضة وبنيته قوية ويجيد العرضة وسريع البديهة، وأن تُحمل سارية العلم في الجهة اليسرى ويُوضع العلم على الكتف اليمنى، ويعلو السارية الرُّمانة (الطاسة) والحربة.
الشخوص في العرضة السعودية
شاعر العرضة السعودية
تقوم العرضة السعودية على القصائد الشعرية، لذلك فإن الشعراء من أهم مقومات العرضة، إذ يلقون بأبياتهم إلى المؤدين الذين يرددونها، وينوب عن الشاعر "المعلم"، وهو الذي يلقي قصيدة الشاعر على الصفوف. ومن أبرز شعراء العرضة السعودية فهد بن دحيم، وعبدالله بن خميس، ومحمد العوني، وغيرهم.
حامل الراية في العرضة السعودية
غالبًا ما يكون حاملو الراية في العرضة السعودية ممن ورثوا عن آبائهم حمل الراية، وكان آباؤهم ممن حملوا راية التوحيد أثناء مشاركتهم في حروب وفتوحات الملك عبدالعزيز. ويعد حمل الراية تشريفًا لهم، وتخليدًا لذكر آبائهم.
التشكيلات الجماعية
- الحوربة
تكون في بداية العرضة، وتسمى أيضًا "البيشنة"، ويرفع أحد المنشدين صوته ببيتين أو ثلاثة من الشعر الخفيف الحربي، فيجتمع الباقون حوله ويرفعون أصواتهم بنفس الأبيات، رافعين المحورب على الرؤوس، وهي بمثابة الإشارة إلى بدء العرضة، فيما كانت قديمًا إعلانًا لبدء الحرب.
- الدير
تكون في العرضات الرسمية على شكل سبحة يتقدم فيها القائد ويتبعه إخوته وأبناؤه، مؤدين حركة واحدة، وتعرف أيضًا بـ"السبحة".
- الخاتمة
تأتي في نهاية العرضة، ويتجه مؤدو العرضة نحو القائد، رافعين سيوفهم إلى القائد، مرددين أبياتًا معينة تتضمن الولاء والنصرة له، وتعرف أيضًا بـ"الزمية".
- الصفوف
ينقسم مؤدو العرضة إلى صفين من الرجال فقط، ويكونان متوازيين، أو يشكل الصف الواحد نصف دائرة ويقابله الآخر ليكملا حلقة. وغالبًا ما يكون المؤدون متماسكي الأيدي، ويقومون بنفس الحركات على نفس الرتم والوتيرة، سواء في وضع السيف ارتفاعًا وهبوطًا، أو رفعه للأعلى، أو تسنيده على الكتف، وكذلك في ميلانهم يمنة ويسرة بثني الركب على التوالي، وفي ترديدهم للقائد، على أن يردد أحد الصفين الشطر الآخر ثم يرد عليه الصف الثاني بالشطر الثاني من البيت الشعري.
الواقع الثقافي للعرضة السعودية
العرضة في الثقافة المحلية
تُؤدى العرضة في الاحتفالات والأعراس والمناسبات الوطنية والثقافية، وتُقدم من بين الرقصات التقليدية الأخرى في المحافل الوطنية، مثل المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية). وتؤدى بصفّين متقابلين من الرجال في ساحة الميدان، مع كل منهم سيفه، باستثناء حامل الراية، مصحوبةً بإيقاع الطبول وقصائد الأهازيج الحربية. وتتصدر العرضة صوتيًّا كلٌّ من أهزوجة عبدالرحمن بن صفيان في حرب الوديعة "يا هابيل الراى"، التي اشتهر مطلعها بـ "نحمد الله جات على ما تمنّى"، إلى جانب أهزوجة فهد بن دحيم "حِنْ هل العادات"، التي اشتهر مطلعها بـ"نجد شامت".
العرضة السعودية والعالمية
أُدرِجت العرضة السعودية عام 1437هـ/2015مبوصفها أول عنصر سعودي في اللائحة التمثيلية للتراث غير المادي المسجل للمملكة بمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث العالمي.وكانت تخصص ليلة للعرضة السعودية في ختام مهرجان الجنادرية، يحضرها ويشارك فيها آنذاك الملك والأمراء، مما أكسبها شهرة إعلامية. ومُعظم الرقصات السعودية التقليدية جاء أداؤها الأول في مسيرة عسكرية، أو ضمن أهزوجةٍ حربيَّة، وتمثلت العرضة بوصفها موروثًا ثقافيًّا انتقل بمرور التاريخ السعودي من ساحات التأهب لخوض المعارك إلى ميادين الاحتفالات الوطنية.
جهود المملكة في تأصيل فن العرضة السعودية
المركز الوطني للعرضة السعودية
أنشأت المملكة العربية السعودية المركز الوطني للعرضة السعودية، الذي يتبع دارة الملك عبدالعزيز، بوصفه مرجعيةً منظمةً لتطوير وإحياء موروث العرضة السعودية. ويهدف المركز إلى نشر ثقافة العرضة داخليًّا وخارجيًّا، والتدريب على أداء العرضة السعودية، وتطوير فن العرضة أدائيًّا وشكليًّا، مع الحفاظ على هويته وماهيته، وتوثيق هذا الفن، وأخيرًا دعم المنتمين لهذا الفن، وتنظيم فرقه، وعروضه، ومشاركاته. ويضم المركز هيئة استشارية من مختلف الجهات الحكومية ذات العلاقة، ومنها وزارة الداخلية، وزارة السياحة، وزارة التعليم، وزارة الثقافة، وزارة الإعلام، دارة الملك عبدالعزيز.
دارة الملك عبدالعزيز
أنشئت دارة الملك عبدالعزيز بموجب المرسوم الملكي رقم (م/45) في عام 1392هـ/1972م، لخدمة تاريخ المملكة العربية السعودية وجغرافيتها وآدابها الفكرية والعمرانية خاصة، والجزيرة العربية وبلاد العرب والإسلام عامة، ولجمع المصادر التاريخية المتعددة من وثائق وغيرها مما له علاقة بالمملكة وتصنيفها.
كما تصدر الدارة مجلة ثقافية خاصة تخدم الأغراض التي تعنى بها، وجرى إنشاء مكتبة تضم كل ما يخدم الباحثين والباحثات في الموضوعات التي تهتم بها الدارة، وأسندت إليها مهمات تتعلق بتوثيق البحوث والمعلومات المتعلقة بالأسرة المالكة، ومتابعة وتدقيق كل ما ينشر عن المملكة العربية السعودية وتصحيح ما قد يعتريه من خطأ.
العرضة السعودية، دراسة تاريخية توثيقية
من المشاريع التي أطلقتها دارة الملك عبدالعزيز توثيقًا لتاريخ المملكة العربية السعودية، وتخليدًا لتراثها الفكري والعمراني. ويبحث المشروع العرضة السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى وقتنا الحاضر، في مختلف المصادر الشفهية والمخطوطة والمصورة، ويعرض لعناصرها، وتقاليدها، وشعرائها، وقصائدها.
أزياء العرضة السعودية، دراسة تاريخية توثيقية
مشروع أطلقته دارة الملك عبدالعزيز توثيقًا لتاريخ المملكة العربية السعودية، وتخليدًا لتراثها الفكري والعمراني. ويبحث المشروع الأزياء التقليدية لمؤدي العرضة السعودية، من الراقصين وقارعي الطبول، وقائدي الصفوف. وتتضمن الدراسة تصميم الأزياء، وخاماتها، وصناعتها، وملحقاتها، مع تتبع تاريخي لأزياء العرضة السعودية.
مسابقة الفلكلور الشعبي
مسابقة وطنية تنظمها وزارة الثقافة السعودية، خدمة وتخليدًا للتراث الوطني السعودي غير المادي، عبر تحفيز المجتمع لإحياء الفلكلور الشعبي عن طريق تصوير مقاطع فيديو أو مقاطع صوتية، ضمن ثلاثة مسارات، هي: الموسيقى الشعبية، الرقص الشعبي، الحكايات والأساطير الشعبية، ورصد لكل مسار منها جائزة تقدر بنحو 35,000 ريال، تمنح لعشرة فائزين لكل مسار، وسيحصلون على جوائز يصل مجموعها إلى أكثر من مليون ريال سعودي. وتهدف هذه المسابقة إلى إحياء الفلكلور الشعبي والتعريف به، وتكوين قاعدة بيانات مصورة ومسجلة.
مبادرة التاريخ الشفوي للعرضة السعودية
مبادرة أطلقتها هيئة تطوير بوابة الدرعية عام 1443هـ/2021م، مستهدفة بذلك الحفاظ على الإرث التاريخي، وإعادة إحياء قصائد العرضة والتعريف بشعرائها، وتوعية المجتمع بهذا الفن التراثي. وتقع هذه المبادرة ضمن مبادرات توثيق التاريخ الشفوي.
معرض العرضة السعودية
افتتحت وزارة الثقافة عام 1444هـ/2022م معرض العرضة السعودية في مدينة الرياض في ساحة الصفاة بجانب قصر المصمك، احتفاء بالعرضة كعنصر أصيل من عناصر التراث الثقافي السعودي، وإبرازًا لقيمتها الثقافية ومدى ارتباطها بالهوية الوطنية.وتضمن المعرض عرضًا مرئيًا لعرضة "حداء الخيل" التي أداها الملك عبدالعزيز وعرضًا لتطور العلم السعودي خلال تاريخ الدولة السعودية. كما اشتمل على عرض مصور لملوك المملكة العربية السعودية أثناء تأديتهم للعرضة في مختلف المناسبات، مع تسليط الضوء على الأزياء التي ارتدوها، والسيوف التي استخدموها. ومن أجنحة المعرض جناح حرفيي العرضة، ويركز بدوره على الأزياء المعتمدة لمؤدي العرضة السعودية. ويأتي افتتاح المعرض بالتزامن مع تدشين معهد فرسان العرضة، الذي يستهدف بدوره تعليم النشء والراغبين في تعلم فن العرضة وأصوله على يد مدربين محترفين.
الدرعية بيت العرضة
أطلقت هيئة تطوير بوابة الدرعية مبادرة "الدرعية بيت العرضة" في عام 1441هـ/2019م، وهي المبادرة الأولى من نوعها في المملكة التي تستهدف تعليم الناشئين الذين تتفاوت أعمارهم من 8 – 16 سنة فن العرضة التقليدي. وتنقسم المبادرة إلى مسارين: المسار الأول يتضمن دورات تدريبية لتعليم فنون العرضة السعودية على يد أمهر مؤديها، فيما يتمثل المسار الثاني في منح جائزة "الدرعية، بيت العرضة"، ويشترط له التقدم وحضور الدورات التدريبية للترشح والمشاركة.وتعمل هيئة المسرح والفنون الأدائية بوزارة الثقافة على تنظيم جميع الرقصات الشعبية، بما فيها العرضة السعودية.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة