العمارة التقليدية في منطقة جازان، هي نمط معماري، وأسلوب بناء يظهر تاريخ المجتمع وتطور العمران في منطقة جازان جنوب غربي المملكة العربية السعودية، من جانب الشكل وطرق البناء، والمواد الداخلة فيها، تكونت وفقًا للظروف الطبيعية والاجتماعية في المنطقة، لتظهر خصائصها البيئية والحضارية، حيث يطوع السكان الموارد المتوفرة للبناء لإضافة العناصر الجمالية، بحيث تتواءم مع احتياجات المجتمع ونمط معيشته، سواء في العمران القديم أو الحديث.
النسيج العمراني التقليدي في منطقة جازان
يتنوع النسيج العمراني لمنطقة جازان بحسب تنوع التضاريس فيها، ويمكن أن يقسم إلى ثلاثة أقسام هي:
- النسيج العمراني في السهول الساحلية: يتسم بنمط المباني المتناثرة والطرق المتعرجة، خاصة في الجنوب.
- النسيج العمراني في منطقة الوديان: يشبه نمط المباني في المناطق الساحلية، إذ تتناثر وتتعرج الطرق، وتظهر الأبنية ذات الفناءات الداخلية، إلى جانب بيت العشة والبيت الحجري التقليدي.
- النسيج العمراني في المناطق الجبلية: تشيد مباني المناطق الجبلية بارتفاع عالٍ، ويمكن تقسيم النسيج العمراني فيها إلى نمطين، هما: نمط المباني المتناثرة، الذي يقام على المدرجات الزراعية، وتكون المساكن في أعلى المنطقة للإشراف عليها وحمايتها، ويرى هذا النمط في جبال فيفاء، ونمط المباني المتلاحمة الذي يتأثر تخطيطه بالنواحي الأمنية، إذ بنيت المساكن متلاصقة تمامًا، وتكون في سفوح الجبال أو المناطق المرتفعة.
تصميم المباني التقليدية في منطقة جازان
يختلف تصميم المباني التقليدية في منطقة جازان من مكان لآخر، تبعًا للعوامل الحضارية والبيئية والمناخية، ويعتمد ذلك على الموارد الطبيعية المتوفرة للبناء، وينقسم إلى ثلاثة أنماط رئيسة، هي: نمط البناء التقليدي في السهول الساحلية، ونمط البناء في وديان تهامة، ونمط البناء في المناطق الجبلية.
تتعدد أنماط البناء التقليدي في السهول الساحلية لمنطقة جازان وتشمل:
- العشة: ينتشر نمط العشة على أطراف الأودية وفي السهول، ويبنى من دور واحد مرتفع السقف، يهيأ لاستقبال الضيوف والنوم، وتتخذ العائلة الواحدة عشة أو أكثر بحسب إمكاناتها وعدد أفرادها، وتأخذ العشة شكل المخروط من الخارج ويصمم مسقطها الأفقي بشكل دائري، يتراوح قطره بين ثلاثة وخمسة أمتار، ويكون له مدخلان متعامدان يساعدان في توزيع الهواء، تستخدم في بنائها أجزاء من الأشجار، إلى جانب بعض النباتات، ويغطى أسفلها بطبقة من الجص والطين، تعلق فيها الصحون الملونة وتضاف لها النقوش في الأرضيات والجدران لإضفاء لمسة جمالية.
وإلى جانب العشة يكون مبنى المطبخ الطيني ويسمى "بناية"، يضم مجموعة من المواقد التي يطلق عليها "التنور"، ويضاف إلى البيت عريش يضم أدوات المطبخ وموقدًا لإعداد القهوة يُسمى "صبل"، وعريش آخر مكشوف الجوانب، وتحصر هذه المساحة بسور من الأخشاب الخفيفة والقش التي تسمى "مشارج"، ويطلق عليها بما تضم من مبان "دارة".
- العريشة: تماثل العشة في تكوينها من دور واحد كغرفة رئيسة للمعيشة والاستقبال والنوم، وتختلف عنها في تصميمها المستطيل، وهذا النوع نادر، وتعد العريشة من المباني قصيرة العمر، نظرًا لطبيعة المادة المستخدمة في بنائها، فعمرها لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة عقود، ولم تعد تبنى بعد الاتجاه للبيوت الحديثة.
- البيت الفرساني: انتشر في جزيرة فرسان، وتأثر نمط المباني في البيت الفرساني بثقافة تجار اللؤلؤ قديمًا، الذين تنقلوا في رحلاتهم للبيع والشراء، واعتمد في بناء المنازل في فرسان على الموارد الطبيعية في الجزيرة، منها: الصخور الكلسية المتمثلة في الشعاب المرجانية، حيث يتحكم البناؤون في تشكيلها، إلى جانب الجص الخام، الذي توجد مناجمه بجزر فرسان، ويستخدم بطريقة بسيطة بدائية، عبر حرق صفائح الجص وطحنه ليصبح ناعمًا ويستخدم لتلييس الجدران، أو لإضفاء العناصر الجمالية والزخرفية، ونقش الآيات والأحاديث والعبارات الترحيبية التي تزين بها واجهات المنازل وأركانها.
ويتكيف تصميم المنزل الفرساني مع درجات الحرارة المرتفعة للمنطقة من خلال سماكة جدرانه، وصغر فتحاته الخارجية، وارتفاع سقفه، ومن شواهد عناية الفرسانيين بالأنماط المعمارية: بيت الرفاعي الذي يعود بناؤه إلى عام 1341هـ/1923م، حيث زين بالأحزمة المطلية باللون الذهبي، والمنقوشة بالآيات القرآنية، إلى جانب الأحزمة الخشبية الموضوعة على جدران المنزل الخارجية، التي نحتت عليها بعض الآيات، وعلى مقربة من المنزل يقع مسجد النجدي الأثري، المشيد عام 1347هـ/1928م، الذي يتميز بالنقوش والزخارف الإسلامية المشابهة لمسجد قصر الحمراء.
أنماط البناء التقليدية في وديان تهامة
تشمل أنماط المباني في وديان تهامة العشة والعريشة، إلى جانب المباني التقليدية الحجرية، التي تتكون من دور واحد، وتختلف عن البيت الحجري في المناطق الجبلية بحسب الظروف المناخية والعوامل الاقتصادية، ويبنى البيت من غرفتين، تكون الأولى واسعة للاستقبال، وتسمى "الغرفة"، تمييزًا لها عن الغرفة الصغيرة، أما الثانية المعدة للنوم فتكون صغيرة وتسمى "وسطة".
ويحاط البيت بملاحقه، ويحيط به سور من الحجر، أو سياج نباتي يسمى "سجف"، وللحماية تضاف الأشواك، وتسمى في هذه الحالة "زرب"، وتشكل نوافذها على هيئة العقد المخموس، وتبنى البيوت من الحجر البركاني والطوب الأحمر المحروق، ويستخدم الخشب للبناء والتسقيف، أما الجدران الداخلية والأرضيات فتكسى بالجص، والجدران الخارجية بحسب إمكانات صاحب البناء، إما بالجص وإما بالطين، ولتزيينها يستخدم الجص لتغطية الجدران، والزخارف الهندسية المتمثلة في الدوائر والنباتات المتنوعة، وتمتد الزخارف من منتصف الحوائط الداخلية إلى أعلى، أو يكتفى بزخرفة الأجزاء المقاربة للسقف، ويمكن طلاء الجص بالنورة التي يضاف لها اللون السماوي الممزوج بالأبيض، وأحيانًا تستخدم الدهانات والألوان الأخرى، تقاوم الظروف المناخية من خلال بناء النوافذ بحجم صغير، ورفع الأسقف، وتسميك الحوائط.
أنماط المباني في المرتفعات الجبلية بمنطقة جازان
تشيد المباني الحجرية وفق أسس جغرافية تتواءم مع الاحتياجات، وتتخذ المباني الواقعة في المرتفعات الجبلية في منطقة جازان اتجاهًا رأسيًا، وتتكون من ثلاثة أو أربعة أدوار أو أكثر، وتختلف في نمط بنائها، ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أنواع:
- المفتول: يبنى على صخرة عالية بشكل دائري مشابه للأبراج، بحيث يكون آمنًا ويسهل الاحتماء به من الأعداء.
- القرية: مجموعة بيوت تبنى متصلة بالبيت المفتول، تتخذ شكلًا دائريًا أو مربعات، وتلتصق بقصبة البيت، بحيث تشكل واجهة واحدة ومدخلًا واحدًا.
- المربوعة: بيوت تتخذ شكل المستطيل أو المربع، وكانت قليلة في الماضي، تتميز بإحكام بنائها وقلة نوافذها، إذ لا تحتوي الأدوار السفلية على نوافذ للدواعي الأمنية، ويختار موقعها بعناية، بحيث تشرف على ما حولها ويصعب وصول الأعداء إليها.
وتصمم المباني الحجرية بالحركة الرأسية بين فراغاتها، وتبنى عادة من ثلاثة أو أربعة طوابق ويمكن زيادتها، وتوزع الغرف فيها بحيث تكون أبوابها على الدرج مباشرة، يختلف تصميمها من مكان لآخر، فقد توجد غرفة نوم لرب الأسرة أعلى البناء، إلى جانب منطقة مفتوحة في السطح مخصصة للمراقبة، وتوجد فتحات صغيرة كانت تستخدم للرمي في الحروب، لكن التصميم العام لها يعتمد على الفراغات في الأدوار، ويخصص لكل دور وظيفة، وفق الآتي:
- الدور الأرضي: يستخدم كمخزن للحبوب، ومكان لإيواء المواشي.
- الدور الأول: يضم ممرًا لبقية الأدوار، وتخصصه العوائل الكبيرة مجلسًا رئيسًا على شكل دائري مكتمل، وأحيانًا يخصص جزء منه لتخزين الغلال الزراعية.
- الدور الثاني: يأخذ شكل نصف دائرة وأحيانًا يزيد قليلًا، يستغل ثلثه لإعداده مطبخًا، ويسمى سطحة، والثلثان الباقيان يعدان غرفة للمعيشة والنوم، تتسع لنحو ثلاث أسر.
- الدور الثالث: يغطي نحو ربع مساحة البيت، ويستعمل لتخزين الأشياء الثمينة والمهمة، ويكون بجواره مكان للغسيل والاستحمام يسمى المسرب.
المباني الجبلية في مرتفعات تهامة بمنطقة جازان
تستخدم الأحجار المتوفرة في الجبال للبناء في مرتفعات تهامة، إلى جانب الخشب الذي يستخدم للسقف، ويبنى على خطوات، تبدأ من تحديد مساحات وأبعاد البناء، وعدد الغرف والشكل الخارجي له، ثم تحفر الأساسات بعمق يصل إلى 5م، وتستخدم فيها الأحجار الكبيرة، وفي الخطوة التالية يحكم البناء من خلال تشبيك الأحجار وتشكيلها فيما يعرف باسم "الرسم"، ويراعى سمك الجدار، وتأخذ سماكته في التناقص تدريجيًا كلما ارتفع البناء، وتعبأ الفراغات بأحجار صغيرة لمنع دخول الهواء، ويغطى السقف بخشب على هيئة مربعات يسمى "العسلة"، إلى جانب القصب المسمى بـ"الجراع"، ويغطى من الخارج بطبقة طينية، وطبقة أخرى من الجير للحماية من الأمطار، ولإضفاء العنصر الجمالي يستخدم الحجر الأبيض الذي يسمى "المرو"، فيوضع براويز من الخارج، وتضيف ربة البيت طلاءً من الجص أو الطين مع بعض الألوان والزخارف لتجميله من الداخل.
الاختبارات ذات الصلة