الآثار في منطقة الرياض، هي البقايا الماديَّة وتركات الحضارات الإنسانيَّة القديمة في منطقة الرياض وسط المملكة العربية السعودية، ويعود تاريخ أقدمها إلى فترة العصر الحجري القديم.
آثار منطقة الرياض في العصر الحجري القديم
استوطنت الجماعات البشرية منطقة الرياض على مدى فترات زمنية طويلة، أسهم في ذلك التنوع التضاريسي والظروف المناخية الجيدة التي سادت في عصور ما قبل التاريخ، ودلّت الدراسات الأثرية في المنطقة على تعدد أنماط الاستيطان فيها، حيث استوطن الإنسان المناطق الجبلية والمرتفعات الجبلية المنخفضة، والمناطق السهلية المنخفضة، ومناطق الأودية، والتجمعات المائية، وقُسّمت المراحل الزمنية للعصر الحجري إلى تقسيمات عدة تمثّل التطور في صناعة الأدوات الحجرية، وهي:
- العصر الحجري القديم المبكر، ويشتمل على حضارتين رئيستين، الحضارة الألدوانية والحضارة الآشولية، وتعد منطقة الرياض من المناطق الغنية بآثار الحضارة الآشولية، حيث وجدت تجمعات في شمالي مدينة الرياض بالقرب من مطار الملك خالد الدولي، ومنطقة عروق بنبان، وهضبة العرمة، كما اشتملت منطقة جبال طويق في المواقع الجبلية والسهلية في منطقة الدرع العربي على عشرات المواقع الأثرية التي تعود إلى الحضارة الآشولية، ومنها: موقع صفاقة بمحافظة الدوادمي الذي قُدّر تاريخه بنحو 230,000 سنة. واشتملت المعثورات في هذه المواقع على الفؤوس الحجرية والأدوات ثلاثية الأوجه والأحجار الخام والسواطير والمدببات والأدوات ثنائية الأوجه والمكاشط والمدقات، والمسننات.
- العصر الحجري القديم الأوسط، تتبع مواقع هذه الفترة في توزيعها النمط الذي كانت عليه الحضارة الآشولية الأقدم، دلّ على ذلك وجود طبقة موستيرية في موقع صفاقة بمحافظة الدوادمي، وكشفت المسوحات الأثرية وجود العشرات من المواقع الأثرية لهذه الفترة تتوزع في المرتفعات الجبلية وقرب مجاري الأودية، واشتملت المعثورات على شظايا حجرية خاصة صُنعت تبعًا لأنماط متعددة بحسب استخدامها، كما تميّزت أدوات هذا العصر بالحجم الصغير نسبيًا مقارنة بما سبقها، مما يدل على تخصيصها لمهام محددة، وبالتالي كثافة عددية للأدوات الحجرية التي تعود للعصر الحجري القديم الأوسط.
- العصر الحجري القديم المتأخر، دلّت الدراسات والأعمال البحثية على وجود شح للمواقع الأثرية التي تنتمي لهذا العصر، ويُعتقد أن استمرار النمط المعيشي السائد في العصر الحجري القديم الأوسط لفترة زمنية طويلة أسهم في قلة هذه المواقع.
آثار منطقة الرياض في العصر الحجري الحديث
يمثّل هذا العصر آخر العصور الحجرية في شبه الجزيرة العربية، تقدّمت صناعة الأدوات الحجرية في هذا العصر، إضافة إلى كثرة المصادر المعيشية في منطقة الرياض التي توفرت للجماعات البشرية، وتميّزت الأدوات الحجرية في هذا العصر بالتركيز على استخدام الأحجار الطبيعية الخام مثل: أحجار الصوان، والشيرت، والزجاج البركاني، واستعملت تقنية الضغط في صناعتها، كما تميّزت بصغر حجم النوى الحجرية التي صُنعت منها، واشتملت المعثورات من هذا العصر على أنواع متعددة من الأدوات الحجرية، منها: المدببات الورقية، والمدببات الطولية، والرؤوس الحجرية، والمكاشط، والمثاقب، والسكاكين، إضافة إلى مدقات حجرية صنعت للاستخدام اليومي مثل طحن الحبوب البرية.
ودلّت الأعمال الأثرية على أن موقع الثمامة من مواقع العصر الحجري الحديث المهمة في شبه الجزيرة العربية، حيث اكتُشف بها أساسات منازل حجرية متنوعة الطُرز، وعدد من المدافن ذات الطرز المختلفة، ومنشآت يعتقد أنها كانت أماكن للعبادة، وآبار قديمة مطمورة، وأدوات حجرية متطورة تشمل رؤوس الحراب ورؤوس السهام الطويلة، ونقوش ورسوم صخرية.
آثار منطقة الرياض ما بعد العصر الحجري الحديث
تتمثل آثار هذه الفترة في المنشآت الحجرية التي عُثر عليها بكميات كبيرة وأنماط مختلفة من حيث الطول والنوع والموقع الجغرافي، ووجدت في أماكن متعددة من هضبة العرمة، ووادي حنيفة، والخرج، وسلسلة جبال طويق، ووادي العتك، وبالقرب من موقع مطار الملك خالد الدولي، ويُرجح أن استخداماتها كانت للسكن أو مقابر لدفن الموتى، أو لعلاقتها بصيد الحيوانات وذبحها، وعُثر في المواقع على أدوات حجرية مصنوعة من حجر الصوان، وأحجار الزجاج البركاني، وقطع متناثرة من الفخار، كما وُجدت بعض الأفران والمواقد الحجرية التي يعتقد أنها في فترة زمنية متأخرة.
آثار منطقة الرياض في عصور ما قبل الإسلام
تضم منطقة الرياض عددًا من الآثار والشواهد الحضارية في عصور ما قبل الإسلام، وتعد قبيلتا طسم وجديس أقدم من سكن منطقة الرياض، وهما من قبائل العرب البائدة، وكانت مساكنهم في اليمامة التي كانت تسمى آنذاك "جو"، أي نحو القرن السادس قبل الميلاد، يؤكد ذلك الوجود اللحياني في قرية "الفاو"، إذ عُثر على نصب تذكاري لمعبود "ددن" في حرم معبد ود في القرية.
وكشفت المسوحات الأثرية عن نقوش وآثار تشير إلى أن منطقة الرياض كانت موقع قيام مملكة كندة إحدى ممالك شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام، وعاصمتها قرية "الفاو الأثرية"، والتي تُعدّ إحدى أكبر المناطق الأثرية على مستوى المملكة، وهي مُدرجة على القائمة المؤقتة للتراث العالمي باليونسكو، وذكرتها النقوش باسم "قرية، قرية ذات كهل"، وكانت تقع على الطريق التجاري الرئيس الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية بشمالها وشمالها الشرقي، ولها صلات وثيقة مع ممالك جنوب شبه الجزيرة العربية: سبأ، وقتبان، وحضرموت، ومعين، وحمير، ومن خلال المعثورات استُدل على استمرارها عاصمة لمملكة كندة الأولى منذ القرن الرابع قبل الميلاد حتى مطلع القرن الرابع الميلادي.
هاجر بنو حنيفة أحد بطون قبائل بكر بن وائل إلى منطقة الرياض، ويعود الفضل في استقرارهم هناك إلى عبيد بن ثعلبة بن يربوع الحنفي الذي اتخذ له قصرًا يسمى "معتق" في قرية الشّط إحدى قرى حجر اليمامة، واستقر بنو حنيفة حول واديي حنيفة والبطحاء، وسيطروا فيما بعد على حجر اليمامة وجميع بلاد وادي العرض الذي أصبح يسمى "وادي حنيفة" نسبة لهم.
ومن المواقع الأثرية لهذا العصر موقع "سدوس" شمال غربي الرياض، وهي آثار بلدة سكنية مستطيلة الشكل تمتد من الشمال إلى الجنوب، وفي أركان أسوارها أبراج حماية شبه دائرية، وبنيت منازل المدينة من أساسات حجرية، وكسيت جدرانها باللبن، واستخدم في تسقيفها جذوع الأشجار، واستخدمت مادة الجص في زخرفتها، وتضم البلدة مسجدًا جامعًا في الجهة الجنوبية، وهي بلدة محصنة من حيث ارتفاع أسوارها وأبراجها، وتمثل آثار بلدة سدوس نموذجًا في نمط تخطيط مدن وسط شبه الجزيرة العربية.
آثار منطقة الرياض في العصور الإسلامية
دخلت بلاد اليمامة في الإسلام وبقيت حجر اليمامة عاصمة المنطقة في عهد الخلافة الراشدة وفي عهد الخلافتين الأموية والعباسية، وكانت من الولايات المهمة في العصر العباسي، حيث أقيمت فيها دار لضرب المسكوكات، وظهر اسم اليمامة على المسكوكات منذ 131هـ/749م، في أواخر العهد الأموي،وتأسست في اليمامة إحدى الدول المستقلة عن الخلافة العباسية وهي دولة "بني الأخيضر"، في مطلع القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، واستمرت نحو قرنين من الزمان.
وشهد القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي تأسيس مدينة الدرعية، عندما قدِم مانع المريدي وعشيرته من بلدة بالقرب من القطيف إلى حجر اليمامة عام 850هـ/1446م، فأقطعهم ابن درع زعيم الدروع في حجر اليمامة أراضي غصيبة والمليبيد، فأسسوا فيها مدينة الدرعية.
ومن المواقع الأثرية لهذا العصر "الحني"، ويعود تاريخه إلى العصر العباسي، ويتألف الموقع من قسمين: الأول على الجانب الغربي من الوادي، ويحتوي على أساسات جدران لمبان وأسوار وآبار وسدود، ويحتوي الثاني على وحدات معمارية لها أسوار طولية يصل ارتفاعها إلى 200م، واكتشفت فيها معثورات اشتملت على كسر من الفخار المزجج باللونين الأزرق والأسود، ومسارج صنعت من الحجر الصابوني، وكسر زجاجية باللون الأخضر.
وعثر في موقع "البليدة" شمال محافظة المزاحمية في الجهة الغربية من منطقة الرياض، على أساسات مبان حجرية، وأخرى مشيدة بالطوب اللبن، ويعود تاريخ الموقع إلى الفترة ما بين القرنين الأول إلى السادس الهجري، ويعد من محطات طريق الحج الذي يربط اليمامة بمكة المكرمة.
وتقع "نعام" جنوبي مدينة الرياض، وبها موقع أثري يعود تاريخه إلى الفترة ما بين القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين، وهي مبان متناثرة على سفح جبل، على مساحة نحو 5 كم2، وعُثر في الموقع على أبراج هرمية ومربعة الشكل للدفاع والمراقبة، وعلى سلاسل الجبال غربي نعام سور يصل ارتفاعه إلى أربعة أمتار، إضافة إلى آثار مطمورة.
وتقع قرية الغاط التراثية في محافظة الغاط شمال العاصمة الرياض، وتحتوي على قصر الإمارة المبني على الطراز الإسلامي، وقلعة مغيران التاريخية، ومسجد العوشزة الأثري، وموضع النقوش والرسوم المنحوتة على صخور منفردة، والذي يقع على الضفة الغربية من وادي مرخ، وتعود هذه النقوش إلى الفترة ما بين 900 ق.م و400م.
وتحتضن منطقة الرياض بلدة أشيقر، وهي قرية أثرية تقع في محافظة شقراء، يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الإسلام، تحوي مواقع أثرية عدة، منها: هضبة الحليلة، وهضبة القويرات، ودباب الجميعية، وعقدة دينار، والثنية، والمُحيط، ومقصورة الأمير محمد الرقراق، ومسجد الفيلقية، ومسجد الشمال، إضافة إلى آبار أشيقر، وفيها أيضًا وقف صبيح، الذي تعد وثيقته أقدم وثيقة نجدية، وهي تعود إلى عام 747هـ، ويُضرب المثل بدقتها وانضباطها، فيقال "أضبط من وصية صبيح".
آثار منطقة الرياض في العهد السعودي
تحتضن منطقة الرياض موقعًا أثريًّا يعد نواة الدولة السعودية الأولى، وهو مدينة "الدرعية"، وفيها يقع "حي الطريف" أحد المواقع التراثية السعودية المُدرجة على قائمة التراث العالمي في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" منذ 1431هـ/2010م،الذي يعود تاريخه إلى القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي. اكتسبت الدرعية أهمية وشهرة في الجزيرة العربية، وحُصّنت المدينة بسور شبه مستطيل من الشمال إلى الجنوب يصل طوله لنحو 12 كم، يحيط بالبلدة من جميع الجهات، مزود بأبراج دائرية ومربعة على مسافات متساوية، وفي داخل السور عدد من الأحياء عُمّرت فيها القصور والمساجد والأسواق والحمامات والميادين العامة والأزقة والطرقات.
وامتازت منطقة الرياض بقصورها التاريخية، مثل قصر الحكم الذي يعود تاريخ بنائه إلى عام 1160هـ/1747م، وأعاد بناءه مؤسس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبدالله،وقصر المربع الذي كان مقر إقامة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، ومركزًا لإدارة الحكم، وتسيير أمور الدولة إلى جانب قصر الحكم.إضافة إلى قصر الشمسية، والقصر الأحمر، وعدد من قصور الملوك السابقين.
متاحف منطقة الرياض
تضم منطقة الرياض عددًا من المتاحف التي تحفظ آثار المنطقة وتراثها، منها في مدينة الرياض المتحف الوطني الذي افتُتح في 1419هـ/1999م، ويقع في الجزء الشرقي من مركز الملك عبدالعزيز التاريخي،ومتحف الآثار بجامعة الملك سعود في مدينة الرياض،ومتحف العملات الواقع في المبنى الرئيس للبنك المركزي السعودي،ومتحف صقر الجزيرة للطيران،ومتحف قصر المصمك التاريخي، الذي يسرد تاريخ الملك عبدالعزيز وجهوده ومراحل توحيد وتأسيس الدولة السعودية.
المصادر
وزارة الثقافة.
وكالة الأنباء السعودية.
الاختبارات ذات الصلة
مقالات ذات الصلة