المشاعر المقدسة، هي ثلاثة مواقع في مكة المكرمة، وهي: مِنى، وعرفات أو عرفة، ومزدلفة، وتقع ضمن حدود الحرم باستثناء مشعر عرفات الذي يقع خارجها. وهي مواضع يؤدي فيها المسلمون عبادات مخصوصة خلال موسم الحج في الأيام 8 إلى 13 من شهر ذي الحجة كل عام، وينزلون بها بدءًا بمشعر منى، ثم عرفات، فمزدلفة.
ولارتباطها بأداء فريضة الحج، أولاها المسلمون منذ القدم اهتمامًا خاصًّا، وتحظى في العهد السعودي بعناية ملوك المملكة العربية السعودية التي تتجلى في تطويرها المستمر لاستيعاب أعداد كبيرة من الحجاج سنويًّا، وتيسير أداء عباداتهم في كلٍّ من المشاعر الثلاثة.
تضم المشاعر المقدسة عدة معالم من التراث الإسلامي التي بقي العديد منها حتى الوقت الحاضر، كما تتضمن أحد أطول طرق المشاة في العالم إذ يصل طوله إلى نحو 25 كم، وهو طريق يمتد من جبل الرحمة الواقع في مشعر عرفات، مرورًا بمشعر مزدلفة، وصولًا إلى مشعر منى. وتشهد المشاعر في مواسم الحج واحدة من أكبر حركات السير البشرية على مستوى العالم.
مشعر مِنى
تسمية مشعر منى
يُنطق اسم مشعر منى بكسر الميم (مِنى)، وقد تعددت الأقوال حول تسميته، فذكر المؤرخ الفاكهي في كتابه "أخبار مكة" أن اسمه يعود لاجتماع الناس فيه، ويشير إلى أن العرب كانت تسمي كل أرض يجتمع بها الناس: منى، ويقول في ذلك ياقوت الحموي إن تسميته جاءت مما يُمنى من الدماء، أي: يُراق، ويقصد بذلك: الهدي، وهي الذبيحة المشروعة لفئة من الحجاج، وتأتي كذلك بمعنى التقدير، فمنّ الله، تعني: قدّر. ويورد ابن عُيينة أن التسمية جاءت من المنايا.
موقع وحدود مشعر منى
يبعد مشعر منى نحو 8.4 كم عن المسجد الحرام، تبلغ مساحته نحو 16.8 كم2، وهو من المشاعر الواقعة ضمن حدود الحرم، وتمثل أرضه موقع وادٍ مُحاط بالجبال من جهتيه الجنوبية والشمالية، ويحدّه وادي محسّر من جهة مشعر مزدلفة.
يُعد مشعر منى أول المشاعر الثلاثة التي ينتقل إليها المسلمون عند أداء فريضة الحج، وذلك في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة.
يضم موقع منى عددًا من المعالم، ففيه الشواخص الثلاثة التي يرميها المسلمون عند أداء فريضة الحج، وفيه مسجد "الخيف" الذي يقع على السفح الجنوبي لجبل مِنى، كما ارتبط بأحداث من التاريخ الإسلامي، إذ شهد بيعتي العقبة الأولى والثانية، ففي عام 12 من البعثة (621م)، كانت مبايعة 12 رجلًا من الأوس والخزرج للنبي محمد صلى الله عليه وسلم، ثم البيعة الثانية في العام الذي يليه، وبايعه فيها 73 رجلًا وامرأتان، كما أن إحدى سور القرآن الكريم نزلت في هذا المشعر، وهي سورة "المرسلات".
منشأة الجمرات في منى
تُعد منشأة الجمرات أو "جسر الجمرات" جزءًا من مشعر منى على مساحة إجمالية تفوق 200 ألف م2، وهي مساحة مهيَّأة لاستقبال الحجاج؛ لرمي جمرة العقبة، أو الجمار الثلاث في أيام الحج، ويضم: الجمرة الوسطى، والجمرة الصغرى، والجمرة الكبرى المسماة بجمرة العقبة. كان الموقع فيما سبق عبارة عن أرض مستوية، تتضمن ثلاثة أحواض دائرية تمثل الجمرات الثلاث، تعاقبت عليها التجديدات والتطويرات في العهد السعودي، لتصبح في الوقت الحاضر بيضوية، وأُعيد تهيئة المساحة لبناء منشأة الجمرات من عدة طوابق (5 طوابق حاليًّا) وأساسات مُصممة لتحمل 12 طابقًا في المستقبل، يبلغ ارتفاع كلٍّ منها 12م، وتبلغ الطاقة الاستيعابية لمنشأة الجمرات نحو 500 ألف حاج في الساعة.
كما يضم 6 مبانٍ خدمية مكونة من 12 طابقًا، ومهابط للطائرات، ومصاعد خاصة لنقل سيارات الإسعاف بين الأدوار، وفي كل مبنى توجد 3 محطات كهربائية، إلى جانب مولد كهرباء احتياط. وفضلًا عن ذلك زُوّد الموقع بنظام تبريد يدفع نوعًا من الرذاذ للمساحة المحيطة؛ مما يساعد في تلطيف الجو وخفض درجة الحرارة إلى نحو 29° درجة.
وإلى جانب تطوير المنشأة أعيد تنظيم الموقع؛ لتسهيل عملية التفويج من خلال 11 مدخلاً للجمرات، إضافة إلى 12 مخرجًا في الجهات الأربع، مما يسهم في الحد من التجمعات،كما نُفّذت 4 أنفاق أرضية للسيارات والحافلات تربط منشأة الجمرات بمكة المكرمة، ونظام إحصاء للحجاج ومراقبة متطورة، من خلال أكثر من 900 كاميرا، إلى جانب العديد من أنظمة الحماية والسلامة والنداء المتطورة.
مشعر عرفات
تسمية مشعر عرفات
يُطلق على مشعر عرفات كذلك "عرفة"، وجاء في القرآن الكريم بمسمى "عرفات"، ذُكر حول تسميته أقوال متعددة ترتبط بالثقافة الإسلامية، منها ما أورده ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان" أن تسميتها جاءت لاعتراف الناس بذنوبهم، وفي لسان العرب لابن منظور قيل: لأن الناس يتعارفون فيه.
موقع مشعر عرفات
يُعد عرفات المشعر الوحيد الواقع خارج حدود الحرم، وهو عبارة عن سهل منبسط محاط بقوس من الجبال يضم جبل الرحمة. يقع على الطريق المؤدي إلى الطائف، يبعد عن مشعر منى بنحو 10 كم، وعن مزدلفة 6 كم، وعن المسجد الحرام 20 كم.
مساحة مشعر عرفات
تبلغ مساحة مشعر عرفات 33 كم2، بطاقة استيعابية تضم أكثر من مليوني حاج، ففي اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، يقف الحجاج في هذا المشعر امتثالًا لتعاليم الدين الإسلامي. ومشعر عرفات لا ينشط إلا في أيام الحج، ولا يتضمن أي عمران أو سكان باستثناء عدة منشآت حكومية، ونفذت شركة كدانة للتنمية والتطوير مشروعًا لتحسين منطقة جبل الرحمة؛ ليستقبل الزوار طوال العام.
مشعر مزدلفة
تسمية مشعر مزدلفة
الزُلف في اللغة: القربة والمنزلة والدرجة، وقد تحدث الفاكهي في كتابه "أخبار مكة" عن مشعر مزدلفة، فخصص مبحثًا أوضح فيه حدوده وفضائله، وأورد في سبب تسمية مزدلفة أن الناس يزدلفون إليها، ولا يقيمون بأرضها يومًا كاملًا، ومن أسمائها كذلك: "جمع"، وبحسب قول الحافظ ابن حجر أن آدم، عليه السلام، اجتمع بحواء هناك، وازدلف إليها، أي: قرب منها، أما قتادة فيذكر أنها سُميت بذلك؛ لأن فيها يُجمع بين صلاتين، وقيل: جاءت تسميتها للنزول بها في كل زلفة من الليل، وقيل: لاقترابها من مشعر منى، وهناك قول يرى أنها وصف للذين يجتمعون فيها للعبادة، فهي أحد الأماكن التي ينزل بها المسلمون ويجتمعون عند أداء فريضة الحج، إذ يلتزم الحجاج بتعاليم التوجّه للمبيت في مزدلفة ليلة العاشر من شهر ذي الحجة، (ليلة عيد الأضحى)، حيث يؤدون صلاتي المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، ويبيتون تلك الليلة حتى صباح اليوم التالي.
موقع مشعر مزدلفة وحدوده
يقع مشعر مزدلفة بين مشعري مِنى وعرفات، وهو ثالث المشاعر المقدسة التي ينتقل إليها المسلمون عند أداء فريضة الحج بعد مشعري: مِنى، وعرفات، تبلغ المساحة الإجمالية له نحو 9.63كم2، أما عن حدوده ففي غربه مما يلي مشعر منى ضفة وادي محسّر الشرقية، بحيث يفصل الوادي بينه وبين منى، ومن الشرق مما يلي مشعر عرفات جبلان يُعرفان بـ: مفيض المأزمين، يقع بينهما طريق مؤدٍّ إلى عرفات، ومن الجهة الشمالية يحده جبل ثبير النصع الذي يُسمى كذلك: جبل مزدلفة.
وقد مر المشعر بتوسعات وتطوير في العهد السعودي، كما هُيئت الساحات للمبيت، وجُهزت لتحتوي على الخدمات التي تُقدم للحجاج خلال أيام الحج، إذ تضم مرافق طبية وصحية ودورات مياه ومراكز إرشادية وأمنية.
معالم من التراث الإسلامي في المشاعر المقدسة
مسجد الخيف
تضم مشعر منى مسجد الخيف الذي يُعد من معالم التراث الإسلامي، يقع المسجد على سفح جبل الصابح، بالقًرب من جمرة العقبة الصغرى. وكلمة "الخيف" في اللغة تعني: ما انحدر من الجبل وارتفع عن الوادي، وقد خطب النبي محمد، صلى الله عليه وسلم، في حجة الوداع في هذا الموقع، حين كان بمنى. وُيطلق عليه كذلك: مسجد الأنبياء.
بُني المسجد على الطراز العربي الإسلامي، ونال عناية من المسلمين منذ إنشائه، وحظي بأكبر توسعة له في العهد السعودي، ففي عام 1407هـ/1987م وُسِّع لتبلغ مساحته الحالية نحو 23,500م2، بطاقة استيعابية تضم نحو 25 ألف مصلٍّ.
وزُود بما يلزم لاستقبال المصلين، كالإضاءة، والتكييف، ودورات مياه. ولا يزال المسجد يلقى العناية، إذ تولت وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد الإشراف على عدة مشاريع لصيانته وتطويره، فأسهمت في فرشه بسجاد ذي جودة عالية، وتركيب 13 وحدة تكييف مركزية لتنتج هواءً نقيًّا، ونحو 30 مروحة لطرد الهواء غير النقي، إضافة إلى 214 وحدة تكييف سقفي منفصل، كما زودته بشاشات إلكترونية لتوعية الحجاج وإرشادهم.
مسجد البيعة
شُيد مسجد البيعة "الجمرات" في موقع مشعر منى عام 144هـ/761م، يقع على بُعد 500م من جمرة العقبة، ويُشار إلى أن هذا الموضع شهد مبايعة الأنصار للنبي محمد، صلى الله عليه وسلم. بُني في عهد الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، وقد كان في بداية تأسيسه مصلى غير مسقوف، يضم محرابًا وملحقًا وفناءً، عُثر فيه على حجرين، يتضمن أحدهما عبارةً نَصُّها "أمر أمير المؤمنين أكرمه الله ببنيان هذا المسجد" مشيرةً إلى الخليفة.
ولا يزال المسجد يحتفظ ببعض نقوشه الأثرية حتى الوقت الحاضر، وهو من المساجد التي شملها مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية بهدف صيانتها والحفاظ على طابعها المعماري من أي مؤثرات محتملة بمرور الزمن، وتصل طاقته الاستيعابية في الوقت الحاضر إلى 68 مصليًا.
جبل الرحمة
يقع جبل الرحمة في مشعر عرفات، وله مسميات عدة، منها: جبل عرفة، جبل إلال، وجبل التوبة، وجبل الدعاء، وجبل النابت، وجبل القرين، وهو عبارة عن أكمة صغيرة بمساحة واسعة وسطح مستوٍ تقريبًا، يقع شرق مشعر عرفات، ويتكون من حجارة صلدة سوداء. يبلغ طوله نحو 300م، فيما يُقدر محيطه بـ 640 م، ويتوسطه شاخص بطول 7م. أما ارتفاع قاعدة الجبل عن الأرض المحيطة به فيبلغ 65م.
مسجد نمرة
يُعد مسجد نمرة أحد معالم التراث الإسلامي في مشعر عرفات، يُنطق بفتح النون وكسر الميم أو سكونها، يقع غرب مشعر عرفات، ويقع جزء منه في وادي عرنة. وقد عُرف بعدة أسماء، منها: الخليل، وإبراهيم، وعُرنة، وعرفة، وفيه يأتي الحجاج لأداء صلاتي الظهر والعصر في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، امتثالًا لتعاليم الدين الإسلامي.
نال المسجد عنايةً واهتمامًا في العهد السعودي، ففي عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وُسّع ليصبح من أكبر المساجد مساحةً في منطقة مكة المكرمة، إذ تفوق مساحته 110 آلاف م2، ويتسع لنحو 400 ألف مُصلٍّ، وله ستّ مآذن، يبلغ ارتفاع كل واحدة منها 60م، كما أن له ثلاث قباب، و10 مداخل رئيسة تضم 64 بابًا، إلى جانب غرفة للإذاعة الخارجية مخصصة لنقل الخطبة وصلاتي الظهر والعصر عبر الأقمار الاصطناعية في التاسع من شهر ذي الحجة (يوم عرفة).
مسجد المشعر الحرام
يقع مسجد المشعر الحرام في مشعر مزدلفة، في المنتصف تقريبًا بين مسجد الخيف بمشعر منى ومسجد نمرة بمشعر عرفات، أسفل جبل يُسمى قزح. كان المسجد في البدء عبارة عن جدار غرب موقعه يشير إلى القبلة، وبعد مدة بُني على مساحة تبلغ نحو ألف م2، وجُدد عدة مرات، منها تجديده في العهد السعودي عام 1395هـ/1975م، وفي الوقت الحاضر يبلغ طوله نحو 90م، وعرضه 56م، وتصل طاقته الاستيعابية لنحو 12 ألف مصلٍّ. وله منارتان يبلغ ارتفاع كلٌّ منهما نحو 32م، أما مداخله فتتوزع على الجهات الشرقية والشمالية والجنوبية.
تطوير المشاعر المقدسة
الجهة المسؤولة عن تطوير المشاعر المقدسة
تعاقبت على مهمة تطوير وتحسين مواقع المشاعر المقدسة عدة جهات، ومنذ عام 1442هـ/2021م تتولى شركة كدانة للتنمية والتطوير متابعة الأعمال التطويرية في المشاعر المقدسة، وهي شركة مساهمة مملوكة للهيئة الملكية لمدينة مكة المكرمة والمشاعر المقدسة. صدر الأمر السامي بتأسيسها في 13 جمادى الآخرة 1441هـ/7 فبراير 2020م، لتؤدي عدة أعمال، إذ تسهم في رفع الطاقة الاستيعابية للمشاعر المقدسة وتهيئتها لتكون مركزًا حضاريًا مستدامًا يجذب الزوار طوال العام، وتعمل على بناء العقارات وتطويرها وتنفيذ البنية التحتية للمشاعر المقدسة، كما تتعاون مع الجهات المعنية لتطبيق معايير الجودة وضمان سلامة الحجاج وتقديم الخدمات الملائمة لهم.
الخيام المطورة في منى
نفذت الحكومة السعودية عدة مشاريع لخدمة الحجاج في مشعر منى، فأنشأت الخيام المطورة البالغ عددها 160 ألف خيمة، والتي تغطي نحو 20% من موقع المشعر، وتمتد على مساحة 2,500,000 م2، وتستوعب نحو 2.6 مليون حاجّ وحاجّة.
وهي عبارة عن خيام صُنعت باستخدام تقنيات حديثة، تتكون من أنسجة زجاجية تغطيها مادة "التفلون" التي تعمل على مقاومة الحرارة العالية والاشتعال، كما تنعدم منها انبعاثات الغازات السامة، والخيام مزودة بشبكة إطفاء ذاتية تعمل تلقائيًّا عند استشعارها الحرارة. تتراوح مساحات الخيام بين 48م2، و64م2، و96م2، وتتوزع في مجموعات تحاط كلٌّ منها بأسوار معدنية فيها أبواب رئيسة ومخارج طوارئ، وترتبط ببعضها من خلال الممرات.
وتضم الخيام في مجموعها نحو 15 ألف وحدة تكييف، ودورات مياه ومواضئ، ومطابخ. ويراعي تصميمها معايير الأمن والسلامة، إذ يوفر نحو 30 ألف رشاش لمكافحة الحرائق، ونحو 3 آلاف كاميرا منتشرة لتعزيز الأمن، إلى جانب أكثر من 12 ألف سماعة لتوجيه الحجاج وإرشادهم، بالإضافة إلى خزانات خاصة لمياه إطفاء الحريق، توجد على هيئة أنفاق أعلى الجبال في منى تكوّن شبكة إطفاء حريق بطول يصل إلى 100 كم، ومواسير ذات أقطار متفاوتة بين 700 ملم و250 ملم، تضم 740 فوهة للحريق، ونحو 800 محبس. كما أن ممرات المخيم مرصوفة ومنارة ومزودة بعلامات إرشادية.
تطوير جسر الجمرات
أُنشئ جسر الجمرات بمشعر منى في عهد الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود عام 1394هـ/1974م، وشهد عدة أعمال للتطوير على مدار الأعوام، إذ وُسع ليصل لنحو 40م، وبمطلعين من جهة الشرق والغرب، ومنحدرين مجاورين لجمرة العقبة من الدور العلوي شمالًا وجنوبًا، ثم تلتها أعمال تطويرية في عام 1398هـ/1978م، تضمنت تنفيذ منحدرات خرسانية (مطالع ومنازل) للمستوى الثاني من الجمرات على جانبي الجسر، قبالة موقع الجمرة الصغرى.
وفي عام 1402هـ/1982م، أجريت فيه توسعة زادت العرض بنحو 20م، والطول بـ120م من الناحية الشمالية، ثم تبعتها توسعة أخرى في عام 1407هـ/1987م، فوُسع العرض إلى 80م، وزيد الطول إلى نحو 520م، كما أُجري توسيع لمنحدر الصعود إلى نحو 40م، بطول يبلغ 300م، وأُنشئت 5 أبراج تقدم الخدمات للحجاج على جانبي الجسر، كما وُضعت لوحات إرشادية وإنارات وتهوية، ووصلت مساحته الإجمالية آنذاك إلى 57,600 م2.
وفي عام 1416هـ/1995م، دخل جسر الجمرات مرحلة مختلفة من التطوير والتنظيم، إذ عُدل على فترات مختلفة روعي فيها الجمع بين منظره وتسهيل حركة الحجاج، تلتها تنظيمات وتعديلات مشابهة في عام 1426هـ/2005م، شملت بنية الجسر إلى جانب تعديل شكل الأحواض لتصبح بيضوية بعد أن كانت دائرية، إضافة إلى تعديل الشواخص، وإنشاء مخارج طوارئ في موقع جمرة العقبة، مع وضع لوحات إرشادية وشاشات مرتبطة بمخيمات الحجاج، تحتوي على معلومات توعوية حول التصرف عند الزحام الذي قد يحدث.
ومع ارتفاع عدد الحجاج في العام الذي يليه 1427هـ/2006م، قُرر استبدال الجسر بمنشأة أخرى متعددة الأدوار لتتحمل أعدادًا أكبر وتسهم في انسيابية حركة الحجاج وسلامتهم. وفي عام 1432هـ/2011م طورته وزارة البلديات والإسكان ضمن مشروع تطوير منشأة الجمرات ليكون بنظام التعليق الكابولي الحر، وحصد المشروع عدة جوائز عالمية، 3 منها في مجال التشييد.
نُفذ المشروع ليوفر طاقةً استيعابيةً أكبر في موقع الجمرات؛ بحيث يكفي أكثر من 6 ملايين حاج، ويتيح لهم رمي الجمرات في ظروف تحقق لهم الأمن والسلامة، إضافة إلى تخفيف الزحام من خلال تنفيذ عدة مداخل متباعدة للجسر، والمساعدة في انسيابية حركة الحجاج عبر توسعة الأحواض وتعديلها، وإنشاء أبراج خدمية، وتأمين وسائل الإخلاء، ورفع مستوى النظافة، وتوفير مستلزمات التشغيل.
كما تضمن توسيعًا للساحات المحيطة بالجسر خاصة الجنوبية والشمالية، وعند موقع الجمرة الكبرى؛ لتسهيل حركة الحجاج واستيعاب الجسر الجديد بملحقاته، واشتمل المشروع على إنشاء محطات غرب موقع الجمرات لركوب الحجاج وإنزالهم، وأعيد تنظيم الساحة بعد توسعتها خاصة الجزء الشرقي منها لتحقق التوازن في توزيع الحجاج.
وتكونت منشأة الجمرات بعد تجديدها من عدة أدوار، هُيّئ الدور السفلي منها للإخلاء عبر مصاعد تربطه بالأدوار العليا، ومنه تُؤخذ الحصى والمخلفات من بقية أدوار الجسر لنقلها إلى خارج موقع الجمرات. وبالنسبة للدور الأرضي فيسمح للحاج بالرمي منه ويمكن الوصول إليه من عدة جهات. أما الدور الأول فيمكن الدخول إليه من جهة منى عبر منحدرين أمام طريق المشاة الجنوبي والشمالي مع إمكانية رؤية الدور الأرضي، ويمكن الدخول إلى الدور الثاني عبر منحدرين: شمالي وجنوبي، فيما يمكن الوصول إلى الدور الثالث من جهة مشعر منى عن طريق منحدر يبدأ من ناحية طريق الملك فهد، أما عن الدور الرابع فبالإمكان أن يصل إليه الحاج من ناحية الجنوب عبر منحدر على شارع الملك عبدالعزيز.
وتحتوي المنشأة على برجين من الأبراج الخدمية التي أُنشئت ضمن المشروع على مهابط للطائرات العمودية، وتضم مكاتب لعدة جهات معنية بالحج، كما نفّذ المشروع نظام تهوية للدور السفلي، ووحدات تكييف صحراوية في كل من الأدوار: الأول والثاني والثالث، وفي الدور الرابع يُلطّف الهواء باستخدام رشاشات المياه، وأُنشئ نظام للمراقبة والتحكم بأنظمة تلطيف الهواء.
وإلى جانب ما سبق نُفذ نظام إنارة لكل الأدوار وأبراج الخدمات والمنحدرات ومباني السلالم المتحركة، مع كل مستلزماتها من مولدات احتياط ومحولات، إلى جانب نظام للصوت والمراقبة مع كاميرات تغطي كل أجزاء المنشأة، وإضافة لوحات إرشادية عند المداخل وعلى الجسر والمنحدرات، وإنشاء بوابات على أبنية السلالم المتحركة ومداخل المنحدرات تساعد على التحكم في دخول الحجاج.
وفي موسم حج عام 1436هـ/2015م شهد جسر الجمرات توسعة تضمنت زيادة مساحة الساحة الغربية بما يصل إلى 40 ألف م2 من الناحية الشمالية، لرفع طاقتها الاستيعابية ولتكون الساحة مخرجًا مؤديًا إلى مدينة مكة المكرمة. كما نُظم آنذاك شارع الحج وخفض مستوى ارتفاعه، وإعادة تنظيم الطريق الرابط بشارع الأمير ماجد، إضافة إلى التقاطع مع شارع المسجد الحرام ليتناسب مع التوسعة الجديدة، إلى جانب إزالة كتلة جبلية. وتضمن المشروع كذلك إنشاء طريق يصل بين الشعيب الغربي والطابق الثالث للجمرات، إضافة إلى توسعة أنفاق المشاة وتعديل مسارها لتصبح مارة بطريق الملك خالد.
مبادرة معالجة التشوه البصري في المشاعر المقدسة
أطلقت شركة كدانة للتنمية والتطوير مبادرة لتحسين التشوه البصري في المشاعر المقدسة، تتمثل أعمالها في إزالة المظاهر غير الحضارية، ورفع الوعي للحفاظ على البيئة، ونشر الوعي بين العاملين في المشاعر المقدسة، إلى جانب حماية المرافق العامة. تأتي هذه المبادرة داعمة لأحد برامج رؤية السعودية 2030: جودة الحياة، وشاركت فيها القطاعات العاملة في المشاعر المقدسة، مستهدفةً تقليص عناصر التشوه البصري، وإزالة الكتابات على الجدران واللوحات التجارية المخالفة، إضافة إلى تقليم الأشجار، واستغلال أراضي الفضاء لتضم مساحات إعلانية، وتنفيذ مشاريع تحسن محاور الحركة في الطرق الرئيسة.
كما عملت الشركة ضمن مبادرتها على تحسين المواقع المجاورة لجبل الرحمة بمشعر عرفات في مساحة تبلغ نحو 200 ألف م2؛ لتجويد المرافق والخدمات المقدمة للمرتادين خلال العام؛ لتواكب متطلبات العصر. وشملت المبادرة إنشاء مواقف للحافلات، وأخرى لسيارات الزوار، إلى جانب إنشاء دورات مياه جديدة مع تطوير الموجودة، وتطوير الإنارة في الجبل وما حوله، ورفع جودة أعمدة تلطيف المناخ، ومشارب المياه، كما تتضمن إيجاد مساحات خضراء وجلسات وأماكن مخصصة لرياضة المشي، إضافة إلى إعداد نقاط بيع للمطاعم والمقاهي، وعمل منظومة إرشادية، وأبراج مراقبة لتعزيز الأمن، وتوفير منصات للقنوات التلفزيونية، ومواقع للجهات الحكومية التي تخدم الزوار والحجاج.
الخدمات المقدمة في المشاعر المقدسة خلال موسم الحج
قطار المشاعر المقدسة
تشغل الخطوط السعودية الحديدية "سار" قطار المشاعر المقدسة في موسم الحج؛ ليسهم في نقل الحجاج، مطبقًا معايير الجودة والسلامة. ينطلق القطار في اليوم السابع من شهر ذي الحجة حتى اليوم الثالث عشر، بما يفوق 2200 رحلة،يتحرك فيها 17 قطارًا بين 9 محطات في المشاعر الثلاثة: منى، وعرفات، ومزدلفة. انطلقت أولى رحلاته في عام 1431هـ/2010م، بمسار يبلغ طوله 20 كم منتقلًا بين الجنوب الشرقي لمشعر عرفات والجنوب الغربي لمشعر منى.
جُهز القطار ليتمكن الحجاج من الوصول إليه عن طريق مصاعد ومنحدرات وسلالم كهربائية وعادية، وبوابات إلكترونية تفصل القطار عن مواقع التحميل والانتظار، وتعمل بتقنية الاستشعار للتعرف على حاملي التذاكر. ويكون التفويج من خلال مسارات محددة تؤدي لمواقع انتظار تستوعب نحو أكثر من 3000 حاج.
وتضمن المشروع 17 قطارًا، تحتوي على 204 عربات بطول 300م، تستوعب كل واحدة منها نحو 300 حاج، إضافة إلى عربة أمامية وأخرى خلفية.ويتحرك بنظام تشغيل آلي يتحكم به مركز التشغيل والمراقبة، عند سيره: فهو يمر بثلاث محطات لكل مشعر، بدءًا بمشعر عرفات، ثم مزدلفة، وأخيرًا في منى، حيث يقف في أولى محطاته، ثم في المحطة الثانية، وأخيرًا المحطة الثالثة التي تصل إلى الطابق الرابع بمنشأة الجمرات. ومن محطة الجمرات يعود القطار مارًّا بمنى، فمزدلفة، ثم عرفات، بسرعة تتراوح بين 80 كم - 120 كم في الساعة.
نال المشروع جائزة (فيديك) العالمية، إذ اختارته منظمة الاتحاد الدولي للاستشارات الهندسية "من بين 24 مشروعًا على مستوى العالم خلال آخر 100 عام، إذ أسهم في تخفيف الزحام، والحفاظ على البيئة مما تخلفه عوادم السيارات، كما حصل قطار المشاعر (الخط الجنوبي) الواقع بمنشأة الجمرات على جائزة (فرانس إيدل مان أوارد) في "الولايات المتحدة الأمريكية لأفضل البحوث التطبيقية والتشغيلية".
الجهود الرقمية في دعم المشاعر المقدسة
تعزز الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" دورها في خدمة الحجاج بالشراكة الاستراتيجية مع وزارة الداخلية، إذ تجهز المنافذ المؤدية للمشاعر المقدسة ببنية تحتية رقمية، لتأمين حركة الحجاج أثناء تنقلهم بين الحرم المكي والمشاعر المقدسة لأداء نسك الحج عام 1444هـ/2023م.
تدعم "سدايا" الجهات الحكومية والأمنية والخدمية والصحية العاملة في الحج بوصفها الممكن الوطني لكل ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي والبيانات، إذ تيسر حركة الحجاج وتنقلهم بين المشاعر المقدسة عبر خوارزميات للذكاء الاصطناعي تطرح نحو 20 خدمة لخدمة الحجاج.
وتمثل منصة "بصير" إحدى خدماتها التي تقدم خوارزمية تحصر أعداد الحجاج؛ لتسهل تنظيم الحركة في المشاعر المقدسة، ومنع الازدحام المؤدي إلى التدافع، كما تسهم المنصة في مساعدة الجهات المختصة على اتخاذ الإجراءات الملائمة عند حصول ازدحام قد يسبب تعطيلًا للحركة، أو كثافة عالية في أيٍّ من مواقع المشاعر المقدسة، ومعالجة ذلك عبر توجيه الحجاج إلى مناطق أقل ازدحامًا، كما تساعد هذه التقنية في إيجاد المفقودين وسط أعداد كبيرة. وتطور "سدايا" مجالات عملها سنويًّا لتحسن من الخدمات التقنية المقدمة في ضوء ما تستفيده من كل موسم حج.
وتدعم أمانة العاصمة المقدسة مواقع المشاعر المقدسة عبر عدة خدمات رقمية، إذ قدمت في موسم حج عام 1444هـ/2023م حزمة من التطبيقات لتشغيل مراكز الخدمات في المشاعر المقدسة، يبلغ عددها نحو 28 مركزًا، تسهم في تطوير الأداء المؤسسي وتحسينه عبر إعادة هندسة العمليات والإجراءات وتمكين الوحدات التنظيمية من تحويل أعمالها إلكترونيًّا، إضافة إلى رصد الملاحظات الميدانية ورفعها بعدة أشكال (فيديو، صوت، نص) مع ربط جميع الصور والمقاطع بالموقع الجغرافي، وإصدار التقارير.
كما فُعّلت عدة تطبيقات لخدمة الحجاج، منها ما يمكّن من استخراج تصاريح مؤقتة لأصحاب المطابخ، إذ يتقدم المستفيد بالطلب عبر النظام لتتحول تلقائيًّا إلى البلدية للتدقيق؛ لتسهيل أعمال أصحاب المطابخ والمطاعم وفق اشتراطات محددة لتُقدم الخدمة بصورة منظمة توائم الاحتياج خلال موسم الحج، كما تنظم مواعيد الذبح إلكترونيًّا.
واعتمدت الأمانة نظامًا إلكترونيًّا لإدارة معدات النظافة لتوفير بيئة صحية آمنة للحجاج في المشاعر المقدسة، مستفيدةً من التقنيات الحديثة، عبر إنشاء غرفة عمليات مخصصة للمراقبة الإلكترونية يمكن من خلالها متابعة حركة المعدات والآليات وتفريغ الحاويات.
وتسهم هذه الحلول الذكية في تحسين تجربة الحاج، وتسهيل الإجراءات في موسم الحج؛ مما يدعم تحقيق رؤية السعودية 2030 في تطوير الخدمات الحكومية عبر التقنيات الحديثة.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة