وقف عين زبيدة، هو وقفٌ عامٌّ أمرت بإنشائه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور، زوجة الخليفة هارون الرشيد، في القرن الثاني للهجرة، لسقاية أهالي مكة المكرمة وحجاج بيت الله الحرام، بعد أن قدمت إلى الحج عام 186هـ ورأت ما يعانيه الحجاج من صعوبة في تأمين الماء أوقات الحج. وتُشرف على الوقف حاليًّا الهيئة العامة للأوقاف في المملكة العربية السعودية.
موقع وقف عين زبيدة
تمتد عين زبيدة على طول 26 كم،من أعالي جبال الكر بوادي نعمان بالقرب من الطائف حتى مدينة مكة المكرمة، حيث أمرت زبيدة بشق قنوات مائية في الجبال تتصل بمساقط المطر، لتوصيل المياه إلى المسجد الحرام بمكة المكرمة، مرورًا بمناطق المشاعر المقدسة: منى وعرفات ومزدلفة، كما اشترت كافة الأراضي حول الوادي.
ورُفِدت القناة في الجبال بأقنية فرعية أقيمت في مواضع تجمع مياه السيول لتزيد من حجم المياه المجرورة إلى مكة، ومن هذه الأقنية الفرعية: عين مشاش وعين ميمون وعين زعفران وعين برود وعين الطارقي وعين ثقبة وعين الجرنيات، وتصب جميع مياه هذه القنوات في القناة الرئيسة وتختلف نسبة كمية المياه بحسب كمية الأمطار، ويُعد المشروع من الأماكن التاريخية البارزة في المملكة، والتي لا تزال آثارها قائمة منذ أكثر من 1200 عام.
مكونات وقف عين زبيدة
تخترق قنوات وقف عين زبيدة خرزات (تُسمَّى حاليًّا غرف تفتيش)، بعضها ظاهر على سطح الأرض، ويُسمى بالخرزات الظاهرة، وأخرى مدفونة حُدِّد مكانها دون أن تظهر على سطح الأرض، ونظرًا لمرور القناة بمجرى أحد السيول، بُني سدٌّ لحجز تلك السيول، والتحكم في تدفُّقها لسقي المزارع الواقعة في أسفله، وما زالت أجزاء من هذا السدِّ باقية إلى الآن ويمكن رؤيتها، ومن ثم تصل إلى مشعر "مزدلفة" ثم إلى جبل خلف "منى"، ثم تصب في بئر مرصوفة بأحجار كبيرة جدًّا تُسمّى "بئر زبيدة"، ويمتدُّ هذا المجرى إلى مدينة مكة المكرمة مرورًا بحي العزيزية، ومنها إلى حي الششة، ويمرُّ بعدها بـ"المعابدة"، ثم يعود ليأخذ مساره مدفونًا على أعماق قريبة من سطح الأرض، حتى يصبَّ في بئر مطويَّة بأحجار كبيرة جدًا تُسمَّى أيضًا "بئر زبيدة"، في منطقة تُسمَّى "محبس الجن"، التي ينتهي إليها امتداد قناة عين زبيدة.
تكلفة وقف عين زبيدة
بلغت تكلفة وقف عين زبيدة نحو 1.7 مليون مثقال من الذهب،بما يُعادل 5,950 كجم من الذهب، وذلك نظرًا لصعوبة تنفيذه وطول مسافة العمل فيه، وعندما أخبر خازن بيت مال زبيدة بتكلفة المشروع أجابته "اعمل ولو كلفتك ضربة الفأس دينارًا".
ووصف الإمام والمؤرخ عبدالله بن أسعد اليافعي المعروف باليافعي، عين زبيدة بقوله "إن آثارها باقية ومشتملة على عمارة عظيمة عجيبة مما يتنزه برؤيتها على يمين الذاهب إلى منى من مكة ذات بنيان محكم في الجبال تقصر العبارة عن وصف حسنه، وينزل الماء منه إلى موضع تحت الأرض عميق ذي درج كثيرة جدًا، لا يوصل إلى قراره إلا بهبوط كالبئر، ولظلمته يفزع بعض الناس إذا نزل فيه وحده نهارًا فضلًا عن الليل".
وقف عين زبيدة في العهد السعودي
على مر الزمان تهدمت أجزاء من عين زبيدة وأعيد ترميمها وإصلاحها في العصور السابقة، وأهملت في فترات، وفي عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، أُنشِئت إدارة خاصة لإدارة العين سُميت عين زبيدة، تولت الإشراف بشكل كامل على العين والآبار الخاصة بها وترميمها، وفي عام 1346هـ/1929م،قام الشيخ عبدالله دهلوي بأمر من الملك عبدالعزيز بعمارة عين زبيدة سنوات عدة، ثم وزعها على أحياء مكة في مجارٍ صغيرة تسمى (الدبول) - وهي مجارٍ صغيرة للمياه، وكانت هناك أماكن مخصصة تصب فيها هذه الأقنية تسمى (البازان) - وهي بئر عميقة تصب فيها عين زبيدة وتسحب السقايا منها المياه باستخدام الدلو، ثم توزع السقايا المياه على البيوت في أوعية خاصة تسمى (الزفا).
وقد بقيت هذه القناة تسقي أهالي مكة لأكثر من 1200 عام، قبل أن يستعاض عنها بمياه البحر المحلاة، وذلك بسبب شح المياه فيها والتطور العمراني في مكة، وهنالك دراسات للنهوض بالعين بالتنسيق بين عدة جهات معنية بهذا الخصوص، كما صدر أمران ساميان بمنح الأراضي الواقعة على جانبي طريق الأسفلت لعين زبيدة لوقفية العين، وتضمنا تسجيل الأراضي الحكومية التي مرت بها العين للاستفادة منها في صيانة المشروع وإدارته، وتسجيل تلك الأراضي للعين للاستفادة منها كدخل ثابت للإنفاق عليها، وتسجيل أراضي ريع كدي المملوكة للحكومة باسم عين زبيدة وعين العزيزية بمكة المكرمة.
نقل اختصاصات عين زبيدة إلى الهيئة العامة للأوقاف
في عام 1431هـ/2010م، صدر قرار مجلس الوزراء رقم 319 بنقل الاختصاص المتعلق بعين زبيدة وأوقافها، من وزارة المياه والكهرباء (سابقًا)، المديرية العامة للمياه في منطقة مكة المكرمة (سابقًا)، إلى الهيئة العامة للأوقاف ليكون هذا الوقف تحت إشرافها وفقاً لتنظيمها، وأن يؤخذ في الاعتبار أن عين زبيدة وقف عام لسقيا أهل مكة المكرمة وحجاج بيت الله الحرام.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة