صناعة الخوص في السعودية، هي من المهن اليدوية القديمة والصناعات التقليدية التي ترتكز مادتها الخام على شجر النخيل، وتحديدًا السعف، ويؤخذ الخوص الجيد من ذكر النخل.
وتنتشر الحرفة بين أهالي مناطق ومدن المملكة العربية السعودية المعروفة بزراعة النخيل، مثل: عسير، والقصيم، ونجران، والأحساء، والمدينة المنورة، وتتطلب حرفة الخواصة أو سف الخوص مستويات متقدمة من الخبرة والمهارة والصبر، وغالبية من يزاول هذه المهنة هن من النساء.
أدى تباين اللهجات المحلية للمناطق إلى تعدد أسماء صناعة الخوص في السعودية؛ ففي الغربية يطلق على هذه الحرفة اسم أعمال السعف أو الخَصَف، وفي القصيم يسمى العاملون بها بأهل السِّفِيف، وفي الأحساء والقطيف بالخُوصية، وفي منطقتي عسير والباحة يسمون بالوضاين، وفي نجران بالحُوَّك.
مشغولات صناعة الخوص في السعودية
استخدمت المصنوعات الخوصية سابقًا في الحياة اليومية، مثل: الزنابيل التي تستخدم في المزارع أثناء حفر الآبار لرفع الرمال إلى خارج البئر، وفي السُفر لوضع الطعام عليها، وكانت تستخدم لتغطية الأرضيات في المساجد قبل وجود السجاد، وصنع أسرّة الأطفال الرضع، والسلال، والأقفاص، وبعض أنواع الحبال. واليوم يستفاد من صناعة الخوص في التراث وتستعمل منتجاته كأدوات زينة، وتتميز بعضها بالنقوش والألوان الزاهية.
طريقة صناعة الخوص
تستخدم أدوات في صناعة الخوص، منها:
المَسَلَّة: تُستخدم لخياطة السفيف وفي الخصف، وهي إبرة طويلة وسميكة مصنوعة محليًّا من الحديد، ويتراوح طولها ما بين 6 إلى 10 سم. وأيضًا، يستفيد الخواص من شوك نخل الفحال أو أعواد قصيرة من أشجار الشوحط للاستعاضة بها عن الإبرة. وللمسلة أسماء أخرى، وهي: المخيط، الميد، المبير.
المقص: يستخدم لقص أطراف الخوص المدببة وتشذيبها، ولا بد أن يكون كبير الحجم، وقد يُبدل بالساطور الثقيل.
المخراز: أداة شبيهة بالمسلة، لها مقبض خشبي، وتستخدم بديلًا عن المسلة.
تحضير المادة الخام
يأتي الحرفي بالسعف ويجرد الخوص بيده بدقة، وتسمى هذه العملية بالسَّحت أو الخراط أو القَطم أو القشي، ثم ينشره على الأرض تحت أشعة الشمس ويترك لمدة يومين إلى أن يجف، بعد ذلك تأتي مرحلة الفرز والتشغير أو التقشيم أو التقشير حيث يُجمع الخوص وتزال القاعدة التي تثبت الخوصة في الجريد، إضافة إلى إزالة الجزء السميك الذي يربط بين فصي الخوصة، لتنقسم إلى فلقتين، ثم يُجمع الخوص على هيئة حزم (شَلَاوِي) وتوضع في مستودعات للتخزين.
وأثناء العمل، يُنقع الخوص في الماء لنحو الساعة أو الساعتين، ويُلف بقماش مبلل بالماء للحفاظ على طراوته فتسهل خياصته، ويستخدم الخواص، عند جمع السفائف بعضها إلى بعض، قطعة من الحديد أو يد الهاون أو قطعة حجر بحجم اليد ليضرب بها على مكان الخياطة حتى يصبح خط الخياطة مستويًّا.
تلوين الخوص
في حال أراد الخواص تلوين الخوص وإنتاج مشغولات للزينة، فإنه يختار أجود أنواع الخوص وأكثره بياضًا، ويستفيد من الاختلاف في درجات لون خوص القلب الأبيض، وخوص الخوافي الأخضر المائل للأبيض.
وتبدأ عملية تلوين الخوص بغلي الماء في قدر كبير، وتوضع فيه مادة المُغرى الباردة، ويضاف إليها الألوان المرادة للصبغ، وعادةً ما تصبغ باللون الأخضر، والبنفسجي، والأصفر، والأحمر، والأزرق. ويعد العطارون (الحواويج) الأصباغ، مثل: صبغة الفُوفل، والقرمز، والنيلة، والفَوَّه.
وبعد عملية تنقيع الخوص في الماء، يُقلب مرتين إلى ثلاث، ثم يرفع ويجفف تحت أشعة الشمس.
الأهازيج المرافقة لصناعة الخوص
شاع عند أهالي منطقة الهوية في نجران ترديدهم لبعض الأزهاريج أثناء مزاولتهم لحرفة الخوص، فعند بدء العمل يقولون: "بسم الله الرحمن الرحيم يا الله تعين وتنفع"، وكان سكان المنطقة ينظرون للحوك على أنهم من الطبقة الغنية من الناس وكانوا يقولون "يا سعدكم يا حوك لانورت مرهبة … السمن في الدبدي والبر في الزاوية" ويعنون بذلك أن حائكي الخوص لديهم سمن وبر ويتمتعون بالرفاهية في العيش.
أسعار صناعة الخوص في السعودية قديما
كان الحرفي يبيع الزنبيل الواحد بثلاثة ريالات فرنسية، والحفران بريالين فرنسيين، حيث كان دخل حرفة صناعة الخوص لا تغطي مستلزمات الحياة، فكان يمارس الحرفي عملًا آخر حتى يسد العجز، وكانت عملية المقايضة إحدى وسائل الحصول على هذه الخامة إذ كان الحرفي يذهب إلى أصحاب النخيل ويأخذ منهم 20 سعفة مقابل (حفر) واحد، وإذا رفضوا المقايضة فإنهم يأخذون ريالًا واحدًا عن کل 20 سعفة نخل وكانوا يحملونها بأنفسهم، وبعضهم يستخدمون الحمير في نقلها إلى منازلهم.
برامج تدريبية على صناعة الخوص
تنظم جمعيات خيرية وتنموية سعودية، دورات وبرامج تدريبية في صناعة الخوص، موجهة للفتيات، إذ أطلقت جمعية تمكين القيادة للتدريب والتأهيل لسوق العمل في محافظة رفحاء في عام 1444هـ/2022م، برنامج التلمذة في الحرف التقليدية في حرفتي الخوص المطور، ولمدة 4 أسابيع. ويهدف البرنامج إلى نقل المعرفة النظرية والخبرة العملية عبر محاكاة كبار الحرفيات، بما يضمن نقل الخبرة بشكلها الأصيل إلى المستفيدات، ويسهم في المحافظة على التراث الأصيل وإعادة إحياء الفنون التقليدية.
صناعة الخوص في المهرجانات
تحضر صناعة الخوص في المهرجانات الوطنية والمناطقية التي تقام في مناطق السعودية. وتشارك في هذه المهرجانات حرفيات يستعرضن مهاراتهن في صناعة الخوص، والأدوات المستعملة، ومراحل الإنتاج. كما يعرضن منتجات الخوص المختلفة، مثل: سفر الطعام بأحجامها، والسلال، والمهفات، والمظلات، والقبعات الواقية من أشعة الشمس في مواسم حصاد وزراعة المحاصيل،وكذلك الزنابيل، ومخارف الرطب، والحصر،إضافة إلى المحادر، والقفف، والمناسف، والأواني،وأيضًا الفرش لتغطية الأرضيات، إضافة إلى سجادة الصلاة ذات النقوش الهندسية، وأسرّة الأطفال الرضع، والأقفاص وبعض أنواع الحبال،والمطارح، والمكانس، والحصر،وكذلك القرطلة، وهي حافظة الطعام وحافظة الماء الحار، إضافة إلى الميزات، وسلات الحملات، والكبيرك.
وحديثًا أدخل شبان وفتيات سعوديون خطوط الموضة العالمية على منتجات الخوص، فقدموا حقائب اليد، وأحزمة، وقبعات رأس، وحاضنات هدايا، ولفائف باقات ورد.
وتجد منتجات الخوص إقبالًا من رواد هذه المهرجانات، إما للاستفادة منها في مراحل إنتاج التمور المختلفة، سواء في الخراف أو الصرام، أو للاستعمال المنزلي، باعتبارها أدوات تراثية.فيما يحرص سواح أجانب من زوار هذه المهرجانات، على اقتناء منتجات الخوص، لتقديمها هدايا تذكارية لذويهم وأصدقائهم في بلدانهم.
المصادر
الثقافة التقليدية في المملكة العربية السعودية. المشرف العلمي ورئيس هيئة التحرير: د. سعد العبدالله الصويان. 1420هـ/2000م.
حرف ومفردات من التراث. عبدالله بن سليمان الجبالي. 1410هـ/1990م.
وكالة الأنباء السعودية.الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة