مطبعة الفتح بجدة، هي واحدة من أوائل المطابع في المملكة العربية السعودية، وبالتحديد في مدينة جدة، تأسست عام 1349هـ/1930م، على يد عبدالرحيم صدقة عبدالفتاح، الذي عمل في فترة مبكرة من حياته مع محمد رمزي أفندي في المطبعة الشرقية، وتعلم منه فنون الطباعة.
تعلم عبدالرحيم صدقة عبدالفتاح فنون الطباعة، من صف وتجهيز وتشغيل آلات الطباعة اليدوية، حتى تمكن من الحرفة، وبعدها اشترى منه واحدة من المطابع اليدوية، التي كانت تدار باليد عبر عجلة كبيرة، وأسس بها مطبعته في وسط الحي التجاري بسوق الندى في مدينة جدة.
النواة الأولى لمطبعة الفتح
كانت مطبعة الفتح في بداية تأسيسها تقع في حوش يقال له حوش الصبان في مواجهة مدخل قصر باناجه، واستمرت في هذا الموقع لمدة تزيد على 20 عامًا، وهي تمثل المرحلة الأولى من مراحل تاريخ هذه المطبعة، وخلال هذه المرحلة اعتمد عبدالرحيم عبدالفتاح على تجهيزات طباعية بسيطة تكونت من المطبعة اليدوية التي اشتراها من محمد رمزي أفندي، ومطبعتين صغيرتين تداران بالرجل، وأضاف إليهما فيما بعد مطبعة من طراز هايدلبرج تدار بالكهرباء عن طريق مولد خاص لتوليد الكهرباء.
واستعان بعدد محدود من العاملين لا يتجاوزون أربعة عمّال، منهم رضا سلامة، وهو من أهالي جدة أيضًا، وانحصرت أعمال المطبعة في تلك الفترة في تلبية حاجات التجار من الدفاتر والسجلات وطبع التقاويم والإعلانات، والمستلزمات التي تطلبها البيئة التجارية والمصارف والبيوت التجارية في المدينة، إذ كانت هذه المطبعة - بعد إقفال مطبعة رمزي- هي الوحيدة التي تلبي حاجات مدينة جدة.
حدث تطور مهم في سير عمل المطبعة، في عام 1353هـ/1934م، عندما حصل عبدالفتاح على إذن رسمي بمزاولة الطباعة من وزارة الخارجية، وهي الجهة التي كان مخولا لها في ذلك الوقت إصدار التصاريح لمزاولة هذه المهنة، لتبدأ بعدها مطبعة الفتح بطباعة المؤلفات التراثية والفكرية.
ومن المؤلفات التي طبعت في مطبعة الفتح، ترجمة طوالع الهدى والفصل بتحذير المسلمين عن الإعلام بوقت الصلاة بضرب الناقور أو الطبل لمحمد علي المالكي، وذلك في عام 1353هـ/1934م، وأيضًا كتاب مبادئ دروس التوحيد لعبدالله بن مطلق الغزي، وفي عام 1365هـ/1945م، تمت طباعة كتاب تاريخ القرآن وغرائب رسمه وحكمه للشيخ محمد طاهر الكردي.
ومن المؤلفات التي طبعت في المطبعة، دليل الطريق لحجاج بيت الله العتيق للشيخ عبده علي بن سالم العميري، وطبع بهامشه مسائل من أثمد العينين للعلامة أبي صبرين سنة 1370هـ/1950م، وكتاب هبات القدير في أحكام الإحجاج بفعل الأجير، والمرام على مسك الختام، والإتحاف في فضل الطواف، لجمال الدين محمد البكري الشافعي، وكتاب فضائل ماء زمزم للشيخ أحمد بن محمد بن شمس الدين المكيّ، وكتاب قصيدة ذكر الحج للسيد محمد بن إسماعيل الأمير العيتاني اليماني وشرحها للشيخ عبد التواب بن قمر الدين الهندي.
القفزة الثانية في تاريخ مطبعة الفتح
انتقلت مطبعة الفتح في المرحلة الثانية عام 1372هـ/1952م، بعد أن تحسنت أحوالها وزادت أعباؤها، إلى موقع آخر في عمارة الأوقاف بحارة الشام، بجوار قهوة الدكة، حيث انتقلت المطبعة الكهربائية من طراز هايدلبرج، وأضيفت لها مطبعتان أُخريان حديثتان تُداران بالكهرباء، مما وسع من إمكانات المطبعة إلى حد كبير، وأضيفت إليها تجهيزات مساندة من المقصات وآلات الترتيب والتوضيب، وتوسعت في إعداد العاملين والفنيين من المواطنين والمتعاقدين.
واستعان مؤسس المطبعة في تأمين احتياجاتها من الورق والأحبار، والأدوات عن طريق الاستيراد من الشركات الأجنبية عبر وكلائهم في شركة جلاتلي هنكي، كما أسهم حسين حمادي في توريد بعض مستلزمات المطبعة من الخارج، وخلال هذه الفترة اعتمدت المطبعة على تنفيذ تعاقدات طباعية للقطاع الأهلي والحكومي مما أدى إلى زيادة نشاطها، واستوجب التوسع في تجهيزاتها المادية والبشرية.
بني موقع خاص بالمطبعة خارج المنطقة التجارية، في وسط المدينة وتحديدًا في طريق المدينة المنورة، بجوار مركز الشعلة، حيث تستقيم بالموقع المذكور واحدة من أقدم المطابع القائمة في مدينة جدة، بعد أن جهزت بمطابع الأوفيست والتجهيزات الآلية كافة، وتدار عن طريق الكوادر الوطنية المؤهلة وكان ذلك في عام 1380هـ/1960م.
التنافس بين مطابع جدة
يمكن ملاحظة وجود علاقة استمرار وارتباط في التجهيزات وقعت بين أقدم ثلاث مطابع في مدينة جدة: مطبعة الإصلاح التي تأسست عام 1327هـ/1909م، على يد راغب مصطفى توكل، ثم آلت إلى محمد رمزي أفندي بالشراء، وهو الذي أسس بها المطبعة الشرقية قبل عام 1344هـ/1925م، وفي عام 1349هـ/1930م، اشترى عبدالرحيم صدقة عبدالفتاح مطبعة رمزي اليدوية وأسس بها مطبعة الفتح، فالمطابع الثلاث يمكن أن تكون امتدادًا لبعضها فيما يتعلق بالتجهيزات الطباعية اليدوية الأساسية.
وظهرت علاقة الارتباط بين الطابعين، إذ عمل محمد رمزي أفندي مع راغب مصطفى توكل، كما عمل عبدالرحيم صدقة عبدالفتاح مع محمد رمزي أفندي، ويؤكد ذلك التلازم المهني ما حدث فيما بعد حين قام محمد رضا حسين سلامة وهو أحد العاملين السعوديين في مطابع الفتح بافتتاح مطبعته الخاصة في مدينة جدة، التي أطلق عليها مطبعة فضل الرحمن الوطنية لتعد بمثابة رابع مطبعة يتم تأسيسها في مدينة جدة عام 1371هـ/1951م.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة