ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية، هي عملية تستهدف تطوير أداء المشاريع التجارية للشباب وتنظيمها، التي تحقق قيمة مضافة في الاقتصاد وتُسهم في تطويره، ويُعرف الريادي بأنه الشخص الذي لديه الإرادة والقدرة لتحويل فكرة جديدة أو اختراع جديد إلى ابتكار ناجح.
بدأت السعودية نشاط ريادة الأعمال حديثًا، إذ كان التركيز والدعم موجهين إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة، إلى أن ظهرت حاضنات الأعمال لتحفيز وتوفير البيئات الاستثمارية لمشاريع الشباب، وجاءت المبادرة من جامعة الملك سعود عام 1429هـ/2008م، بإنشاء أول مركز لريادة الأعمال في الجامعات السعودية يضم أول حاضنة للأعمال، إلى جانب برنامج متكامل لروَّاد الأعمال وفقًا لمتطلبات مفهوم الحاضنة.
وتصاعدت أعمال ريادة الأعمال من وقتها، إذ أنشأت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية كذلك أول حاضنة تقنية في السعودية، وهي حاضنة بادر لتقنية المعلومات والاتصالات في عام 1429هـ/2008م، وانطلقت بعد ذلك برامج ومبادرات ريادة الأعمال حتى تجاوز عدد مراكز ريادة الأعمال في الجامعات السعودية وخارجها 30 مركزًا في عام 1441هـ/2020م.
ريادة الأعمال الرقمية في السعودية
أسهم التطور التقني والتحوُّل الرقمي في تطوير مفهوم ريادة الأعمال، إذ برزت ريادة الأعمال الرقمية المعنية بتطوير الأفكار وتأسيس مشاريع رقمية ريادية، وتحويل مشاريع قائمة بإنشاء واستخدام تقنيات رقمية جديدة، وذلك ما دفع وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات إلى إصدار وثيقة سياسة ريادة الأعمال الرقمية في عام 1442هـ/2021م.
جمعية ريادة الأعمال في السعودية
توسع النشاط الريادي في السعودية مع تأسيس مزيد من المراكز والمجمعات التي أسهمت في ترسيخ ثقافة العمل الريادي، وواصلت جمعية ريادة الأعمال في جامعة الملك سعود دورها في نشر ثقافة ريادة الأعمال في السعودية، وأصبحت المرجع العلمي في مختلف مجالات ريادة الأعمال، والبيئة المهنية والبحثية المساندة لجهود الجامعات والمؤسسات في نشاطات وممارسات ريادة الأعمال.
وعملت الجمعية على تحقيق عدد من الأهداف التي تعزز ريادة الأعمال في السعودية، من خلال مساعيها لتنمية وتطوير الفكر الريادي، وإتاحة الفرصة للعاملين في مجال ريادة الأعمال والمنشآت الصغيرة ورأس المال الجريء للإسهام في حركة التقدم العلمي بالسعودية، وتيسير تبادل الإنتاج العلمي والأفكار العلمية، كما أنها تقدم المشورة والدراسات لرفع مستوى الأداء في المؤسسات والهيئات المختلفة.
مبادرات ريادة الأعمال بالسعودية
أسست جامعة الملك فهد للبترول والمعادن معهد الريادة في الأعمال عام 1431هـ/2011م، مستقطبًا روّاد الأعمال المؤهلين من خريجي الجامعات السعودية وخريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وأسهم المعهد منذ إنشائه في فحص مئات الأفكار الريادية، واحتضن عشرات الشركات الناشئة لروَّاد الأعمال، منها شركات تقنية ناشئة، وعدد من الشركات الخدمية، ويركز المعهد على مجالات رئيسة تشمل الطاقة والبتروكيماويات والمياه، وتقنية النانو، وتقنيات البناء والتقنيات الاستهلاكية، وكذلك الخدمات المعتمدة على التقنية.
ومن المراكز المبكرة في السعودية التي قدمت الدعم للنشاط الريادي مركز أرامكو السعودية لريادة الأعمال "واعد"، الذي أنشئ عام 1432هـ/2011م، ويقدم الدعم لروَّاد الأعمال في تأسيس أو توسع منشآتهم من خلال برامج مالية متنوعة إلى جانب حصولهم على التوجيهات والأدوات الضرورية لتطوير رواد أعمالهم وشركاتهم.
وفي الإطار نفسه، عمل مركز الإبداع وريادة الأعمال بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة على دعم الممارسات الريادية، من خلال سعيه لأن يكون منبرًا تفاعليًّا رائدًا خادمًا للجامعة والمجتمع في مجال الإبداع وريادة الأعمال، وتقديم نموذج متكامل يشمل جهود توعية طلاب وطالبات الجامعة بريادة الأعمال، ودعم ورعاية المبدعين، واحتضان المشروعات ذات القيم العلمية والاقتصادية، وتسريع أعمال الشركات الناشئة.
وأنشئ كذلك معهد ريادة الأعمال الوطني "ريادة" الذي يُعد تنظيمًا وطنيًّا مؤسسيًّا مستقلًّا غير ربحي، وجاء تأسيسه بمبادرة من وزارة الطاقة والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني.
ريادة الأعمال الأكاديمية في السعودية
في خطوة منهجية متقدمة تواكب تطور مفهوم وممارسة ريادة الأعمال، تأسست كلية الأمير محمد بن سلمان للإدارة وريادة الأعمال، وهي مؤسسة أكاديمية بحثية متخصّصة في ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية، وتعمل على بناء قادة المستقبل من خلال منظومة متجانسة من البرامج التعليمية، والتربوية، والأبحاث التطبيقية، والدراسات الميدانية.
وتقدم الكلية جهدها العلمي بما يجعلها تنتج رياديين وأنشطة ريادية تلبِّي أفضل المعايير العالمية الممكنة، وكان تأسيسها بموجب اتفاق شراكة دولية بين شركة إعمار المدينة الاقتصادية، وكلية بابسون العالمية، وشركة لوكهيد مارتن، تحت مظلة برنامج التوازن الاقتصادي في السعودية ومؤسسة مسك الخيرية.
كما أطلقت وزارة التعليم مبادرة "ريادي"، التي تهدف إلى إكساب الطالب مهارات سوق العمل، وترسيخ ثقافة ريادة الأعمال، وتحفز على العمل الحر والاستثمار.
مجمعات ريادة الأعمال في السعودية
عملت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة "منشآت"، على تأسيس مجمعات ريادة الأعمال التي تقدم برامج دعم مختلفة، وتعمل على إيجاد بيئة استثمار جاذبة ومستدامة تمكِّن المنشآت من مزاولة أعمالها، من خلال عديد من المبادرات، مثل التدريب والإرشاد وحلول التمويل والاستثمار، وتقديم برامج الاحتضان ومسرعات الأعمال، وتوفير مساحات عمل مشتركة وخدمات لوجستية واستشارات إدارية وتسويقية وقانونية ومالية.
وتمتد ممارسات ريادة الأعمال عبر مختلف القطاعات والجهات التي تؤسس مبادراتها في هذا المجال، إذ أطلقت وزارة السياحة مجمع الابتكار وريادة الأعمال السياحي، الذي يستهدف روَّاد الأعمال والمنشآت السياحية، وهو مجمع لرواد ورائدات الأعمال يهدف لخلق بيئة تحفيزية لبناء مجتمع حيوي يُسهم في نمو قطاع السياحة في السعودية، ويوفر عدة خدمات ومرافق تخدم جميع فئات قطاع السياحة بأعلى المعايير العالمية المتاحة.
مؤشرات ريادة الأعمال في السعودية
في ظل النمو الكبير لأنشطة ريادة الأعمال في المملكة العربية السعودية في الأعوام الأخيرة، كان حصاد ذلك تغييرًا إيجابيًّا، إذ برز في مؤشرات عام 1440هـ/2019م، ارتفاع المقاصد الريادية بنسبة تزيد على 7% عن عام 2018م، لتصل إلى 36% من السكان البالغين، وارتفعت نسبة الأنشطة الناشئة نحو 2%، وارتفعت نسبة الأنشطة الجديدة بمقدار 26%، فيما تباطأ معدل توقف الأعمال الذي بلغ 14% في عام 1439هـ/2018م، ليصبح 2% في عام 1440هـ/2019م.
وانفتحت السعودية على أنشطة ريادة الأعمال بصورة ملموسة مع تزايد عدد الراغبين في الاستثمار، ففي عام 1440هـ/2019م، كان أكثر من 20% من رواد الأعمال قد بدؤوا أو يديرون أعمالًا جديدة تحت رعاية صاحب العمل، وكان الدافع الأكثر انتشارًا لبدء أو إدارة مشاريع جديدة في السعودية هو إيجاد مصدر للدخل، إذ إن أكثر من 72% من رواد الأعمال كان دافعهم هو تكوين ثروات كبيرة أو تحقيق دخل مرتفع للغاية، في حين انخرط 36% منهم في هذا النشاط لمواصلة التقاليد العائلية، و45% منهم يسعون لإحداث فارق في العالم.
نمو ريادة الأعمال في القطاع الصناعي
تشير أرقام وإحصاءات عام 1440هـ/2019م، لريادة الأعمال في السعودية، إلى تسجيل القطاع الصناعي التحويلي الذي يمثل 18% من رواد الأعمال، زيادةً بنسبة 33% عن عام 1439هـ/2018م، وسجل قطاع خدمات الأعمال زيادة بنسبة 51% عن عام 1439هـ/2018م، بما يعادل 9% من رواد الأعمال في عام 1440هـ/2019م، فيما انخفضت نسبة المشاركة في القطاع الاستهلاكي بنسبة 11% في عام 1440هـ/2019م لتصل إلى 72%، ويعمل أقل من 1% من رواد الأعمال في القطاع الأولي أو الاستخراجي.
وتحقق ريادة الأعمال في السعودية نموًّا وازدهارًا كبيرين من خلال توفير البيئة المثالية والحوافز الاستثمارية، وذلك ما أسهم في تحقيقها المراتب الأولى في مؤشرات تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال للعام 2019-2020م، إذ جاءت في المركز الأول بمؤشر "معرفة شخص بدأ مشروعًا جديدًا"، فيما حصلت على المركز الثاني في مؤشر "امتلاك المعرفة والمهارات للبدء في الأعمال".
كما تواصلت مكاسب السعودية في الأنشطة الريادية على الصعيد الدولي، حيث جاءت في المرتبة الثالثة من حيث السياسات الحكومية الداعمة لريادة الأعمال، والمرتبة الثالثة في مؤشر "توقعات الوظائف التي يتم خلقها بواسطة ريادة الأعمال"، والمرتبة السادسة في مؤشر "الفرص الواعدة لبداية المشروع في منطقتي".
واستمرت السعودية في تسجيل مراتب متقدمة في ريادة الأعمال على الصعيد العالمي، ففي عام 1441هـ/2020م تقدمت 10 مراكز في مؤشر حالة ريادة الأعمال لتصل إلى المركز السابع، بعد أن كانت في المركز 17 في عام 1440هـ/2019م، بحسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال للعام 2020-2021م.
وأحرزت السعودية تقدمًا في محور تعليم ريادة الأعمال بالجامعات، وذلك بتقدمها 19مرتبة عالميًّا بحسب تقرير المرصد العالمي لريادة الأعمال، محققةً المرتبة 23 في عام 1442هـ/2021م، مقارنةً بالمرتبة 42 في عام 1441هـ/2020م.
كما أكدت ريادة الأعمال في السعودية دورها الريادي عالميًّا مع مزيد من الإنجازات، فخلال جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، حققت المركز الأول عالميًّا في "استجابة رواد الأعمال لجائحة كورونا"، وذلك يعكس الأثر الكبير لرؤية السعودية 2030، على المنشآت الصغيرة والمتوسطة ورواد ورائدات الأعمال، التي وفرت بيئة أعمال مثالية تتميز بالمرونة والقدرة على مواجهة التحديات.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة