الحجر الأسود، هو حجر مقدس لدى المسلمين، نزل من الجنة ووضع منذ القدم في الركن الجنوبي الشرقي، أحد أركان الكعبة المشرفة، بمحاذاة الركن اليماني الجهة الشرقية للكعبة، إذ يمثل مبتدأ الطواف ومنتهاه، ويتكون من ثماني قطع من الجزء المتبقي منه في ظاهره، مجموعاً بعضها إلى بعض بأشكال متفاوتة، محاط بإطار فضي ويظهر على شكل بيضاوي.
ويروى أن القطع تبلغ 15 قطعة إلا أن القطع السبع الأخرى مغطاة بالمعجون البني الذي يراه كل مستلم للحجر، وهو خليط من الشمع والمسك والعنبر موضوع على رأس الحجر. ويشرف على تطييب وصيانة الحجر الأسود والاهتمام به دوريًّا فريق فني مؤهل ومختص من الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
نزول الحجر الأسود
جاء بالحجر الأسود جبريل -عليه السلام- من السماء وتنقل عبر عهود تاريخية عدة حتى وضع بأحد أركان البيت العتيق. وكان نزوله في بادئ الأمر في عهد آدم -عليه السلام- عندما استقر على الأرض، ثم في عهد نوح، عليه السلام، عندما وضع جبريل الحجر فوق جبل أبي قبيس، وهو جبل قريب من المسجد الحرام، وبعدها سلم جبريل الحجر من جبل أبي قبيس إلى إبراهيم -عليه السلام- عند بنائه الكعبة المشرفة فوضعه في مكانه.
ذُكر في تفسير ابن جرير، وفي كتاب المستدرك للحاكم، ومصادر أخرى عن بناء البيت ووضع الحجر الأسود في عهد إبراهيم، عليه السلام، وهو أن رجلا قال لعلي ابن أبي طالب، رضي الله عنه: «ألا تخبرني عن البيت ؟ أهو أول بيت وضع في الأرض؟ فقال: لا، ولكن هو أول بيت وضع فيه البركة، مقام إبراهيم، ومن دخله كان آمنا، وإن شئت أنبأتك كيف بني، إن الله أوحى إلى إبراهيم أن ابن لي بيتا في الأرض. قال: فضاق إبراهيم بذلك ذرعا، فأرسل الله السكينة - وهى ريح خجوج، ولها رأسان - فأتبع أحدهما صاحبه حتى انتهت إلى مكة، فتطوت على موضع البيت كتطوي الحجفة، وأمر إبراهيم أن يبني حيث تستقر السكينة، فبنى إبراهيم وبقي حجر، فذهب الغلام يبغي شيئًا، فقال إبراهيم: لا، ابغني حجرًا كما آمرك. قال: فانطلق الغلام يلتمس له حجرًا، فأتاه فوجده قد ركب الحجر الأسود في مكانه، فقال: يا أبت، من أتاك بهذا الحجر؟ قال: أتاني به من لم يتكل على بنائك. جاء به جبريل من السماء. فأتماه».
صفة الحجر الأسود
الحجر الأسود ياقوتة بيضاء متلألئة نزلت من الجنة. ووصف بعض المؤرخين حجم الحجر ولونه، ومن ذلك ما ذكره محمد الخزاعي أن طول الحجر ذراع، ولونه أبيض ذو رأس أسود. وجاء في وصف ابن علان أن الحجر الموجود في بناء الكعبة لونه أبيض كبياض المقام، ويقصد بالمقام مقام إبراهيم عليه السلام، وطوله نصف ذراع، وأما عرضه فثلث ذراع، وسمكه أربعة قراريط. ومن المرويات أن عدد الحجر الأسود الموجود بركن الكعبة نحو 15 قطعة، ويظهر منه 8 قطع صغيرة متباينة الأحجام، وأكبر هذه الأحجار بمثال قدر التمرة الواحدة، مثبتة في الركن بمعجون لونه أسود يميل إلى الحمرة أو اللون البني، يتكون من الشمع والعنبر والمسك، ويحيط بالحجر إطار مصنوع من الفضة الخالصة، ذو شكل بيضاوي، ويقدر قطره بنحو 30 سم، ويرتفع الحجر عن صحن المطاف مترًا ونصف المتر، وأما باقي الحجر فيوجد ضمن بناء الكعبة.
سبب تسميته بالحجر الأسود
يرجع السبب في تسميته بالحجر الأسود إلى أن لونه كان قبل نزوله من الجنة أشد بياضًا من الثلج، إلا أن خطايا وذنوب العباد سوَّدته. وروي عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: "نزل الحجر الأسود وهو أشد بياضًا من اللبن فسودته خطايا بني آدم". وفي رواية: "نزل الحجر الأسود من الجنة، كان أشد بياضَا من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك". ومن المرويات أنه قبل نزوله من الجنة كان أبيض ولكن طمس الله نوره عند النزول. وذكر عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله - حديثًا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الرسول، صلى الله عليه وسلم "إنّ الحجرَ والمقامَ ياقوتتانِ من ياقوتِ الجنةِ، طمس اللهُ نورَهما، ولولا ذلك لأضاءَا ما بين المشرق والمغرب".
مكانة الحجر الأسود الدينية
تتمثل مكانة الحجر الأسود دينيًّا في أن المسلمين أخذوا هذا النسك من فعل الرسول، صلى الله عليه وسلم، حيث كان الرسول محمد يُقبّل الحجر أثناء طوافه. وروي عن عمر، رضي الله أنه "جاء إلى الحجر الأسود فقبله، فقال: إني أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك"، إذا لم يكن في ذلك مشقة يستحب عند أداء الطواف استلام وتقبيل الحجر الأسود مع بداية كل شوط حتى الأخير، وإذا شق عليه ذلك، يشرع أن يشير بيده إلى الحجر الأسود ويكبر، وهذا ما ورد عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أنه كان يستلم الحجر والركن في كل طواف. وأما ثواب استلامه وتقبيله، روى ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن لهذا الحجر لسانًا وشفتين يشهد لمن استلمه يوم القيامة بحق". وفي حديث آخر قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: "إن مسح الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطا".
أحداث تاريخية حول الحجر الأسود
حادثة الحريق في عهد ابن الزبير
وضع الرسول محمد - عليه الصلاة والسلام - الحجر الأسود في مكانه أثناء بناء قريش للكعبة آنذاك، وكان ذلك قبل بعثته، وبقي في مكانه حتى حريق الكعبة الذي نشب في عهد عبد الله بن الزبير، عندما حاصرهم جيش الحصين بن نمير. وأثر الحريق في تصدع الركن، إلا أن ابن الزبير شد الركن بالفضة، وفي عام 189هـ/805م في عهد هارون الرشيد رقت الفضة وخشي على الركن أن يتهاوى، فأمر هارون الرشيد بثقب فتحات الحجر بالماس، وأفرغت فيها الفضة.
القرامطة و الحجر الأسود
شهد الحجر الأسود حادثة شهيرة في عام 317هـ/ 929م، عندما شن القرامطة، وعلى رأسهم أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد، هجومًا على مكة المكرمة وعاثوا فيها فسادًا بعد قيامهم بمقتلة عظيمة. قتلوا الحجاج عند الكعبة وحولها، نهبوا كسوة الكعبة وما بها من آثار الخلفاء، وردموا بئر زمزم، كسروا الحجر الأسود، واقتلعوه من مكانه، وأخذوه إلى بلادهم "هجر". وقد ذُكر في الكتب التي روت الحادثة هلاك 40 جملًا تحت الحجر خلال نقله. مكث الحجر الأسود عند القرامطة أكثر من 20 عامًا، قبل أن يعود إلى الكعبة المشرفة في يوم النحر من عام 339 هـ/ 950هـ، بعد وفاة أبي طاهر القرمطي بالجدري في العام نفسه. وذكر أن القعود الذي حُمّل لإعادته، كان قعودًا ضعيفًا ثم قوي وسمن.
الحجر الأسود عام 363هـ
حادثة الرجل الذي جاء من بلاد الروم قاصدًا سرقة الحجر الأسود عام 363هـ/974م، وكان في الطواف رجل أو رجلان، توجه الرجل الرومي إلى الحجر الأسود، وعندما اقترب منه ضربه بمعول، وعندما أراد أن يضرب الحجر مرة أخرى تصدى له رجل من أهل اليمن وقتله.
الحجر الأسود عام 414هـ
في يوم جمعة من عام 414هـ/1023م تعرض الحجر الأسود للهجوم، وذلك بعدما فرغ الإمام من الصلاة توجه رجل قادم من مصر إلى الحجر الأسود يوهم باستلامه، وكان بحوزته سيف حاد ودبوس، ضرب الحجر بالدبوس ثلاثًا، توجس حينها الناس واضطربوا من رغبته في هدم البيت متراجعين، حتى ثار به رجل وقتله بالخنجر، وقُتل من كان بصحبته.
الحجر الأسود في عهد الملك عبدالعزيز
تعرض الحجر الأسود للسرقة في محرم 1351هـ/ مايو 1932م من قبل رجل فارسي، حيث اقتلع قطعة من الحجر الأسود، وقطعة من ستار الكعبة، إضافة إلى سرقته فضة من مدرج الكعبة، إلا أن حرس المسجد الحرام تمكنوا من القبض عليه، وأعاد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود الحجر في مكانه في 28 ربيع الثاني 1351هـ/ 30 أغسطس 1932م.
الحجر الأسود في ضوء ممكنات السعودية للذكاء الاصطناعي
الحجر الأسود والذكاء الاصطناعي
أطلقت وكالة شؤون المعارض والمتاحف بالهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي مبادرة الواقع الافتراضي لزوار معرض عمارة الحرمين الشريفين، وهو مشروع أعده مجموعة من الشباب بمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج والعمرة، حيث يتيح للزائرين مشاهدة الحرم المكي بتفاصيله افتراضيًّا وبدقة عالية بواسطة تقنية الواقع الافتراضي (Vr)، والواقع المختلط (Ar)، فمن خلال ارتداء المستخدم للنظارة الخاصة بالجهاز يمكنه مشاهدة الكعبة المشرفة، وما يحيط بها كالحجر الأسود، والركن اليماني، والشاذروان، وبلاط الحرم، إضافة إلى سماع صوت الأذان وشم رائحة طيب الكعبة. تجربة تهدف إلى تثقيف وإثراء وتوعية قاصدي المسجد الحرام، كما تهدف لمواكبة التحول الرقمي وفقًا لرؤية السعودية 2030.
تصوير الحجر الأسود
أسهمت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي عبر وكالة المشاريع والدراسات الهندسية بالتقاط نحو 1050 صورة للحجر الأسود ومقام إبراهيم، عليه السلام. وكان التصوير بواسطة الفوكس ستاك بانوراما، الذي تميز بالوضوح والدقة العالية 49 ألف ميجا بكسل، ويقدر حجم الصورة الواحدة بنحو 160 جيجا بايت، معتمدة على تقنية المسح الليزري لتكوين نموذج حاسوبي عالي الدقة، وكانت المدة المستغرقة للتصوير 7 ساعات، إضافة إلى أسبوع من العمل المتواصل لإجراء التعديلات والإخراج النهائي، وكانت نتيجة التصوير أنها أظهرت لأول مرة تفاصيل الحجر الأسود والمقام غاية في الدقة والوضوح.
دور المملكة العربية السعودية في العناية بالحجر الأسود
إطار الحجر الأسود
أولت حكومة المملكة العربية السعودية عناية واهتماما بإطار الحجر الأسود، وهو إطار يحيط بالحجر مصنوع من الفضة الخالصة، حماية وصونًا له، وقد غير الإطار مرتين، الأولى في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود عام 1399هـ/ 1979م، والمرة الثانية في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود عام 1422هـ/ 2001م.
خطة تنظيمية لتقبيل الحجر الأسود
عملت الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي على وضع خطة تنظيمية متطورة، وذلك بهدف تنظيم قاصدي تقبيل الحجر الأسود، حيث يقف بجوار الحجر حارس يستند على حبل متين يستعين به على تنظيم الطائفين وإرشادهم إلى الطريقة الصحيحة في تقبيل الحجر.
صيانة الحجر الأسود
تهتم الهيئة العامة للعناية بشؤون المسجد الحرام والمسجد النبويبصيانة الحجر الأسود بشكل دوري من قبل فريق فني مؤهل ومختص، ينفذ تلك الأعمال بطرق حديثة ومتطورة، وفقًا لمعايير عالية الجودة في أداء المهام وإنجازها، كاستخدام التقنيات الحديثة، ومواد ذات مواصفات عالمية، وبطرق وأساليب دقيقة لإنجاز الأعمال الخاصة التي تشمل الكعبة المشرفة وما يتعلق بها.
الاختبارات ذات الصلة