برنامج الاستدامة المالية، هو أحد برامج تحقيق رؤية السعودية 2030، يستهدف تطوير الأداء المالي للدولة، ويمثل آلية للتخطيط المالي متوسط المدى، لاستدامة وضع المالية العامة، وتحقيق ميزانية متوازنة.
أسهم البرنامج الذي أطلق عام 1437هـ/2016م باسم برنامج تحقيق التوازن المالي، في إنشاء منظومة وأدوات مالية، قادرة على التأثير والتفاعل الإيجابي مع المتغيرات والتحولات على المستوى المالي والاقتصادي، والإسهام في تعزيز الضبط المالي وتطوير المالية العامة من خلال تأسيس عدة كيانات، مثل هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، والمركز الوطني لإدارة الدين، ومركز تنمية الإيرادات غير النفطية.
أحدث برنامج الاستدامة المالية تحوُّلًا رئيسًا في تمكين عملية التخطيط المالي على المدى المتوسط، حيث يعمل على تطوير إمكانات المالية العامة، وجعلها أكثر مواكبة ومرونة في دعم المركز المالي للسعودية، واستدامة واستقرار وضع المالية العامة مع المحافظة على معدلات النمو الاقتصادي، من خلال: تنويع مصادر إيرادات الدولة، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وتحفيز القطاع الخاص، وتوجيه الدعم للمستحقين من المواطنين.
أخذ البرنامج في الاعتبار تجسيد مفهوم الاستدامة في كل القضايا التي تتعلق بمصادر الدخل والعائدات الداعمة للمالية العامة والنمو الاقتصادي، وذلك عن طريق التخطيط المالي على المدى المتوسط، وتطبيق سياسات مالية، وإعادة توجيه الإنفاق ليكون بعيدًا عن مسايرة التطورات في أسعار النفط الفعلية، بهدف تعزيز زيادة القدرة على التعامل مع الأزمات، والتركيز على الاستثمار الذي يحقق النمو المستدام الذي يتسم بالقوة والاستقلالية عن أسواق النفط.
يعمل برنامج الاستدامة المالية على استيعاب كل مصادر الدخل التي تضخ في ميزانية الدولة، وعلى تطوير نظام ضريبي يتسم بالكفاءة والفاعلية، بصفته يستهدف تنويع وتنمية الإيرادات بشكل هيكلي ومستمر كمصدر رئيس ومستدام، وتحديدًا الإيرادات غير النفطية، إذ ساعد النمو الملحوظ في الإيرادات غير النفطية على تقليل المخاطر المالية المرتبطة بتقلبات أسواق النفط العالمية.
إنجازات برنامج الاستدامة المالية
استطاع برنامج الاستدامة المالية خلال خمسة أعوام (2016-2020م)، أن يحقق تأثيرًا في المالية العامة واستدامتها، إلى جانب مساعدته في السيطرة على نسب العجز من الناتج المحلي الإجمالي من 15.8% في عام 2015م إلى 2.3 % في 2021م، مما أدَّى إلى تقوية الموقف المالي للسعودية، وتعزيز مركزها المالي للتعامل مع الصدمات الخارجية، وذلك على الرغم من الظروف الصعبة التي شهدها العالم عام 2020م بسبب تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19".
شملت إنجازات البرنامج كذلك تطبيق إصلاحات هيكلية في منهجية إعداد الميزانية العامة للدولة، ورفع جودة تنفيذها، إذ انخفض متوسط التباين السنوي للأداء الفعلي لإجمالي النفقات عن تقديراتها في الميزانية من متوسط 16% خلال الفترة 2014م - 2016م إلى متوسط 4% خلال فترة تطبيق البرنامج 2017م - 2021م.
ومع النتائج الإيجابية في المالية العامة، انتقل البرنامج من تحقيق التوازن إلى مفهوم الاستدامة، عبر البناء على ما تحقق، ورفع جودة التخطيط المالي وتطوير توجهات البرنامج للانطلاق إلى مرحلة الاستدامة المالية التي يجري من خلالها التركيز على وضع السياسات العامة الداعمة لتحقيق رؤية السعودية 2030، وتبنِّي الكفاءة والفعالية والحرص على تلبية تلك السياسات العامة، وتحسين ميزان المدفوعات، ونمو الناتج المحلي، وخلق فرص العمل للمواطنين والمواطنات.
تعددت مكاسب وإنجازات برنامج الاستدامة المالية بما ينعكس على الكفاءة العالية في إدارة المال العام، ومن ذلك: السيطرة على مستويات العجز للمالية العامة، وتعزيز تنمية الإيرادات غير النفطية، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي الرأسمالي والتشغيلي، وتطوير التعاملات المالية الحكومية وأتمتة أوامر الدفع عبر منصة اعتماد، وتوجيه الدعم لمستحقيه من خلال برنامج حساب المواطن، وإطلاق نظام المنافسات والمشتريات الحكومية، ونظام القضايا الجمركية الإلكترونية.
إدارة برنامج الاستدامة المالية للمال العام
نجح برنامج الاستدامة المالية في ضبط حركة الدخل، وتأطيرها بما يجعلها أكثر شفافية عبر أتمتة وتطوير الإجراءات والأنظمة، ونتيجة لذلك ارتفع عدد الإقرارات الزكوية والضريبية في هيئة الزكاة والضريبة والجمارك إلى أكثر من 1.9 مليون إقرار في عام 2017م، وبنسبة ارتفاع أكثر من 700%، وكذلك ارتفاع نسبة الالتزام بتقديم الإقرارات الزكوية والضريبية إلى 95% في عام 2020م، وإطلاق بوابة وتطبيق "زكاتي" المخصصة لزكاة الأفراد، إذ استقبلت أكثر من 156 مليون زكاة مدفوعة حتى 2020م.
ويمثِّل البرنامج تطورًا في الإدارة الرشيدة للمال العام وتوجيهه لمصلحة الميزانية ومشاريع التنمية، إذ أسهم في إصلاح بعض التشوهات الاقتصادية، وحفز على الاستغلال الأمثل للموارد الاقتصادية، وفي هذا الصدد بدأ الربط التدريجي لأسعار الطاقة حتى الوصول إلى السعر المرجعي، وتعزيز فرص العمل أمام المواطنين من خلال تطبيق المقابل المالي على العمالة الوافدة.
اتسعت إنجازات برنامج الاستدامة المالية لتغطي عديدًا من الإدارات والمؤسسات المالية، ففي السوق الثانوية المحلية بلغت الزيادة في حجم التداول أكثر من 70 مليار ريال من الصفقات في عام 2020م، مقارنةً بـ10 مليارات ريال في عام 2019م، كما شهد عام 2020م زيادة قاعدة المستثمرين الدوليين بنسبة 12.4%، وتم إصدار أول سندات دولية بعائد سلبي خارج الاتحاد الأوروبي في عام 2021م، وثاني أكبر سندات خارج الاتحاد الأوروبي.
دور الاستدامة المالية في نمو الناتج المحلي
يشمل مفهوم الاستدامة المالية إجراءات وحلولًا على المدى البعيد، وذلك من خلال تنفيذ مبادرات تسهم في زيادة مستوى الشفافية ورفع كفاءة إدارة المالية العامة، وتشمل: تطوير إطار وإدارة السياسات المالية الكلية، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وإطلاق منصة "اعتماد" لتعزيز المنافسة والرقابة وقياس الأداء، حيث تقدَّم تصنيف السعودية بـ18 مرتبةً ضمن مؤشر شفافية الميزانية في عام 2019م، مقارنة بنقطة واحدة في المسح الصادر عام 2017م.
ويعزز برنامج الاستدامة المالية جهود المملكة في تطوير اقتصادها وتحقيق هدفها في نمو القطاع غير النفطي والتنوُّع الاقتصادي، الذي يأتي في مقدمة أولويات ومستهدفات رؤية السعودية 2030، إذ يضع إطارًا ماليًّا واقتصاديًّا شاملًا على المدى المتوسط، بهدف تحقيق النمو الاقتصادي والاستدامة المالية، من خلال مواصلة تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والتدابير المالية على جانبي الإيرادات والنفقات، والاستمرار في تنفيذ مبادرات البرنامج.
انعكس تنفيذ مبادرات البرنامج على الإسهام الفعَّال في الاقتصاد الكلِّي، إذ تشير التقديرات الأولية لعام 2023م إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بمعدل 3.1%، مدفوعًا باستمرار مواصلة الحكومة جهودها لتعزيز دور القطاع الخاص، ليكون المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي ودعم نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بالتزامن مع مواصلة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية لتنويع الاقتصاد، وتحسين بيئة الأعمال، وفتح آفاق جديدة أمام الاستثمار المحلي والأجنبي.
مبادرات الاستدامة المالية في السعودية
شهد برنامج الاستدامة المالية تنفيذ عديد من المبادرات التي تحقق أهدافه، منها: رفع كفاءة الإنفاق الحكومي التشغيلي، وتأسيس وحدة الشراء الاستراتيجي، وهيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، إلى جانب مواصلة تحقيق أهدافه من خلال تنفيذ الإصلاحات المالية المُقرَّة في البرنامج، منها: حساب المواطن، وحزم التحفيز للقطاع الخاص، وتطبيق المقابل المالي على الوافدين، ورفع ضريبة القيمة المضافة، وتصحيح أسعار الطاقة، وزيادة الرسوم الجمركية على بعض السلع المتعلقـة بالمنتجات الضارة.
وأثبت البرنامج فعاليته وكفاءته كذلك خلال جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" التي فرضت العديد من التحدِّيات والتقلبات، بإسهامه في مراقبة واستشراف الأداء المالي بهدف تعظيم الإيرادات النفطية وغير النفطية، ورفع كفاءة الإنفاق الحكومي وإدارة المخاطر المصاحبة لذلك، مع الاحتفاظ باحتياطيات مالية مناسبة وقدرة عالية مستدامة على الاستدانة من الأسواق المالية المحلية والدولية وفقًا لاستراتيجية الدين العام متوسطة المدى.
أرقام حققها برنامج الاستدامة المالية في عام 2021
- ارتفاع نسبة مساهمة الإيرادات غير النفطية من إجمالي الإيرادات من نحو 27% في عام 2015م إلى نحو 42%.
- ارتفاع الإيرادات غير النفطية بمتوسط سنوي 18% خلال الفترة 2015-2021، حيث أصبحت الإيرادات أكثر ارتباطًا بنمو وتنوع النشاط الاقتصادي.
- بلوغ نسبة الصادرات غير النفطية 274.9 مليار ريال، بنمو وصل إلى 37% عن نظيراتها في العام السابق.
- بلوغ قيمة عمليات إعادة التصدير ما يقارب 44 مليار ريال، بنسبة نمو 23% عن العام السابق.
- تعميق سوق أدوات الدين بإدارة أدوات دين بقيمة 52.9 مليار ريال كفئة جديدة بقيمة 55.8 مليار ريال من فئة سبق إصدارها خلال عام 2021م.
- تحقيق الناتج الإجمالي الحقيقي نموًّا إيجابيًّا بمقدار 3.2% مقارنة مع العام الماضي.
- تحقيق الأنشطة غير النفطية نموًّا إيجابيًّا بمقدار 6.1% مقارنة مع العام الماضي.
- بلوغ الإيرادات الحكومية نحو 930 مليار ريال.
- بلوغ النفقات الحكومية نحو 1,015 مليار ريال.
- نمو الناتج المحلي الإجمالي 2.9%.
الاختبارات ذات الصلة