احتجاز الكربون في السعودية، هو عملية استخلاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، للمساعدة في خفض الانبعاثات الكربونية في المملكة العربية السعودية. ويجري في هذه العملية استخلاص ثاني أكسيد الكربون الذي ينبعث من المرافق الكبرى مثل محطات الطاقة الكهربائية، واحتجازه تحت الأرض، أو تحويله إلى منتجات مفيدة، بدلًا من انبعاثه إلى الغلاف الجوي.
فوائد احتجاز الكربون
تخضع عملية استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه لمجموعة من الأعمال والتقنيات التي تفصل ثاني أكسيد الكربون عن باقي الغازات، وتحوِّله إلى منتجات نافعة من قبيل: الكيميائيات والبوليمرات والمواد الصناعية، أو تخزِّنه بأسلوب آمن تحت الأرض. وعلى مدى عدة عقود، كان أساس هذه التقنية مُستخدمًا في قطاع التكرير، حيث يزال ثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي، من أجل استخدامه مصدرًا للطاقة.
ويُمكن توظيف تقنية استخلاص الكربون واستخدامه وتخزينه من أجل إزالة الكربون من أنحاء كثيرة حول العالم، كما يُنظر إليه كطريقة رئيسة من أجل الحد من الغازات المسببة للاحتباس الحراري على المدى البعيد، وممكِّن أساس للاقتصاد القائم على تدوير الكربون.
انضمام السعودية إلى عضوية المعهد العالمي لاحتجاز الكربون وتخزينه
انضمت السعودية ممثلة بوزارة الطاقة إلى عضوية المعهد العالمي لاحتجاز الكربون وتخزينه في 26 ربيع الأول 1445هـ/11 أكتوبر 2023م، ويضم المعهد أكثر من 200 عضوٍ من 33 دولة، منهم 13 عضوًا من جهات حكومية، وتعمل وزارة الطاقة، بصفتها الجهة التي تقود الجهود الوطنية في مجال احتجاز الكربون وتخزينه في المملكة، مع المعهد، لبناء القدرات اللازمة لتبني هذه التقنيات.
وتتبنى المملكة مجموعةً من الجهود والمبادرات التي تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون، بما في ذلك استخدام تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، اتساقًا مع عزمها الوصول للحياد الصفري بحلول عام 2060م.
ولإدراك المملكة أهمية تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في معالجة الانبعاثات الصادرة عن الصناعات الثقيلة، أعلنت في عام 2022م، عن خططها لتطوير أحد المراكز الكبيرة لاحتجاز الكربون وتخزينه في العالم، حيث سيتم احتجاز نحو 44 مليون طن من غاز ثاني أكسيد الكربون سنويًا، من خلال تطبيق تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه في مدينة الجبيل الصناعية بحلول عام 2035م.
تقنيات احتجاز الكربون في أرامكو السعودية
بدأت أرامكو السعودية في عام 1397هـ/1977م احتجاز الغاز المصاحب ومعالجته ضمن شبكة الغاز الرئيسة، لاستخدامه في توليد الطاقة المحلية وفي قطاعات أخرى. نتيجةً لذلك، فإن الشركة وصلت بالفعل إلى تقليص معدلات حرق الغاز في الشعلات "إلى ما يقارب الصفر"، ومعدل كثافة الانبعاثات الكربونية فيها يعد من أقل المعدلات في هذا القطاع.
ودفع البحث المتواصل عن سبل جديدة للحد من الانبعاثات، أرامكو السعودية للاستثمار في تقنية استخلاص الكربون، واستخدامه وتخزينه، ومنذ أن بدأت الشركة أعمالها، استخلصت ما يقرب من 99% من إجمالي الغاز المنتج في حين قلصت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون لأكثر من 98 مليون طن متري في السنة.
زراعة الأشجار لاحتجاز الكربون
في نطاق آخر أيضًا، يستخدم نظام استخلاص كربون الطاقة الحيوية وتخزينه تقنية استخلاص وفصل الكربون لاستخراج وتخزين ثاني أكسيد الكربون من الكتلة الحيوية، التي هي في ذاتها مصدر للطاقة المتجددة. ويمكن للطبيعة أن تعمل كمصرّف طبيعي للكربون، فعلى سبيل المثال، أشجار القرم (المانجروف)، تحتجز الكربون بقدر من الفعالية أكبر بكثير من الغابات البرية وأكثر دوامًا منها. كما يمكن احتجاز ثاني أكسيد الكربون عن طريق زراعة الطحالب، والتي يمكن حصادها ومعالجتها لإنتاج منتجات مفيدة مثل الوقود الحيوي والأعلاف الحيوانية الغنية بالبروتين.
وتمثل غابات المانجروف حوضًا طبيعيًّا هائل الحجم لثاني أكسيد الكربون. وقد بدأت أرامكو السعودية في زراعة أولى شتلات المانجروف في عام 1413هـ/1993م.
ومن خلال زراعتها في وقت مبكر من صيف 2020م لنحو مليوني شجرة مانجروف جديدة سجلت الشركة رقمًا قياسيًّا في التزامها المستمر للتصدي للتغيّر المناخي. وبإضافة مليوني شجرة يصل المجموع إلى ما يزيد على أربعة ملايين شجرة مانجروف زرعتها الشركة منذ أن بدأت في استعادة غابات المانجروف قبل ثلاثة عقود تقريبًا.
تقنيات مبتكرة لاحتجاز الكربون
تكللت الجهود البحثية في الشركة بالوصول إلى حل نموذجي فيما يتعلق بحرق الغاز الطبيعي، إذ تولى مازن مشهور أحد مهندسي أرامكو السعودية، في عام 1986م، مهمة تطوير تصميم جديد، وانتهى إلى اختراع نظام الهواء عالي الضغط وحصل على براءة اختراعه. وتستخدم هذه التقنية الهواء تحت ضغط عالٍ وتستمده من نظام الهواء في المعمل أو من ضاغط الهواء المخصص في كل موقع. ويجري إدخال الهواء عالي الضغط إلى حلقة توزيع الهواء ومن ثم تحدث النفاثات، الموجودة في حاجز الرياح، الاضطراب المطلوب للبدء بالتشغيل عديم الدخان. ويؤدي تدفق الهواء الكبير لإحداث شعلة أكثر سخونة، تحرق الشوائب بدلًا من إطلاقها في الهواء.
وأثبتت هذه التقنية أنها سريعة ومنخفضة الكلفة وسهلة التطبيق، حيث يستغرق تركيبها ثلاثة أيام في المتوسط، وهو عامل مهم عند الحاجة لإغلاق المعمل بأكمله لأسباب تتعلق بالسلامة، وهي عملية مكلفة. وكان هذا التصميم القوي مقصودًا أيضًا، لأن معظم أبراج شعلات حرق الغاز في أرامكو السعودية موجودة في أماكن نائية، حيث يتعين تشغيل المعدات لفترات طويلة بدون الحاجة لأعمال صيانة كبيرة، وحاز هذا الاختراع جائزة ذهبية في المؤتمر الدولي للمخترعين في جنيف 2006م تكريمًا للحل الذي وفره للحد من الانبعاثات.
وجرى تركيب نظام الهواء عالي الضغط لأول مرة في الشيبة في صفر 1421هـ/يونيو 2000م، وتبع ذلك تركيبه في 29 عملية تشغيل كبيرة لتطويرها ضمن مشروع أرامكو السعودية لحرق غازات الشعلات بدون دخان في المنطقة الجنوبية.
مشاريع رائدة لاحتجاز الكربون
تنفذ أرامكو السعودية أحد أكبر المشاريع التجريبية لاستخلاص غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وذلك بهدف البرهنة على أن استخلاص غاز ثاني أكسيد الكربون، وحقنه في مكامن النفط، بشكلٍ مجدٍ وطريقة متطورة، صار أمرًا ممكنًا، بل ويشكّل جزءًا من استراتيجية الشركة.
وتستطيع الشركة استخلاص 45 مليون قدم مكعبة قياسية يوميًّا من غاز ثاني أكسيد الكربون ومعالجتها في معمل الشركة في الحوية. وبعد ذلك، يُنقَل غاز ثاني أكسيد الكربون المحتجز في خط أنابيب بطول 85 كم إلى حقل النفط في العثمانية ويُحقَن في مكمن النفط، ويمكن بفضل هذه الطريقة احتجاز الغاز، والمحافظة في الوقت نفسه على مستوى الضغط في المكمن، والمساعدة في استخراج كميات أكبر من النفط. وقد نجحت الشركة في مضاعفة معدلات إنتاج النفط من أربع آبار لديها، منذ تدشين فكرة حقن غاز ثاني أكسيد الكربون للمرة الأولى عام 2015م.
ونتيجة لهذا الأداء العلمي المتطور، حصد مشروع أرامكو السعودية التجريبي للاستخلاص المحسَّن للنفط بواسطة ثاني أكسيد الكربون في العثمانية، جائزة آسيا للمؤسسات المميَّزة والمستدامة عن فئة المبادرات الخضراء.
وتُعد جائزة آسيا للمؤسسات المميَّزة والمستدامة منصة عالمية مرموقة تحتفي بجهود الاستدامة في القطاع الصناعي في قارة آسيا، وهذه هي المرة الأولى التي تنال فيها الشركة هذه الجائزة نظير جهودها في تعزيز الاستدامة من خلال مشروع الاستخلاص المحسن للنفط عن طريق حقن غاز ثاني أكسيد الكربون. وقد نجح المشروع في حصد 8 جوائز عالمية خلال ستة أعوام.
تعاون دولي في احتجاز الكربون
تواصل أرامكو السعودية جهودها في هذا المجال بالتعاون مع كبرى الشركات الدولية، حيث أعلنت انضمامها لمبادرة البنك الدولي "التخلّص من الحرق التقليدي للغاز نهائيًا بحلول عام 2030"، وللشركة مكانة رائدة في قطاع النفط الخام والغاز من حيث تقليلها لحرق الغاز بنسبة ثابتة تقل عن 1% من إجمالي إنتاجها من الغاز الخام في النصف الأول من عام 1440هـ/2019م.
ونتيجة لتطبيق أفضل الممارسات في إدارة المكامن في أرامكو السعودية، وبرامج الحد من حرق الغاز وكفاءة الطاقة، فإن الأرقام التي حققتها الشركة في عام 1439هـ/2018م في تقليل كثافة انبعاثات الكربون الناجمة عن أعمال التنقيب والإنتاج هي من بين الأقل على مستوى العالم حيث بلغت 10.2 كجم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل برميل مكافئ نفطي.
وتمتد جهود الشركة كذلك عالميًّا من خلال دورها عضوًا مؤسسًا في مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ، التي تشكّل الشركات المشاركة فيها خُمس ما ينتجه العالم من النفط والغاز. وتلتزم هذه المبادرة بإنتاج تقنيات ذات تأثير ملموس للحد من انبعاثات الغاز، مع المحافظة على تلبية ما يحتاجه العالم من الطاقة.
تطوير حلول احتجاز الكربون
واصلت أرامكو جهودها في احتجاز الكربون وأطلقت في عام 1443هـ/2022م مركزها للأبحاث (ARC KAUST)، الذي يحتل موقعًا استراتيجيًا داخل جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، ويهدف إلى تسريع تطوير الحلول منخفضة الكربون لصناعة الطاقة باستخدام التحليلات المتقدمة، ونشر الذكاء الاصطناعي، والتعلم الآلي، من أجل تطوير أساليب مبتكرة لتطوير حلول منخفضة الكربون، وتمكين اقتصادٍ دائري للكربون.
مؤتمر دولي لاحتجاز الكربون
على الصعيد الوطني، نظمت المملكة فعاليات المؤتمر والمعرض الدولي لاحتجاز واستخدام وتخزين الكربون (iCCUS 2020) في عام 1441هـ/2020م، وفيه تم التأكيد على أن آليات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه في نموذج الاقتصاد الدائري للكربون تحقق منافع اقتصادية وبيئية تساعد على تحقيق الأهداف في المجالات المستهدفة بشكل متزامن، وأن التطور التقني سيلعب دورًا محوريًا في إيجاد حلول فعالة لتحدي الانبعاثات الكربونية، إلى جانب إسهامه في توفير أشكال من الوقود النظيف، وإنتاج أنواع من اللقيم عالي القيمة، لتقديم منتجات مفيدة.
مشاريع بحثية لاحتجاز الكربون
أطلقت الشركة السعودية للكهرباء مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية "كاوست" في 21 جمادى الأولى 1444هـ/15 ديسمبر 2022م، مشروعًا بحثيًّا لاحتجاز الكربون بتقنية التبريد العميق في محطة توليد رابغ، إضافة إلى أكاسيد الكبريت والنيتروجين. ويهدف المشروع إلى احتجاز 1 طن/يوم من الكربون السائل في محطة توليد رابغ.
وأطلق معهد الأبحاث والابتكار وتقنيات التحلية، الذراع البحثية للهيئة السعودية للمياه، في ذي القعدة 1444هـ/6 يونيو 2023م، مشاريع بحثية تطبيقية لاحتجاز الكربون، بهدف خفض انبعاثات الكربون واستغلال الوحدات الحرارية في منظومات الإنتاج، ودعمًا لأهداف الوصول للحياد الصفري بحلول عام 2045م.
ومن بين هذه المشاريع، مشروع التقاط ثاني أكسيد الكربون من منظومة إنتاج رأس الخير باستخدام مادة امتصاصية عالية الكفاءة، تُمكن من استخلاص 200 طن يوميًّا من ثاني أكسيد الكربون، ما يعادل 73 ألف طن سنويًّا من المنظومة التي تعمل جزئيًّا عن طريق تقنيات حرارية، على أن يعاد استخدام ثاني أكسيد الكربون بالمعالجة النهائية للمياه المنتجة وبقيمة تشغيلية أقل بنحو 50% بحلول منتصف العام 2025م.
ومن المشاريع أيضًا مشروع لاستخلاص 44 ألف طن سنويًّا من ثاني أكسيد الكربون لإنتاج كربونات الكالسيوم عالية الجودة، حيث يستخدم المشروع المنتجات الثانوية من مصانع الأسمنت لدمجها مع رجيع المياه، والاستفادة منها في عدة استخدامات خاصة في مجالات الأدوية والطب.
وكذلك مشروع لاستزراع ونمو الطحالب الدقيقة للاستفادة منها في صناعة التحلية، والمساهمة في خفض الانبعاثات الكربونية وإنتاج الوقود الحيوي، حيث يمكن هذا المشروع من احتجاز ثاني أكسيد الكربون وعزله.
ومن المشاريع كذلك مشروع استخلاص ثاني أكسيد الكربون وإعادة استخدامه في المعالجة الأولية لمنظومات الإنتاج التي تعمل بالتقنيات الحرارية، ويتيح هذا المشروع التقاط ثاني أكسيد الكربون من المنظومات الحرارية وإعادة استخدامه في نظام تعويم الهواء المذاب في المعالجة الأولية لمنظومات التناضح العكسي، والاستغناء عن نظام ضاغط الهواء بالإضافة إلى تقليل استخدام المواد الكيميائية، ويُقدر حجم التقاط ثاني أكسيد الكربون في المشروع بنحو 14 مليون كجم سنويًّا.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة