الزراعة العمودية في السعودية

الزراعة العمودية في السعودية، هي تقنية حديثة في الزراعة تسمح بزراعة المحاصيل الخالية من المبيدات وإنتاجها في بيئة داخلية، تبنتها وزارة البيئة والمياه والزراعة في المملكة العربية السعودية، من خلال المركز الوطني لأبحاث وتطوير الزراعة المستدامة، وشجعت عليها لإنتاج الخضراوات والفواكه، خصوصًا في المناطق الجافة.

يهدف برنامج الزراعة العمودية بالمركز الوطني لأبحاث وتطوير الزراعة المستدامة إلى الدخول في شراكات مع رواد الزراعة العمودية حول العالم؛ لإنشاء وحدات زراعة عمودية، من شأنها زيادة إنتاجية محاصيل معينة، خاصة الخضراوات الورقية والفراولة. ومن شأن استخدام مصادر إضاءة متنوعة بتقنية الإضاءة الكاشفة LED وتحسين الظروف الزراعية استحداث نموذج زراعي جديد يناسب المزارعين المحليين في السعودية والقطاع التجاري الذي يوطن مفهوم الزراعة العمودية.

تعد المزارع العمودية أكثر ملاءمة للبيئة، وترشّد في استخدام المياه، ولا تتأثر بالأحوال الجوية غير المتوقعة، كما تسمح بزراعة المحاصيل الزراعية الخالية من المبيدات وإنتاجها في بيئة داخلية خالية من الحشرات والآفات.

وتوفر الزراعة العمودية مساحات زراعية وأيدي عاملة واستهلاك مياه أقل بنحو 80 إلى 90% من الزراعة التقليدية، إلى جانب خلق بيئات زراعية بحجم إنتاج مرتفع من المنتجات الزراعية على مدار العام.

وتُعد هذه الزراعة من التطورات التكنولوجية الحديثة التي تدعم الاستدامة الزراعية، ويعد اختبار هذه التقنيات وتوطينها من أولويات برامج الأبحاث والدراسات، كما أن التطور التكنولوجي يزيد من إمكانات تطبيق منظومة الزراعة العمودية، إذ توفر مصابيح الإضاءة الكاشفة LED مستوى عاليًا من الإشعاع المحفز لعملية التمثيل الضوئي للنبات لكل وحدة طاقة مستخدمة.

ضمن جهودها في توطين وتبني تقنيات الزراعة الحديثة، نظمت وزارة البيئة والمياه والزراعة في 8 محرم 1442هـ/27 أغسطس 2020م، ورشة بعنوان "مستقبل الزراعة العمودية في المملكة"، بحضور مسؤولين وعلماء محليين ودوليين مختصين بالزراعة العمودية، وشركات سعودية وعالمية.

واستعرضت الورشة التسهيلات الائتمانية المالية المقدمة من صندوق التنمية الزراعية للزراعة العمودية، كما استعرضت فوائد وتحديات الزراعة العمودية في المناطق الجافة، والدور الذي يمكن أن تؤديه الزراعة العمودية في تحقيق الأمن الغذائي في المملكة، ودور الزراعة العمودية في الإسهام في الأمن الغذائي عبر إنتاج مجموعة كبيرة من المحاصيل بما فيها الخضراوات والفواكه، وكفاءة استخدام الموارد في الزراعة العمودية.

وأوصى المشاركون بأهمية تمكين المستثمرين والمزارعين من المصادر الضرورية للزراعة العمودية من ماء وطاقة وأرض، إضافة إلى ضرورة تطوير السياسات والقوانين لتشجيع الزراعة العمودية لتسهيل إجراءات اعتمادها، وتشجيع البحث والتطوير عبر الدعم الفني والمالي لمواكبة التطور في الزراعة العمودية، وبناء القدرات وتقوية انسياب المعلومات والمعارف للمستثمرين والمزارعين.

في 10 رجب 1444هـ/1 فبراير 2023م، وقع صندوق الاستثمارات العامة اتفاقية مع شركة "إيروفارمز" الأمريكية، لتأسيس شركة مقرها مدينة الرياض تهدف إلى إنشاء مزارع عمودية داخلية في المملكة ومنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتسعى الاتفاقية للإسهام في الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية والأراضي الزراعية من خلال تبني تقنيات الزراعة العمودية الداخلية، التي لا تتطلب استخدام الأراضي الصالحة للزراعة، وتستهلك كميات أقل من المياه مقارنةً بطرق الزراعة التقليدية، وبما يضمن وفرة الإنتاج في المحاصيل الزراعية.

وتسهم الشراكة في توفير محاصيل محلية عالية الجودة على مدار السنة، من خلال استخدام تقنية الزراعة الذكية الخاصة بشركة "إيروفارمز"، إذ تستهدف الشركة إنشاء وتشغيل عديد من المزارع في المنطقة، ويتوقع أن يصل حجم الطاقة الإنتاجية السنوية لأول مزرعة بالمملكة إلى ما يعادل 1.1 مليون كجم من المحاصيل الزراعية.

تقع المزرعة بالقرب من سد وادي بطحان في منطقة المدينة المنورة على مساحة 2000م2، وتُمكّن المزارعين من الاطلاع على التقنيات الزراعية الحديثة في هذا المجال؛ إذ يربط الذكاء الاصطناعي بإنترنت الأشياء ليؤدي إلى كفاءة أفضل في نظام الزراعة، وذلك حسب المعايير والمقاييس الدولية، وتشمل وجود روبوتين في العمليات الزراعية المختلفة، وغرفتي تبريد لحفظ المنتجات الزراعية بمقاسات 100 متر مكعب لكل قسم، إضافة إلى محطة طاقة شمسية للتشغيل دون الاعتماد على أي مصدر آخر للكهرباء.

وفي 10 شوال 1444هـ/30 أبريل 2023م، سلّم فرع وزارة البيئة والمياه والزراعة بمنطقة المدينة المنورة موقع المزرعة العمودية الإرشادية بالمنطقة، إلى إحدى الشركات المختصة؛ لإنشاء نموذج للمستثمرين والمزارعين، وإنتاج محاصيل تسهم في زيادة حجم وجودة المنتج المحلي لأنواع مخصصة.

وتربط المزرعة التي يتوقع وصول إنتاجها السنوي إلى 170 ألف كجم، جميع الأعمال الفنية والإدارية بمنصة تطويرية؛ من خلال إنشاء منصة إدارة واستثمار اقتصادي زراعي متكاملة على الإنترنت، تساعد الراغبين في إنشاء مزرعة عمودية على الحصول على المعلومات المطلوبة والتوصيات المناسبة لذلك.

في 14 شوال 1445هـ/23 أبريل 2024م، دشّنت وزارة البيئة والمياه والزراعة في إحدى الأسواق بمدينة الرياض، أول مزرعة حضرية للزراعة العمودية داخل أسواق ومتاجر المنتجات الغذائية، في مبادرة تقدّم تجربة مميزة للمستهلك، تمكّنه من الحصول على منتجات غذائية طازجة وحيوية، من خلال مزارع صغيرة يكون إنشاؤها داخل المتاجر والأسواق. 

وتُعد المزرعة الحضرية، بداية تجربة تستهدف الوصول إلى نحو 600 إلى 1000 مزرعة خلال خمس سنوات، داخل منظومة التجزئة في أسواق المملكة كافة، إذ توفّر هذه المزارع من 20 إلى 40% من الاحتياج للمنتجات الزراعية والخضراوات.

ومن مزايا هذه التجربة أنها تتيح للمستهلكين الحصول على خضراوات وفواكه بجودة عالية، مما يحافظ على وضعها الصحي والطازج لفترات أطول بأكثر من خمسة أضعاف، مقارنة بالطرق التقليدية للعرض، إضافة إلى ذلك، تعمل هذه المزارع على توطين الوظائف؛ لوجودها داخل المدن، كما توفر بيئات نظيفة وتتطلب جهدًا أقل، وتوفر دخلًا أكبر، فضلًا عن إسهاماتها في تجاوز التحديات اللوجستية التي تواجه المنتجات الزراعية عند نقلها إلى المستهلكين.

وتهدف المزارع الحضرية للزراعة العمودية داخل المتاجر إلى المحافظة على الموارد الطبيعية وتوازن النظام البيئي، وزيادة الإنتاجية باستدامة دون إضرار بالبيئة، وتقليل الفقد والهدر عبر تقليص سلاسل الإمداد، وتحسين الظروف الزراعية واستحداث نموذج زراعي جديد يناسب المزارعين المحليين في المملكة والقطاع التجاري.

ويعتمد المشروع الذي يجري إنشاؤه عبر مزارع صغيرة في وحدات عرض تجارية داخل المتاجر والأسواق على نظام تشغيل آلي تكون إدارته من خلال أنظمة ذكية وآليات متطورة، تراقب إنتاج الخضراوات والفواكه ومتابعة حالتها بدقة، إلى جانب قيام هذه الوحدات بإنشاء بيئات زراعية افتراضية باستخدام تقنيات متطورة، توفّر بيئة مثالية لنمو المحاصيل، كما تقدم مزايا الزراعة النظيفة والعضوية بأعلى مستوياتها؛ مما يسهم في توطين هذه الصناعة وتعزيزها في السعودية.