السياسات المالية في المملكة العربية السعودية، هي عملية التحكم بمستويات الإنفاق والإيرادات الحكومية بجميع أدواتها (بما فيها الأصول والخصوم المملوكة للدولة) والتي تسعى الحكومة من خلالها إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الاقتصادية كالاستقرار في الاقتصاد الكلي، وإعادة تخصيص الموارد بشكل أمثل لضمان التوظيف الكامل، وإعادة توزيع الدخل، وتحقيق الاستدامة المالية.
أهمية السياسات المالية للسعودية
تعد السياسات المالية ركنًا من أركان سياسات الاقتصاد الكلي والتي تشمل السياسة النقدية، والاقتصاد الحقيقي، والتعاملات مع العالم الخارجي (ميزان المدفوعات)، وهي تهدف إلى اتساق السياسات المالية مع السياسات الاقتصادية الأخرى لضمان تحقيق الأهداف المرجوة بشكل واقعي، حيث تُعد السياسات المالية حزمة خطط وأدوات توضع في إطار منهجي وتنفيذي لتحقيق التوازن بين الإيرادات والنفقات، كما أنها واحدة من سياسات الاقتصاد الكلي الرئيسة لتعزيز النمو الاقتصادي.
وتنقسم توجهات السياسات المالية إلى نوعين، يتمثل الأول في سياسة مالية توسعية، حيث تطبق الحكومة السياسة التوسعية في حالات الركود الاقتصادي، وتعتمد هذه السياسة على زيادة السيولة في الدولة عن طريق زيادة الإنفاق الحكومي أو خفض الضرائب بهدف تحفيز الاقتصاد من أجل العودة للتوازن الاقتصادي والاجتماعي.
أما الثاني فيتمثل في سياسة مالية انكماشية، حيث تقوم الحكومة بتطبيق السياسة الانكماشية في حالات الفجوة التضخمية، وتعتمد هذه السياسة على خفض السيولة في الدولة عن طريق تقليل الإنفاق الحكومي أو رفع الضرائب أو الجمع بينهما، بهدف خفض الطلب من أجل العودة للتوازن الاقتصادي والاجتماعي.
دور السياسات المالية في السعودية
تدعم السياسات المالية الاقتصاد الكلي ومراقبة أدائه، بما يجعله أكثر قابليةً للنمو والتطور، علاوةً على ذلك يتوافق دور السياسات مع الأهداف المنوط تحقيقها برؤية السعودية 2030، حيث تعمل على بناء سياسات تسهم في تنويع نمو الإيرادات غير النفطية ضمن السياسة الحالية لتحقيق أهداف وتوجهات الدولة في تنويع مصادر الإيرادات، وتزداد أهمية السياسات المالية للحكومة انطلاقًا من الدور الذي تضطلع به في تنظيم الموارد المالية وتوجيه النشاط الاقتصادي للدولة كما هو الحال في جميع الاقتصادات المعتمدة على النفط، إذ يمكن لانخفاض أسعار النفط أن يؤثر سلبًا في الاقتصاد إذا لم تتخذ الحكومة التدابير الكافية للتخفيف من آثار هذه الانخفاضات.
كما تستهدف السياسات المالية النمو الاقتصادي والمحافظة على مكاسبه واستقراره عند الأزمات، ولذلك تضطلع السياسة المالية العامة في السعودية بدور كبير، وعادةً ما تركز على ثلاثة أهداف رئيسة هي: تحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي، والاستدامة المالية، وتحقيق العدالة بين الأجيال.
دور وزارة المالية في السياسات المالية في السعودية
تُعنى وزارة المالية باقتراح السياسة المالية العامة، مستهدفة تحقيق التوازن بين أهداف الحفاظ على الاستقرار المالي، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، ومساندة مرحلة التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها المملكة وفقًا لرؤية السعودية 2030.
وتركز السياسات المالية بحسب متطلبات رؤية السعودية 2030 على تطوير هيكلي الإيرادات والنفقات معًا، بحيث ترفع نسبة الإيرادات غير النفطية إلى إجمالي الإيرادات تدريجيًّا على المدى المتوسط، مع مواصلة الإنفاق على برامج تحقيق الرؤية والمشاريع الكبرى وبرامج تنمية وتحفيز القطاع الخاص، وفي الوقت نفسه التحقق من تخفيف أعباء الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية من خلال برامج مساندة اجتماعية موجهة.
كما تنفذ الوزارة بالتعاون مع جهات المنظومة المالية مثل: هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية، ومركز تنمية الإيرادات غير النفطية، والمركز الوطني لإدارة الدين، عددًا من البرامج الاستراتيجية في سياق جهودها لتطوير الاستدامة المالية، وتحسين الأداء الاقتصادي عبر مبادرات برنامج الاستدامة المالية، ويشمل ذلك: مبادرة تطوير إطار المالية العامة متوسطة الأجل، ومبادرة تحسين إجراءات تحصيل الإيرادات، ومبادرة التخطيط المالي متوسط المدى، ومبادرة بناء إطار لإدارة الأصول والخصوم السيادية للدولة، ومبادرة تعظيم الإيرادات الحكومية من هيئة الزكاة والضريبة والجمارك، ومبادرة تأسيس سياسة الدين والمركز الوطني لإدارة الدين.
إجراءات السعودية في مجال السياسات المالية
حققت الإدارة المالية العديد من المكاسب التي جعلت المملكة تنافس دول مجموعة العشرين، حيث اتخذت عددًا من الإجراءات في مجال السياسات المالية لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، بإعلانها في عام 2013م الاستمرار في برنامجها الاستثماري بالقطاعين الحكومي والنفطي، من خلال إنفاق 400 مليار دولار على مدى خمسة أعوام، وهو أكبر برامج التحفيز التي أعلنتها دول المجموعة كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومع بدء تنفيذ برامج رؤية السعودية 2030، والعمل على تحقيق مستهدفاتها من أجل اقتصاد مزدهر، عملت السياسات المالية على استخدام الإجراءات والأدوات المالية المتاحة لتحقيق مستهدفات التنويع والنمو الاقتصادي الشامل المستدام، والمحافظة على الاستدامة المالية والاستقرار الاقتصادي، وتطوير المساندة والحماية الاجتماعية الفعالة.
وتمتاز السياسات المالية في المملكة بالمرونة والسرعة في الاستجابة والتعامل مع المستجدات المختلفة، مثل الاستجابة السريعة في التعامل مع جائحة كوفيد-19 خلال عام 2020م، حيث اتبعت الحكومة سياسات مالية متوازنة للحد من أثر الجائحة من خلال الموازنة بين النمو الاقتصادي والاستدامة المالية، إذ رتّبت الحكومة الأولويات حسب متطلبات المرحلة كإيقاف بدل غلاء المعيشة، ودعم القطاع الصحي، وإعفاءات وتمديد الرسوم الحكومية، ورفع ضريبة القيمة المضافة إلى 15%، وزيادة حجم الاقتراض لتمويل الزيادة في حجم الاحتياجات التمويلية، وهذه الإجراءات تضمن استمرار المرونة المالية.
برنامج تحقيق التوازن المالي في السعودية
يهدف البرنامج إلى تحقيق الاستدامة المالية بزيادة فاعلية الحكومة ودعم النمو الاقتصادي عن طريق رفع كفاءة الإنفاق الحكومي وتطبيق سياسات مالية تعنى برفع جودة التخطيط المالي، وزيادة مرونة المالية العامة في التعامل مع الأزمات، وتعظيم الإيرادات الحكومية، مع مراعاة الأثر على القطاع الخاص من خلال ربط الإيرادات غير النفطية وأدواتها بالنشاط الاقتصادي.
دعم السياسات المالية في السعودية
وجدت السياسات المالية للسعودية دعمًا قويًّا من الإصلاحات الحكومية في المجال الاقتصادي، الأمر الذي أسهم في خفض عجز الميزانية وإدارته بشكل ملحوظ، كما اتخذت الحكومة في الوقت نفسه تدابير تحفيزية، ما أدَّى إلى تحقيق نتائج إيجابية تتوافق مع أهداف السياسات المالية والتوقعات في ظل ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي غير النفطي بشكل تصاعدي حتى عام 2023م.
وتماشيًا مع توجهات الدولة في مواكبة أفضل الممارسات العالمية، وافق مجلس الوزراء في عام 2020م على نظام معالجة المنشآت المالية المُهمة، مما يمكِّن البنك المركزي السعودي من الإشراف والرقابة الفعالة على المنشآت المالية المُهمة، بما يضمن المحافظة على الاستقرار النقدي والمالي، وحماية النظام المالي من أيِّ مؤثرات سلبية بالانسجام مع توصيات مجموعة العشرين ومجلس الاستقرار المالي.
ومن أجل تحقيق أهداف السياسات المالية للدولة، تكرس الحكومة جهودها لتوطين العديد من القطاعات، وتنفيذ مشاريع جديدة وفي قطاعات متنوعة لتوفير فرص وظيفية متزايدة أمام المواطنين، إضافة إلى الاستمرار في عملية التنويع الاقتصادي، ودعم القطاعات الاقتصادية الواعدة كالسياحة والرياضة وغيرهما.
المصادر
الاختبارات ذات الصلة