تم نسخ الرابط بنجاح
saudipedia Logo
هضبة حسمى
مقالة
مدة القراءة 4 دقائق

هضبة حِسْمَى، شمال غربي المملكة العربية السعودية، وتمتد من أطراف جبال مدين غربًا حتى التقائها بأطراف حرة الحرة شرقًا، فيما تمتد داخل الأراضي الأردنية شمالًا، ويتراوح ارتفاع الهضبة ما بين 800م و1,700م فوق مستوى سطح البحر، تزيد قليلًا في وسط الهضبة إلى الشرق من مدينة تبوك في منطقة الطبيق، بينما ينخفض سطحها عند مدينة تبوك، إذ تشكل بالقرب منها منخفضًا داخليًا يصب في وادي الأخضر، وباستثناء ذلك فإن سطح الهضبة شديد الاستواء.

مكونات سطح هضبة حسمى

يتكون سطحها من صخور الحجر الرملي الباليوزوي، التي يمثلها هنا تكوين تبوك، وتكثر الانكسارات الموازية للبحر الأحمر، خاصة بالقرب من تبوك، وتزداد كلما اتجهنا غربًا، وفي القسم الغربي منها كثير من الأشكال الطبيعية وتفصل بينها مساحات مستوية مغطاة بالرمال تميزها عن باقي الهضبة. كما تغطي الرمال سفوح هذه الأشكال، وفي الوقت نفسه لا توجد مظاهر للجريان السطحي، فالأودية لا تبدأ بالظهور الفعلي إلا في أقصى الغرب على طريق تبوك – ضبا حيث الحافة الغربية للهضبة التي تمتد ما بين 10 كم إلى 80 كم غرب تبوك باسم "إقليم أشكال الحجر الرملي"، ويمكن تفسير الوضع الحالي لهذا الإقليم بأنه موروث عن فترة مناخية سابقة أكثر مطرًا من العصر الحاضر، إذ يقل فيه معدل الأمطار عن 58 ملم في تبوك، وتشير الأدلة المأخوذة من المنطقة إلى سيادة عمليات التعرية الريحية، إذ تقوم الرياح بتعديل طفيف لأشكال الأرض حاليًا.

مدن وقرى هضبة حسمى

تضم هضبة حسمى مدنًا وقرى عدة، منها: مدينة تبوك، وبئر ابن هرماس، وحالة عمار، وقرية مغيراء شرقًا. وقد سادت على الهضبة حياة البداوة بسبب الظروف المناخية الصعبة وشح المياه. فيما سمح اكتشاف المياه الجوفية بغزارة في المنطقة بقيام حياة زراعية على نطاق واسع، فانتشرت المزارع الحديثة في مساحات شاسعة إلى الشمال والجنوب من تبوك، والتي تصدر منتجاتها إلى معظم مناطق المملكة.

جبل السفينة في صحراء حسمى. (واس)
جبل السفينة في صحراء حسمى. (واس)

هضبة حسمى في الأدب العربي

اكتسبت هضبة حسمى مكانة بارزة في الأدب العربي، إذ وصفها الجوهري "بأنها أرض بالبادية فيها جبال شواهق ملس الجوانب لا يكاد القتام يفارقها". وذكر ياقوت أن حسمى "يعرفها من رآها من حيث رآها، لأنه لا مثيل لها في الدنيا". كما أن ثلاثًا من الطرق القديمة كانت تمر من خلالها وبالقرب منها، فالأولى طريق الساحل التي تمر بمحاذاة البحر الأحمر، ثم تمر خلال وادي الجزل، والطريق الثانية هي طريق معان وتبوك ثم مدائن صالح، وأما الثالثة فتأخذ من الأزرق على تيماء.

وقال كثير:

سيأتي أمير المؤمنين ودونه

جماهير حسمى قُورُها وحُزُونها

وفي أخبار المتنبي وحكاية مسيره من مصر إلى العراق قال ياقوت: "حِسْمى أرض طيبة تؤدي أثر النملة من لينها. وتُنبت جميع النبات، مملوءة جبالًا متناوحة في كبد السماء ملس الجوانب، إذا أراد النظار النظر إلى قلة أحدها فتل عنقه حتى يراها بشدة، ومنها ما لا يقدر أحد أن يراه ولا يصعده، وهي مسيرة ثلاثة أيام في يومين، ومن جبال حسمى جبل يعرف بإرم عظيم العلو، تزعم أهل البادية أن فيه كرومًا وصنوبرًا".

مرتفعات جبال هضبة حسمى

تضم هضبة حسمى عددًا من الجبال مثل: السفينة، والظهر، والمحماش، والحزيمات، وسدير، وحوصل، والمدربا، والشّكاعة، ويصرف سيولها أودية منها: تُرف، والزيتة، وضم.

جبل إرم في هضبة حسمى

يبلغ ارتفاع الجبل نحو 1,754م، ويقع عند التقاء خط الطول ودائرة العرض 25َ 35° شرقًا و30َ 29° شمالًا تقريبًا، وتتيح الظروف المناخية في أعلى جبل إرم نمو الكروم والصنوبر، ولكن لا تشاهد هذه الأشجار الآن. والجبل من الأماكن السياحية في منطقة تبوك، بسبب اختلاف ألوانه وغرابة مظهره، بسبب التقطيع الشديد لسطح حسمى وقورها إلى ثلاثة عوامل، هي: الصدوع الكثيرة المنتشرة في الجزء الشمالي من الإقليم، ومنها الصدع الحديث الممتد غربي كتلة جبل إرم أو "رَمّ"، الذي يسير فيه وادي رُمَّان الآن حتى يصب في قاع أم سَلْب. أما العامل الثاني فهو النحت المائي، إذ استقطبت القيعان المنتشرة في هذه المنطقة مجموعة من الأودية من مختلف الاتجاهات، وساعدت الفوالق والفواصل المنتشرة فوق أسطح هذه الصخور على تسهيل مهمة المياه في النحت فوسعتها وأبعدت حوائطها. والعامل الثالث هو الرياح التي تتغلغل خلال الصخور في عملياتها الحتية، إذ تغطي سحب الغبار المنطقة حتى يصعب معها الرؤية لمسافة قريبة. كما أن سافي الرمال وهو ناتج ذلك التحات والتآكل يشاهد بوضوح أينما اتجهت. وقد أشار النابغة الذبياني إلى سحب الغبار التي تغطي جبال حسمى بقوله:

وأصبح عاقلًا بجبال حسمى

دقاق الترب محتزم القتام

والقتم والقتام هو الغبار، كما جاء في لسان العرب.

النقوش الأثرية في صحراء حسمى

تتميز صحراء حسمى برمالها الحمراء، وتضفي بجبالها الرملية في الجهة الشمالية الغربية من منطقة تبوك  جمالاً طبيعيًا وبُعدًا جيولوجيًا لهذه الصحراء التي تنتشر فيها الجبال الحاضرة في سجل التاريخ، وتتنوع النقوش الأثرية على صخور جبالها الشاهقة، وتُعد حسمى منذ الأزل محطة على طريق التجارة القديم من وإلى جزيرة العرب، وقد مرت بها القوافل والركبان على امتداد الحضارات الإنسانية المتتالية، كما تحتضن حسمى بين طياتها الكثير من الكتابات والنقوش، التي تدل على ما تضمه هذه المنطقة من إرث تاريخي ذي أهمية للباحثين في أسبار التاريخ وتطور اللغة العربية، وكان في الموقع السبق في اكتشاف بعض النقوش العربية عرفت فيما بعد بـ"اللهجة الحسمائية" وهي لهجة عربية شبيهة باللهجة النبطية وتُعد أول كتابة عربية ترتبط فيها الحروف ببعضها كما الخط الكوفي، ويشبه الحرف الحسمائي الحرف الصفائي إلا أنه متميز عنه بموقعه وتاريخه، وتحمل تلك الشواهد الموغلة في القدم إرثًا يستنطق جانبًا من تاريخ جزيرة العرب ولغتها الخالدة.