تم نسخ الرابط بنجاح

القبلة

saudipedia Logo
القبلة
مقالة
مدة القراءة 5 دقائق

القِبلة، هي الجهة التي يستقبلها المسلمون في صلاتهم، وهي الكعبة المشرفة وسط المسجد الحرام بمكة المكرمة غربي المملكة العربية السعودية، والقبلة الثانية بعد بيت المقدس.

جاء تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام بعد مضي نحو 17 شهرًا من هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، وكان ذلك سببًا في تحوُّل محرابه، عليه الصلاة والسلام، من شمالي مسجده إلى جنوبيه.

حكم التوجه إلى القبلة

يجب استقبال القبلة عند أداء الصلاة، ويُسن توجيه الميت إليها عند دفنه، ويُستحب توجيه الذبائح إليها عند نحرها، وتصح صلاة من أخطأ القبلة في مكان بعيد عن البنيان، بخلاف من أخطأها خلال صلاته في الحَضر.

وتُعد محاريب المساجد نقطة ارتكاز القبلة، إذ تتوسط المصليات، ويصطف المصلون خلفها يمينًا وشمالًا، وتصح صلاة من انحرف عن القبلة انحرافًا يسيرًا دون تغيير الجهة.

ويُعد جوف الكعبة كاملًا من القبلة، حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم فيها النافلة، وتصح في الكعبة صلاة الفريضة دون تحديد اتجاه معين، لكن الأَوْلى أن تُصلى خارجها، لضمان الخروج من الخلاف والتأسي بفعل النبي عليه الصلاة والسلام.

دور علماء الفلك في تحديد اتجاه القبلة قديمًا

بدأ علماء الفلك المسلمون منذ النصف الثاني من القرن الرابع الهجري تحديد اتجاه القبلة بالاعتماد على رسم دوائر دلائل القبلة للبلدان الإسلامية بناء على الأدلة الهندسية والفلكية معًا، قبل اختراع البوصلة بقرون، فضلًا عن جهاز "جايرو تيود لايت" المخترع حديثًا، واستطاعوا تحديد اتجاه القبلة بدرجة تكاد تصل إلى اليقين، لدقتها وبنائها على أسس علمية موثوقة.

ومما يحسب لعلماء المسلمين القدماء جهودهم في تحديد اتجاه القبلة بدرجة تقترب من اليقين، إذ إنه في العصر الحديث ومع وجود الأجهزة الحديثة مثل جهاز "الجايرو تيود لايت" المخصص لتحديد اتجاه القبلة، يتطلب تحديد القبلة به معرفة المسافة التي تفصل بين البلد المطلوب تحديد القبلة له ومكة المكرمة، إضافة إلى معرفة خطي الطول والعرض لذلك البلد.

وعن دوائر دلائل القبلة في كتب الفلكيين المتقدمين، نقل العالم أحمد سوسة منها دائرتين لابن الوردي المتوفى عام 861هـ/1457م، وللصفاقسي المتوفى عام 958هـ/1455م، ومن تلك الدوائر دائرة دلائل القبلة للقزويني المتوفى عام 682هـ/1283م، إضافة إلى وصف أبي عبيدالله البكري، وابن سراقة العامري، وابن جماعة، والدائرة التي أوردها شهاب الدين أحمد العمري في كتابه "مسالك الأبصار في ممالك الأمصار"، مصحوبة بوصف يحدد قبلة جميع أهل الأرض من جهات الكعبة المشرفة، وأتبعها بدائرة أخرى عن صورة البروج والأفلاك والكواكب السبعة السيارة.

إسهام العلماء في دلائل القبلة

للعلماء والفلكيين المسلمين إسهامات في دلائل القبلة، يتبين من خلالها توسط مكة المكرمة والكعبة المشرفة للعالم، للاستشهاد بها كدليل قاطع على صحة وصف علماء المسلمين لمكة المكرمة وللكعبة المشرفة بأنهما سرة الأرض ووسط الدنيا.

ويُعد الرحالة والجغرافي العربي ابن حوقل، المتوفى عام 367هـ/977م، أحد العلماء الفلكيين المسلمين الذين أسهموا في توضيح القبلة، إذ ألف كتابه المسمى "صورة الأرض" بعد ترحال في البلاد الإسلامية دام 28 عامًا، ورفع مسودته الأولى إلى سيف الدولة الحمداني، والكتاب نشره المستشرق الهولندي دي جويه مع مجموعة المكتبة الجغرافية العربية عام 1290هـ/1873م، ثم طبع طبعة ثانية في العاصمة البريطانية لندن عام 1357هـ/1938م، وطبعة أخرى حديثة في بيروت.

وقسَّم ابن حوقل الأقاليم إلى 20 إقليمًا، ووضع صورة لكل إقليم منها، وبدأ بديار العرب فجعلها إقليمًا واحدًا، وفي ذلك يقول "فابتدأت بديار العرب لأن القبلة بها، ومكة فيها، وهي أم القرى وبلد العرب وأوطانهم التي لم يشركهم في سكناها غيرهم".

ويمثل ابن يونس المصري أحد علماء الفلك العرب والمسلمين بعد البتاني وأبي الوفاء البوزجاني، في الأبحاث الفلكية التي ساعدت المسلمين على رسم دائرة العالم التي تحيط بالكعبة قبلة المسلمين في كل بقاع الأرض.

طريقة البيروني في تحديد اتجاه القبلة

يُعد البيروني من علماء المسلمين الأوائل البارزين في مجال العلوم الفلكية والجغرافية الطبيعية والرياضية، إذ صنَّف عددًا كبيرًا من الكتب والمقالات، منها كتاب "دلائل القبلة"، وعدة مقالات في إيضاح الأدلة على كيفية سمت القبلة، ومقالة "تقويم القبلة ليس بتصحيح طولها وعرضها"، ومقالة "تلافي عوارض الزلة في كتاب دلائل القبلة".

وذكر البيروني في تحديد اتجاه القبلة طريقتين، أولاهما تعتمد على الحسابات المثلثية باستخدام القوانين المعروفة للرياضيات في زمنه، وثانيتهما هندسية خالصة أطلق عليها الطريق الصحيح لمعرفة سمت القبلة، ولا تحتاج إلى حسابات معقدة، تسهيلًا للأئمة في تحديد اتجاه القبلة في البلدان الإسلامية.

وكان الباحث الدكتور عبدالله يوسف الغنيم قد عثر على الجزء الخاص بجزيرة العرب من كتاب "المسالك والممالك" المفقود للجغرافي الأندلسي أبي عبيدالله البكري، وحققه ونشره عام 1397هـ/1977م.

وفي وصف البكري لجزيرة العرب كان أول نص عن تحديد اتجاهات القبلة لبلدان العالم الإسلامي، وفيه يقول البكري "قبلة أهل الكوفة وبغداد الركن الذي بين الباب والحجر، وهو إلى الباب أقرب قليلًا، وقبلة أهل الجزيرة عن يمين هذا الركن مما يلي الحجر منحرفًا إلى الحجر، وقبلة أهل الشام ميزاب الكعبة، وقبلة أهل اليمن الركن اليماني، وقبلة أهل اليمامة الركن الذي فيه الحجر الأسود، وقبلة أهل البصرة باب البيت، وقبلة أهل جدة وما جاورها من أسوان والصعيد وما وراء البحر ما بين الركن الغربي واليماني".

طرق معرفة اتجاه القبلة

يُشرع في معرفة القبلة فقهيًّا عدة أمور، منها: الاعتماد على البوصلة لتحديدها مباشرة، أو النظر إلى الجهة التي تقع فيها مكة المكرمة من بلد المُتحري للقبلة واستقبالها، وإذا كانت مكة المكرمة بين جهتين؛ فيمكن التحري والاجتهاد في الجهة، إضافة إلى الاستدلال بالنجوم في الليل، وطلوع الشمس وغروبها في النهار.

ويجوز لمن يصلي النافلة في طائرة أو سفينة الاتجاه لأي جهة غير القبلة، بخلاف الفريضة، فإنه يدور معها حسب قدرته، فإن غلبه الأمر ولم يشعر إلا وهو متجه إلى جهة مغايرة للقبلة لم يضره ذلك.

ويحرم استقبال القبلة أو استدبارها خلال قضاء الحاجة في الفضاء العام دون حائل، ويجوز ذلك في البنيان، وفي حال رسم مخططات لمبان غير مكتملة أو لم يُشرع في تنفيذها وبها مراحيض موازية للقبلة فالأفضل تعديلها بما يجنبها محاذاة الكعبة في الاستقبال أو الاستدبار.

تحديد اتجاه القبلة في المساجد

يستخدم لتحديد القبلة في مباني المساجد والمصليات جهاز إلكتروني، يعتمد على إبرة مغناطيسية تتحرك أفقيًّا على محور رأسي ثابت، ويستخدم من خلال إدارة مؤشر التوجيه حول الجهاز حتى يحاذي خارطة البلد المراد تحديد القبلة فيه، ويمكن استخدامه في أي بلد بالعالم.

ويُتوصل إلى تعيين القبلة بحساب موقعها وزاوية ميلها إلى مشرق الشمس ومغربها وفقًا لخطوط الطول والعرض، أو بحساب زاوية ميلها عن اتجاهي الشمال والجنوب من خلال رصد النجم القطبي ليلًا، أو بواسطة البوصلة، شريطة مراعاة قياسات الانحراف المغناطيسي حسب موقع الراصد لتحديد القبلة في تحري اقتفاء أثر مخرج الخارج من المسجد الحرام.

وتختلف أدلة القبلة على ثلاثة أنواع، إما أرضية كالجبال والقرى والأنهار، أو هوائية كالرياح، أو سماوية كالنجوم، فأما السماوية فأدلتها تقريبية، وهي إما نهارية كالشمس، أو ليلية يستخدم فيها الكوكب الذي يعرف بالجدي، وهو كوكب ثابت لا تظهر حركته من مكانه.

وتتمثل الطريقة اليقينية في تحديد القبلة بمعرفة خطي الطول والعرض لمكة المكرمة، أي: ما يعرف بالدلائل الفلكية والهندسية، وبناءً عليها أصدرت الهيئة القضائية العليا في السعودية عام 1393هـ/1973م، فتوى تجيز تحديد القبلة من خلال جهاز "جايرو تيود لايت" الذي يعمل على تحديد اتجاه القبلة بشكل يقيني، كما أكدت أنه إذا تحقق إمكان إصابة عين القبلة باستعمال الجهاز فلا يجوز لمن يستطيع ذلك الاستغناء عنه بغيره من أدلة القبلة الاجتهادية.