نقوش سد معاوية بن أبي سفيان، هي نقوش وجدت على حجر ناري كبير من الجرانيت، عُثر عليه بالقرب من سد يعود إلى العصر الأموي، في واد بمدينة الطائف في منطقة مكة المكرمة غرب المملكة العربية السعودية. ويعتقد دارسون أن هذه النقوش أقدم كتابة وجدت حتى الآن على أثر عمراني في العصر الإسلامي، وللنقش أهمية خاصة بالنسبة لدارسي تطور الخط العربي.
يبعد السد المجاور للنقوش عن مدينة الطائف ستة أميال (9.6 كم)، ويُسمى بـ"سد العباد"، كما يُطلق عليه "سد سيسد"، ويسميه باحثون "سد معاوية". ويقع السد جنوب شرقي مدينة الطائف، في منطقة تحتوي على شعاب وجبال تصب مياهها خلال هطول الأمطار في وادي سيسد الذي شُيد عليه السد. ويذكر الدكتور سامي الصقار في بحث كتبه عن السد، عنوانه "سد معاوية في الطائف: دراسة وتعليق"، نُشر في العدد الثاني من مجلة "الدارة" لسنة 1406هـ/1986م، أن السياسي والأديب المصري محمد حسين هيكل هو أول من وقف على هذا السد، وكتب عنه في كتابه "منزل الوحي"، حين زار موقعه بعد أدائه فريضة الحج عام 1354هـ/1936م، ورأى كتابة النقش، وذكر في الكتاب أن عبدالله باشا باناجه (أحد وجهاء المنطقة)، صور تلك الكتابة في أوائل القرن العشرين، وبعث بها إلى مصر لحل رموزها، وقد أعجب هيكل بهذا السد، وقال: إن العرب قد عرفوا المباني الضخمة، كما عرفها قدماء المصريين. وزار المهندس الأمريكي كارل تويتشل، الطائف عام 1364هـ/1945م، وأعد تقريرًا عن السدود القديمة فيها، وأشار إلى أنه وجد السد في حال ممتازة، وأبدى إعجابه بمهندسه، قائلًا: "من حق مهندسه البارع علينا، وهو الذي شيد السد قبل 1266 سنة، أن نسدي إليه واجبات الشكر والتحية". وذكر أنه لم يستعمل في بنائه الملاط ولا الطين.
ويعد سد معاوية واحدًا من أكثر من 70 سدًا تاريخيًا شُيدت في عصر صدر الإسلام والخلفاء الراشدين، وما يزال أكثر من 20 سدًا منها قائمًا، بعضها مؤرخ بناؤه بلوح تأسيسي نقش على الصخر.
الكتابة المنقوشة على حجر سد معاوية بن أبي سفيان
يوجد النقش على صخرة كبيرة في أسفل الجبل الذي شيد عليه يمين الواجهة الأمامية لسد معاوية بن أبي سفيان. ويتكون النقش من ستة أسطر مكتوبة بالخط الكوفي المنقوط، وتبلغ مساحته 130 سم × 70 سم، وطول حرف الألف فيه 10 سم، ونصه حسب قراءة سانت جون فيلبي، وهو مرتب حسب الأسطر:
1.هذا السد لعبدالله معوية
2.أمير المؤمنين بنيه عبدالله بن صخر
3. باذن الله لسنة ثمن وخمسين 1
4. للهم اغفر لعبدالله معوية ا
5. مير المؤمنين وثبته وانصره ومتع ا
6. لمومنين به كتب عمرو بن حباب
وتشير الكتابة إلى أن السد مبني في عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان، إذ يشير السطر الأول لاسمه صراحة، كما يشير السطر الثالث إلى سنة بنائه (58 للهجرة)، وهي سنة تقع في عهد خلافته الممتدة حتى عام 60هـ.
باني سد معاوية بن أبي سفيان وكاتب نقوشه
باني سد معاوية بن أبي سفيان، المذكور في السطر الثاني، اختلف فيه الباحثون فمنهم من يرى أنه عمرو بن العاص، بسبب قراءة خاطئة لكتابة النقش. كما أن هناك قراءة أخرى للسطر الثاني ذكرت أن اسم الباني "عبدالله بن إبراهيم" ومنهم من توهم أن الكتابة هي "عبدالله بن خالد"، وأنه والي معاوية على مكة المكرمة في سنة 44هـ، أما اسم "عبدالله بن صخر"، الوارد في القراءة الأكثر موثوقية للنقش فلا تسعف المصادر التاريخية عن شخصية بهذا الاسم، وقد حاول الدكتور سامي الصقار العثور على شخص بهذا الاسم في المصادر التي غطت تلك الفترة الزمنية، فلم يعثر له على ذكر، ما جعله يخلص إلى تفسيرين: الأول أن الباني هو معاوية نفسه، إذ إن اسم ابيه هو "صخر"، وكتب قبله "عبدالله" من باب التواضع، والتفسير الثاني أن الباني مهندس أو بناء مجهول الهوية.
ويشير البحث إلى اختلاف في قراءة اسم كاتب النقش الوارد في السطر السادس على هذه الأسماء "عمر بن حباب وعمرو بن حيان، وعمرو بن خباب أو جناب"، كما يُرجح أن يكون "عمير بن الحباب السلمي"، مع استبعاد ذلك، لأن الرجل كان في عام 59هـ، في مهمة حربية في أرمينيا بعيدًا عن الطائف. ويعتقد الباحث أن الكاتب مجرد شخص غير معروف يحسن النقش على الحجر.
أهمية نقوش سد معاوية بن أبي سفيان
عدّ دارسون نقوش سد معاوية بن أبي سفيان، أقدم كتابة وجدت حتى الآن على أثر عمراني في العصر الإسلامي، وأنه يعد أقدم نص عربي منقوط، ودراسته تلقي بعض الضوء على تاريخ الخط العربي، ولا سيما فيما يتعلق بإعجام الحروف، لأن كتب التاريخ تحدد لإدخال الإعجام تاريخًا متأخرًا بعض الشيء عن خلافة معاوية. فالمعروف هو أن الحجاج بن يوسف الثقفي المتوفى سنة 95هـ/714م، هو الذي أمر ـ أثناء ولايته الكوفة ـ بتنقيط المصحف عندما فشا التصحيف بين الناس، ولذا فإن وجود كتابة منقوطة تعود لعام 58هـ/687م، يعد أمرًا مهمًّا يستوجب من الدارسين أخذه في الحسبان، كما يقدم النقش قيمة إضافية بوصفه مصدرًا تاريخيًّا، إذ إن المصادر التاريخية الحالية لا تشير إلى قيام الخليفة معاوية ببناء سد في الطائف، فيما يؤكد هذا النقش هذه المعلومة.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة