تم نسخ الرابط بنجاح
saudipedia Logo
برنامج مشروع جدة التاريخية
مقالة
مدة القراءة 6 دقائق

برنامج مشروع جدة التاريخية، هو مشروع لإعادة إحياء جدة التاريخية المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، وإبراز المعالم التراثية وتعزيز نموها الاقتصادي، باعتبارها مركزًا تجاريًّا مهمًّا على الضفة الشرقية للبحر الأحمر.

إطلاق برنامج مشروع جدة التاريخية

وافق مجلس الوزراء السعودي على تحويل إدارة مشروع جدة التاريخية إلى برنامج يهدف إلى إعادة تأهيليها وتطويرها في المجالات العمرانية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والتاريخية، والبيئية، وتوفير احتياجاتها من المرافق العامة والخدمات في 21 شعبان 1441هـ/14 أبريل 2020م،وفي 10 محرم 1446هـ/16 يوليو 2024م، وافق المجلس على تمديد البرنامج سنتين إضافيتين. وتنفذ البرنامج وزارة الثقافة.

أهداف برنامج مشروع جدة التاريخية

يهدف برنامج مشروع جدة التاريخية إلى تحقيق التنمية المستدامة عبر إيجاد بيئة متكاملة بواجهات بحرية ومساحات خضراء، وإبراز المعالم التراثية في المنطقة وتعزيز أهميتها، واستثمار التاريخ والعناصر الثقافية وتحويلها إلى روافد اقتصادية، وتطوير مجالها المعيشي لتكون مركزًا جاذبًا للأعمال وبيئة حاضنة للمشاريع الثقافية والإنتاج الإبداعي.

كما يسعى مشروع جدة التاريخية لإيجاد فرص استثمارية مرتبطة بالإرث التاريخي للمنطقة، تستقطب رواد الأعمال وتقدم لهم تسهيلات لوجستية لبدء أعمالهم في منطقة البلد، ضمن الجهود لتحويل جدة التاريخية إلى وجهة محلية وإقليمية وعالمية.

محتويات جدة التاريخية

يحتوي موقع جدة التاريخية على أكثر من 600 بيت تراثي، تتراوح أعمارها بين 100 إلى 400 سنة، وأقدم بناء موجود في المنطقة؛ منارة مسجد الشافعي وعمرها 780 سنة. كما يوجد في المنطقة 5 أسواق تاريخية رئيسية، و36 مسجدًا تاريخيًا، وممرات وساحات أثرية، ومواقع تاريخية مهمة، إضافة إلى الواجهة البحرية القديمة التي كانت طريقًا رئيسيًا للحجاج. وتشمل مسارات مشروع تطوير جدة التاريخية تطوير المجال الطبيعي والبيئي، والبنية التحتية والخدمية، وتعزيز الجوانب الحَضرية، وتحسين جودة الحياة. ويتضمن المشروع تطوير 50 بيتًا عبر ترميمها، وتحويلها إلى مقرات لمشاريع تنموية وفندقية، ومقرات لوزارة الثقافة، ومتاحف ومبان تعلمية، منها المعهد الملكي للفنون التقليدية.

مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية

انبثق عن برنامج تطوير جدة التاريخية مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية، الذي أُعلن عنه بتاريخ 29 محرم 1443هـ/06 سبتمبر 2021م. ومدة المشروع 15 عامًا يتم خلالها تطوير جدة التاريخية وفق مسارات متعددة، تشمل البنية التحتية والخدمية، وتطوير المجال الطبيعي والبيئي، وتحسين جودة الحياة، وتعزيز الجوانب الحَضرية.

تبلغ مساحة مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية 2.5 كم2، ويسعى المشروع لإيجاد واجهات بحرية مطورة بطول 5 كم، ومساحات خضراء وحدائق مفتوحة تغطي 15% من إجمالي مساحة جدة البلد. ويستفيد المشروع من هذه المقوّمات الطبيعية بتحويلها إلى عناصر داعمة لبيئة صحية مُستدامة، تنعدم فيها أسباب التلوث البيئي.

ويستخدم مشروع إعادة إحياء جدة التاريخية في الترميم نفس المواد التي بُنيت منها البيوت التاريخية، المتمثلة في الحجر المنقبي، والحجر المرجاني، والأخشاب للأبواب والأسقف والجبس للحليات داخل البيوت وخارجها، وخلطة النورة، وجرى الرجوع إلى المصورات التاريخية في بناء البيوت المهدمة من خلال المصادر التي تناولت هذه البيوت، وكذلك خلال عملية الترميم عبر الكشف عن القواعد التي تُبيّن أماكن الشبابيك والمداخل، إذ تزامن مع بدء انطلاق مشروع جدة التاريخية توثيق البيوت الموجودة في المنطقة، مثل بيت ذاكر، الذي تهدم إلا أنه أعيد إلى ما كان عليه خلال سنة من بدء البناء.

مشروع تطوير الواجهة البحرية لجدة التاريخية

من عناصر برنامج مشروع جدة التاريخية؛ مشروع تطوير الواجهة البحرية لجدة التاريخية، وتتمثل مرحلته الأولى في تطوير الواجهة بإعادة حفر منطقة البحر، التي رُدمت بسبب التوسع العمراني. وتشمل المرحلة الثانية معالجة تلوث مياه بحيرة الأربعين، وتطوير بنية تحتية لبناء منطقة حضرية وواجهة بحرية، فيما تتضمن المرحلة الثالثة منه إيجاد مسطحات خضراء، وبناء مرسى لليخوت، ومرافق عامة، وجسور للمشاة.

ويهدف مشروع تطوير الواجهة البحرية لجدة التاريخية إلى إعادة مياه البحر إلى ميناء البنط بأقرب صورة ممكنة كانت عليها، وبناء بيئة تتوفر فيها مقومات طبيعية، تشمل واجهات بحرية، وتطوير البنية التحتية والتجهيزات اللازمة لها، إضافة لخلق بيئة مُستدامة تحيط بالواجهة البحرية. ويشمل المشروع جزءًا من رؤية شاملة لتطوير المنطقة المحيطة بالواجهة البحرية والتي تحوي مرسى يخوت، إضافة إلى أحياء سكنية وفندقية جديدة شمال وجنوب البحيرة، وأسواق ومطاعم تسهم في خلق مجتمع سكني وتجاري مُستدام.

اكتشافات برنامج مشروع جدة التاريخية

رغم أن برنامج مشروع جدة التاريخية هو برنامج تطويري، إلا أنه أسهم في اكتشافات أثرية متعددة. وبدأت أعمال مشروع الآثار في منطقة جدة التاريخية عام 1441هـ/2020م، واستهل أعماله بإعداد دراسات استكشافية، وإجراء مسح جيوفيزيائي للكشف عن المعالم المغمورة في باطن الأرض، في أربعة مواقع تاريخية، هي: مسجد عثمان بن عفان، وموقع الشونة، وأجزاء من السور الشمالي، ومنطقة الكدوة (باب مكة).

وفي عام 1445هـ/2024م، أعلن برنامج جدة التاريخية وهيئة التراث، عن اكتشاف نحو 25 ألف بقايا من مواد أثرية يعود أقدمها إلى القرنين الأول والثاني الهجري/السابع والثامن الميلادي في 4 مواقع تاريخية، هي: مسجد عثمان بن عفان، والشونة الأثري، وأجزاء من الخندق الشرقي، والسور الشمالي. وأسفرت أعمال المسح والتنقيب الأثري، عن اكتشاف 11,405 مواد خزفية، و11,360 مادة من عظام الحيوانات، و1730 مادة صدفية، و685 من مواد البناء، و191 مادة زجاجية، فيما وصل عدد المواد المعدنية إلى 72 قطعة.

وكشفت الدراسات في مسجد عثمان بن عفان عن مواد أثرية، يعود أقدمها إلى القرنين الأول والثاني الهجري/السابع والثامن الميلادي، وصولاً إلى العصر الأموي ثم العباسي والمملوكي وحتى العصر الحديث في مطلع القرن الخامس عشر الهجري/الواحد والعشرين الميلادي. 

ومن أبرز تلك الاكتشافات، ساريتان من خشب الأبنوس، موطنها جزيرة سيلان، وضعتا أسفل جانبي المحراب كعناصر زخرفية، ويرجع تاريخهما إلى القرنين الأول والثاني الهجري/السابع والثامن الميلادي، وتُصنف الساريتان على أنهما من أقدم القطع الأثرية المكتشفة في الموقع. كما اكتشفت مجموعة من الأواني الخزفية، وقطع من البورسلين عالي الجودة نشأ بعضها في أفران مقاطعة "جيانج شي" الصينية، في الفترة ما بين القرن العاشر والثالث عشر الهجري/السادس عشر والتاسع عشر الميلادي، إضافة إلى أوعية فخارية تعود إلى العصر العباسي.

وأسفرت الدراسات الأثرية ضمن مشروع الآثار في جدة التاريخية، عن معرفة الأنماط المعمارية التاريخية لمسجد عثمان بن عفان، والكشف عن المئات من بقايا مواد أثرية يعود تاريخ بعضها لنحو 1200 عام. كما كشفت الدراسات الأثرية عن عمليات الترميم المتعاقبة على المسجد، إذ تنتمي جميع مراحل البناء السابقة للمسجد إلى نمط العمارة التقليدية المعروفة في جدة آنذاك، التي تتمثل في فناء مفتوح ومصلًّى مسقوف، فيما استثنيت آخر مرحلة من البناء التي تمثلت في شكله الحالي الذي أقيم بناؤه في القرن الرابع عشر الهجري/أواخر القرن العشرين الميلادي، بينما استمر المحراب ومساحة المسجد كما هما لنحو أكثر من ألف عام. وأغلب عمليات الترميم والتجديد في المسجد أجريت على ارتفاع الأرضية وأنماطها، التي تنوعت بين البلاط الطيني والبلاستر والبلاط التقليدي، بينما استمر استخدام البلاط لمدة 400 عام، إذ تشير الدراسات إلى أنه منذ نهاية العصر المملوكي (القرنين الخامس عشر والسادس الميلادي) رفع البناؤون الأرضية في كل مرحلة من مراحل الترميم، وأعادوا استخدام البلاط ذاته امتدادًا إلى القرن الرابع عشر الهجري/أوائل القرن العشرين الميلادي. ويعد بناء خزان المياه الأرضي أسفل المسجد من التغييرات المهمة التي حدثت في المسجد، إذ وجد علماء الآثار خزانات أرضية مليئة بالمياه النقية تركها القائمون على بنائها منذ نحو 800 عام.

وعُثر في مسجد عثمان بن عفان على بقايا من الخزف الصيني باللونين الأبيض والأزرق يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي، إضافة إلى أواني سيلادون صينية مزججة بالرمادي والأخضر، يعود تاريخها إلى القرنين الرابع والسادس الهجري/الحادي عشر والثالث عشر الميلادي، وشظايا فخار مزججة بالأبيض والأخضر والأصفر يعود تاريخها إلى القرنين الثالث والرابع الهجري/التاسع والعاشر الميلادي.

وتعود البقايا المعمارية التي عُثر عليها في موقع الشونة الأثري إلى القرن الثالث عشر الهجري/التاسع عشر الميلادي، مع وجود دلائل من بقايا أثرية ترجع تاريخيًا إلى القرن العاشر الهجري/السادس عشر الميلادي، كما عُثر على أجزاء من المواد الفخارية، المكونة من البورسلين وخزفيات أخرى من أوروبا واليابان والصين، يعود تاريخها إلى القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري/التاسع عشر والعشرين الميلادي.

فيما كشفت الدراسات الأثرية أن الشونة تكّيفت بتغييرات كبيرة في مبناها لتناسب غايات مختلفة عبر العصور، ويرجح أن يعود تاريخ تشييد المبنى الحصين في الشونة إلى فترة ما بين القرن التاسع والعاشر الهجري/الخامس عشر والسادس عشر الميلادي في العصر المملوكي. ويدل اكتشاف برج حصين في زاوية المبنى، إضافة إلى أربع كرات حديد وقذيفة مدفع حجرية واحدة عُثر عليها في الموقع، إلى أن المكان استخدم مستودعًا للأسلحة أو حامية عسكرية.

واكتشف علماء الآثار في موقع الشونة الأثري قطعًا من الخزف الصيني الفاخر يعود تاريخها إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجري/الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي. وكانت الشونة خلال هذه الحقبة تستخدم مقرًّا حكوميًّا لتخزين الحبوب والأخشاب والذخيرة. فيما حُددت وظيفة الشونة في القرن العشرين الميلادي في استخدامها مخزنًا خاصًّا لأحد التجار لتخزين البضائع المستوردة، وتشير الاكتشافات في هذا الموقع إلى أن جدة، التي تعد نقطة التقاء مهمة للتجارة على ساحل البحر الأحمر، كانت على اتصال وثيق بشبكة التجارة الآسيوية ولاحقًا الأوروبية.

وكشفت أعمال التنقيب بموقع الكدوة (باب مكة) عن شواهد قبور من الأحجار المنقبية والجرانيت والرخام المحفور عليها كتابات وجدت في مقابر جدة التاريخية، تعود إلى القرنين الثاني والثالث الهجري/الثامن والتاسع الميلادي، تتضمن أسماء أشخاص وتعازي وآيات قرآنية.

كما كشفت نتائج التنقيبات الأثرية في جدة التاريخية، عن بقايا خندق دفاعي وسور تحصين كان يطوق المدينة، يقع في الجزء الشمالي من جدة التاريخية، شرق ميدان الكدوة وبالقرب من ميدان البيعة، ويعود تاريخهما إلى عدة قرون.