الطوافة

الطِّوَافة، هي إحدى المهن التاريخية في المملكة العربية السعودية، وواحدة من المهن في مدينة مكة المكرمة، يُطلق على من يعمل بها اسم "المُطوِّف"، وهو الذي يخدم الحجاج القادمين من خارج السعودية ويساعدهم على أداء مناسكهم في الحج، عبر إرشادهم وتوجيههم وتوفير خدمات السكن والمعيشة والتنقل لهم، وتعد وزارة الحج والعمرة الجهة المشرفة على المطوفين وأعمال الطوافة في السعودية. 

ظهرت مهنة الطوافة في عهد الدولة المملوكية (658-922هـ/1260-1517م) إذ اعتاد سلاطين المماليك تكليف بعض قضاة مكة المكرمة آنذاك بتلقينهم الأدعية المأثورة في الحج وإرشادهم إلى الطريقة الصحيحة لتأدية مناسكهم، ثم أصبحت مهنة الطوافة من نصيب بعض القضاة في مكة المكرمة، وانتقلت بعدها إلى العلماء والفقهاء وذوي الجاه الذين كانوا يتحدثون لغات عدة.

تطورت مهنة الطوافة وأضيفت عليها صبغة تنظيمية، فأصبحت مهنةً عامةً يمارسها الأفراد بموجب تفويض أو تقرير يوقعه الأمير أو الحاكم في مدينة مكة المكرمة آنذاك، وفي عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، أخذت مهنة الطوافة طابعًا مؤسسيًّا، فقد حُدِّدت شروط عدة لمزاولة المهنة، منها: الحصول على تصريح رسمي، يدفع المطوِّف بموجبه رسمًا ماليًّا معينًا لخزينة الدولة مقابل الخدمات التي يقدمها لحجاج بيت الله الحرام، ويُعيَّن الأجر الذي يحصل عليه من الحجاج، وذلك حسب الشروط والاتفاقات المبرمة بين الحاج والمطوِّف.

في عام 1348هـ/1930م، شكَّلت حكومة السعودية هيئتين للمطوفين، تُعنيان بشؤون الحجاج وتقومان على احتياجاتهم خلال موسم الحج، كانت إحداهما مسؤولةً عن حجاج جزر الهند الشرقية، وهم القادمون من بلدان إندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، والثانية كانت مسؤولةً عن حجاج شبه القارة الهندية وبقية الحجاج القادمين من خارج الجزيرة العربية، واختير لكل هيئة رئيس يُعرف باسم "شيخ المطوِّفين".

وصدرت أنظمة عدة تتعلق بمهنة الطوافة وتُلغي ما كان قبلها، منها تنظيم مهنة الطوافة ووظائف المطوفين الصادر بالأمر السامي عام 1367هـ/1948م، ثم توالت التحديثات على أنظمة الطوافة والخدمة في الحج، حتى صدرت أنظمة مخصصة لخدمة حجاج داخل السعودية وخارجها، منها: تنظيم خدمات طوائف الحجاج لعام 1385هـ/1965م، وكان آخرها نظام خدمة حجاج الداخل الصادر في 1426هـ/2005م، ونظام مقدمي خدمة حجاج الخارج الصادر في 1440هـ/2019م.   

كانت الطوافة من المهن التي يورثها الآباء إلى الأبناء، ولا يحق لأي شخص أن يؤدي مهام الطوافة ما لم يكن وريثًا مُستحقًا، ويُسمح للبعض بتجاوز هذا الشرط في حال خدمته 15 عامًا أو أكثر لدى مطوفٍ واحد، وكان المطوفون يجتمعون عند شيخهم ويوافقون على منح لقب "مطوِّف" لذلك الشخص، وبعدها يُرفع الطلب إلى أمير مكة المكرمة للموافقة عليه والسماح له بممارسة المهنة. 

تتقاطع مهنة الطوافة مع عدد من المهن التاريخية، خاصة تلك الشائعة في مدينة مكة المكرمة، ومنها مهنتا السقاية والنجارة، إذ اختص السقاؤون، المعروفون في مكة المكرمة بالزمازمة نسبةً إلى ماء زمزم، بسقيا الحجاج وإيصال المياه إلى منازلهم، ويعمل النجارون على صناعة الشقادف، وهي مراكب كانت مخصصة لحمل الحجيج والتنقل بهم.

يتولى المطوّفون قديمًا تنفيذ مهام عدة، منها: إنجاز الإجراءات والمعاملات النظامية لدخول الحاج وخروجه وتنقله أثناء فترة الحج، وتحديد المكان المناسب لسكن الحاج وإقامته، ومرافقة الحاج إلى المسجد الحرام والمشاعر المقدسة، وتلقين الحاج الأدعية والأقوال المأثورة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مناسك الحج، وتعليم الحاج وإرشاده إلى الطريقة الصحيحة لأداء العبادات والمناسك، وحماية مصالحه وإرشاده وتوجيهه طوال فترة الحج.

ولم يكن هناك أجر معين لأتعاب الطوافة، وإنما جرت الأعراف على استضافة المطوف للحجاج عند وصولهم إلى مكة المكرمة، وبعد تناولهم للوليمة، يبدأ أحد الحجاج، ممن يُلم بالأعراف والعادات المتبعة وسبق له أداء فريضة الحج، بدعوة جماعته لإعطاء المطوف إكراميته، وذلك حسب استطاعة كل فرد ووفقًا لما تجود به نفسه.

تطورت مهنة الطوافة حتى أصبحت أكثر انتظامًا، ومع مرور الوقت حوَّل المطوفون أنشطتهم الفردية إلى أنشطة جماعية ثم إلى وكالات، ثم تحولت إلى مؤسسات تعمل لخدمة حجاج بيت الله الحرام، وتتعاون مع الجهات الحكومية لتحقيق الهدف ذاته.

في عام 1442هـ/2021م، أكملت وزارة الحج والعمرة منظومة تحويل مؤسسات أرباب الطوافة إلى تسع شركات مساهمة، وذلك في إطار ترسيخ العمل المؤسسي في الحج، تحقيقًا لمستهدفات رؤية السعودية 2030، وتهدف عملية التحويل إلى الارتقاء بالخدمات المقدمة للحجاج وتنويع الشراكات بما يعزز الفوائد المرجوة لكل المساهمين، إضافةً إلى إعطاء الشركات فرصًا لتوسيع أنشطتها الاستثمارية.

ويهتم نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج الصادر عام 1440هـ/2019م برفع كفاية العاملين في مجال خدمة ضيوف الرحمن، ويشمل ذلك: المطوفين والزمازمة والوكلاء والأدلاء الذين اكتسبوا هذه المهن حسب الأنظمة والمراسيم التي صدرت بهذا الشأن، كما يعمل على تطوير الخدمات المقدمة للحجاج، لخلق بيئة تمكنهم من أداء فريضة الحج وزيارة المشاعر المقدسة والمسجد النبوي بشكلٍ مُيسَّر.

تعمل شركات أرباب الطوائف على ممارسة أنشطتها وفقًا لمعايير إدارية وفنية، وتتضمن أنشطتها تقديم خدمات عدة، منها: خدمات الإقامة والإسكان، وخدمات التغذية والإعاشة، وخدمات النقل، وخدمات التوعية والتوجيه.

وتتولى شركات الطوافة تقديم خدماتها للحجاج من أنحاء العالم كافة، وللارتقاء بمستوى الخدمات المقدمة ورفع جودتها، تتخصص كل شركة في التعامل مع فئات معينة من الحجاج، وهي: حجاج الدول العربية، وحجاج دول جنوب آسيا، وحجاج دول جنوب شرقي آسيا، وحجاج تركيا، وحجاج أوروبا وأمريكا وأستراليا، وحجاج إيران، وحجاج الدول الإفريقية غير العربية.

ويُلزم نظام مقدمي خدمة حجاج الخارج ولائحته التنفيذية شركات أرباب الطوائف بتكوين مجالس لإدارتها، تتكون من 12 عضوًا لكل مجلس، وتتولى الإشراف على شؤون الشركات كافة، وتعمل على تيسير أمورها، ويُحدد النظام الأساس لكل شركة لوائح الحوكمة الخاصة بها وآليات اتخاذ القرار في المجلس.