الصناعة في السعودية، هي إحدى القطاعات الاقتصادية المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي بالمملكة العربية السعودية.
بدأت حركة التصنيع الوطنية في فترة مبكرة من توحيد السعودية، ويمكن الاستدلال عليها بمنتجات شركة التوفير والاقتصاد العربية في مكة المكرمة، إذ عملت على تجهيز بدلات عسكرية في عام 1355هـ/1936م.
ويعدّ اكتشاف النفط، الركيزة الأساسية التي قامت عليها الصناعة الحديثة في السعودية، إذ بدأت عملية التنمية في القطاع الصناعي أولى خطواتها عقب اكتشاف النفط وتصديره بكميات تجارية، بفضل العوائد النفطية ودورها في إمكانية تحسين الأوضاع الاقتصادية وتوجيهها.
وحددت رؤية السعودية 2030 عددًا من المستهدفات تجاه القطاع الصناعي، منها تحقيق نسبة 84% من النمو للقطاعات غير النفطية، و55% لمصلحة المحتوى المحلي في التصنيع، إضافة إلى توفير 230 ألف فرصة عمل، وبلوغ صادرات التصنيع 460 مليار ريال في عام 2030م.
ولدى السعودية ممكنات للوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام، بدءًا من موقعها الجغرافي المتميز، والموارد الطبيعية الغنية، إضافة إلى الشركات الصناعية الوطنية الرائدة.
مع بدء تنفيذ خطط التنمية، انتقلت الصناعة إلى آفاق جديدة، وتُعد سبعينات القرن العشرين الميلادي بداية تاريخ الصناعة السعودية، وذلك مع إنشاء وزارة الصناعة والكهرباء، قبل أن تصبح الصناعة جزءًا من وزارة التجارة، ليتحوَّل اسمها إلى وزارة التجارة والصناعة، وتلا ذلك تطوير آخر في عام 1437هـ/2016م، إذ صدر أمر ملكي بتعديل اسم وزارة البترول والثروة المعدنية ليصبح وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، وبموجب أمر ملكي صدر في عام 1440هـ/2019م، فُصِل القطاع الصناعي والثروة المعدنية عن وزارة الطاقة لتصبح وزارة الصناعة والثروة المعدنية.
تأسيس صندوق التنمية الصناعي
انطلاقًا مما تملكه من موارد وقدرات تصنيعية اتجهت السعودية لتكون دولة صناعية تنموية، ومن هنا جاء قرار مجلس الوزراء الصادر في عام 1394هـ/1974م، بتأسيس صندوق التنمية الصناعية السعودي، لتمويل ودعم وتنمية القطاع الصناعي عن طريق تقديم قروض متوسطة أو طويلة الأجل لتأسيس مصانع جديدة، أو تطوير وتحديث وتوسعة مصانع قائمة، إضافة إلى تقديم المشورة في المجالات الإدارية والمالية والفنية والتسويقية للمنشآت الصناعية بالسعودية.
وفي عام 1439هـ/2018م، وافق مجلس الوزراء على تعديل النظام الأساسي للصندوق الصناعي، ليتمكّن من توسيع نطاق دعمه لعددٍ من القطاعات الجديدة والواعدة في مجالات الصناعة والتعدين والطاقة والخدمات اللوجستية.
قدّم الصندوق الصناعي حزمة من الخدمات والمنتجات التمويلية عبر برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية "ندلب"، للمساهمة في تحقيق رؤية السعودية 2030، بإضافة 1.2 مليار ريال للناتج المحلي الإجمالي، وخلق فرص عمل، وتحسين ميزان المدفوعات، وتنمية المحتوى المحلي.
وبلغ عدد القروض المعتمدة من الصندوق منذ تأسيسه حتى نهاية الربع الثاني من عام 2023م، نحو 5074 قرضًا، وبلغ إجمالي المبالغ المصروفة حتى نهاية الربع الأول من عام 2024م نحو 153.6 مليار ريال، فيما وصلت نسبة المشاريع الصغيرة والمتوسطة إلى 76%، ووصلت نسبة المناطق الواعدة التي يدعمها الصندوق إلى 23%.
الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن"
اهتمت السعودية بتأسيس المنظومة الهيكلية الداعمة لتطوير النشاط الصناعي، وإلى جانب الصندوق الصناعي، أُسست الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن" في عام 2001م، بهدف تطوير الأراضي الصناعية والبنى التحتية المتكاملة، وهي تشرف على 36 مدينة صناعية قائمة وأخرى تحت التطوير في مختلف أنحاء السعودية، تضم أكثر من 5000 مصنع منتج وتحت الإنشاء، بجانب إشرافها على المجمعات والمدن الصناعية الخاصة، كما تعمل "مدن" على تطوير منظومتها الاستثمارية وتعزيزها بمعايير برنامج جودة الحياة لمواكبة تطلعات شركائها بالقطاع الخاص، وتمكين دور المرأة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة وريادة الأعمال.
وتعتمد استراتيجية "مدن" لتمكين الصناعة والمساهمة في زيادة المحتوى المحلي على تطوير المزيد من الخدمات والمنتجات وفق رؤية مبتكرة تواكب متطلبات الشركاء في القطاع الخاص وتعزز مشاركته في تنويع الاقتصاد الوطني ضمن رؤية السعودية 2030، ومن ذلك مساهمتها بمبادراتها في برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية، بالإضافة إلى توفير العديد من المنتجات مثل: الأراضي الصناعية مطورة البنية التحتية والخدمات، والأراضي الخدمية المخصصة للاستثمار في تطوير المرافق والخدمات، أيضًا المصانع الجاهزة مختلفة المساحات بين 700م
الاستراتيجية الوطنية للصناعة
في إطار جهود السعودية لتنمية القطاع الصناعي، وممارسة النشاط بغطاء تنظيمي داعم للنمو ومحافظ على تنافسية المنتجات والخدمات الصناعية الوطنية، اعتمد مجلس الوزراء الاستراتيجية الوطنية للصناعة في عام 1430هـ/2009م، التي رسمت المسار المستهدف لعملية التنمية الصناعية حتى نهاية عام 1441هـ/2020م.
وعملت الاستراتيجية على تحديد أهداف الصناعة الوطنية على مدى 10 أعوام من حيث مضاعفة القيمة المضافة للصناعة، وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي إلى 20%، وزيادة نسبة المنتجات المصنعة ذات القاعدة التقنية في إجمالي الإنتاج الصناعي من 30-60%، ورفع حصة الصادرات الصناعية من إجمالي الإنتاج الصناعي من 18-35% خلال مدة الاستراتيجية.
وركَّزت الاستراتيجية على صناعات بعينها في التجمعات الصناعية الحديثة، ويشمل ذلك خمس صناعات تشكِّل النواة لبرنامج التجمعات الصناعية، وهي: صناعة السيارات وأجزائها، وصناعة معالجة المعادن، وصناعة الأجهزة عامة الاستخدام، وصناعة مواد البناء، وصناعة التغليف البلاستيكي.
برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية
مع انطلاق برامج ومبادرات رؤية السعودية 2030، اتخذ القطاع الصناعي مسارًا أكثر فعالية وتطورًا، وأطلق برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية "ندلب" مطلع عام 2019م، ليعمل على تحويل السعودية إلى قوة صناعية رائدة ومنصة لوجستية عالمية عبر تعظيم القيمة في قطاعي التعدين والطاقة، والتركيز على محوري المحتوى المحلي والثورة الصناعية الرابعة.
ويضم البرنامج أربعة قطاعات محورية، تشمل: الصناعات الوطنية، والخدمات اللوجستية، والتعدين، والطاقة، ويُسهم في تحقيق التكامل بينها بما يحقق أقصى قيمة مضافة منها، وتعزيز أثرها الاقتصادي وتنويعه، إضافة إلى خلق بيئة استثمارية جاذبة، مع العناية بمحوري المحتوى المحلي والثورة الصناعية الرابعة.
ونجح البرنامج منذ إطلاقه في تحقيق عدد من أهدافه على صعيد تطوير الصناعة الوطنية، وكان من إنجازاته إطلاق برنامج المسح الجيولوجي، والتقدم الملحوظ في مؤشر اتصال شبكة الملاحة البحرية مع خطوط الملاحة العالمية، وتدشين أول زورق اعتراضي سريع مُصَنَّع محليًّا، وإنشاء محطات للطاقة المتجددة، وزيادة متسارعة للاستثمار في القطاع الصناعي، ودعم توطين قطاع الصناعات العسكرية، وإطلاق برنامج "صُنع في السعودية".
ويواصل البرنامج تعظيم الأثر الاقتصادي للصناعة السعودية من خلال الإسهام في رفع تنافسية السعودية وجاذبيتها كوجهة مثالية للاستثمار، والاستغلال الأمثل للموارد بكافة أنواعها، وتحسين السياسات والتشريعات الخاصة بقطاعاته لتمكينه من تحقيق مستهدفاته وتمكين استثمار القطاع الخاص المحلي والأجنبي، إلى جانب تحسين الميزان التجاري، وخلق صناعة محلية تنافس في الأسواق العالمية، وإيجاد ميز تنافسية مستدامة قائمة على الابتكار وتحفيز الاستثمارات وخلق الفرص الوظيفية.
هيئة تنمية الصادرات السعودية
تعرف اختصارًا بـ"الصادرات السعودية"، هي هيئة حكومية بدأت أول أنشطتها في عام 1434هـ/2013م، وتُعنى بزيادة الصادرات السعودية غير النفطية والانفتاح على الأسواق العالمية، وتوظيف كافة إمكاناتها الاقتصادية، نحو تحسين كفاءة بيئة التصدير عن طريق وضع البرامج وتقديم الحوافز للمصدرين، وتشجيع المنتجات السعودية في الأسواق الدولية، والرفع من جودتها التنافسية وتحقيق وصولها إلى الأسواق الدولية بما يعكس مكانة المنتج السعودي ولتكون رافدًا للاقتصاد الوطني.
وتعمل الصادرات السعودية على 5 أهداف رئيسة، هي: تيسير الرحلة الشاملة للمصدرين من خلال تحسين بيئة التصدير، وتطوير قدرات المصدرين وجاهزيتهم لمواجهة التحديات العالمية وتحسين تنافسيتهم في الأسواق، والارتقاء بالصورة الذهنية والعلامة التجارية لصادرات السعودية وتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية، وتحديد وترويج فرص الأعمال التجارية الدولية وربط المصدرين بالمشترين، وترسيخ ثقافة التميز المؤسسي والتعاون والتمحور حول العملاء والرقمنة لتقديم أفضل الخدمات المبتكرة.
ومن مشاريع الهيئة إطلاق برنامج "صنع في السعودية"، الذي يهدف إلى تحفيز الصناعات الوطنية وتشجيع المستهلكين على شراء السلع المحلية وتنمية وتعزيز صادرات السعودية إلى الأسواق العالمية، وإنشاء بنك الاستيراد والتصدير السعودي، وهو بنك مستقل لتمويل الصادرات برأسمال 30 مليار ريال، وذلك من خلال تمويل كلٍّ من المصدرين المحليين والمستوردين الأجانب، مما يسهم في سد فجوات الخدمات المالية المقدمة لقطاع الاستيراد والتصدير.
برنامج "صنع في السعودية"
يُسهم برنامج "صُنع في السعودية" الذي أطلقته هيئة تنمية الصادرات السعودية في شعبان 1444هـ/مارس 2023م، في تحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 في القطاع الصناعي، إذ يؤدي دورًا مهمًّا في ترويج الصناعات المحلية، ويمكِّن المنتج السعودي من المنافسة محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا، ويعزز جهود رفع نسبة صادرات السعودية غير النفطية من 16-50% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بحلول عام 2030م.
ويحظى برنامج "صُنع في السعودية" بدعم عدد من المؤسسات الوطنية الشريكة في إنجاح أعماله، إذ يعمل المركز السعودي للشراكات الاستراتيجية الدولية، المختص بتوحيد جهود السعودية في مجال شراكاتها الدولية، على دعم البرنامج للوصول إلى الأسواق العالمية، والتعاون في تنظيم الندوات والمؤتمرات وورش العمل.
ويواصل "صُنع في السعودية" تحقيق أهدافه الاستراتيجية في ترسيخ القيمة الصناعية للسعودية، من خلال رفع مشاركة القطاع الخاص من 40-65%، وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر في الناتج المحلي الإجمالي من 3.8% إلى متوسط دولي قدره 5.7%، فضلًا عن المساعدة في توفير أكثر من 1.3 مليون فرصة وظيفية في قطاع الصناعة والتعدين.
كما يعمل البرنامج على اختراق الأسواق الدولية بالصناعات السعودية عالية الجودة، إذ وصلت منتجات المملكة إلى أكثر من 178 دولة حول العالم.
المصانع في السعودية
أثبت القطاع الصناعي السعودي قدرته على مواجهة التحديات والتقلبات الاقتصادية، كمواجهة جائحة فيروس كورونا المستجد خلال عام 2020م، الذي شهد رغم ذلك الترخيص لـ903 مصانع باستثمارات تجاوزت 23 مليار ريال، وخلق القطاع 39 ألف وظيفة، فيما بدأ تشغيل أكثر من 515 مصنعًا.
وتنوعت منتجات المصانع السعودية لتغطي السوقين المحلي والدولي، وبنهاية ديسمبر 2020م، بلغ عددها 9,681 مصنعًا، وبنهاية الربع الرابع من عام 2021م وصلت إلى 10,293 مصنعًا، برأسمال يقدر بـ1.33 تريليون ريال، وارتفعت بنهاية الربع الأول من عام 2022م إلى 10,489 مصنعًا، برأسمال يقدر بـ1.34 تريليون ريال، وإلى 10,685 مصنعًا حتى يوليو 2022م، بحجم استثمارات بلغ 1.367 تريليون ريال، وبنهاية الربع الأول من عام 2023م وصلت إلى 10,819 مصنعًا، باستثمارات إجمالية تجاوزت 1.43 تريليون ريال.
وتمضي وزارة الصناعة والثروة المعدنية في تمكين الصناعة الوطنية من خلال مسارات عدة لدعم المستثمرين الصناعيين عبر حزم التمويل التي يقدمها الصندوق الصناعي، إذ اعتمد خلال عام 2020م نحو 212 قرضًا، بمبلغ إجمالي غير مسبوق منذ إنشاء الصندوق يبلغ نحو 17 مليار ريال، وكذلك العمل على تسريع الإجراءات وتهيئة البنى التحتية التي يحتاجها القطاع الصناعي عبر الهيئة السعودية للمدن الصناعية ومناطق التقنية "مدن".
المصادر
الاختبارات ذات الصلة