السياسة النقدية في السعودية، هي إحدى السياسات الاقتصادية التي يعتمدها البنك المركزي السعودي، وتستهدف تحقيق الاستقرار المالي وترسيخه، ورفع مستوى النمو الاقتصادي من خلال السيطرة على المعروض النقدي عبر أدوات نقدية محددة.
نشأة أول نظام نقدي في السعودية
عرفت السعودية أول نظام نقدي مع موافقة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، على نظام النقد الحجازي النجدي الصادر في رجب 1346هـ/يناير 1928م، عقب ذلك جرى سَكُّ الريال العربي الفضي، الذي حمل اسم المملكة العربية السعودية، بحجم ووزن وعيار الروبية الهندية الفضية.
استمر ذلك إلى أن أُنشئت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي حاليًّا)، بمرسوم ملكي عام 1371هـ/1952م، واعتماد وثيقة النظام الأساسي للمؤسسة من 12 مادةً، ثم اعتُمد الجنيه الذهب السعودي عملةً رسميةً للمملكة.
بعد ثلاثة أعوام صدر مرسوم ملكي عام 1374هـ/1954م، بشأن تعديل نظام مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي حاليًّا)، الذي عُدِّل أيضًا عام 1377هـ/1957م، لمواكبة تطورات الحركة النقدية والتوسع الاقتصادي.
مراحل تطور السياسة النقدية في السعودية
تطورت ملامح السياسة النقدية مع الوقت، وصدر مرسوم ملكي عام 1379هـ/1959م، حدد أن وحدة النقد السعودي هي الريال السعودي، وقُسّم إلى عشرين قرشًا، وقُسّم القرش إلى خمس هللات، وأن قيمة الريال تعادل 197/482% جرامًا من الذهب الخالص، وينحصر امتياز سكّ وطبع إصدار النقد السعودي لمؤسسة النقد العربي السعودي وحدها (البنك المركزي السعودي حاليًا).
تعزيزًا لضبط السياسة النقدية والمعروض النقدي وحركة السيولة، أعلنت مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي حاليًّا)، عام 1380هـ/1961م، في بلاغ لها؛ بسطَ رقابتها على البنوك التجارية لضمان سيرها على أسس سليمة.
نتيجةً لأداء السياسة النقدية المتوازنة، أخبر محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي عام 1384هـ/1964م، الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، عندما كان نائب جلالة الملك، بأن النقد المتداول في السعودية زاد بمقدار ضعف ما كان متداولًا قبل خمس سنوات.
استمرت عمليات تطوير النظام النقدي وتمكين مؤسسة النقد العربي السعودي (البنك المركزي السعودي حاليًا) من إدارة النقد، فصدر في عام 1378هـ/1959م، نظام النقد السعودي، وكذلك العملة الورقية الرسمية، ثم ظهر عقب ذلك نظام مراقبة البنوك في عام 1386هـ/1966م، لتصبح السياسة النقدية بذلك أكثر وضوحًا وكفاءةً.
استجابةً لتحديات النمو الاقتصادي، ومن أجل تحقيق أهداف السياسة النقدية للسعودية، جرى ربط سعر صرف الريال مقابل الدولار الأمريكي عند 3.75 ريالات للدولار منذ عام 1406هـ/1986م، وأسهم ذلك في المحافظة على استقرار سعر صرف الريال، ويشكِّل هذا الاستقرار هدفًا وسيطًا للسياسة النقدية بالسعودية لتحقيق هدفها النهائي في المحافظة على استقرار الأسعار المحلية.
الأدوات النقدية التي يطبقها البنك المركزي السعودي
تُنفذ السياسة النقدية من خلال عدد من الأدوات النقدية التقليدية والمستحدثة التي يعتمدها ويطبقها البنك المركزي، من بينها نسب الاحتياطي النظامي على الودائع المصرفية، ونسب احتياطي السيولة، وسقوف الودائع، والقيود الاحترازية على السلف والقروض، وتسهيلات إعادة الشراء على السندات الحكومية وأذونات الخزينة والأذونات ذات العائد العائم، وعمليات المقايضة في سوق النقد الأجنبي الآجل.
وفقًا لنظام البنك المركزي السعودي الصادر بمرسوم ملكي وقرار مجلس الوزراء في عام 1442هـ/2020م، حدد الفصل الأول: التعريفات والأحكام العامة في المادة الرابعة؛ مهمات البنك، ومن بينها وضع وإدارة السياسة النقدية، وتنظيم سوق صرف العملات الأجنبية.
أوضح النظام كذلك في الفصل الثالث: السياسة النقدية، المادة السابعة عشرة، أن البنك هو المسؤول الوحيد عن وضع السياسة النقدية وتنفيذها، واختيار أدواتها وإجراءاتها التشغيلية.
وبقي البنك المركزي السعودي يستخدم حتى نهاية عقد الثمانينات الأدوات النقدية التقليدية، مثل نسب متطلبات الاحتياطي القانوني لتحقيق أهداف السياسة النقدية، ولكن مع ظهور سوق الأوراق المالية الحكومية، توافرت أدوات جديدة، مثل اتفاقيات إعادة الشراء، والأذونات ذات العائد العائم وأذونات الخزينة، وكذلك اتفاقية إعادة الشراء المعاكس، ومبادلات النقد الأجنبي وإيداع الودائع.
كما يهتم البنك بتوجيه السياسات النقدية والمالية والهيكلية في السعودية، لتحقيق أهداف استراتيجية تتعلق بتطوير الأداء الاقتصادي وحماية الاقتصاد من التذبذبات والتقلبات، ولذلك فإن تلك السياسات تستهدف توسيع الناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي على المدى المتوسط، من أجل تحقيق هدف رئيس هو تشجيع التنوُّع الاقتصادي في ظل ظروف مالية ونقدية مستقرة.
تحولات السياسة النقدية ضمن رؤية السعودية 2030
انتقلت رؤية السعودية 2030 بالسياسات النقدية والمالية إلى آفاق أوسع، من خلال سعيها إلى تعظيم المحتوى المحلي إلى أقصى حد، من خلال توطين ما يزيد على 70 مليار دولار، وذلك هدف يمكن أن تؤدي فيه السياسة المالية دورًا رئيسًا، لأن السياسة النقدية السعودية تتأثر باتباع نظام سعر الصرف الثابت (ربط الريال السعودي بالدولار الأمريكي).
سعيًا من البنك المركزي السعودي إلى مزيد من إحكام العمليات المالية المصرفية، وضع في عام 2020م إطارًا إشرافيًّا للبنوك والمصارف التي تمارس نشاط المصرفية الإسلامية في السعودية، من خلال إصدار "إطار الحوكمة الشرعية" الهادف إلى وضع حد أدنى لممارسات الحوكمة ذات العلاقة بممارسة نشاط المصرفية الإسلامية.
مبادرة "عابر" للعملات الرقمية
مواكبةً لتجارب البنوك المركزية في بعض الدول لتداول العملات الرقمية، أطلق البنك المركزي السعودي ومصرف الإمارات العربية المتحدة المركزي، مشروع "عابر" كمبادرة مُبتكرة تُعدُّ من أولى التجارب عالميًّا على مستوى البنوك المركزية في هذا المجال، وتهدف إلى فهم متطلبات إصدار عملة رقمية تُستخدم بين دولتين، بالإضافة إلى توفير وسيلة إضافية لنظم التحويلات المركزية في البلدين.
وفي إطار مراقبتها للأداء النقدي، وتماشيًا مع دورها في تفعيل أدوات السياسة النقدية وتعزيز الاستقرار المالي، أعدَّت مؤسسة النقد العربي السعودي، (البنك المركزي السعودي حاليًّا)، في عام 2020م، وخلال تفشِّي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، برنامجًا ماليًّا وصلت قيمته في مارس من العام نفسه إلى نحو 50 مليار ريال، يستهدف دعم القطاع الخاص وتمكينه من أداء دوره في دعم النمو الاقتصادي.
نظام المدفوعات الفورية
تعزيزًا لجهود الدولة في التوجه نحو مجتمع غير نقدي، أطلق البنك المركزي السعودي نظام المدفوعات الفورية مع عدد من البنوك المحلية، وهو نظام يتيح للعملاء إمكانية الحوالات الفورية والمُجدوَلة بين مختلف البنوك في السعودية على مدار الساعة وخارج أوقات عمل البنوك، كما يوفر مرونةً أكبر للعملاء لإضافة تفاصيل تعليمات الدفع للمستفيد.
في السياق نفسه والداعم لتطوير أنظمة المدفوعات، وجَّه البنك المركزي السعودي البنوكَ والمصارف وشركات خدمات المدفوعات العاملة في السعودية، بتوفير وسائل الدفع الإلكتروني لأنشطة قطاع التجزئة كافة، تعزيزًا للدفع الإلكتروني وتقليلًا للتعامل النقدي.
تطوير العمليات المصرفية
في إطار جهوده لتطوير العمليات المصرفية، حدَّثَ البنك المركزي السعودي خلال الربع الرابع من عام 2020م، تعليمات ونماذج العوائد على الأصول والخصوم، كما استحدث الصيغتين النموذجيتين لاتفاقية فتح حساب بنكي جارٍ للأفراد والأشخاص الاعتباريين، بهدف تيسير وتنظيم إجراءات فتح الحسابات البنكية، إضافة إلى تأكيده لجميع البنوك والمصارف بعدم الامتناع عن مصادرة خطاب الضمان البنكي لغرض افتتاح أحد إجراءات الإفلاس وتعليق المطالبات تجاه العميل الآمر بإصدار الخطاب.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة