الدين العام للمملكة العربية السعودية، هو مصدر مهم من مصادر التمويل، ويعد مؤشرًا على مقدار الإنفاق الحكومي عن طريق الاقتراض بدلا من الضرائب. ويمثِّل ما تستدينه الحكومة من مبالغ نقدية من الأفراد أو المؤسسات المالية، وتلتزم بسداده مع الفوائد المستحقة عليه، وقد يكون الدين داخليًّا أو خارجيًّا، وتلجأ إليه الدول لتمويل نفقاتها العامة عندما تعجز عن توفير إيرادات كافية لتغطية الإنفاق.
يُعد الدين العام مكونًا ماليًّا يُسهم في تنويع أساليب التمويل، مما ينعكس على تنشيط حركة التنمية الاقتصادية، ويتكون من مجموع دين عام داخلي يتمثَّل في سندات ضمان تملكها أطراف من داخل الدولة، مثل: المؤسسات الحكومية المستقلة والبنوك التجارية والشركات الاستثمارية وغيرها، إضافة إلى دين عام خارجي وهو مجموع سندات الضمان التي تملكها أطراف خارج الدولة كحكومات أجنبية أو أشخاص مقيمين خارج حدود الدولة، وكذلك هيئات دولية.
تقليل حجم الدين العام للسعودية
استطاعت السعودية في بعض الفترات تقليل حجم الدين العام كما حدث في عام 2012م، حين أصبحت ثالث أقل دولة مدينة في العالم بنسبة 3.0% من إجمالي الناتج المحلي، واستمر الدين بالتراجع حتى أصبح يمثل 1.6% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2014م.
وترتبط نسبة الدين العام بالناتج المحلي الإجمالي، ومن ذلك يتولَّد المقياس الذي تجري من خلاله المقارنة بين ديون الدول، ووفقًا لصندوق النقد الدولي قد تصل هذه النسبة إلى حدود 60% في الدول المتقدمة، ونحو 40% في الدول النامية.
واحتلت السعودية المرتبة الثانية، بعد روسيا، بين مجموعة من الاقتصادات المتقدمة والنامية من حيث الأقل في نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018م، إذ بلغت النسبة 19.1%.
تأسيس مكتب إدارة الدين العام
أسست وزارة المالية مكتب إدارة الدين العام في الربع الرابع من عام 2015م، لأداء دوره في تأمين احتياجات المملكة من التمويل بأفضل التكاليف الممكنة على المدى القصير والمتوسط والبعيد مع مخاطر تتوافق مع السياسات المالية للمملكة، وتحقيق استدامة وصول المملكة إلى مختلف الأسواق العالمية وبتسعير عادل.
وتتعدد مهام المكتب في عملية إدارة الدين لتشمل إصدار أدوات الدين الحكومية المحلية، نيابةً عن وزارة المالية، وذلك من خلال الطروحات الخاصة على مستثمرين ومؤسسات مالية مؤهلة.
ويختص المكتب كذلك بإدارة الدين الحكومي المباشر والالتزامات المالية المحتملة وجميع العمليات المتعلقة بهم، واقتراح استراتيجية للدين العام على المدى المتوسط، إضافة إلى الخطة السنوية للاقتراض، وتنفيذ قرارات الجهة المختصة لإصدار الدين والاقتراض بمختلف أنواعه داخل وخارج المملكة، وإعادة الاقتراض وهيكلة الديون وضمانات وزارة المالية لدعم المالية العامة للدولة بكفاءة، إضافة إلى وضع الأطر القانونية والحوكمة وإدارة المخاطر الخاصة بإدارة الدين العام.
وجرى تحويل مكتب إدارة الدين العام إلى مركز باسم المركز الوطني لإدارة الدين، بناءً على قرار مجلس الوزراء في عام 1441هـ/2019م، حيث يتمتع المركز بالشخصية الاعتبارية المستقلة، والاستقلال المالي والإداري ويرتبط تنظيميًا بوزير المالية.
مهام المركز الوطني لإدارة الدين
مُنح المركز الوطني لإدارة الدين مزيدًا من ملامح الشخصية الاعتبارية التي تؤهله لأداء مهامه بأعلى درجات الكفاءة، فبحسب تنظيم المركز الوطني لإدارة الدين، تضمنت المادة الثالثة أهدافه التي تشمل: الإسهام في وضع سياسة الدين العام للمملكة وتطويرها، وتأمين احتياجات المملكة من التمويل على المدى القصير والمتوسط والبعيد، ومتابعة شؤون التصنيف الائتماني للمملكة بالتعاون مع الجهات الحكومية ذات العلاقة.
وتشمل مهام مركز الوطني لإدارة الدين أيضا تقديم خدمات استشارية واقتراح خطط تنفيذية للأجهزة الحكومية والشركات التي تمتلك فيها الدولة ما يزيد على 50% من رأسمالها والمؤسسات العامة في مجال اختصاص المركز، بما في ذلك تجميع بيانات الدين العام المباشر وغير المباشر ومعالجتها ومتابعتها، والتفاوض حول إعادة هيكلة الديون أو إعادة تسعيرها أو إعادة التعاقد عليها، أو خدمات تتعلق بسياسات التحوط، أو إدارة علاقات المستثمرين في أدوات الدين العام، أو شؤون التصنيف الائتماني، أو غيرها من الخدمات ذات العلاقة.
خطط الاقتراض
يعد المركز الوطني لإدارة الدين خطة سنوية واستراتيجية متوسطة المدى، للاقتراض لتأمين احتياجات السعودية من التمويل، وتراعي هذه الاستراتيجية مستهدفات رؤية السعودية 2030 في تعزيز نمو القطاع المالي. وتعتمد استراتيجية الدين العام على تنويع الإصدارات بين محلية وخارجية من خلال إصدار الصكوك والسندات بآجال مختلفة ومتنوعة بين قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.
وأدَّت جائحة فيروس كورونا المستجد "كوفيد-19" إلى البحث عن مصادر تمويل متنوعة محليًّا ودوليًّا على مستوى إجمالي محفظة الدين، فارتفع تبعًا لذلك حجم محفظة الدين العام في عام 2020م بمقدار 176 مليار ريال، أي ما يمثِّل نسبة 26%، ممثلة بإجمالي عمليات تمويلية تُقدر بنحو 220 مليار ريال، تشمل تمويلًا محليًّا بنحو 174 مليار ريال، وآخر دوليًّا بنحو 46 مليار ريال.
ووفقا لخطة الاقتراض لعام 2021م، وهي خطط يصادق عليها مجلس إدارة المركز الوطني لإدارة الدين، بلغت قيمة القروض 125 مليار ريال، كانت نسبة التمويل المحلي منها 60.5% فيما بلغت نسبة التمويل الدولي 39.5% من إجمالي الخطة، وتضمنت إصدار سندات سيادية بقيمة مليار ونصف يورو، بأكبر شريحة عائد سلبي على الإطلاق خارج دول الاتحاد الأوروبي، حيث بلغ إجمالي الإصدار 1.5 مليار يورو، وبلغت نسبة تغطيتها 3.3 مرات (5 مليارات يورو)، وغيرها من المصادر التمويلية الأخرى.
وأشارت خطة الإقراض لعام 2022م، إلى بلوغ حجم الدين العام مستوى 938 مليار ريال، مع التوجه نحو اقتراض نحو 43 مليار ريال، لسداد مستحقات أصل الدين، والنظر في عمليات تمويلية إضافية بشكل استباقي من خلال القنوات التمويلية المتاحة، سواءً محليًّا أو دوليًّا بما في ذلك أسواق الدين والتمويل الحكومي البديل لتمويل الفرص التي من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي، مثل تمويل المشاريع الرأسمالية والبنية التحتية.
وقدرت خطة الاقتراض لعام 2023م، الاحتياجات التمويلية لذات العام بنحو 45 مليار ريال؛ نظرًا لخفض جزء من إجمالي الاحتياجات التمويلية لعام 2023م عبر عمليات تمويلية استباقية تمت خلال عام 2022م بما يقارب 48 مليار ريال. وأشارت الخطة إلى استمرار المملكة في عمليات التمويل المحلية والدولية بهدف سداد أصل الدين المستحق خلال 2023م واغتنام الفرص المتاحة لتنفيذ عمليات تمويل المشاريع الرأسمالية.
وبحسب خطة الاقتراض لعام 2024م، شكلت الاحتياجات التمويلية للعام نحو 86 مليار ريال؛ شاملة سداد مستحقات أصل الدين للعام، إضافة إلى تغطية العجز المتوقع في الميزانية العامة للدولة لعام 2024م. وقدرت حجم محفظة الدين بنحو 1,115 مليار ريال بنهاية عام 2024م. وشملت خطة الاقتراض السنوية للعام 2024م تلبية الاحتياجات التمويلية للمملكة عن طريق عمليات التمويل المحلية والدولية بهدف تغطية العجز في ميزانية عام 2024م، وسداد أصل الدين المستحق خلال العام 2024م وعلى المدى المتوسط، وتنفيذ عمليات تمويلية إضافية لسداد مستحقات أصل الدين للأعوام القادمة، إضافة إلى تنفيذ عمليات تمويل من شأنها تعزيز النمو الاقتصادي، مثل تمويل المشاريع التنموية ومشاريع البنية التحتية.
إدراج أدوات الدين الحكومية وتداولها في سوق السندات الحكومية
أدرجت السوق المالية السعودية "تداول السعودية" في أبريل 2018م أدوات الدين الحكومية وبدأ تداولها في سوق السندات الحكومية، وأصبح لها مؤشر مستقل، وأغلق مؤشر سوق الصكوك والسندات في عام 2018م عند 988.2 نقطة، وبلغت القيمة المتداولة لصكوك وسندات الشركات نحو 25.9 مليون ريال.
وبرزت كفاءة المركز الوطني لإدارة الدين، وتنفيذه لخطط واستراتيجيات برنامجي التوازن المالي (الاستدامة المالية حاليًّا) وتطوير القطاع المالي، في إقفال طرحه الدولي الثاني المقوم باليورو من برنامج سندات حكومة المملكة، حيث أعلن المركز عن الإصدار صباح يوم الأربعاء 12 رجب 1442هـ/24 فبراير 2021 م وإغلاقه في اليوم نفسه.
كانت تلك العملية خطوة تاريخية، استغل فيها المركز الفرصة لدخول سوق اليورو الأوروبي (ثاني أكبر سوق بعد سوق الدولار الأمريكي) بإصدار أدوات دين بعائد سلبي، ليكون أكبر شريحة أصدرت بالسالب خارج دول الاتحاد الأوروبي، وجُمع ما يقدر بـ1.5 مليار يورو من الاكتتابات، وكان ثاني إصدار دولي لعام 2021م بعد أن أصدرت المملكة 5 مليارات دولار في شهر يناير لذات العام.
وفي 26 محرم 1445 هـ/13 أغسطس 2023م، أعلن المركز الوطني لإدارة الدين اكتمال عملية شراء مبكر لجزء من أدوات دين للسعودية قائمة ومستحقة في الأعوام 2024م، 2025م، 2026م بقيمة إجمالية تجاوزت 35.7 مليار ريال. وتعدّ هذه أكبر عملية شراء مبكر حتى 2023م، وأصدر المركز صكوكًا جديدة ضمن إطار برنامج صكوك المملكة المحلية بالريال السعودي بقيمة إجمالية 35.9 مليار ريال.
وعمل المركز الوطني لإدارة الدين في 26 جمادى الأولى 1445هـ/10 ديسمبر 2023م، على ترتيب قرض دولي مجمّع بلغت قيمته 11 مليار دولار، والذي يمتد عشر سنوات، وبمشاركة 14 مؤسسة مالية دولية متوزعة في أنحاء العالم من آسيا والشرق الأوسط وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وهو مؤشر على الاهتمام الدولي والثقة العالية برؤية السعودية 2030 والمرونة العالية لاقتصاد المملكة.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة