تم نسخ الرابط بنجاح

الأغنية السعودية

saudipedia Logo
الأغنية السعودية
مقالة
مدة القراءة 5 دقائق

الأغنية السعودية، هي الأهازيج والقصائد التي تطورت وصارت تُلحّن وترافقها الآلات الموسيقية، ويغُنّي بها كثير من المطربين والمطربات، ليصبح فن الغناء أحد أوجه الهوية الثقافية في المملكة العربية السعودية.

بدايات الأغنية السعودية

عكست الأغنية السعودية ملامح الهوية الثقافية والوجدانية للمجتمع، وخاصة الفترة ما بين 1319-1324هـ/1902-1906م في الحجاز، مؤسسة بشكل جيد بحكم التراكم الحضاري للمنطقة، وقاد تلك المرحلة الفنان الشريف هاشم العبدلي وهو يصنف أول فنان سعودي قدم نماذج غنائية بصوته وبالآلة التي عزف عليها وهي العود وظهر في عام 1343هـ/1924م، وفي عام 1346هـ/1927م سجلت إحدى الشركات الهولندية أعماله وقدمتها للعالم، وكان ذلك هو الركيزة الأساسية للأغنية السعودية التي بدأت في تاريخها المعاصر.

تعارض تقديم الأغاني في تلك المرحلة مع طبيعة المجتمع المحافظة، ولكن العبدلي واصل تقديم فنه، واستطاع أن يؤسس مناخًا فنيًّا صار له مؤيدون لهذه الثقافة، وأسهم هذا الأمر في ولادة جيل آخر تلقف عن الشريف هاشم تلك المبادرات التي أقدم عليها وتم تطويرها على نحو أفضل مما كانت عليه وكان ذلك في الفترة من عام 1343-1359هـ/1924-1940م.

واصل العبدلي أداء دوره الفني وأسهم في تأسيس جيل كامل من بعده وسلم الراية للفنان حسن جاوة (حسن باجنيد) الذي جاء بعده في عام 1359هـ/1940م، ونظرًا لولادته في إندونيسيا في مقاطعة جاوة سُمي بحسن جاوة وهو من مكة المكرمة، وكان مثقفًا أضاف للقيمة الموسيقية التي قدمها العبدلي جوانب ثرية أسهمت في توسع الثقافة الفنية في المجتمع السعودي آنذاك، خاصة أن البلاد بدأت تستقر في عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.

توالى ظهور الفنانين عقب ذلك إذ أسس حسن جاوة جيلًا كاملًا من الفنانين، منهم: الشريف محمد بن شاهين، وفهد أبوحميدي، وسعيد أبوخشبة، وإسماعيل كردوس، وسعيد لبني، وفؤاد بنتن، وأسهم كل هؤلاء في إثراء تجربة حسن جاوة وتعزيزها وانتشار الثقافة الفنية في السعودية حتى عام 1379هـ/1960م.

الأغنية السعودية في عصر النهضة الحديثة

مثّل عام 1379هـ/1960م بداية عصر النهضة الفنية السعودية الحديثة، والتي ظهرت فيها أسماء لامعة، مثل: الفنان محمد علي سندي، وطارق عبدالحكيم، ومحمود حلواني، وعبدالله محمد، وعمر كدرس، وحسين الفقيه، وفؤاد زكريا، شكلوا النواة لعصر النهضة الفنية السعودية الحديثة.

كان ظهور ذلك الجيل من الفنانين السعوديين في عهد الملك سعود بن عبدالعزيز عندما أقام حفلًا موسيقيًّا استضاف فيه السفراء والقناصل والدبلوماسيين، وكان ضيف الشرف في ذلك الحفل "الفرقة الموسيقية السعودية" المؤسسة بقيادة الفنان طارق عبدالحكيم.

ومع تطور البنية التحتية الفنية في السعودية تم إنشاء مؤسسات الدولة الحديثة وظهرت منصات الإذاعة والتلفزيون ووزارة الإعلام، والتي شكلت بدورها فضاءً واسعًا لبناء أرضية صلبة لصناعة الأغنية السعودية والموسيقى السعودية كمفهوم وثقافة، وكان المجتمع متلهفًا نحو الحصول على المزيد من الجرعات الثقافية والفنية.

نتيجة لتطور الأغنية السعودية أنشئ في إذاعة جدة قسم خاص بالموسيقى، بعد ذلك جاء تلفزيون شركة أرامكو لينشر الأعمال الفنية للمغنين السعوديين آنذاك، ثم أتت مرحلة جديدة وهي تسجيل الأغاني عبر أسطوانات في مدينة الأحساء، وكان أول حفل غنائي في حديقة البلدية بالخبر بالمنطقة الشرقية يصاحبه آلات موسيقية في عام 1382هـ/1962م.

إنتاج الأغنية السعودية

أسهم تطور وسائل الإنتاج الفني في ازدهار الأغنية، إذ أسّس طلال مداح ولطفي زيني والشاعر المنتظر شركة "رياض فون" مطلع الستينات، وشهدت هذه المرحلة تكريس انطلاقة الأغنية الجديدة من بعد المسرح والأسطوانات، واستطاع طلال مداح أن يقدم تجربة لافتة في تطوير الأغنية السعودية، ووضعها على قدم المساواة والغناء العربي آنذاك، في منافسة قوية في القاهرة وبيروت والكويت من خلال نقلات مهمة في تجربته "وردك يا زارع الورد".

عقب ذلك العمل برز ما بات يُعرف بالأغنية الطلالية كما في أغنية "عطني المحبة" عام 1388هـ/1968م، ثم ظهرت حقبة الرومانسية الجديدة كما في أغاني مسلسل "الأصيل" عام 1393هـ/1973م، وهي حقبة تعاونه مع الملحن سراج عمر، وتعزيزها بأعمال شهيرة بين عامي 1396-1398هـ/1976–1978م، وشملت أغاني: مقادير، وأغراب، والموعد الثاني، ولا تقول لا تقول، كما أسهم في هذه الانعطافة شعراء طوروا شكل الكتابة الشعرية الغنائية مثل: إبراهيم خفاجي، وبدر بن عبدالمحسن، ومحمد العبدالله الفيصل.

خلال هذه الفترة بدأت تزدهر صناعة وإنتاج الأغنية السعودية، وجاءت انطلاقة الفنانين: محمد عبده، وسعد إبراهيم، وعودة سعيد، وقدم طلال مداح الدعم من خلال شركته لأسماء كثيرة مثل: عبادي الجوهر، وابتسام لطفي، وعتاب، وحيدر فكري، وسلامة العبدالله، ويسرى البدوية، وهدى مداح، وشكل حضور المرأة في تأليف الأغاني والغناء والعزف حضورًا لافتًا بشكل متوازٍ مع الرجل.

وسعيًا لمواكبة التقنيات الإنتاجية الحديثة اتجه بعض الفنانين إلى خارج السعودية، حيث عززت الإمكانيات الفنية والإعلامية والإنتاجية في الكويت دعم بدايات محمد عبده وعتاب وابتسام لطفي، إذ أسهمت ألحان يوسف المهنا في تكريس محمد عبده في أغنيات مثل: ماكو فكة، وبعاد، والجو غيم، وغنت ابتسام لطفي لكبار الملحنين المصريين مثل: رياض السنباطي، وأحمد صدقي، ومحمد الموجي. إضافة إلى استمرار أصوات الغناء الشعبي مثل: فهد بن سعيد، وسلامة العبدالله، وحمد الطيار.

لم تتأخر الأغنية السعودية عن المواكبة وتحديث إنتاجها، وتُعد أغنية "وردك يا زارع الورد" لطلال مداح أول أغنية حديثة تخرج للرأي العام المحلي والإقليمي والعربي، وكانت تلك الأغنية في عام 1374هـ/1955م، سابقة لزمانها في السعودية كونها مكونة من مذهب ومقطعين موسيقيين، وكان الغناء في السعودية قبلها بسيطًا وفطريًّا، وعلى نمط واحد.

تطور الأغنية السعودية

تجددت الأغنية السعودية في بداية الستينات الميلادية، إذ خرجت بصورة حديثة من أغنية بلحن واحد إلى عدة ألحان وتركيبات متنوعة، ثم تبعها في السبعينات احتضان هذا المجال الغنائي وتنميته من قبل جهات ثقافية وفنية في السعودية، ومن فناني تلك الفترة طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر وأبو بكر سالم.

واصلت الأغنية السعودية توسعها في الثمانينات الميلادية، وذلك ببروز الفنان عبدالمجيد عبدالله، إلى جانب مولد النشيد الوطني السعودي الرسمي "سارعي للمجد والعلياء"، وهو من كلمات الشاعر الغنائي إبراهيم خفاجي، فيما شهدت الساحة الغنائية في التسعينات ظهور مجموعة من الأصوات السعودية، منهم: راشد الماجد ورابح صقر وخالد عبدالرحمن.

وتعد فترة أواخر التسعينات فترة ظهور الحفلات الغنائية على مسارح المهرجانات الصيفية في السعودية، ومع بداية الألفية أصبح للأغنية السعودية صوت مسموع مع تنوع النشاطات الفنية وتعدد الشركات المختصة، وتطور مسار التوزيع والإنتاج، وتسارع تقنية الوسائط السمعية وحداثتها، إضافة إلى توسع الدائرة الفنية بظهور فنانين جُدد.

الأغنية الوطنية

شملت الأغنية السعودية كثيرًا من مجالات الأداء في موضوعاتها الفنية، فقبل توحيد المملكة العربية السعودية، كانت فنون الأداء والقول والحركة مثل العرضة والمزمار والزامل تكتنز معاني الفروسية، وتؤدي وظيفة تشبه إلى حدٍّ كبير وظيفة الأغنية الوطنية الحديثة، ولكن حتى عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، لم تكن هناك موسيقى مدوّنة في السعودية، ولم تكن هناك ألحان ولا إيقاعات ولا فرق موسيقية بالشكل الذي نعرفه اليوم. فكان "السلام الملكي" في عام 1364هـ/1945م، أول عمل موسيقي مدوّن وُضع للفرقة العسكرية. أما الأغنية الوطنية، فلم يظهر منها آنذاك غير واحدة للموسيقار المصري محمد عبدالوهاب، وهي بعنوان "يا رفيع التاج".

في إطار المواكبة والتنوع عرفت السعودية الأغنية الوطنية، ففي عهد الملك سعود بن عبدالعزيز، تكونت أول فرقة سعودية على يد طارق عبدالحكيم، الذي قدَّم مع أقرانه أول أغانٍ سعودية وطنية اتسمت بلونها الشعبي البسيط والمستوحى من ألحان وإيقاعات المنطقة البسيطة كإيقاع الشرقين والسامري والرومبا والمارشات العسكرية التقليدية، وقدّم عبدالحكيم أغنية "يالله تحفظ سعود"، وقدَّم عبدالله محمد "صفالي سعدي وطاب"، وهي على نفس لحن أغنية "صفالي حبي اليوم"، وقدّم طلال مدّاح "يا صاحب الجلالة يا محقق العدالة" و"غروس المجد"، كما قدّم مطلق الذيابي أو "سمير الوادي" أغنية "سعودٌ يا سعود" وقدّم الفنان فوزي محسون "ثامن الأعوام".

انتشار الأغنية السعودية

انتشرت الأغنية السعودية حتى وصلت إلى أنحاء العالم، وشهدت بعض العواصم الأوروبية مثل باريس ولندن حفلات غنائية لفنانين سعوديين، كما برزوا في المنطقة العربية وصدحت أصواتهم في حفلات فنية في تونس وليبيا والجزائر وسوريا ولبنان ومصر ومجموعة من دول الخليج العربي.