الاحتطاب في السعودية، هو من الأنشطة البشرية المتعلقة بجمع الحطب وصناعة الفحم، وتؤدي إلى الإضرار بالغطاء النباتي في المملكة العربية السعودية، الذي يواجه عددًا من التحديات البيئية، مثل: قلة الأمطار، وظروف الجفاف، والارتفاع والتدني الكبيرين في درجات الحرارة، والتعرض للإشعاع الشمسي العالي.
ينمو في السعودية 120 نوعًا من الأشجار، ويوجد 80% من هذه الأنواع في جنوبي البلاد، وتسهم في توفير المنتجات الخشبية ومنتجات أخرى، منها العسل. كما تسهم في حفظ التوازن البيئي، وتوفير الغذاء للحيوانات المستأنسة والبرية، والمحافظة على التنوع الحيوي، إضافة إلى أنها تستخدم كمتنزهات ومصدات للرياح، وتستخدم منتجاتها في بناء المنازل والصناعات اليدوية، أو صناعات الأدوات الزراعية، إضافة إلى استخداماتها الطبية، والاقتصادية، والبيئية.
الاحتطاب العشوائي والرعي الجائر
أدى الاحتطاب العشوائي والرعي الجائر والتوسع العمراني إلى تدهور الغطاء النباتي في السعودية، وأسهم انخفاض الوعي البيئي والجشع، واستخدام التقنيات الحديثة، مثل المناشير الآلية والسيارات ذات الدفع الرباعي، في التوسع في عمليات الاحتطاب، مما زاد من حجم تدهور الغطاء النباتي.
وكانت السعودية تشهد سنويًا تعرية ما مساحته 120 ألف هكتار من الأشجار والشجيرات، والأنواع الشجرية المحتطبة هي: السمر، والغضا، والأرطى. وقدر حجم التدهور السنوي للغطاء النباتي الشجري نتيجة احتطاب أشجار السمر بنحو 3,376 هكتارًا عام 1423هـ/2002م، ووصل إلى 13,712 هكتارًا عام 1444هـ/2023م، كما قدرت كميات حطب الغضا المعروضة في أسواق السعودية سنويًا بنحو 4,623 طنًا، أما كمية حطب الأرطى المعروضة فقدرت بنحو 4,188 طنًا سنويًا.
أسباب زيادة وتيرة الاحتطاب
يعد إشعال النار في الصحراء والمنازل من العادات الراسخة في المجتمع السعودي، وكانت تدعو إليه الحاجة سابقًا، أما حاليًا فهو وسيلة للترفيه، لتوافر بدائل الطاقة المنخفضة التكلفة في بلد يعد أكبر منتج للطاقة، إلى جانب زيادة عدد السكان وتحسن مستواهم المعيشي.
ولا يزال كثير من المواطنين يعتقدون أن استخدام الحطب والفحم النباتي المحلي في الطبخ والتدفئة له مزايا لا تتوافر في الأنواع الأخرى من مصادر الطاقة، سواء الحطب المستورد، أو المشتقات البترولية، أو الغاز أو الكهرباء، كما أن استخدام التقنيات الحديثة مثل المناشير الآلية، واستخدام السيارات رباعية الدفع في التوسع في عمليات الاحتطاب، زادت حجم تدهور الغطاء النباتي، ومن الأسباب كذلك وجود عائد اقتصادي من تسويق الحطب، وكذلك ضعف الرقابة، وعدم تطبيق النظم والتشريعات التي تمنع الاحتطاب بالكفاءة المطلوبة.
أخطار الاحتطاب على الاقتصاد والبيئة
للاحتطاب أخطار كبيرة على اقتصاد السعودية وبيئتها، منها انخفاض إنتاجية الأراضي، سواء الخشبية أو المنتجات غير الخشبية، كإنتاج العسل، وتقلص إنتاج الأوكسجين الضروري للحياة، وزيادة نسبة تلوث الجو بالكربون والملوثات الأخرى، فضلًا عن ازدياد أخطار السيول والفيضانات نتيجة تعرية التربة من الغطاء النباتي.
وتشمل الأخطار أيضًا انجراف التربة السطحية وفقد خصوبتها واتساع مساحة التصحر وزحف الرمال والعواصف الرملية والترابية بسبب اختفاء الغطاء النباتي، إضافة إلى تغير في المناخ المحيط بالمناطق التي تتعرض لإزالة أشجارها وغطائها النباتي الطبيعي، وانخفاض مخزون المياه الجوفية السطحية المتكونة نتيجة تسرب مياه الأمطار في التربة، لعدم وجود غطاء نباتي يسمح بالتسرب البطيء لمياه الأمطار إلى أعماق التربة.
ومن الأخطار كذلك فقد عناصر التنوع الأحيائي النباتي والحيواني، ومن ثمّ فقد كثير من الأصول الوراثية المحلية، التي هي ملك للأجيال المقبلة، والتأثير السلبي في السياحة الداخلية في المتنزهات الوطنية، وفي سياحة البر، وكذلك التأثير السلبي في خطط التنمية الاقتصادية المستقبلية، وزيادة البطالة في المناطق الريفية وتهديد مستقبل الأجيال المقبلة من سكان السعودية.
جهود رسمية لوقف الاحتطاب
تضع وزارة البيئة والمياه والزراعة بالتعاون مع جهات أخرى خططًا وتشريعات لوقف تدهور الغطاء النباتي، وتحقيق التنمية المستدامة للغابات والمراعي الطبيعية بالسعودية، ولوقف الاحتطاب، ومنع بيع الحطب والفحم المحلي، وتشجيع استيراد واستخدام المستورد بديلًا للمحلي، للحد من قطع الأشجار والشجيرات، وتدمير الغطاء النباتي والبيئة الطبيعة.
ومن هذه الجهود وضع استراتيجية وخطة وطنية للغابات، للفترة من 1426 - 1446هـ، أقرها مجلس الوزراء عام 1425هـ، وإصدار نظام المراعي والغابات بقرار مجلس الوزراء ولوائحه عام 1398هـ، وكان تحديثه عام 1425هـ، وألغي بصدور نظام البيئة عام 1441هـ/2020م. وتنص إحدى مواد هذا النظام على أنه "يحظر الإضرار بالأشجار والشجيرات النامية في أراضي المراعي والغابات، كما يحظر استعمال مواد ضارة، أيًا كان نوعها، على هذه النباتات أو بالقرب منها، أو استعمال وسيلة أخرى تتسبب في إضعاف أو موت الأشجار أو الشجيرات أو الأعشاب النامية في بيئتها الطبيعية".
ومن الجهود كذلك إيقاف إصدار تراخيص الاحتطاب والتفحيم ونقلها، وكذلك منع تصدير الحطب والفحم من داخل السعودية إلى خارجها، منعًا باتًا، وتعيين حراس في مناطق الغابات والمراعي في مختلف المناطق، إضافة إلى التعاقد مع إحدى الشركات الأمنية المختصة.
كما صدر قرار مجلس الوزراء رقم 129 بتاريخ 19 جمادى الأولى 1423هـ/29 يوليو 2002م، القاضي بإعفاء الحطب والفحم المستوردين من الرسوم الجمركية. كما صدرت تعاميم وخطابات من وزارة الداخلية لأمراء المناطق، بالتأكيد على عدم السماح للسيارات التي تحمل الحطب، إلا بإذن رسمي، وكذلك منع بيع الحطب المحلي بالأسواق، ودعوة التجار لاستيراد الحطب والفحم عن طريق مجلس الغرف التجارية الصناعية. كما وجهت الدعوة للمواطنين والمقيمين باستخدام الحطب والفحم المستوردين.
حظر الاحتطاب في نظام البيئة
تناول نظام البيئة الصادر بمرسوم ملكي بتاريخ 19 ذي القعدة 1441هـ/10 يوليو 2020م، وقرار مجلس الوزراء بتاريخ 16 ذي القعدة 1441هـ/7 يوليو 2020م، حماية أراضي الغطاء النباتي، وأفرد لها فصلًا خاصًا يضم عدة مواد، إذ حظر النظام ممارسة أي نشاط أو عمل داخل أراضي الغطاء النباتي، دون الحصول على تصريح أو ترخيص. كما حظر ممارسة أي نشاط أو عمل في الأراضي التي تقع ضمن النطاق الحضري العمراني وتحتوي على غطاء نباتي، دون الحصول على تصريح أو ترخيص.
وحظر نظام البيئة أيضًا الإضرار بأراضي الغطاء النباتي، أو الإخلال بالتوازن الطبيعي فيها، بكل أشكاله، خصوصًا قطع الأشجار أو الشجيرات أو الأعشاب أو النباتات، أو اقتلاعها أو نقلها أو تجريدها من لحائها أو أوراقها أو أي جزء منها، أو نقل تربتها أو جرفها، أو الاتجار بها، وكذلك حظر النظام إنتاج الحطب أو الفحم المحلي، أو نقلهما، أو تخزينهما، أو بيعهما، أو الترويج لهما دون الحصول على تصريح أو ترخيص.
اللائحة التنفيذية لمخالفات الاحتطاب
عدت اللائحة التنفيذية لمخالفات الاحتطاب قطع الأشجار أو الشجيرات أو الأعشاب أو النباتات في أراضي الغطاء النباتي، أو اقتلاعها أو نقلها أو إيذاءها أو تجريدها من لحائها أو أوراقها أو أي جزء منها، أو نقل تربتها أو جرفها، أو الاتجار بها دون الحصول على ترخيص أو تصريح مخالفةً لأحكام اللائحة.
وحظرت اللائحة استخدام الحطب والفحم المحليين في النشاط التجاري، كالمطاعم والمطابخ والمخابز، فيما تعد ممارسة نشاط احتطاب دون ترخيص أو تصريح مخالفة لأحكام النظام واللائحة.
وعلى صعيد العقوبات، نصت اللائحة على أن قطع الأشجار من أراضي الغطاء النباتي أو اقتلاعها أو نقلها أو تجريدها من لحائها أو أوراقها أو أي جزء منها أو نقل تربتها أو جرفها، أو الاتجار بها، دون ترخيص، يعاقب عليه بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات، وغرامة لا تزيد على 30 مليون ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وإذا تبين حدوث ضرر بيئي ناتج عن المخالفة يستدعي الحاجة إلى إعادة التأهيل، فيتولى المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، تقدير الضرر البيئي وحساب قيمة التعويضات بحسب كل حالة، وفقًا لتكلفة إعادة التأهيل وإرجاع الوضع البيئي إلى ما كان عليه قبل المخالفة بقدر الإمكان.
ويجب على المخالف إزالة الآثار المترتبة على المخالفة ودفع التعويضات التي يحددها المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، خلال فترة 60 يومًا من تاريخ إبلاغه بها.
حملات لمواجهة الاحتطاب
تنفذ وزارة البيئة والمياه والزراعة حملات تفتيش وجولات ميدانية؛ لوقف تدهور الغطاء النباتي وتحقيق التنمية المستدامة للمراعي والغابات الطبيعية، وتعاقب المخالفين من خلال تطبيق اللائحة التنفيذية.
وتهدف هذه الحملات لتنمية الغطاء النباتي الطبيعي، والحد من آثار التصحر، واستعادة التنوع الأحيائي في البيئات الطبيعية، وإعادة تأهيل مواقع الغطاء النباتي المتدهورة، إلى جانب تعزيز السلوكيات الإيجابية للحفاظ على بيئة الوطن، وحماية البيئة وتحسين جودة الحياة، عبر زراعة الأشجار والحفاظ عليها في مختلف المناطق، لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر.
كما تهدف الحملات لحث المحال التجارية والمطاعم، على استخدام البدائل، مثل: الحطب والفحم المستوردين، والإبلاغ عن المخالفين، حفاظًا على الغطاء النباتي، وتفاديًا للعقوبات.
القوات الخاصة للأمن البيئي ومنع الاحتطاب
في سياق حماية أراضي الغطاء النباتي ومنع الاحتطاب والحفاظ على البيئة عمومًا، أنشئت القوات الخاصة للأمن البيئي التابعة لوزارة الداخلية، عام 1440هـ/2019م، وبدأت تنفيذ مهامها في العام التالي. وتتولى مهام ومسؤوليات لإنفاذ الأنظمة البيئية، بالتنسيق مع الجهات المعنية البيئية والأمنية. وتعمل القوات الخاصة للأمن البيئي وفق استراتيجية تهدف إلى تغطية المناطق البيئية في السعودية من محميات ملكية ومحميات طبيعية وغابات ومراعٍ ومتنزهات ومناطق مهمة للطيور ومناطق ساحلية والمناطق الحضرية والضواحي.
جهود ميدانية للحد من الاحتطاب
أطلقت وزارة البيئة والمياه والزراعة دوريات لحماية ومراقبة الغابات والمتنزهات، كما تستخدم طائرات دون طيار "درونز"، لرصد التعديات والمخالفات على الغطاء النباتي وكشفها، وضبط مرتكبيها، واتخاذ الإجراءات المناسبة وفق اللوائح التنفيذية لنظام البيئة.
وتعمل الوزارة على حماية مواقع الغطاء النباتي والرقابة عليها وتأهيل المتدهور منها، والكشف عن التعديات عليها، ومكافحة الاحتطاب، إضافة إلى الإشراف على إدارة أراضي المراعي والغابات والمتنزهات الوطنية واستثمارها.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة