تربية الصقور في السعودية أو "الصقارة"، هي هواية وتقليد تاريخي في المملكة العربية السعودية، ترتبط بالموروث الشعبي والثقافي. أدرجت في قائمة التراث غير المادي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" عام 2010م، وبدأ تنظيمها رسميًّا عام 1395هـ/1975م، ويبلغ عدد الصقّارين ومقتني الصقور في السعودية نحو 20 ألف صقّار.
سجلت المسوحات الأثرية علاقة أبناء شبه الجزيرة العربية بالصقر، التي يرجع تاريخها إلى أكثر من 10 آلاف عام، كما أعلنت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني (وزارة السياحة حاليًّا) عن اكتشاف آثار للصقور في منطقة متوسطة ما بين محافظة تثليث ومحافظة وادي الدواسر نُسبت لحضارة قديمة.
تاريخ هواية الصيد بالصقور
كان الصيد بالصقور هواية للملوك والأمراء وعِلية القوم في شبه الجزيرة العربية، كما كان مصدر رزق للفقراء، إلا أن الهواية لم تختص بالعرب فقد انتشر الصيد بالطيور الجارحة من أواسط آسيا إلى أوروبا حتى أصبح من هوايات النبلاء هناك ولعب دورًا دبلوماسيًّا كبيرًا في القرون الوسطى، إذ كانت الصقور هدايا ملوك أوروبا لبعضهم.
وعرف الصيد بالصقور قبل آلاف السنين في شبه الجزيرة العربية، إذ توثق النقوش معرفة العرب بالصقور منذ ما يزيد على 9,000 سنة قبل الميلاد، أي قبل آلاف السنين من الأسطورة المنسوبة للحارث الكِندي وما يُنسب للملك الآشوري سرجون الثاني، وتثبت آثار "حضارة المقر" في العصر الحجري الثاني، المكتشفة حديثًا، أن الإنسان في شبه الجزيرة العربية استأنس الخيل والصقر وحيوانات أخرى في وقت مبكر جدًّا مقارنة بالحضارات الأخرى.
الصقور في الثقافات الأخرى
لأهمية الصقور عالميًّا، أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" ضمن قائمتها عددًا من الدول المعنيَّة بهذه التربية، هي: المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، والمغرب، وسوريا، وبلجيكا، والتشيك، وفرنسا، وكوريا، ومنغوليا، وإسبانيا.
وصُنفت بعض أنواع الصقور ضمن الحيوانات النادرة والمهدَّدة بالانقراض بعد الحرب العالمية الثانية، ما دفع بعض الدول إلى وضع تشريعات وقوانين صارمة، تواكبها حملات توعوية تسهم في الحد من الصيد الجائر للصقور، والمحافظة على التوازن البيئي والحياة البرية، كما ادرجت "اليونسكو" تربية الصقور ضمن قائمة 2010م للتراث غير المادي.
صيد وتدريب الصقور في السعودية
عُرف الصيد بالصقور في بدايته وسيلةً للحصول على الطعام، ثم تطورت الممارسة حتى أصبحت هواية متصلة بالموروث الشعبي والثقافي، ووسيلة لتفعيل الروابط الاجتماعية داخل المجتمعات وفيما بينها، وسُجلت الصقارة عام 2010م في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية في "اليونسكو".
تصل مدة تدريب الصقر الفرخ إلى 30 يومًا وقد تزيد إلى 40 يومًا، بينما تزيد فترة تدريب الصقر إلى أن تصل إلى عام كامل كلما كان أكبر سنًا، وتختلف استجابة الصقور للتدريب، فاستجابة الشاهين أسرع من استجابة الحر.
أنواع الصقور حسب الفصائل
تنقسم الصقور إلى عشرات الفصائل، التي تختلف في أحجامها، وأوزانها، وألوان ريشها، وسرعتها، وقدرتها على الطيران. وتعيش فصائل الصقور في مناطق جغرافية ومناخية متعددة، من الصحاري شديدة الحرارة، حتى المناطق الثلجية شديدة البرودة، إلا أن الباحثين يقسمون الصقور تقسيمًا علميًّا يُعيد كافة الفصائل إلى أربعة أنواع رئيسة، هي: الصقر الحر، وصقر الجير، والشاهين، والوكري.
تأسيس نادي الصقور في السعودية
في عام 1438هـ/2017م، صدر أمر ملكي بتأسيس نادي الصقور السعودي، ويتولى النادي مسؤولية الاهتمام بتربية الصقور في السعودية، إلى جانب المحافظة على التراث التاريخي المرتبط بثقافة الصيد بالصقور، من خلال تنفيذ عدة مهام، هي: التعريف بالتراث الخاص بالصقور وإبرازه ونشره، وإقامة المسابقات والفعاليات داخل السعودية وخارجها، وجمع الصقارين تحت رابطة واحدة، وإقامة مزادات لبيع الصقور، والتعاون مع مراكز البحوث لإجراء الدراسات الخاصة بالصقور، ونشر الوعي والتدريب والبحوث وبرامج العمل لحمايتها.
المحافظة على سلالات الصقور
تعد السعودية منطقة استيطان لأنواعٍ مختلفة من الصقور، وممرًا لأخرى مهاجرة، وللمحافظة على سلالات الصقور من الانقراض انضمت السعودية للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الصقور من الانقراض وحماية الطيور المهاجرة.
ويحافظ نادي الصقور السعودي على سلالات الصقور وحمايتها من الانقراض، بالتعاون مع القوات الخاصة للأمن البيئي، والمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية في منع صيد أنواع الصقور المهددة بالانقراض.
برامج حماية الصقور في السعودية
أطلقت السعودية برامج عدة لحماية الصقور منها، برنامج "هدد"، الذي يهدف إلى إعادة الصقور النادرة لمواطنها الأصلية، حفاظًا على سلالاتها والحد من انقراضها، ودعمًا للتوازن البيئي والحياة الفطرية، ونفذ البرنامج عمليات إطلاق 33 صقرًا في 15 موقعًا مختلفًا، وإحياء 28 عشًا نتج عنها 60 فرخًا، وتشمل أنواع تلك الصقور: الشاهين الجبلي، والوكري، والمهاجر الحر، والشاهين البحري.
ويتّبع برنامج "هدد" لتنفيذه عدة خطوات، هي: مرحلة ما قبل الإطلاق، ويجري فيها فحص الصقور وزيارة المواقع لتقييمها بيئيًّا، ثم التجهيز للإطلاق عن طريق التدريب للتحقق من جاهزية الصقر للتكيف والتكاثر، ثم مرحلة التحقق من البيئة الملائمة من حيث الموارد والتهديدات ودراسة المناخ، ثم الإطلاق، وتليها المتابعة على مدار العام، وتشمل متابعتها في التكاثر والتزاوج والتأقلم.
مهرجانات ومعارض الصقور في السعودية
ينظم نادي الصقور السعودي مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور سنويًّا، وأُطلق المهرجان في عام 2019م، وحقق في نسختيه الأولى والثانية أعلى مشاركات للصقور على مستوى العالم، مما خوله دخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية مرتين، إذ بلغ عدد الصقور المُسجلة في مسابقاته لعام 2020م نحو 2205 صقور، بينما بلغ عددها في النسخة السابقة التي أطلقت عام 2019م نحو 1,723 صقرًا.
وسجل مهرجان الملك عبدالعزيز للصقور في نسخته الثانية مشاركة 1501 من ملاك الصقور السعوديين، منهم 207 محترفين سعوديين، بينما بلغ عدد الملاك الدوليين 314 محترفًا، منهم 107 محترفين.
ويعمل المهرجان على تحقيق عدة أهداف، منها: دعم الاستثمار في مجال تربية وتوطين الصقور وصناعة مستلزماتها، وتنظيم منافسات هواة الصيد والمحافظة عليها، وتأصيل موروث الصيد بالصقور وتعزيز أهميته، وتأهيل الصقارين السعوديين.
ولأن تربية الصقور في السعودية من الأنشطة والمجالات المرتبطة بنمط سياحة الثقافة، لذا تعمل وزارة السياحة على تنظيم بعض مهرجانات الصقور في السعودية، منها: مهرجان الصقور بمحافظتي النعيرية وطريف.
ويسهم معرض الصقور والصيد السعودي في إحياء تراث الصيد بالصقور والهوايات المتعلقة بها، ويقدم منصةً تجمع الصقارين من أنحاء السعودية، ويعمل على التعريف بالموروث التاريخي لتربية الصقور، ويحتضن المعرض نحو 250 عارضا للصقور من 20 دولة.
مزادات الصقور في السعودية
يدعم مزاد نادي الصقور السعودي ريادة السعودية في دعم الأنشطة الثقافية والحضارية والاقتصادية المرتبطة بهواية الصيد بالصقور، ويعد أول مزاد رسمي للصقور في السعودية، ويستهدف ملاك الصقور، ومنظمي مزادات الصقور، والصقارين في السعودية ودول الخليج، ورجال الأعمال المهتمين بالصقور، وأفراد المجتمع من المهتمين.
ويهدف المزاد إلى دعم الاستثمار في مجال الصقور، وتمكين هواية الصيد ودعم المهتمين بها، وتطوير مزادات الصقور في السعودية، وتنظيم آلية بيع وشراء الصقور داخل السعودية.
واستضاف نادي الصقور السعودي المزاد الدولي لمزارع إنتاج الصقور في عام 2021م. ويهدف المزاد إلى توفير أفضل سلالات الصقور للصقَّارين في السعودية، من خلال جلب أفضل مزارع الإنتاج، وجذب أفضل التجارب العالمية في مجال إنتاج الصقور، إضافةً لخلق فرص عمل جديدة.
ويحقق نادي الصقور السعودي من خلال المزاد توفير منصة موثوقة لتكون وجهةً دوليةً لمزارع إنتاج الصقور العالمية، وربط الصقّارين المحترفين عالميًّا بعضهم ببعض، وفتح مجالات استثمار مختلفة، وتمكين هواية الصيد بالصقور.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة