

آل سعود (الأسرة الملكية الحاكمة للمملكة العربية السعودية)، هي عائلة عربيّة يرجع أصلها إلى قبيلة بني حنيفة، إحدى قبائل بكر بن وائل بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان، أسّست المملكة العربية السعودية، وتمكّنت من توحيد أغلب أجزاء الجزيرة العربية منذ انطلاق دولتها الأولى عام 1139هـ/1727م، وصولًا إلى إعلان توحيد المملكة العربية السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في 21 جمادى الأولى 1351هـ/23 سبتمبر 1932م.
جذور عائلة آل سعود
قبيلة بني حنيفة
يعود أصل أسرة آل سعود إلى جدّها مانع بن ربيعة المريدي، المُنحدر نَسبهُ من عشيرة عربيّة تُدعى "المردة"، من "الدروع" الممتدّ أصلها إلى قبيلة بني حنيفة البكرية الوائلية العدنانية، وهي قبيلة كانت تقطن شرقي الجزيرة العربيّة، تُنسب لمؤسّسها: حنيفة بن لُجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هِنُب بن أفصَى بن دُعْمِي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن مَعَد بن عَدنان، ويجتمع نسبها مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في جدّهم نزار.
أرض بني حنيفة (وادي حنيفة أو وادي العِرض)
يُعد وادي حنيفة أحد أهم أودية الجزيرة العربية، إذ كان منطقة جاذبة للاستقرار البشري، ومحطة مهمة للقوافل التجاريّة على مرّ الحِقب التاريخيّة؛ نظرًا لما امتاز به من مقوّماتٍ طبيعيّة، ومياهٍ وفيرة، وأراضٍ صالحة للزراعة،ممثّلاً بذلك إمدادًا تاريخيًّا تشكّلت على ضفافه عاصمتا الدولتين السعوديتين الأولى والثانية (الدرعية ثم الرياض)، وتعود تسميته نسبة إلى قائد عشيرة بني حنيفة.
استقرار بني حنيفة في اليمامة
في مطلع القرن الخامس للميلاد بزمن ما قبل الإسلام، ارتحل عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة من الحجاز إلى شرقي وسط الجزيرة العربيّة، وتحديدًا إلى نجدٍ بوادي اليمامة، وكان بذلك أوّل من أقدم على الهجرة من بني قومه، إذ جاب في البلاد إلى أن عَرف بقعةً وفيرة الآبار والمياه والثمر، وهي بلدة "حجر" التي أُطلق عليها فيما بعد حجر اليمامة، ليأتي بعد ذلك بأهله وولده، واستوطنها مع عشيرته، وأسّسوا فيها مراكز للاستقرار امتدّت حتّى ضفاف "وادي العرض" الذي بات يُسمّى وادي حنيفة، وصارت اليمامة ضمن نفوذ بني حنيفة.
انتقال بني حنيفة إلى شرقي الجزيرة العربية
انتقل بنو حنيفة من وسط الجزيرة العربية إلى شرقيها في القرن الرابع الهجري، لانتكاس منطقة اليمامة آنذاك، وعدم استقرار أوضاعها السياسية والاقتصادية والأمنية، ليتّخذوا من شرقي الجزيرة سكنًا حتّى منتصف القرن الهجري التاسع/الخامس عشر للميلاد، حين تلقّى مانع المريدي دعوة من حجر اليمامة للقدوم بعشيرته والاستقرار فيها.
عودة عشيرة "المردة" وتأسيس الدرعية
بعد أن تلّقى مانع بن ربيعة المريدي الحنفي دعوة ابن عمه حاكم مدينة حجر في اليمامة، وهو "ابن درع"؛ للانتقال من شرقي الجزيرة العربية والعودة للاستقرار في اليمامة؛ لبّى المريدي الدعوة، وعاد بالعشيرة إلى منطقة أجداده وأسلافه عام 850هـ/1446م، وسلّمه ابن عمه منطقتي "غصيبة" و"المليبيد"، ليتّخذ المريدي من المنطقة الأولى مقرًّا لحكمه، ومن الأخرى مقرًّا للزراعة،وتُصبح تلك النواة الأولى لإقامة إمارة ودولة ذات كيان مُستقل، وأسّس مدينة أسماها "الدرعية"؛ نسبة إلى عشيرتهم "ابن درع"، وكان ذلك على ضفاف أحد أهم الأودية وهو وادي حنيفة الخصب، الحيّ بالطرق التجاريّة، إذ أُقيمت البلدة في موقعٍ استراتيجيّ على الطريق القادم من جنوب الجزيرة العربية، مرورًا بنجران، المتّجه شمالًا إلى اليمامة ثم الدرعية، ثم إلى الشمال نحو دومة الجندل وإلى الشرق نحو العراق وإلى الغرب نحو الحجاز، وهو طريق الحُجّاج القادمين من فارس والعراق ووسط آسيا، إذ كان المسافرون يشدّون رحالهم من خلاله عبورًا بالدرعية وصولًا إلى مكة المكرمة، ممّا أكسبه أهميّة وعنايةً إضافيّة بعد تأسيس الدرعيّة.
أمّا من الناحيّة الجغرافيّة، فتقع الدرعيّة بقلب نجد في وسط الجزيرة العربية، تحديدًا في إقليم اليمامة، التي سُمّيت قديمًا بالخضراء لخصوبة تربتها وكثرة أشجارها، إذ يبلغ عرض الإقليم 500 كم، ويتجاوز طوله من شماله إلى جنوبه أكثر من 1,000 كم، وتتوسط أراضيه سلسلة جبال طويق الشهيرة، ويضمّ مجموعة من الأقاليم، من أشهرها: إقليم "العارض"، و"الوشم"، و"سدير"، و"الفرع"، و"الأفلاج"، و"وادي الدواسر"، وعدد من العيون الشهيرة، مثل: "الخضراء"، و"هيت"، بالإضافة إلى عشرات الأودية التي تخترق سهولها وجبالها.
واستمرّت الدرعيّة تحت رعاية المريدي، وتولّاها من بعده أبناؤه وأحفاده على مدى 300 عام،وعلى أرضها تشكّلت سلالته آل سعود، إلى أن تأسّست الدولة السعوديّة الأولى وباتت الدرعية عاصمةً لها.
تسمية ونسب آل سعود
تسمية آل سعود
سُميّت العائلة بآل سعود نسبة إلى كبير آل مقرن، الأمير سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي، بعد أن كانت تُعرف باسم آل مقرن.
مانع بن ربيعة المريدي
هو قائد عشيرة الدروع في شرق الجزيرة العربية، ومؤسس بلدة الدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى، ليُعد بذلك واضع حجر الأساس للدولة السعودية الأولى، التي انطلقت بعده بثلاثة قرون، وتجاوزت حدودها بلدتيه القديمة والجديدة.
يعود أصله إلى بني حنيفة من قبيلة بكر بن وائل العدنانية، ويلتقي نسبه بنسب الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في جدهما المشترك "نزار"، كما يرجع نسب آل سعود إليه، إذ يُعدّ الجد السابع لمؤسس الدولة السعودية الأولى الإمام محمد بن سعود، والجد التاسع لمؤسس الدولة السعودية الثانية الإمام تركي بن عبدالله، والجد الثالث عشر لمؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود.
أنجب المريدي 16 حاكمًا، سُمّي بعضهم "أئمة" وأُطلق على الآخرين "ملوك"، وكانت عائلته ضمن القبائل التي انتقلت من وادي حنيفة في نجد إلى شرق الجزيرة العربية في فترات تاريخية مختلفة، ومن ثمّ عاد إلى بلدته الجديدة برفقة أهله وعشيرته، وأحياها بالعمارة والزراعة لتستقطب عددًا من أهالي نجد، وزاد الإقبال عليها بسبب المزارع والمياه المرتبطة بوادي حنيفة، وعلى الرغم من أهمية هجرته وآثارها في تحولات الجزيرة العربية، إلا أن المصادر التاريخية لم تورد تفصيلات كافية عن تاريخ المنطقة قبل القرن التاسع عشر، ولا عن أسباب المراسلات التي أدت لانتقال مانع المريدي وأسرته من الدرعية الأولى شرق الجزيرة العربية إلى منطقة نجد.
كان ابنه ربيعة أول من شنّ حربًا من بلدة الدرعية، إذ حارب آل يزيد؛ بسبب مزاحمتهم للدروع في عيون ماء وادي حنيفة، ليضمّ حفيده موسى بن ربيعة مناطق آل يزيد ضمن مناطق الدرعية، وبعد وفاة مؤسّسها المريدي، مرّت البلدة بمراحل قوة وضعف متفاوتة، إلا أن التغيير الحاسم كان عند انطلاق أكبر دول المنطقة من داخل حدودها وهي الدولة السعودية الأولى.

الإمام محمد بن سعود
محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي (1109هـ/1697م – 1179هـ/1765م)، هو مؤسّس وقائد الدولة السعودية الأولى، وأوّل حاكم من أسرة آل سعود، وُلد وترعرع في بلدة الدرعية، وأنجب أربعة أبناء، هم: عبدالعزيز، وعبدالله، وسعود، وفيصل.
نشأ الإمام محمد بن سعود بين التعاملات السياسية وسط أسرة حاكمة، وتعلّم الأوضاع التي كانت تعيشها إمارته والإمارات التي حولها بشكل خاص ووسط الجزيرة العربية بشكل عام، خلال عمله بجانب والده على ترتيب أوضاع الإمارة، ممّا أحاطه معرفةً بكافّة أحوال البلدة، ودفعه للمشاركة في الدفاع عن "الدرعية" خلال عدّة غزوات، وبات له أثر كبير في استتباب الأوضاع في الإمارة قبل تولّيه الحكم.
وفي عام 1139هــ/1727م تولّى الإمام محمد بن سعود حكم الدرعية وهو في الـ 30 من عمره، وذلك بعد أن أحاطت بها الفوضى وعدم الاستقرار، وتعددت الزعامات والإمارات المتناحرة على حكم البلدان المجاورة، لتمرّ الدرعيّة بتحولات داخليّة وخارجيّة مشابهة أسهمت في إضعافها وتشظّيها، منها: النزاعات بين عمّه الأمير مقرن بن محمد، والأمير زيد بن مرخان، على إمارة الدرعية، وانتشار مرض الطاعون الذي تسبب بوفاة كثير من أفراد القبائل وقتها.
واستطاع الإمام محمد بن سعود التغلّب على تلك الصعاب، ووحّد الدرعية ونشر الأمن والاستقرار فيها، ومن منطلق تأسيس الوحدة، قادته فكرة تأسيس دولة مركزية موحدة، وهي الدولة السعودية الأولى، وبدأ بتوحيد شطري مدينة الدرعية "غصيبة" و"المليبيد"،وتبنّى دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب الإصلاحيّة وانبثقت من إطار الدرعيّة، وسعى لتأمين الاستقرار داخلها وفي محيطها، وأسس مساراتٍ جديدة في تاريخ المنطقة، تمثّلت في التعليم ونشر الثقافة، وحرص على حماية طرق الحج والتجارة المارّة بالدرعية، القادمة من شرق وشمالي شرق الجزيرة العربية، مما جعلها مركزًا حيويًّا للتجارة، واهتم بتحسين الأوضاع الاقتصادية للدولة وتنظيم مواردها، وتوسيع البناء فيها، إذ بنى في "سمحان" حي الطرفية، وأصبح مركزًا للحكم آنذاك، وبنى سور الدرعية لحمايتها، ليمثّل بخطواته بداية عصر جديد في تاريخ الجزيرة العربية، ونمو الدولة السعودية في وقت مبكّر، وجعل منه إرثه السياسي والدبلوماسي أحد أكثر مؤسسي الدول شهرةً في تاريخ الجزيرة العربية ومحيطها، وحرّر مناطقها من سيطرة القوات المعادية، ووضع حجر الأساس لثلاث دول شكّلت كل واحدة منها امتدادًا لسابقتها،واستمر في أداء مهامه حتّى توفّي عام 1179هـ/1765م، وذلك بعد 40 عامًا قضاها في تأسيس وتوحيد وقيادة الدولة السعودية الأولى.
الحكم لدى آل سعود
ألقاب حُكّام آل سعود
يُشكّل الحاكم محور العائلة الملكيّة ورمز وحدتها، إذ سمي في عصر الدولتين السعوديتين الأولى والثانية بـ"الإمام"، ثمّ استُبدل بـ"الملك" عند قيام المملكة العربية السعودية، ليُلقّب حاكمها بـ"ملك المملكة العربية السعودية"، وجاء هذا القرار خلال الإعلان عن توحيد المملكة عام 1351هـ/1932م، كما أُطلق لقب "خادم الحرمين الشريفين"، على الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود؛ لما بذل خلال عهده من جهودٍ في خدمة الحرمين الشريفين، وكان بذلك أوّل من لُقّب به، وبات يُطلق على الحُكّام من بعده.
سياسة الحكم لدى آل سعود
توارث رجال آل سعود حكم الجزيرة العربية منذ أكثر من 300 عام، وتبدّلت بعض سمات الحكم وآليّاته خلال مراحل الخلافة فيما بينهم، إذ كانت بالتوارث، حتّى تأسست هيئة البيعة في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود.
هيئة البيعة في السعودية
تُعدّ هيئة البيعة الجهة المعنيَّة باختيار ملك المملكة العربية السعودية وولي عهده، من أبناء وأحفاد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، إذ تتصدّر الهيئةُ عند وفاة الملك داعية إلى مبايعة ولي العهد ليُصبح ملكًا على البلاد، أما في حالة وفاتهما معًا في آنٍ واحد -الملك ووليّ عهده- فتختار الهيئة خلال مدةٍ لا تتجاوز سبعة أيام أحد أبناء الملك المؤسس، وتدعو إلى مبايعتِه وفقًا لنظامها ولنظام الحكم الأساسي.
تأسست هيئة البيعة في 26 رمضان 1427هـ/18 أكتوبر 2006م، ويقع مقرّها في العاصمة الرياض، إذ تَعقِدُ اجتماعاتِها بسرية تامة وبموافقة من الملك، وتُقام إمّا في الديوان الملكي بقصر السلام أو في أي مكانٍ آخر يُقرّه الملك، ولا يحضرها إلا أعضاؤها وأمينها العام، إلى جانب من يتولّى ضبط مداولات اجتماعاتها بعد موافقة الملك، ويصوت على قرارات الهيئة عن طريق الاقتراع السري وفق نموذج يعد لهذا الغرض، ويقوم الأمين العام، تحت إشراف الهيئة، بفرز الأصوات، وإعلان نتيجة التصويت إن وجدت.
تسلسل حُكّام آل سعود وفترات حُكمهم
أئمة الدولة السعودية الأولى
الإمام محمد بن سعود بن مقرن (1139هـ - 1179هـ/1727م – 1765م).
الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود (1179هـ - 1218هـ/ 1765م – 1803م).
الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود (1218هـ- 1229هـ/1803م – 1814م).
الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود (1229هـ - 1233هـ/1814م – 1818م).
أئمة الدولة السعودية الثانية:
الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود (1240هـ - 1249هـ/1824م – 1834م).
الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله، الفترة الأولى (1250هـ/1834م – 1254هـ/1838م)، الفترة الثانية (1259هـ/1843م – 1282هـ/1865م).
الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي، الفترة الأولى (1282هـ/1865م – 1288هـ/1871م)، الفترة الثانية (1293هـ/1876م – 1305هـ/1887م)
الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي، الفترة الأولى (1291هـ/1875م – 1293هـ/1876م)، الفترة الثانية (1307هـ/1889م – 1309هـ/1891م).
ملوك المملكة العربية السعودية:
الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (1319هـ -1373هـ/1902م– 1953م).
الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود (1373هـ - 1384هـ/1953م - 1964م).
الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود (1384هـ - 1395هـ/1964م -1975م).
الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود (1395هـ - 1402هـ/1975م - 1982م).
الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود (1402هـ - 1426هـ/1982 - 2005م).
الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود (1426هـ- 1436هـ/2005م - 2015م).
خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود (1436هـ/2015م حتّى الآن).
أئمة الدولة السعودية الأولى
بعد أن تعاقب خلفاء مانع المريدي على إمارة الدرعيّة لفترة امتدّت قرابة ثلاثة قرون، وشهدت البلدة خلال مراحلها الأخيرة فتراتٍ من التشظي والزعزعة، تقلّد الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن الحكم فيها،ومن هنا تهيّأت الدرعيّة لمرحلة جديدة، وانبثقت من أراضيها الدولة السعودية الأولى على يد مؤسّسها الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، واتّخذ من الدرعية عاصمةً لها، وكان ذلك في منتصف عام 1139هـ/1727م.
وتمثّلت أولى ثمرات الحكم السعودي بالدرعية في إنشاء الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ/1727م، حين لبّى الإمام المؤسس محمد بن سعود بن محمد بن مقرن دعوة التوحيد من الشيخ محمد بن عبدالوهاب، بهدف توحيد الجزيرة العربية ابتداءً من نجد،وأسّس فيها الدولة السعودية الأولى، ووُحّد حكمها، ونظّم شؤون الدولة الداخليّة، ومكّن الأمن والاستقرار فيها، وكان ذلك خلال المرحلة الأولى لتأسيس الدولة السعوديّة في الفترة ما بين (1139هـ-1158هـ/1727-1745م)، ليوحّد فيما بعدُ المناطق المحيطة في إقليم نجد، وقاد حملات التوحيد بنفسه، وتصدى لعددٍ من الهجمات الخارجية التي أرادت القضاء على الدولة، فكانت القبائل والبلدات تُسلم إمارتها للإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن لتصبح جزءًا من الدولة السعودية وتحت حمايتها، ليُنظّم شتاتها ويُعيّن عليها أميرًا من أهلها، وجرى ذلك خلال المرحلة الثانية للتأسيس التي حدثت ما بين (1159-1179هـ/1746-1765م)، ومن أبرزها توحيد معظم منطقة نجد، وتأمين طرق الحج والتجارة، فأصبحت نجد من المناطق الآمنة.
وبعد انقضاء 40 عامًا على إقامة الدولة السعوديّة الأولى وتأسيس قيادتها، توفّي مؤسّسها الإمام محمد بن سعود بن محمد بن مقرن عام 1179هـ/1765م، ليتولّى الحكم من بعده نجله الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ثم حفيده الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد "سعود الكبير"، وأخيرًا الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز، ليُشكّل الأئمة الأربعة أوّل نواة لحكم عائلة آل سعود خارج بلدة الدرعية، إذ قادوا الدولة إلى لبسط سلطانها على الحجاز غربًا، وغالبية أنحاء الضفة الغربية من الخليج العربي شرقًا، حتّى وصلوا إلى العراق شمالًا واليمن جنوبًا، لتُصبح أول دولة عربية امتد نفوذها على معظم أرجاء الجزيرة العربية، واستمر حكمها تحت قيادتهم لأكثر من سبعة عقود.
وامتاز عهد أول حكام الدولة السعودية الأولى، الإمام المؤسّس محمد بن سعود بن محمد بن مقرن، بترسيخ دعائم الاستقرار واستقطاب الحلفاء والبلدات المجاورة، بينما ركّز حكم نجله عبدالعزيز على توحيد مناطق شبه الجزيرة العربية بشكل واسع وإقامة حكم الدولة السعودية فيها، وتأمين خدمات وطرق الحجاج، والحثّ على محو الأميّة بالكتابة والتعليم، فيما أكمل الإمام سعود بن عبدالعزيز جهود والده في التوسع ليتجاوز حدود العراق ويصل إلى الشام، ليُشير المؤرخون إلى أن الدولة بلغت ذروة اتّساعها خلال حكمه، وأخيرًا الإمام عبدالله الذي أسهم في ردع جيوش العدوان المتعدّية، واستمرت الدرعية عاصمة للدولة السعودية الأولى في عهده إلى أن دّمرها الجيش العثماني بالمدافع، ونهبها وهجّر أهلها بعد حرب استمرت 7 سنوات وحصار دام 7 أشهر، لتنتهي بذلك الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ/1818م، وتنتقل عاصمة الدولة السعودية في مرحلتها التالية إلى الرياض.

الإمام محمد بن سعود بن محمد
محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي (1109هـ/1697م - 1179هـ/1765م)، هو مؤسّس وقائد الدولة السعودية الأولى، وأوّل حاكم من أسرة آل سعود،
تولّى حكم الدرعيّة عام 1139هــ/1727م، وهو في الثلاثين من عمره، ووحّد الدرعية ونشر الأمن والاستقرار فيها، وبنى سور الدرعية لحمايتها، وبنى حي "سمحان" في حي الطرفية، وبات مقرًّا للحكم آنذاك، كما أسهم في تنظيم موارد الدولة وتنمية أوضاعها الاقتصاديّة،مما جعلها مركزًا حيويًّا للاقتصاد والتجارة، وقضى 40 عامًا في تأسيس ووحدة وقيادة الدولة السعودية الأولى حتى توفّي عام 1179هـ/1765م.
الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود
عبدالعزيز بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي، (1133هـ-1218هـ/1721م – 1803م)، هو ثاني حُكّام الدولة السعودية الأولى التّي أسّسها والده -الإمام محمد بن سعود، نشأ في أسرة حاكمة، وورث من والده تفاصيل الحكم والسياسات، وقاد جيوش الدولة طوال 27 عامًا منذ بدء قتال أعداء الدولة السعودية عام 1159هـ/1746م، حتى عام 1187هـ/1773م حين استطاع أن يُدخل الرياض ضمن الدولة دون قتال.
سار الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود على نهج والده منذ توليه الحكم في عام 1179هـ/1765م، إذ اهتم أولًا بتوحيد أرجاء الجزيرة العربية، وبنى "حي الطريف"،ونقل إليه مركز الحكم بدلًا من الطرفية، الذي يُعدّ موقعًا أثريًّا بارزًا في تاريخ السعودية، وبنى قصر سلوى، الذي بات فيما بعد مقر الإدارة والسياسة لأئمة الدولة السعودية الأولى، تحت حكمه، إلى جانب حرصه على تأمين طرق وقوافل الحج وخدمة الحجاج، ونهض بالحركة العلميّة ومكّن طُلّابها، اهتم بالخط والكتابة ومحو الأميّة من البلدة، مما أدى لظهور أول مدرسة في فن الخط والنسخ في الدرعية.
كما تمكّن الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود من التغلب على حملات العثمانيين، وآل حميد، وأشراف الحجاز، وحملات حكام نجران، وحكام مسقط وقتها، ومضى في بناء الدولة، وحرّر جميع أقاليم نجد، وانضمت لحكمه المنطقة الشرقية ومنطقتا عسير ونجران، وأجزاء من منطقة الحجاز، وكثير من مناطق شرقي الجزيرة العربية، واتسعت حدودها لتمتدّ من الخليج العربي إلى البحر الأحمر، واغتيل عن عمر 85 عامًا وهو يؤدّي صلاة العصر في مسجد الطريف بالدرعية عام 1218هـ/1803م.
الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد
الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن (1161هـ- 1229هـ/1748م-1814م)، هو ثالث حكام الدولة السعودية الأولى،ولد في بلدة أجداده الدرعية، ونشأ في بيت علمٍ وحكم، تقلّد الحكم عام 1218هـ/1803م،بعد أن قاد جيوش والده الإمام عبدالعزيز طوال 36 سنة من ولايته، ومد نفوذ الدولة من الخليج العربي شرقًا إلى البحر الأحمر غربًا، ومن شواطئ الفرات بوادي الشام شمالًا، إلى أطرف دولتي اليمن وعمان جنوبًا،لقّب الإمام سعود بــ"سعود الكبير" وذلك لما بلغته الدولة السعودية الأولى خلال فترة حُكمه من ذروة القوة والاتساع، إذ نهض بموارد الدولة، وكسا الكعبة المشرّفة مرتين، وأمّن طرق الحرمين الشريفين، وواصل الارتقاء بالدولة إلى أن توفي ليلة الاثنين 11 جمادى الأولى 1229هـ/2 مايو 1814م.
الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز
الإمام عبدالله بن سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود (1185هـ- 1233هـ/1771م – 1818م)، هو الإمام الرابع للدولة السعودية الأولى وآخر حُكّامها، وُلد في الدرعية، ونشأ على حب الفصاحة والخيل والشجاعة، وقاد عددًا من الحملات والجيوش،ثم تقلّد الحكم عقب وفاة والده الإمام سعود عام 1229هـ/1814م.
حاولت الدولة العثمانية إيقاف سياسة تحرير وتوحيد الجزيرة العربية التي اتبعها الأئمة السعوديون، فوجهت واليها على مصر محمد علي باشا لغزو الدولة السعودية، الذي بدأ عام 1226هـ/1811م، حين عُيّن طوسون نجل محمد علي باشا قائدًا لأول جيش توجه إلى المدينة المنورة ووصل إلى حدها الجنوبي، إلا أنه هُزم في أول لقاءاته بقوات الدولة السعودية، ثم جاءت الأساطيل الهادفة للقضاء على الدولة السعودية عن طريق ينبع بقيادة إبراهيم باشا، عام 1231هـ/1816م، فزحفت إلى وسط الدولة، وحاصرت مدينة الرس ثلاثة أشهر لتحصّن الإمام عبدالله بن سعود فيها، ولم تستطع السيطرة عليها إلا بالصلح، وتوجهت إلى بريدة، وإقليم الوشم، وضرماء التي كبدت الجيش العثماني خسائر فادحة.
صمدت بلدة الدرعية أمام الحصار نحو سبعة أشهر متتالية، وحين اشتد خرج الإمام عبدالله بن سعود منها مقابل سلامة أهالي البلدة، والحفاظ على ممتلكاتها من الهدم والتدمير، ليوافق إبراهيم باشا على تلك المبادرة، إلا أنه لم يفِ بعهده الذي قطعه، فدُمرت الدرعية، ودُكّت أراضيها بالمدافع، ونُهِبت وهُجّر أهلها، ثم أُسر الإمام عبدالله، وأُعدم من قبل العثمانيين في إسطنبول، ليُلقّب بالإمام الشهيد، وينتهي بذلك حكم الدولة السعودية الأولى عام 1233هـ/1818م.
الدولة السعودية الثانية
تأسيس الدولة السعودية الثانية (1240هـ - 1309هـ/1824م - 1891م)
استعاد آل سعود نشاط دولتهم السعودية الأولى، في منطقة نجد وسط الجزيرة العربية، وبدأ حكمهم من الرياض وتوسعت حدود دولتهم لتشمل مناطق: القصيم وحائل شمالًا، ومدن الخليج العربي شرقًا، وأجزاء من عمان وقطر، وكانت حدودها أصغر من سابقتها الدولة السعودية الأولى.
بدأت الدولة السعودية الثانية بالتشكّل إثر سقوط الدولة الأولى بمحاولة استرداد حاول بها مشاري بن سعود عام 1233هـ/1818م، ثم قامت الدولة عام 1240هـ/1824م على يد الإمام تركي بن عبدالله بعد طرده العثمانيين، لتمتدّ الدولة الجديدة امتدادًا للدولة الأولى، لاشتراكهما في سلالة الحكم والتقاليد والرسالة، إذ اختلفت عنها باعتماد الرياض عاصمة بدلًا من الدرعية.
تعاقب حكام الدولة السعودية الثانية على إدارة دولتهم لمدة 69 عامًا، وهم: الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود، ونجله فيصل بن تركي، وابناه عبدالله وعبدالرحمن.
استطاع أعداء الدولة السعودية الثانية أن يشعلوا فيها خلافات عائلية داخل الأسرة الحاكمة لإسقاطها، إذ أدى الخلاف الذي نشب بين أبناء الإمام فيصل بن تركي إلى نهاية الدولة السعودية الثانية، في الوقت الذي كانت تواجه فيه مجموعة قوى مناوئة لها، تمثلت في: الدولة العثمانية التي استخدمت ودعمت آل حميد وأمراء الحجاز وآل رشيد ضدها، حتى انتهت عام 1309هـ/1891م.
الإمام تركي بن عبدالله بن محمد
يُعدّ الإمام تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الثانية، وهو حفيد مؤسّس الدولة السعودية الأولى، إذ استطاع توحيد أغلب أجزاء الجزيرة العربيّة على الأسس التي بُنيت عليها الدولة السعودية الأولى، واتخذ من الرياض عاصمة لحكم آل سعود عام 1240هـ/1824م؛ لمعرفته بها وقلة السكان في الدرعية بعد تدمير العثمانيين لها، كما أراد أن تبقى البلدة شاهدة على تاريخ الماضي، وحصل الإمام تركي بن عبدالله على بيعة الأقاليم تباعًا، وحقّق الأمن في الدولة ومدّ نفوذها إلى مختلف المدن التي كانت تحت حكم الدولة السعودية الأولى، حتّى اغتيل على يد إبراهيم بن حمزة بن منصور، في 29 ذو الحجة 1249هـ/8 مايو 1834م.
الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله
فيصل بن تركي بن عبدالله (1203هـ - 1282هـ/1788م – 1865م)، هو ثاني حكام الدولة السعودية الثانية، وأول حاكم سعودي يتولّى الحكم مرتين،بدأت الفترة الأولى عام 1250هـ/1843م، وانتهت بأسره من قِبل قوات محمد علي عام 1254هـ/1838م، ثم عاد إلى الحكم عام 1259هـ/1843م بعد أن اغتيل والده، وشكلت هذه الفترة إحدى أهم فترات تاريخ الدولة السعودية الثانية في الاستقرار والتطور، إذ نجح الإمام فيصل في تثبيت نفوذ الدولة وسط الجزيرة العربية وشرقيها وفي مناطق عُمان حاليًّا، واستمرت الحملات والوقائع لتوطيد الحكم، وعمل على توحيد البلاد وقيادتها لمدة 23 عامًا، حتّى توفي في 21 رجب 1282هـ/9 ديسمبر 1865م، وتولى الحكم من بعده الإمام عبدالله بن فيصل.
الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي
عبدالله بن فيصل بن تركي، هو ثالث حكام الدولة السعودية الثانية، وثاني حاكم سعودي يتولى الحكم مرتين، إحداهما خلفًا لوالده الإمام فيصل بن تركي في الفترة من 1282هـ/1865م – 1288هـ/1871م، والأخرى بعد تنازل أخيه عبدالرحمن له عن الحكم في الفترة من 1293هـ/1876م – 1305هـ/1887م.

الإمام عبدالرحمن بن فيصل بن تركي
عبدالرحمن بن فيصل بن تركي ( 1268هـ-1346هـ/1852م – 1928م)،هو آخر حكام الدولة السعودية الثانية، وحفيد مؤسسها الإمام تركي بن عبدالله، وأول من التقطت له صورة فوتوغرافية من بين الأئمة السعوديين، وهو والد مؤسس المملكة العربية السعودية الملك عبدالعزيز.
حكم الإمام عبدالرحمن الدولة السعودية الثانية على فترتين: الأولى بين عامي 1291هـ- 1293هـ/1875م –1876م، وتنازل عن الحكم لأخيه عبدالله بن فيصل، حتّى عاد للولاية مجددًا بعد 14 عامًا في عام 1307هـ-1309هـ/1889م–1891م، لتنتهي الدولة السعودية الثانية في هذا العام،وتوفي عام 1346هـ/1928م.

حُكّام المملكة العربية السعودية
الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود
عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود بن محمد بن مقرن بن مرخان بن إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع بن ربيعة المريدي (1293هـ- 1373هـ/1876م –1953م)،هو مؤسّس المملكة العربية السعودية، وأوّل حكّامها، ولد في مدينة الرياض، وتعلم مبادئ القراءة والكتابة، وختم القرآن الكريم، ودرس أصول الفقه والتوحيد، وأتقن استخدام السيف والبندقيّة ومبادئ الفروسيّة، ورافق والده في ارتحالاته بين العشائر والبلدان، واعتمد عليه والده في المراسلات السياسيّة الدولية والمحلية.
حاول الملك عبدالعزيز استرداد الرياض عام 1318هـ/1901م، ولم تسر الأمور كما أراد بداية، وزاده ذلك إصرارًا على العودة مرة أخرى عام 1319هـ/1902م وتمكّن فيها من استرداد الرياض، وانطلق نحو تأسيس المملكة العربية السعودية، ووحّد أجزاءها على مراحل منفصلة، وهي: جنوبي نجد عام 1319هـ- 1320هـ/1902م، سدير والوشم والمحمل والشعيب عام 1321هـ/1903م، القصيم عام 1322هـ/1904م، الأحساء عام 1331هـ/1913م، عسير عام 1338هـ/1919م، حائل عام 1340هـ/1922م، الحجاز عام 1344هـ/1925م، جازان عام 1349هـ/1930م.
وشملت مرحلة تأسيس وبناء الدولة في عهده اهتمامًا شمل جميع الجوانب الدينية والإدارية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والتعليمية والثقافية، إذ أُسّست من دخوله إلى الرياض مجموعة من المؤسسات الإدارية، منها: المجالس الإدارية، ومجلس الوكلاء، ومجلس الشورى، ورئاسة القضاء، والمحاكم الشرعية، ومؤسسة النقد العربي السعودي، إضافة إلى إدارة المقاطعات، وكل من الوزارات الآتية: المالية، والدفاع والصحة والمواصلات، والداخلية، والخارجية، وغيرها من الوزارات والإدارات.
كما تنوّعت الإنجازات الحضارية في عهده؛ إذ أولى اهتمامًا بالعلم والمعرفة، وذلك من خلال حث طلاب العلم، وتأسيس مديرية المعارف، وتأسيس المنشآت الدراسية وإصدار أنظمة خاصّة بها، وإقامة المكتبات وإتاحة الكتب للجميع، كما دُشّنت مكتبة الملك عبدالعزيز الخاصّة في دارة الملك عبدالعزيز بالعاصمة الرياض، وطُبعت مجموعة من المؤلّفات على نفقته، وأنشئت جريدة أم القرى ومطبعتها.
ومن أهم ما نتج في عهده هو توطين البدو وتأسيس الهجر، وهي نقطة أسهمت في إنشاء مناطق مُتعدّدة للاستقرار فيها، وعمل أفرادها في الزراعة والتجارة وسعوا لإحياء الأراضي التي استقروا بها، كما شملت تنمية البلاد العناية بحجاج وزوار ومعتمري بيت الله الحرام، إذ نُظّمت عدد من الخدمات المقدمة، وأمر بتوسعة الحرمين، وإنشاء المحاجر الصحية والمديرية العامة للحج، وكان لإرساله أبناءه في مهمات سياسية خارج الدولة أثر بالغ على نشأة مكانة الدولة.
حمل الملك عبدالعزيز خلال حياته عدّة ألقاب سياسية منها: لقب "الإمام"، أمير نجد ورئيس عشائرها، عام 1319هـ/1902م، وسلطان نجد وملحقاتها عام 1339هـ/1920م، ثمّ ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها عام 1344هـ/1926م، وملك الحجاز ونجد وملحقاتها، عام 1345هـ/1927م، إلى أن سُمّي ملك المملكة العربية السعودية في عام 1351هـ/1932م، واستمر حكمه إلى أن توفي إثر مرض ألزمه الفراش، وكان ذلك يوم الاثنين 2 ربيع الأول 1373هـ/9 نوفمبر 1953م.

الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود
الملك سعود بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (1319هـ-1388هـ / 1902-1969م)، هو ثاني ملوك المملكة العربية السعودية، وأول وليّ للعهد في تاريخ الدولة السعودية، وأول وريث للحكم في المملكة العربية السعودية بعد وفاة الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود، ولد في الكويتوتزامنت ولادته مع استعادة والده لحكم الرياض، ونشأ على تربية دينيّة وسياسية، خاض مع والده عددًا من الحروب والمعارك، وتولّى قيادة عدّة جيوش، إذ وكّله الملك عبدالعزيز أول مهمة عسكريّة وهو في الـ 13 من عمره، بعد أن لاحظ عليه القدرة والكفاءة على تولّي الأمور القيادية والحربية، وكانت أولى مهامه زيارته لدولة قطر عام 1333هـ/1915م ممثلًا والده في مهمة سياسية، ثم شارك مع أخيه الأمير تركي في معركة "جراب"، لتُصبح تلك محورًا مهمًّا في حياته، إذ تعلم منها إدارة الحروب ومهارات القتال، واستراتيجيّات التخطيط والأساليب السياسية في عقد الاتفاقيات.
وبعد أن توحّدت أطراف الدولة، أطلق عليها الملك عبدالعزيز اسم "المملكة العربية السعودية"، وذلك في 17 جمادى الأولى 1351هـ/23 سبتمبر 1933م، وأصدر مرسومًا ملكيًّا بالموافقة على قرار مجلسي الشورى والوكلاء بتولّي الملك سعود ولاية العهد وذلك عام 1352هـ/1933م، وطلب من أفراد الأسرة وأعيان مناطق المملكة وشيوخ القبائل مبايعة الأمير سعود وليًّا للعهد، إذ كان الملك سعود في الرياض وتمت المبايعة في مكة المكرمة بالحرم المكّي، ليُصبح خليفة رسميًّا لتولّي زمام الولاية عند اللزوم.
وكانت دراسة الإصلاحات الإدارية والداخلية للبلاد من أبرز ما كُلف به الملك سعود خلال ولايته للعهد، إذ شملت تسوية النظم الإدارية والمالية ودراسة الأنظمة المُتعلّقة بالمشاريع الحيوية والتنموية، واختصت بالمُبادرات المرتبطة بالحج وتأمين المياه والإذاعة والجمارك، وعمل الملك سعود على تنمية الدولة من خلال دراسته، إذ جاء بخطة حديثة لإدارة شؤون الحج تُشرف عليها هيئة مُختصّة أسّسها الملك، وهي "الإدارة العامة للحج والإذاعة"، كما عزّز صلاحيات وزارة المالية وسيطرتها ورقابتها، وأسّس المديرية العامة لشؤون البترول والمعادن، ومجلسًا للشؤون الاقتصادية، وأنشأ إدارة مستقلة للجمارك، وإدارة أخرى للأشغال العامة تُعنى بحفر الآبار الارتوازية وإصلاح الأراضي غير المزروعة.
ثم عُيّن الملك سعود قائدًا عامًّا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي في 15 ذي الحجة 1372هـ/25 أغسطس 1953م، مما مكّنه وقوّى سلطاته وصلاحيّاته في الدولة، وعمل على تقوية الجيش السعودي البرّي عبر تمكينه بالأسلحة وتدريبه عليها، وأجرى توسعة أسطول الخطوط الجوية السعودية من خلال شراء أربع طائرات "Sky master"، وسعى لتنظيم رحلات جديدة لنقل الحجاج داخل الدولة إلى خارجها من الدول العربية المجاورة، كما وقّع على مجموعة من الاتفاقيات لإنشاء السكك والمدارس والمستشفيات، وعمل على توسعة المسجد النبوي التي كلّفه بها والده الملك المؤسس، وتابع سيرها وخطواتها ووضع حجر الأساس لها، ثمّ ولِّي رئاسة مجلس وزراء عام 1373هـ/1953م، حين شهد الملك عبدالعزيز وعكة صحيّة، ليكون بذلك أول رئيس لمجلس الوزراء في الدولة.
وبعد وفاة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن في 2 ربيع الأول 1373هـ/9 نوفمبر 1953م، بُويع الملك سعود بن عبدالعزيز ملكًا للمملكة العربية السعودية، واستقبل جموع المبايعين في القصر الملكي، ليُعلن عن توليه حكم الدولة بعد أن سلّم ولاية العهد لأخيه الملك فيصل، وبايعه على هذا أفراد العائلة المالكة.
وشهدت الدولة السعودية في عهده تقدمًا ملحوظًا في مجالات الصحة والتعليم والعمران والزراعة والتجارة، إذ أنشأ عددًا من الوزارات الحكوميّة، وأقام مجموعة من الجامعات، منها: جامعة الملك سعود، التي تُعدّ من أهم الجامعات في الدولة، وكلية البترول والمعادن التي انبثقت منها جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، كما أصدر قرارًا بتعليم المرأة، واهتم برعاية الأيتام، واستمرّت تنميته للبلاد وحكمه لمدّة 11 عامًا حتّى توفي عام 1388هـ/1969م في أثينا عاصمة اليونان.

الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود
الملك فيصل بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (1324هـ/1906م – 1395هـ/1975م)، هو الثالث ترتيبًا بين أبناء الملك عبدالعزيز وملوك المملكة العربية السعودية،وُلد بمدينة الرياض في الفترة التي انتصر فيها والده على خصمه ابن رشيد في معركة "روضة مهنّا" بالقرب من حائل، وكان هذا السبب في تسميته "فيصل"، تربى على نشأة دينية، وشارك في المعارك وهو في سن صغيرة، ثم تولّى عددًا من المناصب في الدولة، وقام بعدة مهمات ورحلات خارجية لتوطيد العلاقات الدبلوماسية، وعقد المعاهدات والاتفاقيات بين المملكة وبقية الدول، وعُرف بمواقفه في الدفاع عن قضايا الدول العربية والإسلامية ومصالحها.
عُيّن الملك فيصل نائبًا عن الملك في الحجاز، ومرجعًا لدوائرها الرسمية، وكان بذلك أول نائب للملك في الحجاز في الدولة السعودية الحديثة، كما ترأس مجلس الشورى، وكان عضوًا مؤسسًا لهيئة الأمم المتحدة، إلى جانب تولّيه لمسؤوليّاتٍ معيّنة عن الحج، وتوفير التموين والرعاية الصحية للحجاج، واستقبال وفود الحج الرسميّة وممثلي الحكومات.
تقلّد الملك فيصل حين كان أميرًا وزارة الخارجية وهو في عمر الـ 25 عامًا، وذلك بعد أن أصدر الملك عبدالعزيز مرسومًا ملكيًّا بتحويل "مديريّة الشؤون الخارجية" إلى وزارة الخارجية، وولّاه وزيرًا لها، ويُعدّ الأطول عهدًا فيها وامتدّت فترة تولّيها نحو 45 عامًا (1349هـ/1930م – 1395هـ/1975م)، ثم تولّى رئاسة مجلس الوكلاء عام 1350هـ/1932م ليكون مرجعًا للجهات الآتية: الديوان الملكي، والخارجية والمالية والعسكرية، والشورى، والداخلية، ورئاسة القضاء وأمراء الملحقات، وبعد وفاة والده في 2 ربيع الأول 1373هـ/9 نوفمبر 1953م، بات الملك فيصل وليًا للعهد ورئيسًا لمجلس الوزراء، ورسم خلال تلك الفترة نهج السياسة السعودية الخارجية المرتكزة على مبدأ الوحدة والتقارب العربي، وتبنّى موقفًا ضد الوجود الاستعماري في المنطقة، والوقوف إلى جانب حركات التحرّر العربي من الاستعمار، ووضع للمملكة سياسة وسطيّة بين المُعسكرين الدوليين الغربي والشرقي.
وفي 27 جمادى الآخرة 1384هـ/1 نوفمبر 1964م بُويع الملك فيصل ملكًا، واستمر عزمه على إصلاح جميع مجالات الدولة، وإثر مبايعته أصدر أمرًا ملكيًّا بتعديل المادتين السابعة والثامنة من نظام مجلس الوزراء، وبموجب هذا التعديل أصبح الملك رئيسًا للمجلس يرأس اجتماعاته، وينوب عنه نائب رئيس مجلس الوزراء، كما يعين أعضاؤه ويعفون وتقبل استقالتهم بأمر ملكي، ويكون الجميع مسؤولين عن أعمالهم أمام الملك،كما حضر الاحتفالات الشعبية التي أقيمت في بعض مدن المملكة بمناسبة مبايعته ملكًا، واستقبل الوفود الرسمية المهنئة له، وبعد شهرين من مبايعة الأمراء والعلماء ومجلس الوزراء والشعب، بايعه أخوه الملك سعود ملكًا للمملكة العربية السعودية في 1 رمضان 1384هـ/3 يناير 1965م،وتولّى الحكم لمدّة 11 عامًا إلى أن استشهد يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول 1395هـ/25 مارس 1975م.
خُلّدت آثار الملك فيصل لتأتي من بعده كيانات تضم اسمه، منها: "جائزة الملك فيصل العالمية" التي تهدف إلى خدمة المسلمين في حاضرهم ومستقبلهم وحثّهم على المشاركة في كل ميادين الحضارة، و"مؤسسة الملك فيصل الخيرية" التي تعمل على حفظ إرث الملك فيصل والمضي في تحقيق رؤاه، بالإضافة إلى "مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية" الذي يسعى لنقل المعرفة بين المملكة وبقية العالم منذ تأسيسه، ويضمّ تحت لوائه عددًا من المؤسّسات التراثيّة والثقافيّة.

الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود
خالد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (1331هـ-1402هـ/1913م – 1982م)، هو رابع أبناء الملك عبدالعزيز وملوك المملكة العربية السعودية، والملك السعودي الوحيد الذي حكم البلاد في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الهجريين. ولد في مدينة الرياض، وتعلّم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم في المدارس الأهلية، وتلقّى العلوم الدينية على يد كبار العلماء، ثمّ مهر في الرماية والفروسيّة،وحرص على تنمية الروابط العائليّة، مراعيًا لرعيّته.
كان الملك خالد ملازمًا لأخيه الملك فيصل، إذ مارس الولاية تحت إشرافه واستفاد من مهاراته وخبراته وحنكته السياسية، وعُيّن الملك خالد بن عبدالعزيز وليًّا للعهد في يوم الاثنين 27 ذي القعدة 1384هـ/29 مارس 1965م، وكان خلالها نائبًا لرئيس مجلس الوزراء، واستمرت ولايته نحو 10 سنوات، ثمّ في 13 ربيع الأول 1395هـ/25 مارس 1975م استُشهد الملك فيصل بن عبدالعزيز، وبويع الملك خالد بن عبدالعزيز ملكًا على المملكة العربية السعودية، والأمير فهد وليًّا لعهده، مبايعةً ضمّت كافّة أفراد الأسرة الملكيّة، والأمراء والعلماء والأعيان وأفراد الشعب.
وبعد تولّي الملك خالد لحكم الدولة، أوضح الركائز السياسية الداخلية لها التي تنصّ على أن العقيدة الإسلامية هي السياسة الحاكمة لشؤون المملكة، وأقرّ في بيانه على دعم القوات المسلحة، وأكّد حرص الدولة على تحقيق المشاريع التي تنمّي المستوى المعيشي، وتحقق أمن ورفاهية المواطن، والارتقاء بالقطاعات التنمويّة والبنى التحتيّة، كما أصدر عفوًا عامًّا عن كافّة السجناء باستثناء سجناء قضايا "القتل والسرقة وهتك العرض والمخدرات" عام 1395هـ/1975م،ودافع عن الأقليات المسلمة المضطهدة، وأشاد بحمايتها، ودعا المسلمين للتمسّك بالقيم الإسلامية، ونبذ الخلافات، ووحدة الكلمة، ولمّ شمل الوحدة الإسلامية تحت راية التوحيد والأخوة والمحبة.
ومن أبرز إنجازات عهده إنشاء ست وزارات جديدة، وبعض المؤسسات، منها: الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وشركة سابك للصناعات الأساسية، كما فرض على عدد من الشركات والبنوك سعودة وظائفها، كما مكّن التعليم العالي بتدشينه لجامعتي الملك فيصل في الدمام، وجامعة أم القرى بمكة المكرمة، والمركز الوطني للعلوم والتكنولوجيا الذي سُمِّي لاحقًا بمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية؛ الذي يهدف لبناء قاعدة علمية تقنية تخدم التنمية في المجالات الطبية والزراعيّة والصناعيّة والهندسية والفلكية، وأُخرج منه معهد بحوث الطاقة، ومعهد بحوث الفلك والجيوفيزياء، كما شهدت المؤسسات التعليمية الأخرى اهتمامًا مماثلًا، كالمعاهد العلمية ودور محو الأمية، وتعليم ذوي الاحتياجات الخاصة والتعليم الأهلي، ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وافتتحت في عهده أوّل مدارس تحفيظ القرآن الكريم للمرحلتين الابتدائيّة والثانويّة، وأُنشئت المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني (المؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني حاليًا) بإشرافٍ من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، ودُمجت مراكز التدريب المهني التابعة لوزارتي العمل والتربية والتعليم في مؤسّسة واحدة.
أسهم الملك خالد في الحفاظ على القيم الوطنية في المملكة، واستحدث بنوك التنمية الزراعية والصناعية والعقارية، وقاد توسّعات زراعية وصناعية،وطوّر القوات المسلحة والخدمات الصحية،وزاد مشاريع البنية التحتية، وعمل على تنمية آليات الاستفادة من "الطاقة الشمسية" بديلًا عن البترول، كما كافح الفقر ورفع مستويات معيشة المواطنين، وكان أول من صنع للكعبة المشرفة بابًا مكوّنًا من الذهب الخالص عام 1397هـ/1977م، إذ صنع الباب الخارجي للكعبة، وباب التوبة داخلها اللذين يُحيطان بها حتى هذا العصر، واستمرّ حكمه لمدة سبعة أعوام، إلى أن توفي في مدينة الطائف في 21 شعبان 1402هـ/13 يونيو 1982م.

الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود
الملك فهد بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (1340هـ - 1426هـ/1921م – 2005م)، هو خامس ملوك المملكة العربية السعودية، وأوّل من لُقّب بخادم الحرمين الشريفين، وأكثر أبناء الملك عبدالعزيز بقاءً في الحكم، ولد بمدينة الرياض وتلقّى تعليمه بمدرسة الأمراء ومعهد الأنجال، ثم انتقل إلى مكة للدراسة في المعهد السعودي، ورافق أخاه الملك فيصل أثناء تأديته لبعض التكاليف والمهام خارج الدولة.
تقلّد الملك فهد عدّة مناصب قبل توليه الحكم، منها: عمله وزيرًا للمعارف (وزارة التعليم حاليًّا) عام 1373هـ/1953م، ووزيرًا للداخلية عام 1382هـ/1962م، ونائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء عام 1387هـ/1967، ثمّ عيّنه الملك خالد بن عبدالعزيز وليًّا للعهد في 13 ربيع الأول 1395هـ/ 25 مارس 1975م، وشملت مسؤولياته آنذاك الرئاسة العليا لعدد من المجالس والهيئات المهمة في المملكة، منها: المجلس الأعلى للبترول والمعادن، والمجلس الأعلى للجامعات، والهيئة الملكية للجبيل وينبع، واللجنة العليا لسياسة التعليم، بالإضافة إلى المجلس الأعلى لرعاية الشباب، اللجنة العليا لشؤون الحج، الهيئة الملكية لتطوير المدينة المنورة، اللجنة العليا للإصلاح الإداري.
وحين توفّي الملك خالد عام 1402هـ/1982م، بويع الملك فهد بن عبدالعزيز ملكًا للمملكة العربية السعودية، وانبثقت في عهده مرحلة جديدة من بنائها، لتزدهر كافّة مجالاتها الإدارية والاقتصادية والعلمية والثقافية والدينية الاجتماعية، إذ عمل على مشاريع البنية التحتيّة التي بدأها في عهد الملك خالد، تمثّلت في خطط تنمويّة شملت عدّة مسارات، منها: تهيئة شبكات الطرق وإنشاء الأنفاق والجسور والاتصالات،وتطوير الموانئ والمطارات، وتنمية الزراعة المحلية، وزيادة محطات تحلية المياه، والتوسّع في إنشاء الجامعات والمدارس، ووضع أُسس جديدة للرواتب للارتقاء بأحوال الموظفين،إلى جانب حرصه على تعدّد مصادر الدخل وتنوّع القاعدة الاقتصادية ليزداد ناتج الدخل المحلي -غير النفطي- إلى خمسة أضعاف، وارتفع معدل النمو السنوي للقيمة المضافة للصناعات التحويلية إلى 8.2% عن نسبتها المعتادة،كما تضاعف الإنتاج الزراعي ليؤكّد التوجه الحكومي نحو تحقيق مستوىً متكامل من الإنتاج المحلي للغذاء، إلى جانب تعزيز دور القطاع الخاص ليرتفع الناتج المحلي الإجمالي من القطاع بمعدل نمو يبلغ نحو 5.7% في المتوسط،كما ارتفع حجم الاستثمار السنوي للقطاع الخاص من 5 مليارات ريال عام 1400هـ/1980م، إلى 64.2 مليار ريال في 1420هـ/1999م.
لتُحقّق الدولة في عهده تحسّنًا ملحوظًا في مستوى المعيشة وحجمه، إذ مُنحت الأراضي للعائلات والجامعيين، واتّسع العمران والبنيان لما قدّمته الدولة للمواطنين من تسهيلات في القروض والمساعدات، كما بلغ حرص الملك فهد على خدمة الحرمين الشريفين أعلى مراتبه حتّى لُقّب بـ "خادم الحرمين الشريفين"، وبات لقبًا يُطلق من بعده على حُكّام المملكة العربية السعودية،واستمّر الملك في حكمه لقرابة ربع قرن منتهيًا بوفاته في يوم الاثنين 27 جمادى الآخرة 1426هـ/الأول من أغسطس 2005م.

الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود
عبدالله بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود (1343هـ-1436هـ/ 1924م-2015م)، هو سادس ملوك المملكة العربية السعودية، ولد في مدينة الرياض وعاش مع والده الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، واكتسب منه خبرة اجتماعية أفادته في مجالات الحكم والسياسة والإدارة والقيادة، واهتمّ بمجالسة العلماء والمفكرين في الداخل والخارج، ممّا أدّى لمواكبته للأحداث التاريخية، والصراعات الفكرية، والتطورات السياسية في المنطقة العربيّة والعالم خلال مرحلة ما بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتقلّد مناصب عدة قبل توليه الحكم، منها توليه رئاسة الحرس الوطني عام 1382هـ/1963، ثمّ عُين وليًّا للعهد عام 1402هـ/1982م،إلى أن بويع بعد وفاة أخيه الملك فهد بن عبدالعزيز، وتولّى الحكم في 27 جمادى الآخرة 1426هـ/1 أغسطس 2005م واستمر فيه نحو 10 سنوات.
انعكس اهتمامه بالعلم والثقافة في تأسيسه مكتبة الملك عبدالعزيز العامة في الرياض، وتأسيس مكتبة أخرى في الدار البيضاء بالمملكة المغربية، وافتتح المهرجان الوطني للتراث والثقافة "الجنادرية" عام 1405هـ/1984م، وركّز على إنشاء مشاريع البنية التحتية، والجامعات المتخصصة، والمدن الاقتصادية والطبية، والهيئات الوطنية العامة مثل هيئة الإسكان، والهيئة العامة، ونظام هيئة البيعة، وكان القوة الرئيسة وراء قصر الفتوى على هيئة كبار العلماء، كما أصدر قرارًا بتوسعة الساحات الشمالية للمسجد الحرام، وأمر بإنشاء مشروع الملك عبدالله لسقيا زمزم، ومنشأة الجمرات بطاقة استيعابية تصل إلى 300 ألف حاج في الساعة، وأنشأ وأطلق في عهده أولى رحلات قطار المشاعر بموسم حج 1431هـ/2010م المخصّص لخدمة الحجاج،إلى جانب عمله على تكريس الحريات والحقوق بإنشاء هيئة حقوق الإنسان، ومّكن النساء في التعليم والعمل، واستحدث محاكم مخصصة لقضايا العنف الأسري، وفرض بعض الإصلاحات لإدخال المرأة مجلس الشورى عام 1432هـ/2011م.
كما أنشأ مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، لنشر ثقافة الحوار في المجتمع، وأطلق مبادرة لنقل العلوم والخبرات إلى اللغة العربية باعتماد جائزة عالمية للترجمة، إضافة إلى جائزته العالمية للحوار الحضاري، كما مكّن الطلاب السعوديين بالمنح الدراسيّة والسفر إلى أهم جامعات العالم من خلال برنامج الابتعاث، ورفع عدد الجامعات السعودية من 8 جامعات إلى 28 جامعة حكومية وأهلية تضم 440 كلية، ودعم أبحاث التقنيات متناهية الصغر (النانو)، وأطلق مبادرة لبرنامج يختص بتمويل البحوث العلمية المتصلة بالطاقة والبيئة والتغير المناخي.
كما شارك الملك عبدالله في عدد من المؤتمرات على الساحة الدولية دفاعًا عن مبادئ الأمن والسلام والعدل وصيانة حقوق الإنسان ونبذ العنف والتمييز العنصري، ووجه بعد حرب لبنان 2006م بدفع 500 مليون دولار لإعمارها، ومليار دولار وديعةً، و250 مليون دولار للفلسطينيين، وارتبط باسمه عدد من المشاريع المحلية المهمة، منها: جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية في رابغ، ومركز الملك عبدالله المالي بمدينة الرياض، ومدينة الملك عبدالله الرياضية بجدة، واستمر حاكمًا للبلد إلى أن توفي يوم الجمعة 3 ربيع الآخر 1436هـ/23 يناير 2015م.

خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود
سلمان بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، خادم الحرمين الشريفين ملك المملكة العربية السعودية (وُلد 5 شوال 1354هـ/ 31 ديسمبر 1935م)،هو سابع ملوك المملكة العربية السعودية، والحاكم السادس من أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، وُلد في مدينة الرياض بعد ثلاثة أعوام من توحيد المملكة، ونشأ في كنف والده الملك المؤسس ووالدته الأميرة حصة بنت أحمد السديري.
شغل الملك سلمان مناصب عدة قبل توليه الحكم، وناب أعوامًا عديدة في إمارة الرياض، إلى أن صدر أمر ملكي بتعيينه أميرًا على منطقة الرياض بمرتبة وزير في 25 شعبان 1374هـ/18 أبريل 1955م، وقاد الملك سلمان مسيرة التنمية والتطوير في العاصمة الرياض، بدءًا بالبنية التحتية عبر تحديث وتهيئة المرافق والخدمات لسكانها، معتمدًا على الأساليب العصرية في إدارتها، وما هي إلا فترة بسيطة حتى تصاعد العمران الحضاري في الرياض وأثمرت خطط التطوير نموًا واتساعًا لتشمل جميع المجالات إلى أن صارت إحدى أكثر عواصم العالم تطورًا وازدهارًا.
تغلّب الملك سلمان على تحديات مسيرة التنمية، ونجح في تحويل الرياض من بلدة بسيطة إلى واحدة من أسرع العواصم نموًا على مستوى العالم العربي لتصبح واحدة من أكبر المدن العالمية وأبرز المراكز الإقليمية في مجالات التجارة والسفر (حين كان أميرًا عليها)، لتُنشأ الهيئة العليا لتطوير الرياض (الهيئة الملكية لمدينة الرياض حاليا) بفكرة منه، وترأس اجتماعاتها وأشرف على إنجازاتها التطويرية طيلة مدة إمارته على الرياض، كما وضع برنامجًا لتطوير منطقة قصر الحكم، وأنشأ الحي الدبلوماسي "حي السفارات"، ونُقلت إليه وزارة الخارجية والبعثات الدبلوماسية من مدينة جدة إلى الرياض بوصفها عاصمة للدولة، ودشّن مركز الملك عبدالعزيز التاريخي الذي يُعدّ من أهم المعالم الثقافية في الرياض، وحرِص في خطة البناء والتطوير للمشاريع العمرانية على حضور الجذور الثقافية والرموز الوطنية التي تشكلت منها الهوية العمرانية على الوجه الحضاري لمدينة الرياض، والتي وُضعت لاحقًا في إطار علمي منهجي بمسمى "ميثاق الملك سلمان العمراني" عام 1443هـ/2021م، ولم تقتصر خطة التطوير على مدينة الرياض فحسب، بل شملت المدن الأخرى والمحافظات والمراكز في المنطقة، وأنشئت لها الطرق، والمنشآت العلمية والثقافية والحضارية والترفيهية والطبية.
وفي 9 ذي الحجة 1432هـ/5 نوفمبر 2011م، عُيّن الملك سلمان وزيرًا للدفاع بأمر ملكي، وتمكّن خلال فترة وجيزة من وضع وزارة الدفاع في حالة تأهب قوية واستعداد متكامل واحترافي بخططٍ متقدمة، ومن ثمّ أسند له الملك عبدالله بن عبدالعزيز ولاية العهد في 28 رجب 1433هـ/ 18 يونيو 2012م، مع بقائه في منصبه وزيرًا للدفاع، وعمل معه على تدبير أمور الدولة الداخلية والخارجية، وناب عنه في رئاسة مجلس الوزراء وافتتاح المؤتمرات المحلية والدولية، ومقابلة الوفود والبعثات الدبلوماسية والزيارات الدوليّة، إلى أن تسلّم كافّة أعباء الدولة خلال السنتين الأخيرتين نيابة عن الملك عبدالله حتى توفّي.
بُويع الملك سلمان في 3 ربيع الآخر 1436هـ/ 23 يناير 2015م ملكًا للمملكة العربية السعودية، وفقًا لنظام الحكم الأساسي، خلفًا لأخيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وخطب بشعبه موضحًا نهجه في الحكم ورؤيته، واصفًا تولي حكم البلاد بالأمانة العظمى، وأكّد تمسكه بالنهج الذي سارت عليه الدولة السعودية منذ تأسيسها على يد والده الملك المؤسس وأبنائه من بعده، ودعا لمبايعة الأمير مقرن بن عبدالعزيز وليًّا للعهد في أول يوم من إعلانه ملكًا على البلاد، وباشر الملك سلمان مهامه حاكمًا للبلاد من مكتبه في مقر الحكم السعودي الأول "قصر الحكم" والذي اتخذه سابقًا مكتبًا لإدارة منطقة الرياض على مدى 50 عامًا، وفي ذات المكتب بويع ملكًا،ثمّ أصدر أمرًا ملكيًّّا بتعيين الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وليًّا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء، وذلك في 26 رمضان 1438هـ/21 يونيو 2017م، وفي 1 ربيع الأول 1444هـ/27 سبتمبر 2022م، صدر أمر ملكي بتعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز رئيسًا لمجلس الوزراء.
المصادر
وكالة الأنباء السعودية.
الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود؛ الأسس التاريخية والفكرية للدولة السعودية، 1432هـ/ 2011م؛ دارة الملك عبدالعزيز.
منير العجلاني؛ تاريخ البلاد العربية السعودية الجزء الأول الدولة اللسعودية الأولى؛ 1413هـ/1993م؛ دار الشبل للنشر والتوزيع والطباعة.
عثمان بن بشر؛ عنوان المجد في تاريخ نجد؛ 1402هـ/1982م؛ دارة الملك عبد العزيز.
أمين سعيد؛ تاريخ الدولة السعودية من محمد بن سعود إلى عبدالرحمن الفيصل 1158هـ-1307هـ؛ تاريخ النشر 1384هـ/1964م؛ دار الكتاب العربي.
عبدالله الصالح العثيمين؛ الدرعية نشأةً وتطوراً في عهد الدولة السعودية الأولى؛ 1434هـ/2013م؛ دارة الملك عبدالعزيز؛ الكتاب (22).
عبدالله الصالح العثيمين؛ تاريخ المملكة العربية السعودية؛ 1426هـ/2005م، مكتبة العبيكان؛ الجزء 1.
الرواد - الملك عبدالعزيز ورجاله الأوفياء الذين دخلوا الرياض في 5 شوال 1319هـ؛ 1418هـ/1997م؛ دارة الملك عبد العزيز.
فيصل بن مشعل بن سعود بن عبدالعزيز؛ موجز تاريخ الدولة السعودية للفترة من 1157-1438هـ/1744-2017م؛ 1439هـ/2018م؛ جامعة المجمعة.
الأطلس التاريخي للمملكة العربية السعودية؛ 1421هـ/2000م؛ دارة الملك عبد العزيز؛ مركز نظم المعلومات الجغرافية.
علي بن عثمان الزندي؛ سيرة الملك سعود بن عبدالعزيز آل سعود؛ 1431هـ/2010م؛ النادي الأدبي بمنطقة الباحة.
نوال الخياط؛ الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود دراسة تاريخية وحضارية؛ 1424هـ/2003م؛ رسالة جامعية - جامعة أم القرى - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية.
معهد الإدارة العامة.
وزارة الخارجية.
الاختبارات ذات الصلة