قرية النطاة، هي قرية أثرية كشفت عنها أعمال التنقيب في واحة خيبر شمال غربي المملكة العربية السعودية، في إطار مشروع "خيبر عبر العصور"، أعلنت عنها الهيئة الملكية لمحافظة العُلا عام 1446هـ/2024م. يعود تاريخ القرية إلى العصر البرونزي تحديدًا إلى الفترة بين 2400-2000 ق.م حتى 1500-1300 ق.م.
الإعلان عن اكتشاف قرية النطاة
في 30 ربيع الآخر 1446هـ/2 نوفمبر 2024م، أعلنت الهيئة الملكية لمحافظة العلا اكتشاف قرية أثرية من العصر البرونزي في واحة خيبر، شمال غربي المملكة ضمن بحث أثري نُشر في مجلة "بلوس ون" العلمية. وأكدت الهيئة أهمية هذا الاكتشاف الأثري وانعكاسه على المملكة في مجال الآثار على الصعيد الدولي وما تكتنزه أرضها من عمق حضاري، يعزز جهودها في حماية التراث الثقافي والتاريخي، وعنايتها بتبادل المعرفة والخبرات مع العالم لتعزيز الوعي بالتراث الإنساني المشترك.
وأجرت الدراسة الهيئة الملكية لمحافظة العلا بالتعاون مع الوكالة الفرنسية لتطوير محافظة العلا والمركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية.
ومر الكشف عن القرية بعدة مراحل، إذ تمكن فريق البحث من تحديد الموقع الأثري في أكتوبر 2020م، إلاّ أنه كان من الصعب تمييز هياكل القرية وتخطيطها، وفي فبراير 2024م استعان الفريق بعمليات مسح ميداني وأعمال بحث مخصصة، وتصوير عالي الدقة لفهم ما يكمن تحت السطح.
الأهمية التاريخية لقرية النطاة الأثرية
يأتي اكتشاف قرية النطاة الأثرية في إطار مشروع "خيبر عبر العصور"، ويظهر الاكتشاف مرحلة الانتقال من حياة الرعي المتنقلة إلى الحياة الحضرية المستقرة في المنطقة، خلال النصف الثاني من الألفية الثالثة قبل الميلاد، وهو ما يغيّر من المفاهيم السابقة بأن المجتمع الرعوي والبدوي كان النموذج الاجتماعي والاقتصادي السائد شمال غربي شبه الجزيرة العربية خلال العصر البرونزي المبكر والمتوسط.
ويظهر الاكتشاف أن واحة خيبر كانت تضم مراكز حضرية مهمة تدعم استقرار مجتمعاتها دائمًا، خاصة مع ظهور الزراعة فيها، إضافةً إلى كونها مراكز للتجارة والتعاملات مع المجتمعات المتنقلة، وبظهور هذا النمط الحضري أصبح له تأثير كبير في النموذج الاقتصادي الاجتماعي في المنطقة. كما تُظهر الأدلة أنه رغم وجود عدد كبير من المجتمعات الرعوية المتنقلة شمال غربي شبه الجزيرة العربية في العصر البرونزي، إلا أن المنطقة كانت تضم عددًا من الواحات المسوّرة المتصلة مع بعضها، والمنتشرة حول المدن المحصنة مثل تيماء.
آثار قرية النطاة
تقع قرية النطاة الأثرية في الأطراف الشمالية لواحة خيبر، ووُجدت تحت أكوام من صخور البازلت حيث كانت مدفونة لآلاف السنين. وتضم القرية تقسيمًا واضحًا يشمل الحصون والمدن وأجزاء مخصّصة للسكن وأخرى جنائزية. يحيط بالقرية سور حجري يمتد لنحو 15 كم، وبلغ عدد سكانها 500 شخص، على مساحة 2.6 هكتار.
الحياة الاجتماعية لسكان قرية النطاة
أظهر الاكتشاف صورة أولية لملامح الحياة الاجتماعية لسكان القرية، حيث كانوا يسكنون في مبانٍ تقليدية من عدة أدوار، وعادة يخصصون الدور الأرضي للتخزين، بينما كانت معيشتهم في الطابقين الأول أو الثاني، أما الطرقات بين المساكن فتبدو ضيقة وتتجه إلى مركز القرية، فيما كانت مقابر الموتى منهم في مدافن ومذيلات برجية متدرجة، وهو ما يشير إلى علو مكانة المدفون حيث توضع قطع ثمينة في بعض المدافن، مثل: الفخار أو الأسلحة المعدنية أو الفؤوس والخناجر، واستخدم سكان القرية الخَرز في ملابسهم، فيما كانوا يصنعون الفخار ويعملون في التجارة به، إضافةً إلى العمل بالمعادن، وزراعة الحبوب وتربية الكائنات الحية، إذ كان النظام الغذائي المحلي يعتمد بشكل كبير على الأغنام والماعز، كما يظهر الاكتشاف التعاون بين السكان، لتعزيز أسوارهم بالحجارة الجافة والطين.
المشاريع الأثرية للهيئة الملكية لمحافظة العلا
تشرف الهيئة الملكية لمحافظة العلا على عشرة مشاريع أثرية، بمشاركة 100 عالم آثار ومختص في العلا وخيبر، ويسهم اكتشاف القرية الأثرية في واحة خيبر في ترسيخ مكانة العلا والمملكة مركزًا عالميًا للأبحاث الأثرية والحوار الثقافي، وجاء إعلان الاكتشاف بعد انعقاد ندوة العلا العالمية للآثار 2024، التي أقيمت من 30 – 31 أكتوبر 2024م، وشهدت مشاركة مجموعة متعددة التخصصات من علماء الآثار وخبراء التراث الثقافي من جميع أنحاء العالم حول موضوع "استشراف المستقبل: آثار وتراث المجتمعات المتنقلة عبر الماضي والحاضر والمستقبل".
وتضاف الاكتشافات الجديدة إلى سلسلة من الدراسات التي بدأت منذ عام 2018م باستكشاف معالم العلا وخيبر القديمة، بما في ذلك المنشآت الحجرية الضخمة المعروفة باسم المستطيلات، والمصايد الحجرية، والطرق الجنائزية الطويلة التي ربطت بين المستوطنات والمراعي عبر ممرات محاطة بالمدافن، إضافة إلى المساكن المعروفة باسم الدوائر الحجرية المنصوبة.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة