تم نسخ الرابط بنجاح

الدولة السعودية الثانية

saudipedia Logo
الدولة السعودية الثانية
مقالة
مدة القراءة 11 دقيقة
آخر تحديث للمقالة 31/08/2023

الدولة السعودية الثانية هي امتداد للدولة السعودية الأولى، استعاد فيها آل سعود نشاط دولتهم الأولى، في منطقة نجد وسط الجزيرة العربية. بدأ حكمها من الرياض وتوسعت حدودها لتشمل مناطق القصيم وحائل شمالًا، ومدن الخليج العربي شرقًا، وأجزاء من عمان وقطر، وكانت حدودها أصغر من سابقتها الدولة السعودية الأولى.

مدة الدولة السعودية الثانية وحكامها

استطاعت الدولة السعودية الثانية أن تحافظ على الحكم لمدة 69 عامًا، بدءًا من 1240هـ - 1309هـ/ 1824- 1891م، وتعاقب على حكمها خلال تلك الفترة أربعة من الأئمة من أسرة آل سعود أولهم الإمام تركي بن عبدالله، حفيد مؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود بن مقرن، وآخرهم الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي، والد مؤسس المملكة العربية السعودية، الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.

امتداد الدولة السعودية الثانية

تعد الدولة السعودية الثانية امتدادًا للدولة السعودية الأولى، اذ تشتركان معًا في سلالة الحكم والتقاليد والرسالة، كما اعتمدت الدولة السعودية الثانية في بسط حكمها على التحالفات التي ورثتها من الدولة السعودية الأولى، وظلت بعض المناطق تحاول أن تحكم نفسها، قبل أن تُوحّد مُجددًا ضمن حدود الدولة السعودية. واتخذت الرياض عاصمة  للدولة السعودية الثانية بدلًا من الدرعية، واتخذ الحكم في أبناء عبدالله بن محمد بن سعود بدلًا من أبناء أخيه عبدالعزيز ثاني حكام الدولة السعودية الأولى.

وتعد الدولة السعودية الثانية الاستثناء الوحيد من بين الدول السعودية في وصول فرد من الأسرة إلى الحكم عن طريق قوى خارجية مناوئة للدولة، وهي الوحيدة التي استطاع أعداؤها أن  يشعلوا فيها خلافات عائلية داخل الأسرة الحاكمة لإسقاطها، وفيها أول حاكم سعودي يحظى بصورة فوتوغرافية.

 

محاولات قيام الدولة السعودية الثانية

بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، بدأت أولى محاولات إقامة الدولة السعودية من جديد من قبل محمد بن مشاري بن معمر الذي تربطه صلة قرابة بآل سعود، وذلك مباشرة بعد أن خفت الصدامات التي خلفتها القوى العثمانية بتخريب الدرعية وإعدام الإمام عبدالله بن سعود في إسطنبول، وحفزه على اتخاذ الدرعية مقرًا للحكم خلوها من القادة السياسيين لآل سعود، والهروب من اتهامه بالبحث عن منجز شخصي والمعارضة التي كانت ستلحقه لو انطلق من العيينة.

ولكن حين أفلح الإمام مشاري بن سعود بن عبدالعزيز، أخــا الإمام عبدالله بن سعود آخر أئمة الدولة السعودية الأولى، في النجاة بنفسه والخروج من مصر إلى نجد عام 1235هـ/1820م، وأصبح الوريث الشرعي للحكم في منطقة نجد، تبعه الناس وبايعوه، حينها اضطر محمد بن مشاري للتنازل له عن الحكم، مُضمرًا له الشر في نفسه.

وبعد أن علم محمد علي باشا حاكم مصر من قبل العثمانيين بإحياء مشاري بن سعود الدولة السعودية، استنفر جنوده وأرسل فرقة بقيادة أبوش آغا، وكانت الفرقة وصلت لعنيزة عندما أرسل إليها ابن معمر يعلن التبعية لمحمد علي باشا، وأسر الإمام مشاري بن سعود الذي سلم لقوات محمد علي من قبل ابن معمر، وتوفي الامام مشاري  أسيرًا، ولم تتجاوز فترة حكمه واستعادته للدولة السعودية الثانية الا بضعة أشهر من عام 1235هـ - 1820م .

صورة تاريخية للدرعية. فيلبي.1917-1337. (دارة الملك عبدالعزيز)
صورة تاريخية للدرعية. فيلبي.1917-1337. (دارة الملك عبدالعزيز)

حكام الدولة السعودية الثانية

تولى حكم الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، ونجله فيصل بن تركي بن عبدالله، وابنا الإمام فيصل، عبدالله بن فيصل وعبدالرحمن بن فيصل، والد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز، آخر حكام الدولة السعودية الثانية .

أعاد حكام الدولة السعودية الثانية بناء الدولة بعد أن حرروها، عقب نحو سبع سنوات من تدمير العاصمة الدرعية وإعدام الإمام عبدالله بن سعود، آخر أئمة الدولة السعودية الأولى. وأول حكام الدولة السعودية الثانية هو الإمام تركي بن عبدالله بن محمد، حفيد مؤسس الدولة السعودية الأولى الأمام محمد بن سعود بن مقرن، وآخرهم الإمام عبدالرحمن بن فيصل، والد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز.

الإمام تركي بن عبدالله

يعدّ الإمام تركي بن عبدالله محورًا أساسيًا في الدولة السعودية الثانية، إذ أسسها عام 1240هـ/1824م،وهو أول من اتخذ الرياض عاصمة لحكم آل سعود بعد طرد العثمانيين من المنطقة، وأعاد أغلب أقاليم الدولة السعودية الأولى لحكم الدولة الجديدة. واتجه إلى بسط الأمن ومد نفوذ الدولة إلى مختلف المدن التي كانت تحت حكم الدولة السعودية الأولى، وحصل الامام تركي بن عبدالله على بيعة الأقاليم تباعًا.

اقتص الإمام تركي بن عبدالله لمشاري بن سعود من ابن معمر وابنه، وذلك بعد أن جمع أنصار الدولة السعودية من ضرما والحائر وتوجه بهم إلى الدرعية للقبض عليهما.

بعد استقرار الأمور للإمام تركي بن عبدالله اختار الرياض عاصمة للدولة، بسبب معرفته بها وقلة السكان في الدرعية بعد تدمير العثمانيين لها، كما أراد أن تبقى الدرعية شاهدًا على الماضي وتاريخًا يحكي قصة الدولة السعودية الأولى.

اغتيل الإمام تركي بن عبدالله على يد إبراهيم بن حمزة بن منصور، بتدبير من الأمير مشاري بن عبدالرحمن بن مشاري بن سعود، في 29 ذي الحجة 1249هـ/8 مايو 1834م، وبقي الأمير مشاري في الرياض مدة 40 يومًا، حتى استردها الإمام فيصل بن تركي في 10 صفر  1250هـ/17 يونيو 1834م.

الإمام فيصل بن تركي

يعد الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله ثاني حكام الدولة السعودية الثانية، وأول حاكم سعودي يتولى الحكم مرتين، وهو ابن مؤسس الدولة السعودية الثانية، والحاكم السعودي الوحيد الذي تعرض للنفي مرتين.ولد الإمام فيصل بن تركي عام 1215هـ/1794م، وبدأت أولى فترات حكم الإمام فيصل عام 1250هـ/1834 باستعادة حكم والده الإمام تركي بن عبدالله، واستمر في الحكم أربع سنوات.

نجح الإمام فيصل بن تركي في العودة للحكم في المرة الثانية عام 1259هـ/1843م، وتمكن من استرداد حكمه في نجد، وثبّت نفوذ الدولة السعودية الثانية في أغلب أجزاء الجزيرة العربية، واستمر حكمه 23 عامًا. توفي الإمام فيصل في 1282هـ/1865م، وتولى الحكم من بعده ابنه الإمام عبدالله بن فيصل.

تمكن الجيش المصري من إسقاط حكم الإمام فيصل، ونُفي إلى مصر عام 1254هـ/1838م، وبقي فيها خمس سنوات، وكان أول نفي له عام 1234هـ بعد سقوط الدولة السعودية الأولى، إذ نُفي في تلك الفترة تسع سنوات، ثم عاد بعدها إلى نجد عام 1243هـ.

حكم الإمام فيصل بن تركي (الفترة الأولى)

استرد الإمام فيصل بن تركي الحكم في الرياض عام 1250هـ/1834م، وامتدت فترة حكمه الأولى أربع سنوات، وعمل الامام فيصل بن تركي أيضًا على إعادة توحيد الدولة السعودية، وحدا هذا الأمر بالعثمانيين إلى الدفع مرة أخرى بقوات محمد علي باشا للقضاء على الدولة السعودية الثانية. توجهت قوات محمد علي باشا إلى نجد ووصلت هناك بقيادة خورشيد باشا، وأحس الإمام فيصل بن تركي بوجود مكيدة، فبادر بالخروج إلى المدينة المنورة، حفاظا على سلامة أهالي دولته وحقنًا لدمائهم، لكنه حُبس وأُرسل إلى مصر وسُجن هناك، إلا أنه استطاع أن يهرب منها ويعود إلى نجد بعد انسحاب قوات محمد علي، فتولى فترته الثانية التي امتدت 23 عامًا، واستمرت ما بين عامي 1259هـ - 1282هـ/ 1843-1865م.

حكم الامام فيصل بن تركي (الفترة الثانية)

استطاع الإمام فيصل بن تركي الخروج من مصر في عام 1259هـ/1843م، واتجه إلى جبل شمّر؛ لأنه أقرب الأماكن إلى المناطق النجدية، إضافة إلى أنه كان تحت حكم صديقه عبدالله بن رشيد، الذي ثبّت إمارته من قبل، فوقف معه وسانده في تحركه لاستعادة حكم البلاد.

راسل الإمام فيصل أمراء نجد وزعماءها يخبرهم بعودته، وطلب منهم الانضمام إليه، وكان أول أهدافه منطقة القصيم التي خضعت له بعد انسحاب عبدالله بن ثنيان منها، لإدراك ضعفه أمام فيصل بن تركي، وواصل الإمام فيصل تحركه نحو الرياض وهو يحصد الانتصارات المتتالية حتى وصل إليها، وحاصر ابن ثنيان فيها ثلاثة أسابيع لرفضه تسليم الحكم للحاكم الشرعي الإمام فيصل بن تركي، انتهت بالقبض عليه بعد محاولته التسلل والهرب، وتوفي بعد شهر من حبسه.

شكلت الفترة الثانية من حكم الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله إحدى أهم فترات تاريخ الدولة السعودية الثانية في الاستقرار والتطور، إذ استمرت 23 عامًا، أُعيد فيها بناء مؤسسات الدولة اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، وتوسعت حدودها في عدد من الجهات، واستمر الإمام فيصل في حكمه للدولة حتى وفاته في 21 رجب 1282هـ/9 ديسمبر 1865م.

الإمام عبدالرحمن بن فيصل.
الإمام عبدالرحمن بن فيصل.

الإمام عبدالرحمن بن فيصل

الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي هو آخر حكام الدولة السعودية الثانية، وحفيد مؤسسها الإمام تركي بن عبدالله، وأصغر أبناء الإمام فيصل بن تركي، توفي والده وعمره 14 عامًا، وعاش بعده 64 عامًا.

ولد الإمام عبدالرحمن بن فيصل عام 1268هـ/1852م، وتوفي  عام  1346هـ/ 1928م. والإمام عبدالرحمن بن فيصل هو الإمام الوحيد في الدولتين السعوديتين الأولى والثانية الذي توجد له صورة فوتوغرافية حقيقية، وهي محفوظة في الأرشيف الفرنسي وتعود لعام 1319هـ/ 1902م.

استمر حكم الإمام عبدالرحمن بن فيصل أربعة أعوام في فترتين منفصلتين، كانت الأولى من عام 1291هـ/ 1875م حتى عام 1293هـ/ 1876م، والثانية بدأت في 1307هـ - 1889م واستمرت حتى عام 1309هـ/1891م.تنازل في فترة حكمه الأولى لأخيه عبدالله بن فيصل،وتضاءلت في الثانية سلطات دولته لخروج حكام حائل عن طاعتها، وتسبب ذلك في تدمير موازين قواها، وتسهيل سيطرة ابن رشيد بدعم من العثمانيين على الحكم في نجد، وانحسار حكم الدولة السعودية الثانية.

مساهمات الإمام عبدالرحمن بن فيصل

بعد نهاية حكم الإمام عبدالرحمن بن فيصل، اختار الابتعاد عن التعقيدات السياسية والقبلية لمنطقة نجد بعد انتهاء حكم الدولة السعودية الثانية عام 1309هـ/1891م، وانتقل بأسرته إلى شرق الجزيرة العربية، لبعدها عن نفوذ عمّال الدولة العثمانية وتدخلاتها، ووجود قبائل متحالفة مع آل سعود ومناوئة لخصومهم.

لكن من جهة أخرى ساهم الإمام عبدالرحمن في تأسيس الدولة السعودية الثالثة (المملكة العربية السعودية) الحالية، وعاصر استرداد مناطق حكم الدولة السعودية الأولى.

وتنازل الإمام عبدالرحمن بن فيصل لابنه عبدالعزيز عن الحكم في الرياض، وصار أول إمام في تاريخ الدولة السعودية يشهد حكم ابنه، واشترط الملك عبدالعزيز لقبول التنازل أن يكون الرأي الأول في الأمور المصيرية لوالده الإمام عبدالرحمن.

وخلال معارك نجله الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود مع جيوش ابن رشيد، اضطلع الإمام عبدالرحمن بن فيصل بمهمة حماية الرياض، واستطاع ردع القوات التي حاولت استغلال غياب الملك عن الرياض، وإجبارها على الابتعاد بمقاتليها الذين بلغ عددهم قرابة أربعة آلاف مقاتل.

وشارك الامام عبدالرحمن بن فيصل نجلَه الملك عبدالعزيز في وضع خطط الحروب والمعارك، واستعادة مناطق الدولة السعودية الأولى، وأسهم بخبراته وعلاقاته السياسية في إرساء حكم المملكة. وتوفي في شهر ذي الحجة عام 1346هـ/1928م، عن عمر ناهز 78 عامًا.

حدود الدولة السعودية الثانية في عهد فيصل بن تركي

استفاد الإمام تركي بن عبدالله من مقومات الدولة السعودية الأولى في تأسيس الدولة الجديدة بالرياض، واعتمد على ولاء الأهالي في البادية للدولة السعودية.

بسط الإمام فيصل بن تركي بعد قضائه على مشاري بن عبدالرحمن السيطرة على الحكم في العاصمة الرياض، واستأنف جهوده لحل إشكالات الدولة التي ظهرت في المنطقة الشرقية في آخر عهد والده، ووصل إلى اتفاق مع آل خليفة بتخليهم عما استولوا عليه من سواحل المنطقة، ووعدوه بدفع الزكاة للدولة السعودية مقابل مساعدتها لهم ضد أي عدوان خارجي محتمل.

بعد عودة الإمام فيصل بن تركي إلى الحكم سنة 1259هـ/1843م عقب اغتيال والده، نجح في تثبيت نفوذ الدولة السعودية الثانية في وسط الجزيرة العربية وشرقها وفي مناطق عُمان حاليًّا، كما استمرت الحملات والوقائع في عهده لتوطيد حكم الدولة والعمل على توحيد البلاد، استمر حكمه 23 عامًا، وتوفي في 21 رجب 1282هـ/9 ديسمبر 1865م.

معارك الدولة السعودية الثانية

شهدت الدولة السعودية الثانية كثيرًا من المعارك، وكان بعضها حروبًا داخلية للاستيلاء على الحكم، وكان بعضها بفعل جيوش العثمانيين التي كان يرسلها محمد علي باشا الحاكم العثماني على مصر.

المعارك الداخلية

تولى الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي الحكم بعد وفاة والده، وشكل أخوه الإمام سعود بن فيصل بن تركي معارضة مسلحة ضده في أقل من عام، إلى أن ترك الإمام عبدالله الرياض وخرج إلى وادي قحطان.

دخل الأمير سعود بن فيصل بن تركي الرياض سنة 1288هـ/1871م وبايعه أهلها، في المقابل طلب الإمام عبدالله - لمواجهة أخيه - دعمًا عسكريًا من العثمانيين بعد سيطرتهم على الأحساء، ثم خرج الإمام عبدالله بن تركي (عم الأمير سعود) علي ابن أخيه الأمير سعود بن فيصل بن تركي، فغادر سعود الرياض نتيجة لذلك، واتجه سعود إلى الدلم ثم الأحساء محاولًا استردادها فلم يتمكن من ذلك.

خرج الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي من الأحساء وعاد إلى الرياض ليتسلم الحكم من عمه (عبدالله بن تركي)، وأرسل الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي قواته بقيادة أخيه الأمير محمد وعمه الأمير عبدالله بن تركي لمواجهة قوات الإمام سعود بن فيصل في الدلم عام 1289هـ/1872م، فهُزمت قوات الإمام عبدالله، وعاد الأمير محمد إلى الرياض، كما وقع الأمير عبدالله بن تركي في الأسر ثم سجن وتوفي في سجنه.

عاد الإمام سعود بن فيصل إلى الرياض وواجه قوات الإمام عبدالله في الجزعة وانتصر عليها، ودخل الإمام سعود الرياض، وغادر الإمام عبدالله إلى الشمال سنة 1290هـ/1874م، وبقي الإمام سعود بن فيصل حاكمًا حتى توفي عام 1291هـ/1875م.

استغل أمير حائل محمد بن رشيد الخلافات في الرياض لصالحه، وواجه الإمام عبدالله بن فيصل في المناطق التي خرجت عن نفوذه، ثم اتجه إلى الرياض وعين عاملًا له هناك أميرًا عليها بعد غدره بأبناء سعود وقتلهم، ورجع بالإمامين عبدالله وأخيه عبدالرحمن إلى حائل، وبقيت الرياض تحت حكمه حتى عام 1307هـ/1889م.

توطيد حكم الإمام فيصل بن تركي

تزامنت جهود الإمام فيصل بن تركي في توطيد حكمه مع سعي حاكم مصر محمد علي لتكوين دولة واسعة على حساب الدولة العثمانية، واستولى على السودان وبلاد الشام وأجزاء من الأناضول واليونان، إضافة إلى أجزاء من شبه الجزيرة العربية، وكان يريد ضم بقية مناطقها تحت حكمه. ولمعرفة محمد علي بولاء قبائل نجد لآل سعود، قرر أن يقود حملاته إلى المنطقة رجل من الأسرة السعودية الحاكمة.

قدم مبعوث محمد علي باشا إلى الإمام فيصل بن تركي عن طريق حكومة الحجاز، وطلب المبعوث تزويد الجيش المصري في الجزيرة العربية ببعض احتياجاته، إلا إن الإمام فيصل بن تركي رأى أن يرسل عددًا من الهدايا مع أخيه جلوي إلى ممثل محمد علي في الحجاز، كتعبير على حسن النية، لأنه لم يكن يضمن ألا تستخدم تلك الإمدادات ضده، لكن ذلك لم يقنع حاكم مصر، فجهّز جيشًا بقيادةٍ اسميّة لخالد بن سعود، وهو أخو آخر حكام الدولة السعودية الثانية، بينما كانت القيادة الحقيقية لإسماعيل بك، ثم أرسلهما محمد علي إلى نجد للاستيلاء عليها.

الاستيلاء على الرياض

سعى الإمام فيصل بن تركي لتفادي الصِّدام مع جيش محمد علي، لكن الجيش استمر بالزحف من المدينة المنورة إلى الحناكية في القصيم، مما حدا بالإمام فيصل للاتجاه بقواته إلى ذلك الإقليم للحيلولة دون وقوعه تحت حكم خصومه، فغادر الرياض عام 1252هـ/1837م،وعندما كان في مناطق القصيم دبّت الفوضى وروح الهزيمة في نفوس بعض أتباعه، فعاد إلى الرياض التي وجد أهلها منقسمين بين من يرى أحقية خالد بن سعود في الحكم، وبين من يتهيأ للانضمام إلى الجيش المصري، اتجه إلى الخرج ببعض أتباعه، ثم إلى الأحساء.

تمكن الجيش المصري من دخول عنيزة والاستيلاء عليها، ثم بقية مناطق القصيم، وكذلك منطقة حائل، ودخل الرياض دون قتال في 7 صفر 1253هـ/12 مايو 1837م، بعد هروب مَن رفضوا الخضوع للجيش المصري إلى حوطة بني تميم والحلوة والحريق.

وبعد وقوع عدد من المعارك بين قوات الجيش المصري والإمام فيصل بن تركي في أقاليم العارض والخرج، اختار الإمام فيصل الاستسلام لوقف الدمار والقتل في المناطق النجدية، فنقلته قوات محمد علي إلى مصر عام 1254هـ/1838م، لتنتهي بذلك المرحلة الأولى من حكم الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله.

تنصيب خالد بن سعود

تولى خالد بن سعود بن عبدالعزيز حكم الدولة السعودية الثانية عام 1254هـ/1838م، وكان الحاكم الاسمي لقوات محمد علي باشا، التي قدمت به من مصر بعد أسره من وقعة الدرعية. حكم ثلاث سنوات، وتخلخل حكمه حين أجبرت معاهدة لندن 1256هـ/1840م محمد علي باشا على سحب قواته من خارج مصر، فانسحب خورشيد باشا من نجد، كما أدى خلافه مع عبدالله بن ثنيان إلى إنهاء حكمه عام 1257هـ/1841م.

محاولة عبدالله بن ثنيان

سعى عبدالله بن ثنيان لأن يحكم الدولة السعودية الثانية في الفترة الممتدة بين 1257هـ/1841م و1259هـ/1843م، وكانت قوة حكمه في نجد ومنطقة الأحساء، استمر حكمه نحو عامين حتى حاصره الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله في قصره بالرياض، وألزمه بالإقامة الجبرية في القصر حتى توفي بعد شهرين من ذلك.

نهاية الدولة السعودية الثانية

عاد الإمام عبدالله وأخوه الإمام عبدالرحمن، ابنا فيصل بن تركي، إلى الرياض، وتوفي عبدالله بعد وصوله بيومين، وتولى الحكم الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي الذي بادر بالقبض على عامل ابن رشيد، فسار إليهم ابن رشيد عام 1308هـ/1890م وحاصرهم في الرياض، واتفق مع وفد للتفاوض على انسحاب ابن رشيد وإطلاق سراح الأسرى، شرط القبول بإمارة الرياض وبلدان العارض والمحمل والوشم والخرج والحوطة والحريق والأفلاج ووادي الدواسر ضمن حدود الدولة السعودية بقيادة الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي.

وأدى الخلاف الذي نُشب بين أبناء الإمام فيصل بن تركي إلى نهاية الدولة السعودية الثانية، في الوقت الذي كانت تواجه فيه مجموعة قوى مناوئة لها، تمثلت في الدولة العثمانية التي استخدمت ودعمت آل حميد وأمراء الحجاز وآل رشيد ضدها، حتى انتهت عام 1309هـ/1891م.

استعاد الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي الرياض والخرج عام 1309هـ/1891م ورُدت قواته في حريملاء، فاتجه ابن رشيد للرياض وهدم أسوارها، وعين محمد بن فيصل أميرًا عليها، منهيًا بذلك حكم الفترة الثانية للإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي التي بدأت عام 1307هـ - 1309هـ (1889-1891م) لتكون نهاية الدولة السعودية الثانية.