المكتبات الوقفية في السعودية، هي مكتبات أوقفها أمراء وحكام، وعلماء وأفراد، ليستفيد منها طلاب العلم والأفراد بشكل خيري، وفقًا لشروط الواقف. وتضم هذه المكتبات كتبًا ومخطوطات نادرة.
تعود نشأة المكتبات الوقفية إلى صدر الإسلام، وتحديدًا إلى زمن الخلفاء الراشدين في القرن الأول الهجري/القرن السادس الميلادي. وتطورت لاحقًا في زمن الدولتين الأموية والعباسية. إذ ظهرت في مكة المكرمة والمدينة المنورة والطائف خزائن كتب في بيوت بعض الصحابة والتابعين، وأتيح لعامة الناس، وخصوصًا طلبة العلم، الإفادة منها. كما ظهرت المكتبات الوقفية في المساجد، خصوصًا المسجد الحرام في مكة المكرمة، والمسجد النبوي في المدينة المنورة، ودور العلم (المدارس)، والأربطة، ومن خزائن الكتب التي ظهرت قبل الإسلام في مكة المكرمة خزانة عبدالحكيم بن عمرو الجمحي، وبعد ظهور الإسلام انتشرت خزائن الكتب التي أسسها الصحابة والتابعون، لحفظ كتاب الله والأحاديث المدونة عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ومنهم: أبو هريرة عبدالرحمن بن صخر الدوسي، وعبدالله بن عمرو بن العاص، وعبدالله بن عباس، وعبدالرحمن بن أبي ليلى أبو عيسى الأنصاري، وأنس بن مالك، وعروة بن الزبير، ومجاهد بن جبر، وبكير بن عبدالله الأشج المدني، والإمام مالك بن أنس، والإمام الشافعي، والزبير بن بكار، وعبدالعزيز بن عمران الزهري.
أنواع المكتبات الوقفية
ظهرت خلال التاريخ الإسلامي، أنواع مختلفة من المكتبات الوقفية، خصوصًا في حواضر الحجاز. ويعزى التباين إلى شروط الواقف، ومكان المكتبة، ومن أنواع هذه المكتبات: المكتبات الوقفية العامة، والمكتبات الوقفية الخاصة، ومكتبات المساجد، ومكتبات الكتاتيب، ومكتبات المدارس الوقفية، ومكتبات الأربطة، ومكتبات الخوانق (التكايا)، ومكتبات الزوايا، ومكتبات المشافي (البيمارستانات)، ومكتبات المراصد، ومكتبات الخلوات، ومكتبات المقابر.
المكتبات الوقفية في مكة المكرمة
يعود ظهور المكتبات الوقفية في مكة المكرمة إلى القرن الثاني الهجري/القرن الثامن الميلادي، حين تأسست مكتبة الحرم المكي في العهد العباسي، في حدود عام 160هـ/777م، في عهد الخليفة المهدي، وكانت تحتوي على خزائن كتب موجودة في قبتين، وضم إليها لاحقًا مكتبات خاصة. وتعرضت بعض كتبها إلى التلف، جراء السيل الذي اجتاح الحرم المكي عام 417هـ/1026م. وفي عام 1262هـ/1846م، أعيد جمع شتات الكتب، وأضيفت إليها بعض الكتب، وأطلق عليها المكتبة المجيدية. وفي زمن الدولة السعودية الثالثة أمر الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بأن تكون هذه المكتبة نواة لمكتبة عامة، وخصص لها ميزانية، وأوجد لها تنظيمًا خاصًّا. وبقيت هذه المكتبة داخل الحرم حتى التوسعة السعودية الأولى، إذ تنقلت بعد ذلك بين عدد من الأماكن. وتحتوي المكتبة على نحو 70 ألف كتاب مطبوع ومخطوط.
ومن المكتبات القديمة في مكة المكرمة أيضًا، والتي تعود إلى صدر الإسلام، خزانة المالكية، ومكتبة أسرة بني فهد، التي كانت تحتوي على مخطوطات نادرة، ومكتبة قايتباي الجركسي، إضافة إلى مكتبات الأربطة، التي كانت تضم أمهات كتب الحديث، والفقه، والتاريخ.
المكتبات الوقفية في المدينة المنورة
تأسس في المدينة المنورة عدد من المكتبات قبل العهد السعودي، أوقفها الحكام والأمراء على طلبة العلم، وبعضها ملحقة بمدارس وقفية. وكانت هذه المكتبات تحتوي على مخطوطات نادرة، منها: مكتبة الحرم النبوي، ومكتبة مدرسة عارف حكمت، ومكتبة مدرسة أمين ابن شيخ الحرم، ومكتبة المدرسة المحمودية، ومكتبة مدرسة بشير آغا، ومكتبة المدرسة الحميدية، ومكتبة السيد جمل الليل، ومكتبة المدرسة العرفانية، ومكتبة المدرسة القازانية، ومكتبة رباط الجبرتي، وغيرها من مكتبات الأربطة، والمكتبات الخاصة، ومكتبات أسسها علماء ومثقفون وافتتحوها لعامة الناس، ليستفيدوا منها، وقُدر عددها في عام 1304هـ/1887م، بنحو 20 مكتبة، تحتوي على أكثر من 22 ألف كتاب.
وظهرت في المدينة المنورة خلال العهد السعودي، مكتبات وقفية، منها: مكتبة المسجد النبوي، ومكتبة المصحف الشريف، ومكتبة المدينة المنورة العامة، ومكتبة الملك عبدالعزيز. وتحتوي هذه المكتبات على آلاف الكتب والمخطوطات النادرة، ومنها المصاحف المخطوطة القديمة والنادرة، منها مصحف يعود إلى عام 515هـ/1121م. وقد تكونت هذه المكتبات من مجموعة من المكتبات الخاصة، والإهداءات الفردية من الحكام في الأقطار الإسلامية والمؤلفين والعلماء. وكانت هذه المكتبات مفتوحة للقراء لنحو 12 ساعة يوميًّا، كما كانت توفر خدمة الإعارة.
المكتبات الوقفية في الطائف
أُسست في القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي مكتبة بجوار مسجد الصحابي عبدالله بن عباس، كانت تحتوي على عدد من الكتب والمخطوطات. وقد ضُم إلى هذه المكتبة الكثير من الكتب الوقفية، وألحقت بعد ذلك بمسجد ابن عباس، وتحتوي المكتبة على أكثر من 10 آلاف كتاب، إضافة إلى 520 مخطوطًا، فضلاً عن الصحف والمجلات والدوريات.
المكتبات الوقفية في نجد
عرفت نجد المكتبات الوقفية في القرن الرابع عشر الهجري/القرن العشرين الميلادي، وأسسها أمراء من أسرة آل سعود، وعلماء من أحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب. وأول مكتبة وقفية أنشئت في الرياض ظهرت في عام 1363هـ/1944م، وأسسها الأمير مساعد بن عبدالرحمن آل سعود، وخصص لها جناحًا في قصره، وأتاح للجميع الاستفادة منها. وأمر الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود عام 1371هـ/1952م (عندما كان وليًّا للعهد)، بتأسيس مكتبة الرياض السعودية، وكانت تحت إشراف الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء. أما في عنيزة فتأسست أول مكتبة وقفية عامة في 1358هـ/1939م، وهي مكتبة الشيخ عبدالرحمن بن سعدي، والمكتبة الثقافية عام 1374هـ/1955م، إضافة إلى مكتبة الشيخ حمود بن حسين الشغدلي في حائل.
الإشراف على المكتبات الوقفية في السعودية
كانت المكتبات الوقفية تتبع إداريًّا لمديرية الأوقاف العامة، ثم انتقل الإشراف عليها إلى وزارة الحج والأوقاف (لاحقًا فصلت إلى وزارة الحج والعمرة، ووزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، وأزيل اسم الأوقاف من الوزارة). وأصدر مجلس الوزراء السعودي في عام 1381هـ/1961م، قرارًا برقم 224، بتكليف وزارة المعارف (وزارة التعليم حاليًّا)، بالتفتيش على هذه المكتبات، ومعرفة ما إذا كان لها فهارس خاصة، مُدون فيها أسماء الكتب الموجودة فيها، وهل تعاني من نقص، وأن ترفع تقارير عن واقع هذه المكتبات وسبل تطويرها. وحاليًّا يشرف على جميع المكتبات الوقفية مجمع الملك عبدالعزيز للمكتبات الوقفية.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة