الأرز الحساوي، هو أحد المحاصيل الزراعية التي اشتهرت بها محافظة الأحساء في المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، يتصف بتحمله لعدد من الإجهادات البيئية كالملوحة والجفاف. ويحتل المرتبة الثانية من حيث الإنتاج في محافظة الأحساء بعد التمور.
يُعرف الأرز الحساوي في اللهجة المحلية بـ"العيش الحساوي"، وهو من المأكولات التي تعبِّر عن الهُوية الثقافية للأحساء حين يقصدها الضيوف والسياح في زياراتهم للمعالم التاريخية في واحة الأحساء المُدرجة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو".ويُزرع الأرز الحساوي في واحة الأحساء منذ قرون، وينتج بكميات تكفي حاجة المجتمع المحلي، ويصدر الفائض منه للمناطق المجاورة.
ليست الأحساء الموطن الأصلي للأرز الذي يُنسب إليها، وإنما جاءت بذوره من جنوب شرقي وجنوبي آسيا، وتحديدًا من الهند والعراق، في ظل التبادل التجاري في ذلك الوقت، وبدأت تنتشر وتتكاثر في الأحساء إذ كان الإنتاج وفيرًا في كثير من قرى ومدن الأحساء، ولكن تراجع إنتاجه بسبب عوامل بيئية واقتصادية أدت إلى تقلص المساحات المزروعة بهذا الأرز.
زراعة الأرز الحساوي
ناسبت تربة محافظة الأحساء بذور الأرز الحساوي، الذي يُزرع في فصل الصيف تحت درجة حرارة عالية قد تصل إلى 50 درجة مئوية، وهو نبات عشبي حولي صيفي، يتميز بحبته الحمراء التي يمكن أن يصل طولها إلى 10 ملم.
ويزرع الأرز الحساوي في مدينتي الهفوف، والمبرز، وشمالي الأحساء، وتحديدًا في قرى القرين، والمطيرفي، والوزية، ويحتاج إلى جانب الحرارة مدة ضوء طويلة، ويفضل محصول الأرز التربة الطينية الثقيلة ذات الحموضة الخفيفة التي تحتفظ بالماء لفترات طويلة، كما أنه من المعروف أن الأرز يستهلك كمية كبيرة من الماء، ولذلك يجب أن تكون زراعته في الضواحي المحاطة بالنخيل، وبهذه الطريقة يكون استهلاكه للماء أقل.
وقبل البدء في زراعة الأرز يحرث المزارعون التربة، وتكون الزراعة على مرحلتين، أولاهما: اختيار مكان للبذور التي تزرع خلال برجي الثور والجوزاء، أي في مايو ويونيو، وتنثر الحبوب في مشتل ذي مساحة جيدة، وتغطى بطبقة من الطين السميك ثم تروى بالماء بشكل يومي في البداية، ثم ينظم الري بعد ذلك كل ثلاثة أو أربعة أيام، حتى تكبر تلك البذور وتتحول إلى شتلات، ويستمر ذلك لمدة شهرين تقريبًا.
وبعد شهرين تأتي المرحلة الثانية، وفيها تنقل الشتلات إلى الأرض المخصصة التي سيُزرع بها زراعة دائمة، وذلك خلال يوليو وأغسطس بحسب النوع، إذ تُغرس الشتلات في أرض مغمورة بالماء، ويجب أن تستمر عملية الري لمدة تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة أيام والتوقف لمدة تصل إلى خمسة أيام، ويعاود الري، وهكذا تستمر الحال إلى أن يأتي موسم الحصاد.
حصاد الأرز الحساوي
يطلق مزارعو الأحساء على موسم حصاد الأرز الحساوي اسم "الوسمي"، ويُعد من الأيام السعيدة في الأحساء، كما هو بدء موسم زراعته. ويرتبط حصاد الأرز الحساوي بتغيّر لونه، إذ حين يكتمل نموه وذلك باصفرار الأرز بصورة كاملة في أواخر شهر ديسمبر تبدأ عملية الحصاد يدويًا، ويربط على هيئة حزم وينقل ليفرش ويترك لعدة أيام إلى حتى يجف، وبعدها تأتي عملية الدراس، أو ما تسمى "التذرية"، وهي عملية فصل الشلب (القشر الخارجي) عن النبتة الأصلية للأرز.
وتجري عملية التذرية آليًا ويخرج نوع من الأرز يسمى "شلب"، وهو غير صالح للأكل، ويحتاج إلى عملية أخرى لنزع الشلب، ويكون ذلك آليًا كذلك، وبعد تنقيته يفصل الأرز الصافي، الذي يبدأ المزارع في تسويقه وبيعه، فيما تستخدم بقايا الأرز علفًا للحيوانات.
حجم الإنتاج من الأرز الحساوي
في عام 1382هـ/1962م، بلغ إنتاج محافظة الأحساء من الأرز الحساوي، نحو 20 ألف طن، وانخفضت الكمية حاليًا إلى ما بين 400 أو 500 طن، بسبب تقلّص الرقعة الزراعية وقلة المياه. وتنتج الأحساء من الأرز المقشر، نحو 400 طن، وتتأرجح كمية الإنتاج من عام إلى آخر، إذ بلغت كمية المساحة المزروعة أرزًا عام 1424هـ/2003م نحو 1569 دونمًا، فيما وصلت نسبة الإنتاج إلى 392 طنًا، وفي عام 1425هـ/2004م بلغت المساحة المزروعة 1414 دونمًا، وكمية الإنتاج 353 طنًا.
ويصل الإنتاج السنوي حاليًا إلى نحو 4000 موسمية. والموسمية هي كيسان كبيران من الأرز، يزن الواحد نحو 60 كجم، ويصل معدل إنتاج المزرعة الواحدة إلى ما بين 10 و15 موسمية، حسب المساحة المزروعة، أي إن إنتاج الأحساء يقدّر بنحو 480 طنًا في السنة الواحدة. ويحظى الأرز الحساوي بقيمة تسويقية عالية، إذ يصل سعره إلى 43 ريالاً للكيلو الواحد.
أنواع الأرز الحساوي
يُعد الأرز الحساوي صنفًا من مجموعات "Indica وJaponica" و"Javanica"، ويتبع مجموعة "Indica". ويصُنف إلى "حساوي 1" كان استيراده وأقلمته تحت ظروف الأحساء البيئية منذ أكثر من 50 عامًا، و"حساوي 2" نتج عن التهجين بين صنفي "IRI112/Hasswi-1"، ويُسمى "Hasswi-2"، وهو أرز ذو حبة قصيرة لكنه يقع ضمن مجموعة الأرز الهندي - الياباني "Idica-Japonica Type"، أي إنه خليط بين مجموعة الأرز الهندي ومجموعة الأرز الياباني.
وهناك عدة أنواع للأرز الحساوي، فمنه ما يتباين في وقت زراعته وحجم حبة الأرز، ومنه ما يختلف في اللون إذ يميل إلى الأحمر القاتم، وهو الأرز الحساوي المحلي إلى جانب أصناف أخرى تختلف في القيم الغذائية.
وتتميّز من الأرز الحساوي ثلاثة أصناف معروفة في السوق المحلية: المحلي، والحساوي رقم 1، والحساوي رقم 2، ويطلق على الأخيرين اسم "هجين"، وتختلف هذه الأصناف فيما بينها لجهة وقت الزراعة وحجم الحبة، وكذلك حجم المجموع الخضري ودرجة اللون. فالأرز المحلي يكون لونه أحمر داكنًا، والهجين يميل إلى اللون الأحمر الفاتح، ويخالطه شيء من اللون الأبيض.
وتختلف الأنواع الثلاثة من الأرز الحساوي في مواعيد الزراعة ومدة النمو، إذ يزرع الحساوي المحلي من أواخر أبريل إلى أوائل يونيو بمدة نمو تمتد من 160 إلى 180 يومًا، والنوعان الآخران يزرعان من أوائل يونيو إلى أوائل يوليو بمدة نمو تمتد من 100 إلى 120 يومًا.
فرق بحثية تدرس الأرز الحساوي
شكلت كلية العلوم الزراعية والأغذية في جامعة الملك فيصل فرقًا بحثية لدراسة الأهمية الغذائية للأزر الحساوي وتسويقه، والآفات والأمراض، والحد منها ومن أضرارها، ودراسته على المستوى الجيني، وتحديد جينات مقاومته لبعض الأمراض، وأيضًا جينات المقاومة للملوحة والجفاف، لتطوير وتحسين أصناف الأرز الحساوي، والحفاظ عليه والتوسع في زراعته.
ويعد الأرز الحساوي مصدرًا لعدد من جينات المقاومة لمرض لفحة الأرز، وتحمل بعض سلالاته جينات مقاومة يمكن استخدامها في برامج التربية، لمقاومة الإصابة بحشرة حفار الساق. ووظف باحثو جامعة الملك فيصل، التقنية الحيوية لتحسين خصائص الأرز الزراعية، وتوسيع استخدامه بالطرق الحديثة، مما يتطلب توافر نظام لاستنبات المحصول نسيجيًا وتطوير النظام معمليًا. واستوفوا تطوير النظام المطلوب، كما نفذوا دراسة نمو الكالس وتراكم البرولين استجابة للإجهاد الأسموزي الناجم عن السوربيتول والسكروز في الزراعة النسيجية للأرز جرى استخدامها في إنتاج المركبات الثانوية ذات المنافع الطبية في الأرز الحساوي، شملت إنتاج ونشاط مضادات الأكسدة من زراعة الخلايا، وتأثير محفزات إنتاج المركبات الأيضية، مثل حمض الساليسيليك، ومستخلص الخميرة والبكتين، مما يسهل الإنتاج المعملي للمركبات الثانوية على النطاق التجاري. وخلص الباحثون إلى أن وجود الأرز الحساوي في السعودية بهذه المواصفات يضعها في مصاف الدول المتقدمة في زراعة الأرز.
تحضير الأرز الحساوي
يعد الأرز الحساوي أحد الأطباق السعودية التي تعكس تسميتها مضمونها المباشر، إذ يعتمد نجاحه على الأرز الحساوي قصير الحبة. ويُعد الأرز الحساوي طبقًا رئيسًا ودسمًا نوعًا ما، لذا يحضر في وجبتي الغداء والعشاء، وهو من الأطباق التي تتقاطع في طريقة تحضيرها وشكلها النهائي مع طبق الكبسة، الذي يمثل أيقونة الوجبات السعودية الدسمة.
ويأخذ الأرز الحساوي قوامًا أكثر كثافة من الأرز العادي، ليشابه قوام طبقي الهريس والسليق، ويُخزن ويُقدم في حافظات تمنع تسرب البرودة إليه للاحتفاظ بحرارته أطول فترة ممكنة. ويمكن إضافة اللحم إلى الأرز الحساوي بعد تقطيعه إلى أجزاء صغيرة، وغالبًا ما يستخدم لحم كتف الغنم المقطع على هيئة أوصال متوسطة الحجم.
ويتم تحضير الأرز الحساوي على عدة أصناف للمائدة، تشمل:
الأرز المسلوق، ويُطبخ منه: الحساوي المحلي والأرز الأبيض.
الأرز المطبوخ بالطماطم، ويُطبخ منه: الحساوي المحلي والأرز الأبيض.
الأرز المحمر بالسمن، ويُطبخ منه: الأرز الحساوي المحلي والأرز الأبيض.
المزايا الصحية للأرز الحساوي
أكد بحث علمي صادر عن كلية العلوم الزراعية والأغذية في جامعة الملك فيصل، عام 1445هـ/2023م، أهمية الأرز الحساوي الغذائية، لاحتوائه على البروتينات، والنشويات، والأملاح المعدنية، والفيتامينات، ومضادات الأكسدة، والمركبات الحيوية النشطة، مقارنة بأنواع الأرز الأبيض منتشرة الاستهلاك، إذ تقل نسبة النشويات في الأرز الحساوي بنسبة 15% مقارنة بأنواع الأرز الأخرى، في مقابل أن البروتين أعلى بنسبة 30%، والألياف الغذائية أعلى بنسبة 65%، وتبلغ نسبة الدهون 1.99% وهي في غالبها دهون غير مشبعة، كما يحوي مركبات حيوية نشطة تحافظ على صحة الجسم، وتحميه من الأمراض المزمنة، ويتميز بكونه مضادًا لمرض السكري، لاحتوائه على الألياف الغذائية والمركبات الفينولية التي تزيد من الشبع وتقلل الشهية، وتخفض استجابة جلوكوز الدم، مما يؤدي إلى التحكم في السعرات المتناولة وتقلل مخاطر الإصابة بزيادة الوزن والسمنة، كما يحوي ضعف ما هو موجود في الأرز العادي، وثلاثة أضعاف من فيتامين الثيامين، والأعلى من الفلافونويدات، والفينولات، ومضادات الأكسدة.
ويعد الأرز الحساوي رمزًا للضيافة والكرم والاحتفاء بالضيف، ويقدم وجبة رئيسة في السحور خلال شهر رمضان. كما يقدم بوصفه ذا قيمة صحية وغذائية، لاحتوائه على نسبة عالية من الحديد.
وتبلغ النسبة المئوية للكربوهيدرات في الأرز الحساوي 65.978، ويقدَّر محتواه من السعرات الحرارية بنحو 1800 وحدة حرارية في الليبرة (ثلاثة أرباع الكيلوجرام)، مما يجعله طعامًا مفضلاً لكبار السن المصابين بكسور في العظام وآلام المفاصل.
يوم الأرز الحساوي
ضمن الاهتمام الرسمي والعلمي بالأرز الحساوي أقامت كلية العلوم الزراعية والأغذية في جامعة الملك فيصل، عام 1442هـ/2020م، فعالية "يوم الأرز الحساوي الأول" والمعرض المصاحب لها. وتضمن المعرض المشاريع البحثية المستقبلية على الأرز الحساوي، وركنًا يتناول تأثير الحرارة والرطوبة في تخزين وجودة الأرز الحساوي، وطرق تخزينه، والتعريف الجزيئي لجينات ذات علاقة بمقاومة الملوحة في الأرز الحساوي، والإنتاج المخبري وتقييم المركبات الثانوية من مزارع خلايا الأرز الحساوي، إضافة إلى صور احترافية تجسد مراحل زراعة الأرز الحساوي وحصاده، وصولا إلى المائدة.
الأرز الحساوي ضمن الأغذية المهددة بالاندثار
انضم الأرز الحساوي عام 1444هـ/2022م، إلى قائمة "سفينة التذوق" لمنظمة سلو فود للأغذية المهددة بالاندثار، بعدما سجلته هيئة فنون الطهي ضمن 13 عنصرًا غذائيًا من الأغذية السعودية الشهيرة في القائمة، ضمن مشاركتها في فعاليات سالون ديل غوستو - تيرا مادري المقامة في مدينة تورينو الإيطالية.
وتمثل هذه الأصناف 13 منطقة من مناطق السعودية، بهدف المحافظة على الإرث التاريخي لفنون الطهي في السعودية، وإبراز هذه الأصناف الغذائية والتشجيع على المحافظة عليها، وحمايتها من الاندثار.
الأرز الحساوي الطبق المناطقي للمنطقة الشرقية
سمت هيئة فنون الطهي، عام 1445هـ/2024م، الأرز الحساوي طبقًا مناطقيًا للمنطقة الشرقية، وذلك ضمن مبادرة "روايات الأطباق الوطنية وأطباق المناطق"، التي أطلقتها الهيئة مطلع عام 2023م، بإعلان تسمية "الجريش" طبقًا وطنيًا للسعودية، إضافة إلى "المقشوش" بوصفها الحلوى الوطنية.
وتهدف "روايات الأطباق الوطنية وأطباق المناطق" إلى الاحتفاء بثقافة فنون الطهي السعودي، والاستثمار في قيمتها الرمزية، وتوثيق وصفاتها المتنوعة، لتعزيز تداولها بين الجمهور من الشرائح المختلفة؛ محليًا ودوليًا، والمحافظة عليها بوصفها وجهًا من أوجه التراث الثقافي لمختلف مناطق السعودية.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة