تم نسخ الرابط بنجاح

الآثار في منطقة مكة المكرمة

saudipedia Logo
الآثار في منطقة مكة المكرمة
مقالة
مدة القراءة 7 دقائق

الآثار في منطقة مكة المكرمة، هي البقايا المادية وتَرِكات الحضارات الإنسانية القديمة في منطقة مكة المكرمة غرب المملكة العربية السعودية.

الآثار في منطقة مكة المكرمة في عصور ما قبل التاريخ

أسهم الموقع الجغرافي والتشكيل الجيولوجي في تكوين بيئة ملائمة للاستيطان البشري في منطقة مكة المكرمة منذ فترات طويلة، وعثرت فرق البحث الميداني على عشرات المواقع التي تعود للعصر الآشولي، وهو ثاني فترات العصر الحجري القديم، في منطقة وادي فاطمة، وعلى طول ساحل البحر الأحمر في منطقة مكة المكرمة، يقدر عمرها بنحو 200 ألف سنة، تضم آلاف الأدوات الحجرية، ومجموعة من أدوات الحضارة الموستيرية، التي تلت الحضارة الأشولية زمنيًّا، مصنوعة من الحجر الخام مثل البازلت والأحجار البركانية والرايوليت والكوارتزيت في وادي فاطمة، وبالقرب من الجموم وحرة شما.  

وأظهرت المسوحات الميدانية وجود أدوات حجرية أشولية ضمن مصاطب مرتفعة على ساحل البحر الأحمر في منطقة مكة المكرمة، وفؤوس حجرية من جبل العرفاء في الطائف يعود تاريخها لنحو 230 ألف سنة، واكتشفت أعداد من مواقع الرسوم الصخرية في منطقة جبل القصب في بريمان ومنطقة الجبلين وأبحر، شملت لوحات تصويرية تمثل أنواعًا من الحيوانات مثل الأبقار والجمال والنعام، ورسوما لبشر يحمل بعضهم الدروع والرماح والخناجر.

الآثار في منطقة مكة المكرمة في عصور ما قبل الإسلام

أكدت أعمال البحث وجود آثار ترجع لفترة ما قبل الإسلام، منها فخاريات وخزف وأدوات صوانية وأرحية في العرفاء بالطائف، وموقع سوق ذي المجاز شمال شرقي عرفة، والسرين، وبقايا مناجم لاستخراج المعادن في بعض الجبال في تهامة والسراة، وأنماط من الكتابات العربية السابقة المعروفة باسم خط البادية "الثمودي" في الطائف ووادي بويب وبريمان بجدة، ووادي العسيلة بمكة المكرمة، منها النقوش والرسوم في وادي ملكان، وموقع الدويرج في يلملم، ووادي الكفو، إلى جانب عدد من النقوش المكتوبة بالخط المسند الجنوبي على امتداد الطريق التهامي والساحلي وطريق السراة القادمة من اليمن، أغلبها لأسماء شخصيات عاشت في تلك الفترة.

وتنتشر الرسوم الصخرية لبشر وحيوانات وأشكال ورموز ووسوم، تعود لفترة ما قبل الإسلام، في عدة مواقع بمنطقة مكة المكرمة، مثل الرسوم الصخرية في جبل سليطينة، والعرفاء، والردف، وأم السباع، وغدير البنات وهي في محافظة الطائف، وعند جبل أم رضام بمحافظة الليث، وفي مدينة مكة المكرمة في الدويدة، وجبل القصير، ووادي الكفو باليمانية، ووادي العسيلة، ووادي بويب، وبريمان.

الآثار في منطقة مكة المكرمة على طرق الهجرة والتجارة والحج

تقع منطقة مكة المكرمة على طرق التجارة القديمة وقوافل الحج، والتي لا تزال آثارها باقية، منها طرق تهامة والسراة، وتنتشر الشواهد الأثرية القديمة المتعلقة بتلك الفترة، مثل غار ثور، وهو معلم بارز في رأس جبل ثور، أحد الجبال الشمالية لمدينة مكة المكرمة، مكث فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وهما في طريق الهجرة النبوية،وبقيا فيه حتى هدأ طلب قريش لهما ثم تابعا طريقهما، وآثار درب زبيدة، وهو طريق الحج السابق الواصل بين الكوفة ومكة المكرمة، ويضم 54 محطة لا تزال آثارها واضحة، ومعالم كبركة العقيق المربعة، عند الضفة الغربية لسهل ركبة، وقربها آثار محطة الغمرة، إحدى المحطات الكبرى على طريق الحج سابقًا، وبركة الخرابة المكونة من بركة رئيسية دائرية مدرّجة، ومصفاة رباعية الشكل، وبركة علوية عند وادي الشامية، وهي محطة حج كبيرة، وعين زبيدة، التي استمر تدفق مياهها لقرون، تنبع مياهها من أعلى جبل بين الطائف وعرفات، إضافة لمجموعة من العيون المغذية، وآثار طريق الحج على الطريق الممتد بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، منها آثار الجموم وبركتها التي يصل قطرها لنحو 100م. 

مسجد البيعة في مكة المكرمة. (واس)
مسجد البيعة في مكة المكرمة. (واس)

الكتابات والنقوش الإسلامية في منطقة مكة المكرمة

تعد منطقة مكة الكرمة من أغنى مناطق المملكة بالنقوش والكتابات الإسلامية، تعود تواريخ أولها لبداية القرن الأول الهجري، ثم ما تلاه من قرون، ومنها:

نقوش الحرم المكي الشريف: يزخر الحرم المكي الشريف بالكتابات الإسلامية التي توثق عبر نصوص تأسيسية أو تجديدية مختلف العمائر والإصلاحات والترميمات والتوسعات في الحرم المكي، أو الكعبة المشرفة، أو مقام إبراهيم، أو حجر إسماعيل، أو بئر زمزم، أو المقامات الأربعة، تشمل فترة تتجاوز 10 قرون، بدءًا من منتصف القرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي، نُفذت على الأعمدة الرخامية، والألواح الحجرية والخشبية والمعدنية، بقي بعضها في المبنى التاريخي القديم للمسجد الحرام، وجمع بعضها الآخر في متحف خاص بها، وهو متحف الحرمين الشريفين، وعدد من الآيات القرآنية المنقوشة على الألواح باقية على حالها في المسجد الحرام، وأقدم هذه الكتابات الموجودة حاليا 4 نقوش بالخط الكوفي البارز، نفذت على أعمدة رخامية عند الجهة الجنوبية من صحن المسجد، تؤرخ للأعمال المنجزة في المسجد الحرام أثناء عهد الخليفة المهدي العباسي (158هـ-169هـ/775م-786م)، ومرسوم السلطان شعبان بن حسين بن الناصر محمد بن قلاوون المؤرخ عام 766هـ/1364م.

ومن نقوش متحف الحرمين الشريفين نقش دار السلامي والهمداني المؤرخ عام 614 هـ/1217م، ونقش عمارة باب الحزورة عام 802هـ/1399م، ونقش تجديد مقام النبي إبراهيم، بتاريخ 858 هـ/1454م.

وهناك نقوش مشاعر ومساجد مكة المكرمة التي تؤرخ لمجموعة كبيرة من العمائر الإسلامية، منها نقش مسجد البيعة بمنى المؤرخ بعام 145هـ/762م، ونقش آخر غير مؤرخ داخل المسجد،ونقش مضرب الخليفة المتوكل على الله عام 245هـ/859م، ونقش مسجد عائشة (التنعيم) المؤرخ بسنة 310هـ/922م، ونقش رباط أم الخليفة المقتدي بأمر الله المؤرخ بسنة 509هـ/1115م، ونقشان لعمارة بني عرفة أحدهما بتاريخ 583هـ-584هـ/1187م-1188م، والآخر بتاريخ 594 هـ/1198م، ونقشان في مسجد الإجابة الأقدم، يعود أحدهما لسنة 898هـ/1492م، والآخر لعام 1124هـ/1712م.

وتحتفظ مكتبة عبدالله بن عباس بالطائف بنقش يرجع تاريخه لعام 548هـ/1153م، وهو نص تذكاري من 15 سطرًا، نفذ على لوح بازلتي بالخط الحجازي، يؤرخ لوفاة شخص يدعى مسلم بن عمر الثقفي.

وعثر على نص قرآني مؤرخ بعام 98هـ/717م في مركز العسيلة، ونقش سد سيسد بالطائف يرجع لسنة 58هـ/678م،ونقش بالخط الحجازي مؤرخ بعام 40هـ/660م في وادي الشامية، ونقش جبل الجليل في وادي معيصم المؤرخ بسنة 80هـ/699م. 

النقود الأثرية في منطقة مكة المكرمة

بينت الاكتشافات والأبحاث أن مكة المكرمة كانت إحدى دور سك العملة في عصر الخلافة العباسية، ووجدت مجموعة من النقود المضروبة كدينار يعود لمكة المكرمة سنة 250هـ/864م في عهد الخليفة المعتز بالله، ودينار ضرب بمكة المكرمة عام 259هـ/873م في عهد الخليفة المعتمد على الله.

ويحتفظ متحف العملات في البنك المركزي السعودي بعدد من العملات المسكوكة بمكة المكرمة، بينها درهم عباسي ضرب عام 293هـ/906 م، في عهد الخليفة المكتفي، وجزء من درهم أيوبي عليه اسم الملك المسعود.

العمارة والفنون الإسلامية في منطقة مكة المكرمة

برع سكان منطقة مكة المكرمة في فن العمارة، فبنوا السدود وقنوات الأمطار والقلاع والحصون منذ فترات ما قبل الإسلام.

وكانت منازل قريش دائرية الشكل، حتى النصف الثاني من القرن السادس الميلادي، عندما بنى حميد بن زهير دارًا مربعة، وكان أهل مكة في عصر الجاهلية وبدايات عصر الإسلام يتخذون في بيوتهم صفائح كالرفوف لوضع الأمتعة، وعرف أهل الطائف شتى أنواع البناء، منها سور الطائف، وسد السملقي وسد سيسد الموجودان حتى اليوم.

واستخدم الآجر كمادة بناء رئيسية في مكة المكرمة، إلى جانب الحجر، ومنه حجر الشبيكي الأسود المنقط بالأبيض الذي بنيت به الكعبة المشرفة، واستعمل البازلت في مناطق جنوب مكة المكرمة، واللبن وحجر البازلت في مكة المكرمة والطائف، والحجر الجيري في جدة، وصناعة الجص التي يمكن مشاهدتها في مسجد البيعة بمنى، وقصر شبرا، وسد ثلبة الأثري على وادي جباجب.

وتعد محافظة جدة مدينة تاريخية، عُرفت منذ عصور ما قبل الإسلام، واتخذها الصحابي عثمان بن عفان ميناء، أًحيطت المدينة بسور له 5 بوابات، وتعد المنطقة التاريخية في جدة من المعالم العمرانية البارزة في المملكة العربية السعودية، تبدو كأنها حي واحد تعبره الأزقة والشوارع، صممت بيوتها على نمط معماري راعى التقاليد الاجتماعية والأجواء المناخية، وتميزت بالنوافذ البابية التقليدية، والرواشين الخشبية المزخرفة، ومن تلك البيوت الموجودة حتى الآن: بيت نصيف، ومنزل نور ولي، وبيت باعشن.

قصر خزام التاريخي في محافظة جدة بمنطقة مكة المكرمة. (واس)
قصر خزام التاريخي في محافظة جدة بمنطقة مكة المكرمة. (واس)

الأعمال المعمارية في عهد الملك عبدالعزيز

تنتشر في منطقة مكة المكرمة الكثير من الأعمال المعمارية التي نُفذت بتوجيه من الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، منها أمره بتعمير عين زبيدة في عام 1344هـ/1925م،و3 أسبلة على الطريق بين مكة المكرمة وجدة عام 1361هـ/1942م، وسبيل المعابدة عام 1362هـ/1943م، وخمسة آبار وخزان وحوض مياه في عشيرة بصدر وادي العقيق عام 1350هـ/1931م، والقصر الملكي في المعابدة، وقصر خزام في جدة، وقصر الزاهر في مكة المكرمة.

الشواهد التاريخية في منطقة مكة المكرمة

تضم منطقة مكة المكرمة، إلى جانب الحرم المكي الشريف والمشاعر المقدسة، عددًا من المواقع الأثرية الباقية معالمها حتى الآن، منها إضافة إلى ما سبق ذكره:

غار حراء:  يقع عند قمة جبل النور شمال شرقي مكة المكرمة، على بعد نحو 5 كم من الحرم المكي، على ارتفاع 634 م، شهد بداية انطلاق الدعوة الإسلامية؛ بنزول الوحي على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وفيه نزلت أول آية من القرآن "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق".

موقع أم الضميران: يقع شمال مكة المكرمة، وهو من محطات درب زبيدة، يحتوي على بركتين وقنوات أرضية ومجموعة مبانٍ وأساسات لقلعتين.

موقع البرود: وهو من المواقع الأثرية الكبرى على درب زبيدة، يشمل أكثر من 30 وحدة معمارية، تمثل بقايا أساسات القصور والمنازل والبرك والآبار.

جبل الرديهة: يقع شمال جدة، عثر في واجهاته الصخرية على رسوم لأشكال آدمية وحيوانية واضحة، يرتفع بعضها لنحو 6م.

سد ثلبة: قرب الطائف، بني من أحجار مربعة على جدارين متوازيين.

سد اللصب: شرق الطريق السريع ضمن واد عرضه 100م، شيد وسط بروز صخري في قناة ضيقة بعرض 5م، تجاوره منازل مهجورة، وكسر فخار تعود للعصر الإسلامي.

ميناء السرين: وهو ميناء قديم يبعد عن محافظة الليث نحو 50 كم، يعد موقعًا أثريًّا كبيرًا، طمرت الرمال أغلب معالمه، تنتشر على السطح بقايا صناعات زجاجية وفخارية تعود للقرن الثالث الهجري/التاسع الميلادي، وكتابات شاهدية.

سوق عكاظ: هو من أكبر أسواق العرب قبل الإسلام، يقع شمال شرقي الطائف، يحتوي على آثار لمبانٍ وقصور ترجع للقرن الثاني الهجري/الثامن الميلادي، ظلت قائمة حتى عصر الإسلام إلى عام 129هـ/747م.

بركة الفاجة بوادي عُلف بالجموم: وهي من المحطات على طريق الحج الشامي، بها بركة دائرية يصل قطرها لنحو 100م.

قصر شبرا بالطائف: بني عام 1325هـ/1907م، وهو قصر تاريخي بعمارة هندسية مميزة.

بيت نصيف بجدة: هو قصر بني عام 1289هـ/1872م، بواسطة عمر أفندي نصيف، مؤلف من 4 أدوار، زينت واجهته بأعمال نجارة مزخرفة، يعد نموذجا للبناء في محافظة جدة في تلك الفترة.

موقع مسعودة: يقع شمال شرقي عشم، على مساحة 90 ألف م2، يحتوي على عناصر معمارية واضحة على سطح الأرض، واكتشف في الموقع عدد من الشواهد الحجرية، عليها نصوص بالخط الكوفي يعود تاريخها لما بين القرن الأول والثاني الهجري/السابع والثامن الميلادي، وعدد من الأرحية الحجرية.

وادي فاطمة: سجلت العديد من القطع الأثرية فيه، من فؤوس يدوية وسواطير ومعاول.

يلملم (السعدية): تقع جنوب مكة، وكانت ميقاتا لأهل اليمن على طريق الحج الساحلي، تضم منشآت مائية منها بئر السعدية، ومغارات وصخورًا وكتابات ونقوشًا إسلامية.