العمارة التقليدية في منطقة المدينة المنورة، هي نمط معماري وأسلوب بناء يُظهر تاريخ المجتمع وتطور العمران في منطقة المدينة المنورة غربي المملكة العربية السعودية، من حيث مظهرها الخارجي، والمواد الداخلة في تكوينها، والأساليب الزخرفية، وتتشكل في كل زمان وفقًا للظروف المحيطة بسكان المنطقة واحتياجاتهم.
البيوت التقليدية في المدينة المنورة
يتكون البيت التقليدي في المدينة المنورة من دورين أو ثلاثة، وفي حالات أخرى يُزاد دور رابع، وتشيع المباني ذات الدورين، ويُستخدم الدور الثاني منها في فصل الشتاء؛ لأنه أكثر دفئًا، وحوائطه أقل سماكة، مما يساعد على نفاذ الحرارة، أما الأدوار السفلية فتكون عادةً للصيف حيث تكون أكثر برودة من الأدوار العليا لسماكة حوائطها مما يجعلها أكثر حمايةً من حرارة الشمس، وتحتفظ برطوبتها مدة أطول خاصة بعد رش أرضيتها بالماء.
المساقط الأفقية للبيوت التقليدية في منطقة المدينة المنورة
تختلف المساقط الأفقية للبيوت التقليدية، فمنها المنتظمة، ومنها الحُرة:
- البيوت ذات المساقط المنتظمة: تظهر فيها البيوت بشكل متوازي المستطيلات أو المكعب، وتمتاز بعدم وجود أي بروزات في أدوارها العليا عدا بروزات الرواشين، وتمتاز هذه النوعية من المباني باستقلالها عن أجزاء النسيج الأخرى، أي أنها تكون معمارًا منفصلًا بذاته، وتحتوي بعض هذه البيوت على فناء داخلي يضم جميع العناصر بداخله بما فيها من مزروعات وعناصر مائية جمالية، وعُرف هذا النوع من المباني بخصوصية عالية، إذ تُوجّه نوافذه غالبًا للأفنية الداخلية، ويخفف وجود الفناء من درجات الحرارة العالية، ويحمي فتحات الغرف من شعاع الشمس المباشر، كما أن زراعة هذه الأفنية وإضافة العناصر المائية فيها -التي توفر الرطوبة- يساعد على تلطيف الأجواء.
- البيوت ذات المساقط الحرة: هي بيوت ليست محددة بأشكال منتظمة، فيكون لكل بيت مسقطه الخاص، لكنه مع ذلك يظهر متجانسًا مع البيوت حوله، وتصف البيوت ذات المساقط الحرة مدى الترابط الاجتماعي لسكان المدينة. وبصورة عامة: تتشابه البيوت في العناصر الرئيسة المكونة لها، ويختلف بعضها عن بعض في عدد العناصر وموقعها في المبنى بما يتناسب مع الشكل، فإذا زادت مساحة المبنى احتوى مسقطه الأفقي على العناصر والمكونات الداخلية المعروفة في البيت التقليدي جميعها وإذا قلّت المساحة قلت العناصر وقلت مساحتها.
عناصر البيت التقليدي في منطقة المدينة المنورة
تُقسم عناصر البيت التقليدي في المدينة المنورة إلى أربع وحدات: القاعة، والديوان، والعناصر الحركية الرأسية، إلى جانب وحدة الاستخدامات المختلفة والخدمات:
- القاعة: عبارة عن إيوانين متقابلين يفصل بينهما ما يُعرف بالجلى المرتفع عن المبنى والمفتوح من أعلى، ويغطى بقماش سميك يُسمى القلع، ويثبت على قوائم خشبية قابلة للحركة للتحكم في فتح وإغلاق هذه التغطية من خلال حبل مربوط بهذه التغطية ومثبت أسفل القاعة، وعند سحبه يُفتح الجلى ويدخل الضوء والهواء، وتفتح نوافذ غرف الأدوار العليا. ترتفع أرضية الإيوانين عن أرضية الجلى حمايةً لها من السقوط أو حدوث تسرب لمياه الأمطار من خلال الجلى إلى داخل القاعة. وتكون القاعة عادةً دون نوافذ، وتحصل على التهوية من خلال الجلى الذي يتوسطها، كما يساعد عدم وجود نوافذ أو فتحات مفتوحة إلى الخارج على تبريد الجو في القاعة، خاصة مع إضافة نافورة تلطف حركة الهواء في الصيف. وتُعد القاعة من أهم العناصر الداخلية لمكونات البيت التقليدي، فتُستخدم لاستقبال الضيوف، أو للمعيشة في الصيف، وتُقام المناسبات في هذه القاعة.
- الديوان: من أبرز عناصر البيوت التقليدية بعد القاعة، وغالبًا يتوسط المسقط الأفقي للدور الأرضي، وهو عبارة عن إيوان وفناء تهوية، ويتشابه الديوان مع القاعة في كثير من المواصفات، إلا أن الديوان يحوي إيوانًا واحدًا يُفتح للجلى مباشرة. ترتفع أرضية دكة الديوان عن منسوب أرضية فرش الحجر بمقدار درجة واحدة أو درجتين، تفاديًا لوصول الأمطار إلى فرش الحجر، كما أن الديوان لا يحتوي على نوافذ أو فتحات خارجية، ويحصل على الإنارة والهواء عن طريق الجلى المغطى بقماش سميك، وتُسمى هذه التغطية التندة، وتستخدم للحماية من دخول الأمطار والغبار إلى الديوان، كما تحد من حرارة الشمس في فصل الصيف، ويمكن التحكم في فتح التندة وإغلاقها حسب الحاجة، وفي زوايا أرضية الجلى يوجد تصريف لمياه الأمطار والمياه الناتجة من غسيل الأرضية. تكثر النوافذ المجوّفة في الحوائط السميكة في الديوان، وتنتهي بعقود مدببة أو نصف دائرية من أعلى، وتُثبت بين جانبي هذه النوافذ رفوف خشبية توضع عليها التحف والفناجين والمزهريات، إلى جانب الإضاءات الصغيرة المستخدمة قديمًا كالفوانيس والقمرية، وكانت النوافذ موضع اهتمام، فكانوا يحرصون على زخرفتها وتلوينها وتغطيتها بأنواع ستائر خاصة.
وبعض البيوت التقليدية تضم أكثر من ديوان، وبعضها تضم أكثر من إيوان، ويعتمد ذلك على مساحة البيت وشكل مسقطه.
- عناصر الحركة الرأسية: تتمثل بالدرج الذي يربط بين أجزاء البيت، ويمكن الوصول إليه من خلال ممر متصل بصالة المدخل الرئيس (الدهليز). يتخلل الدرج مناور صغيرة لإنارتها وتهويتها، وتكون المناور غالبًا في الحوائط وبعدد متناسب مع قلبات الدرج، وتتميز بعض البيوت التقليدية بكثرة قلباتها لتقليل عدد الدرجات وإنشاء ما يسمى بالمسروقة وحمامات الدرج، وتستخدم الفراغات المتكونة أسفل الدرج والمعروفة محليًّا باسم الحنية لتوضع فيها خزانات المياه.
ويُبنى الدرج من الحجر، وكل درجة تتكون من قطعة واحدة، يُثبت طرفاها بين جداري الدرج، وتختلف أبعاده من بيت لآخر، ويُطلق معلمو البناء التقليدي في المدينة المنورة على وحدات الدرج "السنة"، والمقصود بها كل دعسة حجرية غير مجزأة، وتُثبت غالبًا بتثبيت طرفيها بين حائطين متوازيين، وتُركب كل عشرة سنتيمترات بقضيب قصير من حديد، تُدخل أطرافه في وحدات حجرية مجوفة، ثم يُصب حوله الرصاص السائل لتثبيت قطعة الحديد مع الوحدة الحجرية.
وحدة الاستخدامات المختلفة والخدمات
يضم البيت التقليدي في المدينة المنورة مجموعةً من العناصر التي تتميز بتعدد استخداماتها، منها المؤخرات المستخدمة لجلوس العائلة وطعامها، وتُستخدم كذلك للنوم خاصة في الشتاء، ومن هذه الوحدات:
- الدقيسي (الاسم التقليدي للعنصر) والمعروف كذلك بالمسروق أو غرفة مسروقة: تقع غالبًا بين الدورين الأرضي والأول أو بين الأول والثاني، وترتفع أرضيتها أحيانًا عن أرضية الدور المجاور بثلاث أو أربع درجات وتُستخدم لجلوس العائلة أو غرفة خاصة لكبيرها كالجد أو الجدة، وتُستخدم لاستقبال الضيوف.
- بيت البئر: يكون في الدور الأرضي، ويستمر فراغه إلى بقية الأدوار الأخرى، بحيث يسهل الحصول على المياه منه لاستخدامها في الغسيل والاستحمام، ولا تُستخدم للطهي أو الشرب ولكنه حاليًا لا يستخدم في العمارة الحديثة.
- بيت ماء الدرج: يقع في منتصف الدرج ويمكن الوصول إليه من خلال بسطة الدرج مباشرة أو من خلال درجات منفصلة تتصل بالبسطة، ويُستخدم للاستحمام وإمداد الماء الكافي لغسيل الدرج، ولكنه حاليًا لا يستخدم في العمارة الحديثة.
- الحنية: تقع في الدور الأرضي، وتكون في الفراغ أسفل الدرج، تُستخدم لوضع مرافع الشراب وخزانات المياه والأزيار لتبريد المياه، وأحيانًا تُستخدم لتخزين أعلاف الحيوانات، خاصة البرسيم.
- بيت الدرج: يغطي الفراغ الموجود أعلى الدرج، ويكون على شكل سقيفة تبدو بارزة من أعلى السطح، تحمي الدرج من المؤثرات الخارجية كالأتربة والشمس والأمطار، ويُركب لهذه الغرفة باب في السطح يمكن فتحه وإغلاقه.
- الطيرمة: مستودع صغير للفرش، يكون السطح مجاورًا لبيت الدرج، وفي الغالب يرتفع منسوب أرضية الطيرمة عن السطح بما يُقدر بمتر أو متر ونصف المتر تفاديًا لوصول الأمطار المتساقطة على السطح، وتُستخدم لوضع الفرش صباحًا للحفاظ عليه من المطر والشمس، ثم يُخرج مرة أخرى في الليل للنوم عليه.
- الخورنق: الزوايا الصغيرة أو الفراغات غير المستفاد منها، وتُستخدم لتخزين الملابس والفرش، وغالبًا ما يكون لها باب خشبي صغير.
المصادر
- مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة.
- الهيئة السعودية للسياحة.
- وكالة الأنباء السعودية.
- البيوت التقليدية القديمة في المدينة المنورة. عبدالعزيز الكعكي. مجلة بحوث المدينة المنورة ودراساتها. 2002م.
الاختبارات ذات الصلة