العلاقات التجارية السعودية الدولية، هي حركة التبادلات التجارية للمملكة العربية السعودية منذ فترة ما قبل توحيد البلاد حتى اليوم، وقد تحدَّث بعض الرحالة عن حركة تجارية نشطة من خلال مشاهداتهم في ميناء العقير بالمنطقة الشرقية في عام 1321هـ/1904م، إذ كانت عشرات السفن تجلب البضائع المختلفة من أقمشة ووقود من روسيا، وأخشاب من زنجبار، وفحم نباتي من كراتشي، وأرز من ميانمار، ثم يعاد تحميلها على آلاف الجمال، فتحمل الأقمشة وغيرها إلى نجد في رزم ضخمة.
دور موانئ السعودية في العلاقات التجارية السعودية الدولية
تعكس حركة الموانئ السعودية في الساحلين الشرقي والغربي اتصالًا نشطًا مع العالم الخارجي، يجري من خلاله تبادل المنافع، ففي الأحساء شهدت التجارة ازدهارًا لافتًا بعد خروج العثمانيين، وضمها تحت حكم الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.
وازدهرت الحركة التجارية في الساحل الغربي للسعودية أيضًا من واقع النمو السكاني وزيارة الحرمين الشريفين وأداء المناسك، ويعكس إعلان في جريدة أم القرى في عام 1347هـ/1928م تطور تلك الحركة، حيث أعلنت إحدى الشركات أنها أصبحت الوكيل الوحيد في الحجاز لبيع سيارات شيفروليه، مقدمة قائمة لأسعار السيارات تسليم ظهر الوابور (تسليم على ظهر السفينة) بجدة.
خطط التنمية والعلاقات التجارية السعودية الدولية
أسهمت الحركة التجارية قبل اكتشاف النفط وبعده في نمو الاقتصاد السعودي، وتزايدت قوتها حتى أصبحت السعودية إحدى الدول الرائدة في التجارة العالمية، وعلى مدى تنفيذ برامج ومشاريع خطط التنمية وصولًا إلى خطة التنمية الثامنة حققت مؤشرات أداء قطاع التجارة الخارجية تطورات مهمة تجسدت في زيادة إسهاماته النسبية في الناتج المحلي الإجمالي، وتفعيل دوره التنموي، وتحويل الميزات النسبية إلى ميزات تنافسية، إضافة إلى توفير احتياجات الأسواق المحلية من السلع الاستهلاكية.
وخلال الخطة الثامنة تحقق كثير من المنجزات على صعيد التجارة الخارجية، سواء على المستوى المؤسسي أو التنظيمي، ومن أبرزها الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية في عام 1426هـ/2005م، مما أدَّى إلى انفتاح أسواق الدول الأعضاء في المنظمة أمام المنتجات السعودية، وفي المقابل انفتاح السوق المحلية أمام منافسة منتجات هذه الدول.
انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية
شكَّل انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية في ديسمبر 2005م نقطة تحوُّل تاريخية في حركة التجارة السعودية، حيث أصبحت العضو رقم 149 إلى جانب 164 دولة عضوًا تمثل نحو 98% من حجم التجارة العالمية، وأجرت السعودية مراجعة للسياسات التجارية الأولى في يناير 2012م، فيما أجرت المراجعة الثانية في أبريل 2016م.
جاء انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية بعد مفاوضات شاقة استمرت نحو 12 عامًا، انتهت بتوقيع اتفاقيات ثنائية مع 38 دولة من أعضاء المنظمة، وبناء على ذلك صدر 42 نظامًا ولائحة وإجراءً محليًّا مرتبطة بأحكام واتفاقيات المنظمة.
تواصل التطوير المؤسسي والهيكلي لمنظومة التجارة الخارجية للسعودية، وصدر عددٌ من القرارات الرامية إلى تنشيط الصادرات، ومنها: قرار مجلس الوزراء في عام 2007م القاضي بالموافقة على إنشاء هيئة حكومية مستقلة باسم "هيئة تنمية الصادرات السعودية" تعنى بتنمية الصادرات السعودية غير النفطية.
وفتحت هيئة تنمية الصادرات السعودية الباب واسعًا لتعزيز العلاقات التجارية الدولية والترويج للمنتجات السعودية، ورفع معدلات تنافسيتها، وذلك من خلال أداء عدد من المهام، منها: المشاركة في إعداد سياسات الدولة في مجال تنمية الصادرات غير النفطية وتطويرها، وتحسين البيئة التصديرية، وتقديم المساعدات الإدارية والفنية والاستشارية والحوافز للمصدرين، ومساعدة الشركات المحلية في الاستثمارات المشتركة مع الشركات الأجنبية، وربط الاستثمار بالتصدير.
أثر التبادل التجاري في العلاقات التجارية السعودية الدولية
يُظهر الميزان التجاري للسعودية مع دول العالم صعود وهبوط حجم التبادل التجاري، وقد يشهد ذلك تذبذبًا في بعض الفترات لأسباب اقتصادية أو جيوسياسية، فخلال الفترة من 2008 – 2017م تراوح حجم التبادل التجاري مع دول العالم ما بين 1.08 تريليون ريال و2.04 تريليون ريال، وسجل فائض الميزان التجاري للسعودية ما يتراوح بين 108 مليارات ريال عام 2015م و874 مليارًا عام 2011م كأعلى قيمة خلال تلك الفترة، أما في عام 2017م فقد بلغ الفائض نحو 327 مليار ريال، وبلغ نحو 590 مليار ريال في عام 2018م، قبل أن يتراجع في عام 2019م إلى نحو 407 مليارات ريال.
ويشمل التبادل التجاري حركة الاستيراد والتصدير مع دول العالم، وفي عام 2017م، على سبيل المثال، كان من أهم الدول التي صدَّرت لها السعودية: اليابان، والصين، وكوريا الجنوبية، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات العربية المتحدة، وسنغافورة، والبحرين، وتايوان، وهولندا، وبلغ إجمالي قيمة الصادرات إلى هذه الدول ما نسبته 69% من إجمالي صادرات السعودية.
في المقابل، نشطت حركة الاستيراد في عام 2017م، وشملت عددًا من الدول، من أبرزها: الصين، والولايات المتحدة الأمريكية، والإمارات العربية المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، واليابان، والهند، وكوريا الجنوبية، وإيطاليا، والمملكة المتحدة، وبلغ إجمالي قيمة الواردات من هذه الدول 63% من إجمالي واردات السعودية.
واكتسبت حركة التبادلات التجارية للسعودية مرونة واضحة من خلال اتفاقيات التجارة الدولية التي وقعتها بداية بعضوية منظمة التجارة العالمية، ومجلس التعاون الخليجي ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، كما أن السعودية وقعت معاهدات تتفادى الازدواج الضريبي للدخل ورأس المال مع 52 بلدًا، إضافة إلى اتفاقيات تعزز وتحمي استثمارات مؤسسات طرف متعاقد واحد في إقليم الطرف الآخر.
تطور العلاقات التجارية السعودية الدولية
يمثِّل ذلك النمو في تطور علاقات السعودية التجارية نقلة كبيرة في نمو الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي انعكس على ترتيبها في تقرير سهولة ممارسة الأعمال 2020، حيث حلَّت في عام 2019م بالمرتبة الـ62، وفي عام 2018م كانت في المرتبة الـ92 محرزة مستوى تقدم بنحو 30 مرتبة، وتقدمت السعودية في مؤشر التجارة عبر الحدود لعام 2019م إلى المرتبة الـ86، فيما كانت في عام 2018م في المرتبة الـ158 بمستوى تقدم بلغ 72 مرتبة.
وفي الربع الأول من عام 2021م، حققت منتجات السعودية انتشارًا دوليًّا، ووصلت إلى أكثر من 178 دولة حول العالم، وتشير بيانات شهر يناير 2021م إلى أن قيمة صادرات السعودية إلى الصين بلغت 14.0 مليارًا، مما جعل هذه الدولة هي الوجهة الرئيسة للصادرات، تليها الهند واليابان، بقيمة بلغت 7.8 مليارات، و7.6 مليارات، على التوالي.
في الفترة نفسها، شهدت عمليات الصادر السعودي نموًّا كبيرًا، حيث بلغ مجموع صادرات السعودية إلى 10 دول 50.2 مليارًا، ما يمثل نسبة 69.8% من إجمالي الصادرات. وفي الواردات احتلت الصين أيضًا المرتبة الأولى بقيمة 9.6 مليارات في شهر يناير 2021م، فيما بلغ مجموع قيمة واردات السعودية من أهم 10 دول 33.6 مليارًا، ما يمثل نسبة 70.1% من إجمالي الواردات.
وسجلت الصادرات السلعيَّة خلال شهر أبريل 2023 م، نحو 103 مليارات ريال، مقابل 137.7 مليار خلال شهر أبريل 2022م، بانخفاض مقداره 34.7 مليار ريال, وبنسبة 25.2%. وبلغت قيمة الصادرات غير البترولية (وتشمل إعادة التصدير) خلال شهر أبريل 2023م نحو 19.2 مليار ريال، مقابل 27.9 مليار ريال خلال شهر أبريل 2022م، بانخفاض مقداره 8.7 مليارات ريال، بنسبة 31.2%. مقابل ذلك بلغت قيمة الواردات السلعيَّة للسعودية خلال شهر أبريل 2023م 57.9 مليار ريال، مقابل 57.3 مليار ريال خلال شهر أبريل 2022م، بارتفاع 0.6 مليار ريال, وبنسبة 1.0%.
وبلغ حجم التجارة الدولية للسعودية في أبريل 2024م، أكثر من 162 مليار ريال، حيث بلغت الصادرات السلعية 101.7 مليار ريال، وبنسبة تمثل 63% من إجمالي حجم التجارة، في حين بلغت الواردات السلعية 60.3 مليار ريال، وسجلت الصادرات الوطنية غير البترولية ما قيمته نحو 16.2 مليار ريال في أبريل 2024م، شكلت نسبة 16% من إجمالي الصادرات.
دعم رؤية السعودية 2030 للعلاقات التجارية السعودية الدولية
ركَّزت رؤية السعودية 2030 على النشاط التجاري من خلال وضع هدف لرفع الصادرات غير النفطية من 16% إلى 50% على الأقل من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي، مما يعزز التنويع الاقتصادي ورفع معدل التنافسية لمنتجات السعودية عالميًّا.
وتواصلت عمليات مراجعة أنظمة منظمة التجارية العالمية، وبعد مراجعتين سابقتين بدأت في إجراءات مراجعة السياسات التجارية الثالثة بمنظمة التجارة العالمية، بمشاركة ممثلي 44 جهة حكومية في مارس 2021م، وهي عملية تستغرق عامًا كاملًا، وخلالها أظهرت السعودية التزامها بتطبيق قواعد واتفاقيات المنظمة.
وتعزيزًا لجهود العمل التنظيمي والمؤسسي في العمليات التجارية للسعودية على الصعيد الخارجي، تنشط مجالس الأعمال في مجلس الغرف السعودية، وهي تجمّع اقتصادي يضم مجموعة ممثلة من قطاع الأعمال بالسعودية، تهدف لتفعيل العلاقات الاقتصادية بين السعودية والدول الصديقة في المجالات المختلفة، وخاصة التجارية والاستثمارية.
وتُسهم تلك المجالس في تنمية وتوطيد العلاقات بين مجتمع الأعمال في السعودية ودول العالم، وتشجيع الصادرات وتبادل السلع والخدمات، وكذلك التواصل مع الجهات المسؤولة لدى البلدين، وتنفيذ المشاريع الاقتصادية في البلدين، وتسوية المنازعات التجارية، إضافة إلى الاهتمام ببرامج التدريب ونقل التكنولوجيا وحق المعرفة.
الهيئة العامة للتجارة الخارجية
تهدف الهيئة العامة للتجارة الخارجية، وهي جهة حكومية تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، إلى تعزيز مكاسب المملكة التجارية الدولية، والدفاع عن مصالحها في مجالات التجارة الخارجية، بما يسهم في تنمية اقتصادها الوطني. أنشئت بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (211) وتاريخ 25 ربيع الآخر 1440هـ/1 يناير 2019 م، كما صدر قرار مجلس الوزراء بتاريخ 23 ذو القعدة 1441هـ/14يوليو 2020م، بشأن الموافقة على تنظيم الهيئة.
وتُعنى الهيئة العامة للتجارة الخارجية بكافة المهام والأعمال المتعلقة بوضع السياسات والاستراتيجيات للتجارة الخارجية بالتنسيق والمواءمة مع القطاعين الحكومي والخاص، وتمثيل المملكة في المنظمات والمحافل الإقليمية والدولية ذات العلاقة بشؤون التجارة الخارجية، وما يتصل بالعلاقات التجارية الدولية وتسوية المنازعات المتعلقة بها، ومفاوضات اتفاقيات التجارة الحرة، والاتفاقيات الثنائية والإقليمية والدولية، وحماية الصناعة في المملكة من الضرر الناتج عن الممارسات الضارة في التجارة الدولية عبر تطبيق آليات المعالجات التجارية في اتفاقيات منظمة التجارة العالمية التي تشمل (مكافحة الإغراق - الدعم - التدابير الحمائية الوقائية)، بالإضافة للإشراف على مهام الفريق التفاوضي السعودي والفرق الفنية المنبثقة منه، والإشراف على الملحقيات التجارية في الخارج ومجالس الأعمال السعودية الأجنبية المشتركة.
المصادر
وزارة المالية.
الهيئة العامة للإحصاء.
هيئة تنمية الصادرات السعودية.
اتحاد الغرف السعودية.
وكالة الأنباء السعودية.
غرفة الرياض.
دور شركة الزيت العربية الأمريكية (أرامكو) في تنمية المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية. عبدالرحمن بن عبدالله الأحمري. الطبعة الأولى. 1428هـ - 2007م.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة