التخييم في السعودية، هو نشاط ترفيهي في الهواء الطلق يؤديه الأفراد والعوائل في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية،ولا يشمل التنزه النهاري قصير المدى المعروف في الاصطلاح المحلي السائد بـ"الكشتة"،بل يعتمد في مفهومه على المبيت ليلة أو أكثر بعيدًا عن المنزل، وقد يمتد إلى عدة أيام، ويُشار إلى أي موقع تُنصب الخيمة فيه بالمخيم.
يصف التخييم مجموعةً من الأنشطة والأساليب للإقامة في الهواء الطلق، مثل النوم خارج المنزل، وإشعال النار للتدفئة وإعداد وجبات الطعام مباشرةً عليها، وتضع تلك الأساليب على الفرد طبيعةً اختيارية شائعة في الثقافة السعودية للسعي وراء تجديد الروح والسكون الذهني الذي تكون المدينة سببًا لوجوده عادة، مع ذلك يمكن ملاحظة إقامة مناسبات في المخيمات البرية، يحضرها عدد معين من الأشخاص، ولتوافر المساحة والطبيعة في المخيمات البرية عادةً يصطحب الصقَّارون صقورهم المدرَّبة إليها.
ورغم شيوع كثير من الأنشطة الترفيهية في السعودية وتفاوت مستوياتها المادية، إلا أن التخييم بقي نشاطًا ترفيهيًّا مجتمعيًّا ثابتًا مهما تفاوتت نسبة تنسيقه أو نخبويته.
التخييم في الثقافة السعودية
تستمد رحلات التخييم في الثقافة السعودية شعبيتها من النشاطات الترفيهية التي تتضمنها، وهي تعبّر عن ثقافة معظم العائلات في أساليب الطهي والاستجمام. تبدأ رحلات التخييم بتجهيزات مسبقة، منها حقيبة كبيرة نسبيًّا، توضع فيها التوابل ومستلزمات صناعة القهوة والشاي والأطعمة، يُشار إليها في الاصطلاح المحلي السائد بـ"العزبة". وأحيانًا تكون العزبة موضوعة دائمًا في سيارات بعض المهتمين بالتخييم، إذ يمثل لهم التخييم خطة شبه دائمة وليس رحلة استثنائية.
وتبرز رحلات التخييم العادات الثقافية للمجتمع السعودي، إذ يُمكن ملاحظة استقراض بعض النواقص من المواد الغذائية أو المعدات بين مخيم وآخر، وإلقاء التحية، وتبادل الاحتياجات الطبية البسيطة والحطب أحيانًا.
وعادةً تتوزع العائلات السعودية في انطلاقها إلى المخيمات على سيارات عائلية متنوعة، منها سيارة مرتفعة ذات دفعٍ رباعي لتفادي التوقف في الرمال، أو ما يعرف بـ"التغريز"، مع ذلك تُلاحظ الجهود من بعض المخيمين الذين يتطوعون لمعالجة أي حادث برّيٍّ شائع مثل توقف المركبات أو تعطلها.
مناطق التخييم في السعودية
هناك مواقع صحراوية وزراعية جاذبة للتخييم في كل منطقة من مناطق السعودية، تُعرف اجتماعيًّا بين مرتاديها، وتشيع لاحقًا بين أفراد المجتمع على أنها مواقع غير رسمية للتنزه، كما تتميز بعض تلك المواقع بسمات فريدة، مثل أن تكون مرتفعة لتُطل على مناظر طبيعية أو تكون أقرب إلى نقاط الخدمات التجارية، أو تبدو أكثر خصوصية في نمطها، وعامة تحظى المواقع المُطلّة على المناظر المميزة بإقبال وتنافس أكثر من غيرها.
مواسم التخييم في السعودية
موسميًّا، يتنوع النشاط الترفيهي للتخييم بين منطقة وأخرى من مناطق السعودية، على سبيل المثال: يرتبط فصل الشتاء في العاصمة الرياض، لطبيعتها الصحراوية بالتخييم في عددٍ من المواقع خاصة في المحميات، لأنها تتوافر فيها أكثر، مثل محمية الملك خالد الملكية أو كما تُعرف محليًّا "متنزه الثمامة الصحراوي" شمالي العاصمة،وروضة خريم التابعة لمحافظة رماح التي تشتهر بطبيعتها الخضراء وملاءمتها نشاطات التخييم.
وفي منطقة القصيم يقصد هواة التخييم بعد هطول الأمطار؛ البراري، والفياض، والأودية، والصحاري، والشعاب والرياض والخباري، إذ يبدأ نصب المخيمات البرية، وجلسات السمر، في مناطق: المستوي، والصريف، وعسيلان، والطرفية، والغضا، والثويرات، وأم حزم.
ويمكن عدّ منطقة الحدود الشمالية إلى جانب منطقة حائل من المناطق التي تزخر بالمخيمات البرية، خاصةً في فصل الشتاء، إذ يمثل التخييم نمطًا اجتماعيًّا شائعًا لدى السعوديين في تلك المناطق، فهو يمتد من أساليبهم في المعيشة، إذ تتضمن منازلهم عادةً مجلسًا خارجيًّا يأخذ نمط الخيمة يُسمى "بيت الشعر"،كما تتضمن مجالسهم "المَشَبْ"أو الموقد الذي يستخدمونه لإشعال النار للتدفئة والتسلية وتحضير المشروبات الساخنة.
وتستقطب محمية الشمال للصيد المستدام التابعة لهيئة تطوير محمية الإمام تركي بن عبدالله الملكية، مخيمات هواة الصيد سواءً بالطرق التقليدية أو الصقارين في ظل تعدد المخيمات المتاحة، مثل: الخزامى، والسدر، والغضى. وتعمل المحمية على تقنين الصيد وحماية الأنواع النادرة، وضمان عدم تأثير أنشطة الصيد في التوازن البيئي الطبيعي والتنوع الأحيائي.
أما في جنوب السعودية فهناك مدى زمني أكثر اتساعًا للتخييم، إذ يتميز الطقس بالبرودة والاعتدال طيلة العام، ومن بين المواقع الملائمة للتخييم في مناطق الجنوب محافظة تنومة الجبلية في منطقة عسير، وهي تضم كثيرًا من الأشجار والمرتفعات المُطلة على المناظر الطبيعية، وتنضم إليها غابة رغدان في منطقة الباحة، كما يمكن ملاحظة كثير من المواقع الملائمة للتخييم جنوبًا، دون أن تكون مخصصة لذلك.وتستقطب المناطق الجبلية في منطقة الباحة هواة رياضة "الهايكنج"، للوصول إلى القمم وتسلق المرتفعات الشاهقة.
وربما تُعد فكرة التخييم على شواطئ البحر في منطقة مكة المكرمة أكثر مثاليةً من التخييم في المناطق البريَّة، نظرًا لارتفاع درجات الحرارة فيها،مع ذلك هناك بيئات بريَّة مثالية ممتدة للتخييم عند الاتجاه شمالًا، وتبدأ من محافظة رابغ شمالي منطقة مكة المكرمة، مرورًا بمركزي هدى الشام وثول، ووصولًا إلى الساحل الغربي جنوبًا الذي يُعرف بـ"الشعيبة".
وفي السنوات الأخيرة ظهر نمط جديد من رحلات التخييم؛ وهو مخيّمات البراكين، تحديدًا في محافظة خيبر بمنطقة المدينة المنورة، إذ أنشأت الهيئة الملكية لمحافظة العلا مخيم بركان خيبر، الذي يستقطب عُشاق المغامرة والاستكشاف، لتجربة التخييم بين الصخور البركانية في حرّة خيبر، التي تجمع عددًا من البراكين الخامدة منذ آلاف السنين. ويتميَّز المخيّم بقربه من جبل القِدر البركاني، الذي تم تصنيفه ضمن أفضل 100 موقع جيولوجي من الاتحاد الدولي للعلوم الجيولوجية (IUGS) ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو".
ومن مواقع التخييم التي باتت تستقطب السعوديين والخليجيين جبل اللوز الواقع شمال غربي السعودية، ويصل ارتفاعه إلى 2600 م عن سطح البحر، إذ يكتسي في فصل الشتاء بالثلوج، ما يجعله مقصدًا لهواة التخييم، لممارسة التزلج على المسارات المغطاة بالثلوج، والمشي على الجليد.
منصة التراخيص الفورية للتخييم
تُنظم نشاطات التخييم على المستوى الوطني تحت اسم "المخيمات البيئية السياحية"، تحت إشراف المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر في السعودية، وتتنوع التراخيص المُصدرة للمخيمات حسب وقوعها داخل النطاق العمراني أو خارجه، أو داخل المحميات الطبيعية، أو ضمن الأراضي التي تخضع للملكية الخاصة، أو المواد غير الثابتة التي بُني على أساسها المخيم، مثل: الخيام وسعف النخيل والأخشاب.
ولتسهيل تجربة التخييم؛ أطلق المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر عام 1445هـ/2024م، منصة إلكترونية لإصدار تصاريح التخييم الفورية في مناطق السعودية. وتشمل المواقع المتاحة للتخييم في المنصة: 51 موقعًا مختلفًا في ثماني مناطق على مستوى السعودية، بطاقة استيعابية إجمالية تصل إلى 13,650 مخيمًا. تشمل مناطق: الرياض، ومكة المكرمة، والقصيم، وحائل، والمنطقة الشرقية، والباحة، والجوف، والمدينة المنورة.
ويمكن للراغب في التخييم التقدم للحصول على التصريح، باستخدام الجوال أو أي من الأجهزة الذكية، عبر تعبئة البيانات المطلوبة وتسجيل معلومات الموقع، والموافقة على التعهد.
ويشترط المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، التزام حامل التصريح بالضوابط والاشتراطات الضرورية للتخييم، ومنها الحفاظ على الغطاء النباتي ونظافته، وتجنب السلوكيات غير الحضارية أثناء التخييم وبعده. وحدد المركز شروطًا للحصول على التراخيص، منها: أن يكون تحديد موقع التخييم تحت إشرافه، وتوفير أدوات الأمن والسلامة وفقًا لمتطلبات الدفاع المدني، ومراعاة اشتراطات الجهات المعنية، إضافة إلى توافر هوية وطنية أو إقامة نظامية للأفراد، وختم رسمي على نموذج طلب التصريح للجهات. كما يشترط عدة ضوابط عامة، منها: عدم تجاوز مدة التخييم ثلاثة أشهر، وأن تكون المساحة 5000 م2 للأفراد، و25 ألف م2 للجهات بحد أقصى، إضافة إلى المحافظة على الغطاء النباتي في مواقع التخييم، وعدم ممارسة الرعي والصيد والاحتطاب، وعدم استخدام المخيمات لأي أغراض غير التخييم، مع اتباع النظام الخاص بالمتنزه.
وأطلق المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر، عام 1445هـ/2023م، دليلًا خاصًا بمواقع التخييم والكرفانات في عدد من المتنزهات الوطنية بمنطقة عسير، والباحة، ومحافظة الطائف في منطقة مكة المكرمة. ويتضمن الدليل طريقة طلب التصريح، وإرشادات لضمان السلامة خلال أنشطة التخييم، وتعريفًا بمواقع التخييم البالغ عددها سبعة مواقع، تستوعب أكثر من 1400 مخيم، إضافة إلى تسعة مواقع مخصصة للكرفانات تستوعب أكثر من 1000 كرفان.
وإضافة إلى التصاريح التي يمنحها المركز، تصدر أمانات بعض المناطق والمحافظات تصاريح للراغبين في التخييم، منها: أمانة المنطقة الشرقية، وأمانة محافظة الأحساء، وأمانة منطقة حائل، وفق اشتراطات خاصة تضعها هذه الأمانات.
نصائح وتحذيرات خلال رحلات التخييم
توجه الأجهزة الرسمية نصائح وتحذيرات للراغبين في التخييم، إذ تنصح بأخذ الحيطة أثناء التخييم، والتأكد من حالة الطقس قبل التوجه إلى المخيم، واصطحاب معدات الإسعافات الأولية وكميات كافية من المياه والطعام، والاحتراس من الحياة البرية وما قد تمثله من أخطار، واستخدام نار المخيم بطريقة آمنة واستعمال الأدوات المناسبة لإشعالها بما يحافظ على الغطاء النباتي، إضافة إلى وضع النفايات في المكان الصحيح، وإبقاء نار بسيطة ومراقبتها دائمًا، والانتباه للأطفال.
أما التحذيرات فتشمل عدم قيادة السيارات في غير المسارات المخصصة لها، والمحافظة على الغطاء النباتي، من خلال ترك المكان نظيفًا بعد التخييم، وعدم استخدام الفحم والحطب المحلي الذي يؤدي استخدامه إلى فرض عقوبات، حسب نظام البيئة واللائحة التنفيذية لمخالفات الاحتطاب.
ومن مخالفات التخييم التي تُعاقب عليها الأنظمة في السعودية: الرعي دون تصريح في أماكن التخييم، ودهس الغطاء النباتي، والتخييم غير المصرح، وإشعال النار في الأماكن غير المخصص لها.
وللمحميات اشتراطات ومحظورات أخرى، تُضاف إلى ما يجب على هواة التخييم اتباعه، إذ يُسمح بدخول المحميات بالسيارات والدراجات النارية والهوائية في الممرات والطرق المُعبدة، فيما يمنع إيجاد مسارات جديدة للسيارات، أو التعرض للغطاء النباتي أو تجريف التربة، واستخدام المظلات غير المثبتة في الأرض بالحفر، ويمنع التنقل داخل المحميات برفقة الطيور الجارحة، حفاظًا على البيئة والحياة الفطرية والتوازن البيئي. كذلك يمنع دخول الكرفانات المقطورة وغير المقطورة إلى المحميات، ويسمح بوجودها على حدودها، ويمنع عبور الإبل داخل المحميات.
عقوبات مخالفات التخييم
تضبط القوات الخاصة للأمن البيئي مخالفات التخييم في الغابات والمتنزهات الوطنية دون ترخيص. وتبلغ غرامة المخالفة ثلاثة آلاف ريال.
ويفرض المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر غرامة لإشعال نار في غير الأماكن المخصصة، تبلغ 1000 ريال في المرة الأولى، وتتضاعف مع التكرار لتصل في المرة الثالثة إلى ثلاثة آلاف ريال، وتبلغ مخالفة دخول المركبات والسيارات في الفياض والروضات البرية المحمية، في المرة الأولى 500 ريال، وفي الثالثة 2000 ريال، وغرامة رمي النفايات في غير أماكنها المخصصة 500 ريال في المرة الأولى وتصل حتى 2000 ريال في الثالثة، وتصل غرامة قطع الأشجار من أراضي الغطاء النباتي في المرة الأولى إلى عشرة آلاف ريال، والثالثة 20 ألف ريال، ويُلزَم كل مخالف إزالة المخالفة وإصلاح الضرر الناتج عن مخالفته ودفع التعويضات اللازمة.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة