خطط التنمية في السعودية، هي خطط التنمية الاقتصادية الاجتماعية التي تولت وزارة الاقتصاد والتخطيط مسؤولية وضعها وإدارتها، وإعداد خطط قصيرة وطويلة المدى منها على المستويين القطاعي والمناطقي.
مثَّلت تلك الخطط استجابة استراتيجية للطموحات الوطنية السعودية في النمو والتنمية على المدى البعيد، لذلك تحدد دور التخطيط التنموي في المملكة منذ البدء بصدور أول خطة تنموية في عام 1390 - 1391هـ (1970 - 1971م)، في إيجاد الإطار الفكري والعملي والتنظيمي لعمليات التنمية بأبعادها الثلاثة، الاقتصادي، والاجتماعي، والتنظيمي.
انطلاق خطط التنمية في السعودية
انطلقت خطط التنمية لتعبر بالمملكة من مرحلة الدولة النامية إلى المتقدمة، ولذلك جاءت البداية في المجال الاقتصادي ببناء التجهيزات الأساسية، وبصفة خاصة التجهيزات الصناعية والزراعية والموانئ والطرق والكهرباء. وفي المجال الاجتماعي كانت خطط التنمية تأخذ في حسبانها رغبات الشعب السعودي وطموحاته وقدراته، فأولت اهتمامًا خاصًّا بنظام التعليم المجاني والتوسع فيه لتعزيز المساواة في الفرص، وعملت على وضع نظام شامل من الخدمات الصحية والاجتماعية المجانية، وفيما يخص البعد التنظيمي وضعت الدولة الإطار المؤسسي الذي تتطلبه عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية فأنشأت وزارات ومصالح جديدة، مع تطوير الأجهزة الإدارية القائمة.
تمت العناية بكثير من تفاصيل تنفيذ المشاريع والبرامج والمبادرات في جميع مراحل الإعداد للخطط التنموية، وذلك ما أكسب التخطيط التنموي في المملكة سماته المميزة من خلال مواءمة كل خطة لظروف المرحلة الخاصة بها، بحيث تتعامل بمرونة وكفاءة مع متغيرات المرحلة المقبلة ومستجداتها، ممهدة بذلك للخطة التي تليها، وأصبح هذا التصور أساسًا في تحديد المرتكزات والمحاور الأساسية لكل خطة على حدة، ضمانًا لتواصل العمل التنموي واستمراريته.
وصارت منطلقات إعداد وتنفيذ خطط التنمية تتجه بأهداف الدولة إلى أقصى الطموحات الوطنية لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، ولذلك نصَّت الأهداف العامة التي أوجزها مجلس الوزراء في عام 1389هـ/1969م، على: زيادة معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتطوير الموارد البشرية لتتمكن عناصر المجتمع المختلفة من زيادة مساهمتها الإنتاجية، وتمكينها من المشاركة الكاملة في عملية التنمية، وتنويع مصادر الدخل الوطني، وتخفيف الاعتماد على النفط عن طريق زيادة مساهمة القطاعات الإنتاجية الأخرى في الناتج المحلي الإجمالي.
خطة التنمية الأولى للسعودية
بدأ الإعداد لخطة التنمية الأولى في ظروف اقتصادية حرجة نسبيًّا، وذلك كان تحدِّيًا يتطلب مواجهته، ويمكن قراءة الصورة التنموية خلال الفترة التي سبقت هذه الخطة من خلال ثلاث خصائص رئيسة تميَّزت بها، وهي: أولًا: توسع وتحسّن مطرد في الجهاز الإداري، ثانيًا: وجود ضغوط وقيود مالية على التنمية الداخلية بسبب عوامل خارجية، ولا سيما الطلب المحدود نسبيًّا على النفط، ونشوب الحروب، وعدم الاستقرار السياسي في الشرق الأوسط، وأخيرًا: الاستمرار في نمو اقتصادي معتدل وتنمية عامة، وكانت البداية مع ارتفاع عائدات الدولة، حيث كان مجمل دخل الدولة حتى عام 1364هـ/1945م أقل من 4 ملايين دولار سنويًّا، ثم ارتفع بحلول عام 1368هـ/1949م فبلغ 85 مليون دولار.
وأسهم ارتفاع العائدات في تحقيق وفرة مالية جعلت عام 1368هـ/1949م، يمثِّل نقطة تحول في تاريخ التنمية بالمملكة، لأنه كان بداية عهد المشروعات الجديدة التاريخية، كما كان بداية لاضطلاع الدولة بدورها الجديد في تنظيم عملية التنمية الاقتصادية وتوجيهها، ومع ارتفاع إنتاج النفط وزيادة عائداته جرى إعداد أول ميزانية رسمية للمملكة في عام 1367-1368هـ/(1948م - 1949م).
ومن واقع أن اقتصاد المملكة كان يعتمد بالدرجة الأولى على عائدات النفط، فإنه شهد مع زيادة أسعاره خلال سنوات خطتي التنمية الأولى والثانية تتابعًا كبيرًا في خطوات التنمية بشكل سريع نتيجة لما حققته ارتفاعات أسعار النفط العالمية آنذاك من عوائد كبيرة، أدى تزايدها المستمر خلال فترة خطة التنمية الثالثة إلى إيجاد فرص مواتية للنمو السريع في الإنفاق الحكومي، نتج عنه تحقيق معدلات استثمارية عالية في معظم القطاعات المكونة للاقتصاد الوطني.
الخطة الثانية للتنمية في السعودية
رغم أن إعداد الخطة الأولى (1390هـ – 1395هـ)/(1970م - 1975م)، كان في وقت تواجه فيه المملكة عقبات مالية شديدة، إلا أنه على النقيض منها، أُعدت الخطة الثانية (1395هـ – 1400هـ)/(1975م - 1980م)، في ظروف من الاستقلال المالي الذي حققه الدخل النفطي الذي أمَّن تغطية كاملة لكل المصروفات الحكومية والواردات، وركزت هذه الخطة على أربع نواح رئيسة للتنمية: 1- التجهيزات الأساسية الإنشائية، 2- الموارد الهيدروكربونية، 3- الإدارة، 4- القطاع الخاص.
بدأت المشاريع التنموية إسهامها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة في النمو، لذلك كان الهدف الرئيس للخطة الثالثة التوسع في إنشاء أنظمة التجهيزات الأساسية، وإرساء الأسس اللازمة لاقتصاد وطني أكثر تنوعًا، إذ بدأت استثمارات القطاع الحكومي وبحجم كبير في مجال الصناعات ذات الكثافة الرأسمالية العالية والمرتبطة بالموارد النفطية للمملكة، بينما كان للقطاع الخاص دور رئيس في الاستثمار في الصناعات التحويلية، كما برزت الزراعة كقطاع رائد للنمو.
وأخذت كل خطة تحدد أولوياتها بشكل أكثر وضوحًا مع ظهور ملامح النهضة الطموحة في جميع مناطق المملكة، لذلك تضمنت استراتيجية خطة التنمية الثالثة أهدافا أساسية متوسطة المدى، منها: إحداث تغيرات في بنية الاقتصاد، وزيادة الفعالية الاقتصادية والإدارية، والمشاركة في التنمية والرفاهية الاجتماعية.
استمرار إعداد الخطط التنموية في السعودية
استمر إعداد الخطط التنموية وتنفيذها بحيث تكمل كل خطة ما أنجزته الخطة السابقة، وتتحقق الإضافة التنموية الشاملة والداعمة للتنوع الاقتصادي، وذلك ما برز أيضًا في خطة التنمية الرابعة، التي تميَّزت فترة إعدادها باكتمال غالبية التجهيزات الأساسية للمملكة، وبالتالي عززت هذه الخطة محور التنوُّع الاقتصادي الذي اعتمدته الخطة الثالثة، مع التركيز بدرجة كبيرة على إعادة تركيب البنية الاقتصادية بحيث يؤدي القطاع الخاص دورًا رياديًّا في عملية التنمية.
وواصلت خطة التنمية الخامسة منهج التنمية الشاملة والمتوازنة في مختلف المناطق، وجاء إعدادها على أساس تعزيز الأهداف الرئيسة وتوسيعها للخطط التنموية السابقة لها، كما أعطت أولوية قصوى لدور القطاع الخاص والسياسات التنظيمية والإجراءات ذات العلاقة لتحقيق التنويع الاقتصادي الذي يؤدي فيه القطاع الخاص دورًا رياديًّا، مع التركيز على المبادرات الجديدة.
وركزت خطة التنمية السادسة على زيادة دور هذا القطاع في تنويع القاعدة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على عائدات النفط، وبناء عليه أكدت الخطة على أهمية تحقيق ثلاثة أهداف رئيسة، تشمل: تنمية القوى البشرية، بزيادة الطاقة الاستيعابية للجامعات، ومؤسسات التعليم الأخرى، والتدريب المهني والكليات التقنية، وتحقيق الكفاءة الاقتصادية في القطاعين الحكومي والخاص، وتعزيز دور القطاع الخاص وتحفيزه على الاستثمار لزيادة إسهامه في عملية التنمية، والبدء في تنفيذ برامج التخصيص.
واستكمالًا للخطة السادسة توسعت خطة التنمية السابعة في توجهاتها الاستراتيجية لتشمل أبعاد التنمية في المملكة، والتحديات المحلية والدولية، وقد اكتسبت الخطة وضعًا خاصًا في أنها تأتي في وقت أتمت فيه مسيرة الاقتصاد الوطني دورة قرن كاملة، واستمدت مجالات التركيز في الخطة توجهاتها الأساسية من مجموعة الأهداف العامة والأسس الاستراتيجية التي تم إقرارها، وعكست اهتمامًا خاصًا بأهم القضايا والمستجدات المحلية والدولة التي يُتوقع أن يواجهها خلال سنوات الخطة.
تقدم اقتصاد السعودية في المؤشرات وفقًا لخطط التنمية
وصل الاقتصاد الوطني مرحلة متقدمة من النمو والتنافسية على المستوى الدولي، وتقدم في عدة مؤشرات بسبب التخطيط الجيد للتنمية، لذلك حقق خلال خطة التنمية الثامنة معدلات نمو إيجابية جسدها تطور العديد من المؤشرات الاقتصادية، وفي مقدمتها الناتج المحلي الإجمالي، والتراكم الرأسمالي، والتجارة الخارجية، وميزان المدفوعات، وتنمية القوى البشرية وإسهام القطاع الخاص، والأداء المالي والنقدي.
ومع تزايد العائدات المالية، وارتقاء الاقتصاد السعودي مرتبة متقدمة بين اقتصادات العالم، مضت الخطط التنموية للتوسع في مشاريعها، وفي هذا السياق رصدت خطة التنمية التاسعة نحو 1444.6 مليار ريال للقطاعات التنموية، بزيادة قدرها 67% على ما رصد خلال خطة التنمية الثامنة، استأثر فيها قطاع تنمية الموارد البشرية بالنصيب الأكبر 50.6% من إجمالي المخصصات المعتمدة، وقطاع التنمية الاجتماعية والصحة في المرتبة الثانية بنحو 19% من إجمالي المخصصات.
مشاركة السعودية لخطط التنمية مع المنظمات الدولية
تشاركت السعودية الخطط التنموية مع المنظمات الدولية من خلال بذل جهودها لتحقيق الأهداف التنموية للألفية، واستطاعت تجاوز السقوف المعتمدة لإنجاز العديد من الأهداف المحددة، ومن ذلك: ضمان حصول جميع الأطفال من البنين والبنات على التعليم الابتدائي، وتخفيض معدل وفيات الأمهات عند الولادة، ووقف انتشار فيروس مرض نقص المناعة البشري المكتسب والبدء في تخفيض معدلاته.
وفيما يتعلق بالتنمية المستدامة كأحد المستهدفات الأساسية في العالم المعاصر، وفَّر إطار رؤية السعودية 2030 والبرامج والسياسات الأخرى للدولة، أساسًا راسخًا لتنفيذ أجندتها، فيما يجري العمل بصورة حثيثة لمواءمة أهداف هذه التنمية مع أوضاع المملكة على أرض الواقع، ومن المتوقع تحقيق مزيد من المواءمة والتكامل مع دمج مقاصد التنمية المستدامة ومؤشراتها ضمن خطط عمل الحكومة وبرامجها التفصيلية التي يجري إعدادها وصقلها في إطار رؤية السعودية 2030.
خطط بعيدة المدى لاقتصاد مزدهر في 2030
منذ إطلاق رؤية السعودية 2030 في 18 رجب 1437هـ/25 أبريل 2016م، حل الاقتصاد المزدهر في مقدمة أهدافها من خلال تنويع الاقتصاد الذي يُعدّ من أهم مقومات استدامته، كما كشفت الرؤية عن خطط بعيدة المدى ترتقي بالمملكة لتصبح بين الاقتصادات الكبيرة في العالم، واستثمار الكثير في قطاعات اقتصادية جديدة وواعدة لتحسين تنويع الاقتصاد وتخصيص عدد من الخدمات الحكومية، إضافة إلى توفير بيئة تطلق إمكانات الأعمال وتوسّع القاعدة الاقتصادية وتوفر فرص عمل لجميع السعوديين، والسعي لتحقيق ذلك بالاستفادة من الموقع الفريد للمملكة وإمكاناتها، واستقطاب أفضل المواهب، وجذب المزيد من الاستثمارات العالمية.
وتشمل مستهدفات رؤية 2030، زيادة إجمالي الناتج المحلي غير النفطي للمملكة من 18.7% إلى 50% ، ورفع مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في إجمالي الناتج المحلي من 3.8% إلى 5.7%، ورفع تصنيف المملكة في مؤشر الأداء اللوجستي من المركز 49 إلى المركز 25، وزيادة مساهمة القطاع الخاص في إجمالي الناتج المحلى من 40% إلى 65 % ، وزيادة أصول صندوق الاستثمارات العامة من 600 مليار ريال إلى أكثر من 7 تريليونات ريال.
كما تشمل مستهدفات الروية رفع تصنيف المملكة في مؤشر التنافسية العالمية من 25 إلى المراكز العشرة الأولى، ورفع المركز الاقتصادي للمملكة من التاسع عشر إلى المركز الخامس عشر، وزيادة توطين قطاع النفط والغاز من 40%إلى 75% ، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22% إلى 30%، وزيادة مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في الناتج المحلي الإجمالي من 20% إلى 35%، وخفض معدل البطالة من 12.3% إلى 7%.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة