حكام الدولة السعودية الأولى

حكام الدولة السعودية الأولى هم الأئمة الذين تولوا الحكم في الدولة السعودية الأولى التي امتدت على معظم أجزاء شبه الجزيرة العربية بعد قرون من التشظي وعدم الاستقرار السياسي والأمني الذي سيطر على المنطقة بعد ضعف الدولة العباسية والدويلات التي جاءت بعدها.

تولى الحكم في الدولة السعودية الأولى أربعة حكام، يطلق عليهم لقب الأئمة، أولهم مؤسسها الإمام محمد بن سعود، الذي تولى بعده نجله الإمام عبدالعزيز، ثم حفيده سعود بن عبدالعزيز، وأخيرًا الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود. وامتد حكمهم 94 عامًا، منذ عام 1139هـ/1727م حتى عام 1233هـ/1818م.  

يعود نسب حكام الدولة السعودية الأولى لبني حنيفة، وهي إحدى قبائل بكر بن وائل، التي يتصل نسبها بنزار بن معد بن عدنان، جد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. قدم جدهم مانع المريدي منتصف القرن التاسع الهجري من شرق الجزيرة العربية إلى وسطها، واستقر في الدرعية وحكمها أبناؤه وأحفاده من بعده، ووسعوا حكمهم بتأسيس الدولة السعودية الأولى.

تزامن قيام الدولة السعودية الأولى مع تولي الإمام محمد بن سعود الحكم عام 1139هـ في الدرعية، واستطاع أئمة الدولة أن يقودوا الدولة إلى توحيد معظم أرجاء الجزيرة العربية من الخليج العربي شرقًا ويصلوا إلى العراق شمالًا واليمن جنوبًا، وبذلك كوّنوا أول دولة عربية امتدت على معظم أرجاء الجزيرة العربية، واستمر حكم الدولة السعودية تحت قيادتهم لأكثر من تسعة عقود. وشكل أئمة الدولة الأربعة أول نواة لحكم عائلة آل سعود خارج الدرعية، فامتد عمرها لأكثر من 300 عام، ولا تزال مستمرةً في استقرارها وازدهارها حتى اليوم.  

تميز عهد أول حكام الدولة السعودية الإمام محمد بن سعود بترسيخ دعائم الاستقرار واستقطاب الحلفاء والبلدات المجاورة، بينما ركز حكم نجله عبدالعزيز على سياسة تحرير مناطق شبه الجزيرة العربية بشكل واسع وإقامة حكم الدولة السعودية فيها، تابع ذلك الإمام سعود بن عبدالعزيز بإكمال جهود والده في التوسع ليتجاوز حدود العراق، ويصل الشام، وأخيرًا الإمام عبدالله الذي نجح في صد حملات العثمانيين ومواجهتهم، والانتصار عليهم في مجموعة معارك قبل أن تحاصر الجيوش العثمانية الدرعية نحو ستة أشهر، انتهى بتدميرها بعد قصفها بالمدفعية والبارود عام 1233هـ/1818م، وهو ما فتح المجال إلى دخول المدينة ونهبها وتهجير من بقي من أهلها الأحياء.

ولد محمد بن سعود سنة 1090هـ/1679م وبدأ تأسيس الدولة بعد توليه الحكم عام 1139هـ/1727م، ومثل تأسيس الدولة السعودية الأولى بداية عصر جديد في تاريخ الجزيرة العربية والعالم العربي. أدت السياسة التي اتبعها الإمام إلى بناء الدولة السعودية في وقت مبكر، وجعل منه إرثه السياسي والدبلوماسي أحد مؤسسي الدول البارزين في تاريخ الجزيرة العربية ومحيطها، إذ أسس لدولة عريقة استمرت رغم انتهائها في مرحلتين من تاريخها وعودتها، حيث جاءت الدولة السعودية الثانية، ثم المملكة العربية السعودية. ونجح الإمام محمد بن سعود بتحرير كثير من المدن والبلدات من سيطرة ونفوذ القوات المعادية لمشروع الدولة، وخسر حياة ابنيه فيصل وسعود في المعارك، وبعد 40 عامًا قضاها في الحكم توفي نهاية ربيع الأول عام 1179هـ/1765م، وتولى الحكم من بعده ولي عهده نجله الإمام عبدالعزيز.

أصبح الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثاني حكام الدولة السعودية الأولى بعد وفاة الإمام محمد، واتسعت حدود الدولة في عهده من الخليج العربي إلى البحر الأحمر، وحرّر ووحّد أغلب مناطق الجزيرة العربية تحت حكمه، وقاد جيوش الدولة طوال 25 عامًا منذ بدء حملات التوحيد عام 1159هـ/1746م، واستطاع أن يُدخل الرياض ضمن الدولة 1187هـ/1773م دون قتال. وتمكّن الإمام عبدالعزيز من التغلب على حملات العثمانيين وآل حميد وأشراف الحجاز وحملات حكام نجران، ومضى في بناء الدولة، وحرّر جميع أقاليم نجد، وإقليمي الأحساء والقطيف، وكثيرًا من المناطق في شرق الجزيرة العربية، إضافة إلى المناطق الجنوبية، وأهمها عسير ونجران وجازان، وأجزاء من منطقة الحجاز.

اغتيل الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود في شهر رجب عام 1218هـ/1803م وهو يصلي في مسجد الطريف بالدرعية.

يعد الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود ثالث حكام الدولة السعودية الأولى، حيث بويع بالحكم عام 1218هـ/1803م، ويلقب بـ "سعود الكبير" لبلوغ الدولة أقصى اتساعها وقوتها في عهده. ولد الإمام سعود في الدرعية عام 1161هـ/1748م، وتولى قيادة جيوش والده الإمام عبدالعزيز طوال 36 سنةً من ولايته، ومد نفوذ الدولة إلى جنوب غرب بلاد الرافدين وجنوب بلاد الشام. وارتفعت موارد الدولة في عهد الإمام سعود، فكسا الكعبة مرتين، وأمن طرق الحرمين الشريفين، وتوفي ليلة الاثنين الحادي عشر من جمادى الأولى 1229هـ/1814م.

كان الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز آخر حكام الدولة السعودية الأولى، حيث تولى الحكم عام 1229هـ/1814م، وهو ابن حفيد مؤسس الدولة السعودية الأولى ورابع أئمتها. وبرزت أثناء فترة حكمه التداعيات القومية والانتقامية للدولة العثمانية ضد الدولة السعودية الأولى لإيقاف سياسة توحيد الجزيرة العربية التي اتبعها الأئمة السعوديون، فوجهت واليها على مصر محمد علي باشا بالتحرك للهجوم على الدولة السعودية، وكان الاعتداء العثماني بدأ عام 1226هـ/1811م إبّان عهد الإمام سعود الكبير، حيث عُيّن طوسون نجل محمد علي باشا قائدا لأول جيش توجه إلى غزو المدينة المنورة التي وصل إلى حدها الجنوبي، إلا أنه هزم في أولى مواجهاته مع القوات السعودية.

وفي عام 1231هـ/1816م جاءت الأساطيل الهادفة للقضاء على الدولة السعودية عن طريق ينبع بقيادة إبراهيم باشا، فزحفت إلى وسط الدولة، وحاصرت مدينة الرس 3 أشهر لتحصّن الإمام عبدالله بن سعود فيها، ولم تستطع السيطرة عليها إلا بالصلح، وتوجهت إلى بريدة، وإقليم الوشم، وضرماء التي كبدت الجيش العثماني خسائر فادحة.

وصمدت الدرعية أمام حصار جيش العثمانيين بقيادة إبراهيم باشا نحو ستة أشهر متتالية، ولإنهاء الحصار الذي اشتد على أهلها بادر الإمام عبدالله بن سعود بالخروج من العاصمة مقابل سلامة الأهالي، والحفاظ على البلدة من الهدم والتدمير، وقبل إبراهيم باشا بتلك المبادرة، إلا أنه لم يفِ بعهده الذي قطعه، وأعطى الأوامر لجيشه بعد ذلك بتدمير الدرعية، التي دُكّت بالمدافع ثم نُهِبت وهُجّر أهلها، بينما أسرت قواته الإمام ونقلته إلى إسطنبول حيث أُعدم من قبل العثمانيين حقدًا وانتقامًا، وهو ما أدّى لاحقًا لتسميته بالإمام الشهيد، لينتهي بذلك عصر الدولة السعودية الأولى في ذلك العام 1233هـ/1818م، وكان قد تولى الحكم عقب وفاة الإمام سعود فحكم أربع سنوات.